أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - توفيق عبدالاله الفكيكي - هل اتاكم حديث الرافعة















المزيد.....

هل اتاكم حديث الرافعة


توفيق عبدالاله الفكيكي

الحوار المتمدن-العدد: 4949 - 2015 / 10 / 8 - 08:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل اتاكم حديث الرافعة


بداية الحكمة وجدت في الشك ؛ عن طريق الشك نأتي إلى السؤال ، من خلال البحث نأتي إلى اليقين. قول رائع ل . بيير أبيلارد,
من الضرورة للوصول الى المعرفة الحقة ان يعترف الانسان بان لديه حدوده العقلية و المعرفية و لا بد ان يكون في بحث دائم عن المعرفة و البحث عن اجابات على التساؤلات التي ليست لها نهاية في حياتنا , و الذي يدعي انه عارف بكل شيء هو المثل الحي للجهل المطبق.
هذه الحقيقة تنطبق على ابسط الاشياء كما تنطبق على اعقدها, فكيف حين يكون الموضوع هو قضاء الله و قدره , احدى اكثر القضايا الشائكة في الموروث الديني بلا شك , كما انها احدى اكثر الالغاز في حياة البشر و التي يذهب الناس فيها مذاهب شتى لكن الغريب و المحزن في ان واحد ان الكثير منهم يذهب بهم الغرور الى التحدث باسم الله و معرفة ما يريد و يقصد من حوادث تصيبهم او تصيب غيرهم
و لا اعلم هل هو حالة من حالات جنون العظمة ام عارض من عوارض الهلوسة الايمانية تلك التي تجعل الناس تتحدث بطلاقة و ثقة عما تعنيه حادثة ما و كيف ان الله كان يريد ان يوصل لنا الرسالة الفلانية و القصد العلاني , غير ان هذه المشكلة ليست فردية, هي مشكلة جمعية , مشكلة مجتمع بما يحمل من ثقافة و بما تراكم لديه من موروث اجتماعي و ديني لازال فاعلا وحاضرا كما كان قبل الفين سنة.
ان حادثة الرافعة التي سقطت في الحرم المكي و ما سبقها من احوال جوية تقرب الى مستوى الكوارث الطبيعية و ما تلاها من حوادث راح ضحيتها المئات من الحجاج هي من الحوادث الجسام , قد لايمر في حياة كل انسان منا سوى حادثة واحدة او ربما اثنتان كهذه الحوادث التي تستحق التوقف و التامل و ان يراجع المرء ما تعلمه او توارثه مما يسمى ثوابت و حقائق
فقد دأب المسلمون كبيرهم و صغيرهم , إمامهم و تابعهم على ترجمة افعال الله كما يحلو لهم , و يشتهي خيالهم , و هم كلهم ثقة ان ذلك فعلا ما يريده الله.
و لكل من يقرأ هذه السطور ان يراجع نفسه كم مرة علل امورا و ترجم حوادث حصلت له شخصيا او كانت على مستوى وطني او عالمي و اوجد لها تفسيرا الزم الله به و اعتبره حقيقة دون ادنى تردد؟!
او كم مرة سمعت فيها خطيب الجمعة او شيخ دين في برنامج و هو يصرح عن الله و يضع نفسه المتحث الرسمي ليبين للرعية ما الذي قصده الله من زلزال في النيبال او من فيضان اصاب الهند او اعصار ضرب امريكا؟!
و المصيبة لا تتوقف فقط عند تلك القدرة على التحدث باسم الله دون تردد, و انما تتعداها حينما يعطل الناس العقل و العلم و الاسباب و المسببات, و يصبح التسونامي ليس ظاهرة طبيعية ممكن ان تصيب المسيئ و الصالح , وانما هو قرار من الله ليعاقب بضع مئات او الاف مما نسميهم فاسدين او من المغضوب عليهم.
و لا اعلم كيف يستيسغ هؤلاء الاساءة الى الله بتلك الدرجة من خلال سلبه كل ما له من حكمة مطلقة و قدرة مطلقة , ليتحول الى قاضي يصدر امرا يصيب مئات الالاف من البشر بينما مقصده بضع مئات , و يفقد القدرة على تحديد عقابه بمن يستحق؟!
فكم سمعنا حين حصل التسونامي كيف انه عقابا من الله بحق بعض الدول التي لديها منتجعات سياحية باعتبارها اماكن دعارة و مجون؟, و تناسى اصحاب هذا الادعاء ان من قضى نحبه في ذلك الحدث الجلل كان مئات الالوف و شمل دولا عدة و مناطق كثيرة لا علاقة لها بالمجون و الدعارة و انما مناطق فقيرة و معدمة و الاف ممن ماتو كانو مسلمين مؤمنين و الغالب الاعم منهم كان فقيرا و بسيط الحال!
و حين تتعرض امريكا الى موجة الاعاصير (التي تكاد تكن حدثا سنويا و ليس حالة استثنائية) , سرعان ما نسمع بان ذلك عقوبة لهم بسبب سياسات امريكا الخارجية و تاييدها لاسرائيل , و فات هؤلاء ان غالبية هذه الاعاصير تضرب دولا و مناطق اخرى لاعلاقة لها بامريكا قبل ان تصل الى الولايات المتحدة! فما ذنب هؤلاء ان يتعرضوا الى اعصار كان المقصود به معاقبة امريكا؟
هل فعلا الله عاجز عن يعاقب المسيئ الا بان يؤذي معه الاف مؤلفة لا ناقة لهم في الموضوع و لا جمل؟!!
حين حصلت حادثة الرافعة ظللت انتظر و اراقب ردات فعل الناس من العامة و كذلك ردات فعل المؤسسات الدينية الرسيمة و المشايخ في الجوامع و الفضائيات و الانترنت. و كنت اتمنى فعلا ان يكون هكذا حادث محفر لنقاش بناء و جاد حول ما اشرت اليه من التحدث باسم الله كذبا و تفسير الامور كما يشتهي البشر لا كما هو واقع الامر و حقيقته.
و كما هو القول الشهير( من راقب الناس مات هما ), فقد اصابتني تلك المحاولة بالهم و فقدان الامل بتغيير حقيقي و مراجعة ذاتية مطلوبة و ضرورية
فلم تخرج ردات الفعل عما الفناه و عهدناه من تفسيرات و ترجمات لافعال الله لايمكن ان يقبلها عقل واعي. ناهيك عن اعطاء دوافع الانتقام و العقاب كما اشرنا من قبل.
فالدعاة تسارعو في محاولة لايجاد تفاسير و سيناروهات لا تخطر الا في عقل ملئ هلوسة و ادمن الاوهام. فمن صورة لمسكين قضى نحبه تحت انقاض الحرم و هو ساجد, نجد احد الدعاة يكتب و يتغنى بهذ الميتة , معتبرا ان ذلك كان تكريما ما بعده تكريم لهذا المؤمن المتعبد؟!
او بالشعارات التي تتحدث عن روعة الموت في هذا المكان و الزمان !
هل هذا معقول؟!, نعم ان يموت الانسان و هو ساجد هي مكرمة بدلالة الزمن و قدسية الفعل, لكن هل من المعقول ان الله يعجز عن ذلك الا من خلال اسقاط سقف مبنى على راس المؤمن الورع المسكين؟!!
و نعم قدسية الزمان و المكان ستجعل الموت له طعم مختلف و لنا ان ندعي ان الله يحب من اصطفاهم بهكذا ميتة, لكن كيف يكون ذلك حبا و تكريما من خلال تمزيقهم اربا و نشر اشلائهم على ارضية اقدس مكان على الارض؟!!!
ان هكذا ادعاءات اهانة لعقل الانسان و الغرض منها هو ابقاء الناس في نفس الدائرة المغلقة و غلق الباب امام التساؤل المشروع و البحث عن اجابات خارج ما الفناه و ورثناه.
و من جانب أخر ضمن نفس الدائرة المغلقة مال الكارهين لال سعود و سياساتهم (شيعة اليمن و العراق مثالا) الى اعتبار ما حدث عقابا من الله لهم و محاولة لايذائهم من خلال هدم الحرم الملكي و اسقاط الرافعة و اسقاط هذا العدد المهول من الضحايا!!!
و كما ذكرنا سابقا , فهكذا تفسير لا يقبله عقل, بل هو ببساطة كفر بالله و قدرته
فكيف الحال و الضحايا هنا هم حجاج بيت الله , و ما تهدم هو اقدس مكان على الارض و بيت الله الحرام ؟!!!
لو كان الله يريد معاقبة ال سعود, لماذا لم يبعث عاصفة تؤذي امرائهم و كبارهم, او يسقط رافعة على قصورهم مثلا؟!
و قد تنبه الكثير من عقلاء المسلمين الى تلك المغالطة, و سارعو الى التنبيه لها و حث الناس على التوقف عن ذلك الادعاء, و هم محقين في ذلك
الا ان الغاية لرفض هذا التفسير جاءت بسبب المكان و قدسيته و بسبب دين الضحايا.لكن ماذا لو حدث نفس الحدث للبوذيين في بورما ؟ او المسيحيين في بعض دول افريقيا ممن لهم عداء مع المسلمين ؟
هل كنا سنسمع منهم رفضا لاعتبار تلك الحوادث عقابا من الله ؟
للاسف لا . فكما ذكرنا عن التسونامي و اعاصير امريكا, فالمسلمون يقسمون الاحداث حسب هوية الضحايا الدينية و ما يرمز له المكان .
فعاصفة هدامة جعلت الحجاج في مكة يتطايرون من شدة الرياح و اسقطت رافعة عملاقة مزقت الحجاج اربا , لايمكن ان تكون عقابا و انتقاما من الله , لكن فيضانا في بورما قتل عددا من البوذيين هو بكل تاكيد انتقاما من الله لما فعلوه بالمسلمين هناك!!
و سقوط رافعة على بيت الله في مكة لا يمكن اعتباره اشارة الى غضب من الله , لكن زلزالا يهدم معبد هندوسي هو بكل تاكيد دليل على ان الله يريد هدم معابد الشرك !!
احداث تتشابه , و ظواهر طبيعية تكرر هنا و هناك , لكن المسلمين يقسموها كيفما يحلو لهم, هذه عقوبة وانتقام من الله المنتقم ذو الجبروت , بينما الاخرى فيها حكمة لا يعلمها الا الله العليم الحكيم !!
و تخيل معي عزيزي القارئ لو اننا استخدمنا ذات المنطق و الموروث الديني لتفسير حادثة الرافعة و ما رافقها , سنصل الى نتائج مخيفة.
فاذا كانت الكوارث الطبيعية انتقاما , فهذا يعني ان الله يريد ان ينتقم من حجاجه!
و اذا كان حادثا كسقوط الرافعة دليل عقاب بحق من غضب عليهم الله , فذلك يعني ان الله لا يحب المؤمنين به و حجاج بيته!!
و اذا تتبعنا سلسلة الافكار هنا ستقودنا بالنهاية الى اعتبار ان مكة و بيت الله هي ليست الرمز الحقيقي لله الحق!
فان يهدم مكان مقدس لعبادة اله معين هو دليل على ان الاله الحقيقي يريد ان يوصل لنا رسالة واضحة عن هويته و ان مكان العبادة هذا لا يمثله بل يمثل الهة كاذبة !!!
نتائج مروعة توصلنا لها هذه الثقافة و ذلك الموروث!
اليس من المؤلم ان نضع العلم و المعرفة جانبا بعد كل ما وصلت له البشرية , لنترك خيالنا يختلق ما شاء من تفسيرات و نضع اهدافا خفية كلما حدث فيضان او هزة ارضية ؟!
اما آن الاوان للمؤمنين ان يكتفوا بايمانهم و عبادتهم بدلا من العمل كناطقين رسميين لله؟
الم يحن الوقت ان يتركوا الغرور و الاعتراف بان الله اكبر من تفاسيرنا و اوهامنا ؟

توفيق عبدالاله الفكيكي
2015-10-08







#توفيق_عبدالاله_الفكيكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أن تكون داعشيا أو لا تكون, هذا هو السؤال
- يا يونس
- القانون الجعفري و أزمة المسلم المتحضر
- الدين,الاخلاق والمجتمع المدني


المزيد.....




- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - توفيق عبدالاله الفكيكي - هل اتاكم حديث الرافعة