عبدالكريم العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4933 - 2015 / 9 / 22 - 17:06
المحور:
الادب والفن
المزالق التي تهرّبنا الآن بعيداً عن مرآة "الكوليرا" كثيرة، هروب لا يقل بؤسا عن محنة الكوليرا، نتحسس انخراماً من نحو ألف سطر في فصول هذه الهروبات ومزالقها، وهو نقص مهين لا يمكن اكماله أو تخيّله مهما قامت أطوار الاستضاءة من الخارج بمحاولة القضاء عليه، وحرفه عن مواصلة السير باتجاه المزالق، أو الأجواء الخانقة داخل محنة الكوليرا.
أخبار كوليرا 2015 تحيلنا بيسر الى حكايات الجدات في أعوام طفولتنا، المشهد ذات المشهد.. سنة أم "زوعه"، أو سنة أم مصران، أو السماء تمطر "عگروك"، أو الطنطل وخضرة أم الليف وشگاك البطون والسعلوة والآفة والعربيد.
تضع جدتي فص "سويكه" جديد بين اللثة وبطانة الشفة السفلى، ينتابها خدر لذيذ، فتهرب بخيالي، ومع ذلك الهروب، تهرب كل التجاعيد من وجهها، ثم تنغمر في سرد أساطيرها عن الطاعون القديم
المذيعة "الفضاية" اليوم، تضع الكثير من المساحيق وتقرأ أخبار الكوليرا الجديدة. جدتي ترتدي الفوطة السوداء والثوب الأسود، هي حزينة متوجمة دائما، قبل وأثناء سرد أخبار الكوليرا القديمة.. المذيعة ترتدي أجمل فساتينها، تبدو فرحة غير مبالية، تبتسم دائما!
ستبقى مشاعري هذه خفية وعصية على الفاسدين، لأنهم، من خارج هذه المزالق لا يحتملون النظر إلى موجة وفيات الكوليرا من خلال "سويكة جدتي"، مثلما لا يأبون بمحنتي الآخذة في الاتساع مع اطلالتها وأساطيرها من خلال وجه المذيعة المكتظ بالمساحيق وعمليات النفخ والتجميل!
لكن الخشية ذات الخشية، ثمة شبح قادم، ربما يرى الفاسدون فيه هدنة طارئة، سينشغل الشارع بالكوليرا، هكذا يوهمون أنفسهم، وسيغدو الوهم حقيقة بنظرهم حين يزيدهم "الحبربشيه من الكوليرا بيت"، وستنشغل العائلات بمسرة العيد وعودة الحجيج"!
لكن الكوليرا صفحة فاسدة مثلهم تماما، نتاج عبثهم ووقاحتهم. بغداد 2015 تداهمها الاصابات البدائية بمرض قديم، كوليرا حكايات جدتي، أحياها فسادهم، واستهتارهم، واستئثارهم بأموال الشعب والمشاريع الوهمية، والتعينات الفضائية، وسوء الخدمات، ونقص مياه الشرب، وانتشار طفح المجاري والنفايات، ورداءة الخدمات الصحية. لكنهم في منأى عن كل ذلك. عائلاتهم في خضراء المدن الأوربية، وهم في المنطقة الخضراء، ونحن في مطحنة الكوليرا!
عيد سيبقى سعيد لهم وحدهم، وعيد كوليري باذخ للعراقيين المبتلين بهم!
#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟