السكن الصفيحي بالدار البيضاء(المغرب):من تعدد المفاهيم الى الارتباط بفترة الاستعمار الفرنسي

صديق عبد الوهاب

الحوار المتمدن-العدد: 4932 - 2015 / 9 / 21 - 20:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يشكل النسيج الحضري بالمغرب مظهرا مورفولوجيا معقدا، اذ تتخلله احزمة الفقر، و الاقصاء و أزمة السكن، بالمدن الكبرى وهوامشها. لاسيما و ان الأحياء غير القانونية تتطور، خاصة على هوامش المدن، مسببة بذلك ازدحاما لأحياء المركز، لذلك فان التعمير غير القانوني بالمغرب يضم اشكالا جد مختلفة . فرغم تباين معايير تعريف السكن غير اللائق، فان قاسمها المشترك يكمن في النقص الكبير في التجهيزات الضرورية، و في حالة الاكتظاظ التي تعاني منها الاسر داخل المسكن، و الظروف السوسيواقتصادية و الديمغرافية للسكان. لم يعد يخفى اذا على الباحثين والمهتمين بالشأن الحضري مدى عمق هذه الأزمة، التي تتخبط فيها عدة مدن مغربية في مقدمتها مدينة الدار البيضاء، جراء تداخل العديد من العوامل المساهمة في استفحال هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل عائقا أساسيا لكل المشاريع و المخططات التنموية. و يشمل هذا النوع من السكن بالدار البيضاء السكن المتقادم ،و السكن الصفيحي المنتشر عبر المجال الحضري و اطراف المدينة، و السكن غير القانوني"السري". ترمي هذه المداخلة الى محاولة مقاربة احد انواع السكن غير اللائق "السكن الصفيحي" من حيث التعريف و النشأة والتطور.
لقد استعملت عدة مفاهيم و مصطلحات للدلالة على أحياء الصفيح، ففي اللغة الفرنسية أطلقت كلمة " Bidonville"على "البيوت المؤقتة" التي تم بناؤها من طرف المهاجرين القرويين خلال عهد الحماية بالدار البيضاء، التي تستقطب اليد العاملة، وفي المغرب سميت ب"الكاريان" او "الدوار". وهناك من يسميها "السكن الهش " d’habitat précaire"أو السكن الوخيم ...الخ.
و السكن الصفيحي بالمغرب يتوطن على ارض "المخزن" او الاراضي الجماعية، و يتواجد بداخل المدار الحضري وعلى الهوامش كذلك.رغم تعدد و اختلاف التعاريف لهذا النوع من السكن غير اللائق، فانه يعد النوع الاكثر تدهورا من بين مجموع انواع السكن غير اللائق، نظرا لهشاشة مواد البناء المستعملة فيه، و لضعف استجابته للحاجيات الدنيا في ميدان السكنى. و تعتبر الدار البيضاء موطن نشأته بالمغرب على الإطلاق، و قد ارتبط انتشار هذا النوع من السكن بموازاة مع التطور الصناعي الذي تعرفه المدينة و ضواحيها الحيوية. كما انها تعرف تباينات حسب موقعها الجغرافي، القرب او البعد من مركز المدينة، او من الاحياء الغنية،. يرجع ظهورأحياء الصفيح بالمغرب، الى بداية القرن20 وتحديدا خلال فترة الحماية الفرنسية ، حيث أدت السياسات الاستعمارية في المجال الحضري التي ارتكزت على التمييز بين "مدينة الاهالي،والمدينة الاوربية"، الى تدهور المجال المخصص للسكان المغاربة .لذا يلاحظ ان المدينة الأوربية تم تشيدها وفق معايير عصرية، بينما ساهم ارتفاع الكثافة السكانية بالمدن العتيقة، وظهور مدن الصفيح بأعداد كبيرة، الى صعوبة او استحالة الحصول على الخدمات الاساسية بها.وتجدر الاشارة الى ان هذه الفترة تميزت بالاستغلال الاستعماري، و نهب خيرات البلاد ،لذلك فإن الفلاح المغربي يظل ضحية تخلف بنيات المنظومة الزراعية في شموليتها و الشوائب التي تعتري عمليات تسويق المنتوج الفلاحي. لقد بسط الرأسمال سيطرته و نفوذه بداء من بناء الميناء "البوابة"، التي يتم عبرها تصدير المواد الاولية الفلاحية و المعدنية و اغراق السوق المغربية بالمواد المصنعة الفرنسية.
و من ناحية اخرى تعرضت الارياف المغربية لعملية استحواذ المعمر على اجود الأراضي، اذ يضاف الى الظروف الطبيعية الصعبة، استغلال التجار و كبار الوظفين (..)الذين تمكنوا بمباركة المخزن، او بهبة منه من السطو على ضيعات واسعة و الاستحواذ على الاراضي الشاسعة المسترجعة من طرف الدولة بعد الاستقلال، و بالتالي تحولت ساكنة الارياف اما الى شبه بروليتاريا فلاحية او الدفع بهم الى الهجرة و الرمي بهم الى الاقتصاد الهامشي بالمدن، وفي ظل غياب او انعدام الكفاءة و التجربة المهنية لدى هؤلاء، و بالنظر الى مشاريع المعمر الاستثمارية بالمدينة، دفع هذا الاخير الى البحث عن يد عاملة بأجور بخسة، الشيء الذي لا يسمح طبعا لهؤلاء العمال باستئجار الشقق السكنية في الاحياء الحضرية المجهزة بالمرافق الضرورية . لذا تم اللجوء الى احتلال ملك الغير لإقامة احياء الصفيح الهشة و المتدهورة، نظرا لرغبة هؤلاء الاستقرار بالقرب من مقر العمل . ففي احسن الظروف تضطر الاسر الكادحة الى التكدس داخل بيوت متقادمة و اكواخ، لا توفر الحد الادنى للاحتياجات بحيث ان حوالي 5,5 مليون نسمة لازالت تعاني من الافتقار الى المأوى و الخدمات السكنية اللائقة . الشيء الذي جعل اغلب المدن المغربية محاطة بتلك "المستقطنات" او الوحدات السكنية " السرطانية المعروفة بأحزمة الفقر لدرجة صار معها مشكل توفير السكن للأعداد المتزايدة من المهاجرين الفقراء، يشكل تحديا خطيرا بالنسبة الى استقرار البلاد الاجتماعي و السياسي.
و في سياق التطورات الحاصلة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، و خاصة ما يتعلق ب " تهافت المهاجرين الاوربيين و الاهالي و رؤوس الاموال على الدار البيضاء، تم تعيين المهندس المعماري ايكوشار، سنة 1946 ،على ادارة مصلحة التعمير، ليعيد النظر في المشاكل التي تراكمت على المغرب في مجال التعمير، اذ أن سيل عارم من النازحين الفقراء جعل العالم القروي و كأنه يزحف بقوة على المدن، ليضفي على نسيجها الحضري العديد من مظاهر الترييف و بدونة الحياة المدينية، لذلك و بهدف كبح الهجرة القروية و خلق التوازن في توزيع السكان،قام بأبحاث على كل التراب المغربي لوضع برنامج اعادة تنظيم المدن و القرى و الاحياء الصناعية . ، ونبه إلى ضرورة التعجيل بالنظر في ظروف عيش المغاربة الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من سكان المدن، وهو ما يطرح مسألة إنتاج أكبر عدد من المساكن، لذلك استهدف ايكوشار توفير السكن للفئات الاجتماعية ذات الدخل المتواضع من خلال شبكة "8X8" مستندا في ذلك على "ميثاق اثينا" الذي يعتمد على اربع وظائف مشهورة حددها ايكوشارفي: " habiter, travailler, cultiver le corps et l’esprit et circuler" .واليوم ومع ارتفاع وثيرة التمدن التي عرفها المغرب، والتي تعتبر نتيجة حتمية لارتفاع معدل النمو الديمغرافي والهجرة القروية،كان لها أثرا بليغا على وضعية المدن، إذ أبانت هذه الأخيرة عن عدم قدرتها على توفير هياكل استقبال كافية ومناسبة لكل الوافدين عليها، الشيء أدى إلى استفحال احياء الصفيح في العديد المدن المغربية، ورغم ما قامت به الدولة من مجهودات لم تستطع الحد - بشكل فعال- من عدد القاطنين بالأحياء الصفيحية نظرا لتزايدها المستمر، وحاليا وفي اطار برنامج "مدن بدون صفيح" فان العديد من الاحياء الصفيحية "التاريخية" بالدار البيضاء تتعرض للهدم .
المراجع :
- حاكمي رقية، السكن غير اللائق بالدارالبيضاء، مقاربة كمية ،منشورات الاتحاد الجغرافي المغربي، فرع الدارالبيضاء، عين الشق، .2004
- شويكي المصطفى، السكن غير اللائق السكن غير اللائق، المفاهيم و الدلالات ،منشورات الاتحاد الجغرافي المغربي، فرع الدارالبيضاء، عين الشق، .2004
- محمد العودي ، فقراء زمن العولمة ، منشورات دار التوحيدي،.2008
- نجيب تقي، جوانب من ذاكرة كريان سنطرال الحي المحمدي بالدار البيضاء في القرن العشرين ، نشر جمعية الدار البيضاء ذاكرة ،الطبعة الأولى،. 2012
- المغرب الممكن ،اسهام في النقاش العام من اجل طموح مشترك، تقرير الخمسينية ،مطبعة دار النشرالمغربية الدار البيضاء ،المغرب .2006

#صديق_عبد_الوهاب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات