المثقف والسلطة
هشام عمر النور
2015 / 9 / 14 - 21:21
من المهم أن نبدأ محاولتنا في استكشاف العلاقة بين المثقف والسلطة بتعريف المثقف؛ لأن مفهوم "المثقف" ــــــــــــ كما أزعم ـــــــــــــ يلتف بالغموض والالتباس في الثقافة العربية وهو أمر لا أعتقد أنه يمكن نسبته لظروف نشأة المفهوم أو استخدامه كما يحاول البعض إيهامنا إذ أن تمويه المفهوم يساعد ضمن شروط أخرى في استدراج المثقف لعلاقة مع السلطة يناقض فيها دوره الاجتماعي ويتم تجريده فيها من صفة كونه مثقفاً. ومنذ البداية يعفينا الجابري من عناء كثير حين يقرر أن مفهوم "المثقف" لا يرتبط في الثقافة العربية بمرجعية محددة لا من الجهة اللغوية ولا من جهة المعارف العلمية؛ فمن حيث اللفظ فهو لا يعدو أن يكون مجرد صيغة نحوية قياسية: اسم مفعول من فعّل ، ثقّف، ولم ترد هذه الصيغة في النصوص العربية إلاّ نادراً، والنادر لا حكم له، وبالتالي فهو لا يشكل مرجعية، ومن جهة المعارف العلمية فليس هنالك ثمة شئ يمكن الإشارة إليه. وتاريخ استعمال ـــــــــــــ أو على الأقل انتشار ــــــــــــ لفظ "مثقف" في الخطاب العربي قد لا يتجاوز نصف قرن من الزمان؛ وهو لفظ مولد، أي تمت صياغته من لفظ آخر في اللغة العربية ليستجيب للتعبير عن معنى ورد للثقافة العربية من خارجها ويستجيب لحالة ماثلة فيها؛ أحد أسبابها هو المواجهة مع ذلك الخارج نفسه. وبعبارة أخرى إن "المثقف" العربي المعاصر لا يجد نفسه يستند إلى أية مرجعية عندما يكون بصدد التفكير، مثلاً، في قضية من قضايا مجتمعه؛ ولا يجد نفسه مشدوداً إلى أي نموذج حين يفكر في وضعيته ودوره كمثقف.[1]
ووفقاً لذلك يبدو واضحاً أن تحديد مفهوم "المثقف" في الثقافة العربية يتطلب أول ما يتطلب تحديده في الثقافة التي نشأ فيها، ثم النظر في الحاجة التي يلبيها في الثقافة العربية. مفهوم "المثقف" مفهوم حديث نشأ في فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر، أي أن عمره يتجاوز المائة عام بقليل ولذلك فإن التاريخ يمدنا بوقائع دقيقة عن نشأته. ففي سنة 1894 أدين في باريس ضابط فرنسي من أصل يهودي، اسمه ألفريد دريفوس، بتهمة التجسس لصالح ألمانيا. واستطاعت عائلته بعد عامين إثبات زيف الوثائق التي أدانته فاتجهوا إلى الرأي العام الفرنسي واستطاعوا أن يجندوا شخصيات مرموقة من عالم الفكر والأدب كإميل زولا وأناتول فرانس ومرسيل بروست وغيرهم فأصدروا بياناً حمل توقيعاتهم في الصحيفة الفرنسية "الفجر L Aurore" بعنوان "منفستو المثقفين" في 14 يونيو/حزيران 1898 (التاريخ الوارد بكتاب الجابري 14 يناير / الكانون الثاني 1898). وانقسم الرأي العام الفرنسي بصدد هذه القضية إلى معسكرين: "التجمع الجمهوري" ويضم شخصيات اشتراكية ويسارية ويطالب بإعادة المحاكمة، و"الوطنيون" الذين عارضوا إعادة المحاكمة وهددوا بالقيام بانقلاب. وبعد صراع مرير أعيدت المحاكمة وتم تخفيف الحكم أولاً، ولاحقاً حصل الضابط على البراءة. هذه الحادثة بالغة الأثر في الحياة الفكرية والسياسية الفرنسية وتعتبر المرجعية التاريخية، السياسية والفكرية، لمقولة "المثقفين".[2] وهي واقعة كافية بحد ذاتها لاستخلاص وتحديد مفهوم "المثقف" ووظيفته ودوره الاجتماعي.
وبالنظر في هذه الواقعة يمكن تحديد المثقف بأنه من يستخدم معارفه ومهاراته في الكلام والكتابة لشجب الظلم وانتهاكات السلطة، وللكفاح من أجل الحقيقة والعدالة والتقدّم،[3] وهو ما صار تعريفاً كلاسيكياً للمثقف متفقاً عليه. فيحدّد جان بول سارتر دور المثقف ووظيفته بقوله إن من "واجب المثقّف شجب الظلم حيثما يوجد."[4] ويعرّف فوكو المثقف السياسي بأنه الشخص الذي يستخدم معرفته وعلاقته بالحقيقة في النضال السياسي ضد السلطة.[5] إن التعريف الكلاسيكي للمثقف يضع منذ البداية المثقف في مواجهة السلطة؛ ففي مجتمعات إنسانية يسودها الصراع الاجتماعي بمختلف نواحيه وقضاياه، فإن الكفاح ضد الظلم وشجبه أياً كان وحيثما يوجد يعني حرفياً مواجهة السلطة أياً كانت وحيثما توجد. ولكن النظر في الواقعة التي نشأ مفهوم المثقف في سياقها لا يكتفي بالكفاح ضد الظلم كسمة تميز المثقف وتحدده وإنما يحدد هذا الكفاح بأنه كفاح بالمعارف والمهارات في الكلام والكتابة. وهذا يعني أن الحقل الذي يعمل فيه المثقف هو المجال العام للنقاش الديمقراطي والحوار السياسي والكتابة ومناقشات الصحف والمجلات والكتيبات والكتب. وهو ما تؤكده واقعة ظهور "المثقف"؛ فمنفستو المثقفين وقّعه مفكرون وأدباء ونُشروه في صحيفة. مما يقودنا إلى استنتاج هام مفاده أن ظهور "المثقف" يلازم ظهور المجال العام ويرتبط به وأنه لا يمكن أن يوجد مثقفون في غياب المجال العام.
ولقد تجاهل التعريف الكلاسيكي شرط وجود المجال العام كمحدد لوجود المثقف ومن ثم قصر التعريف على مقاومة السلطة بالمعارف والملكات وفي هذه الحالة فإن الكفاح ضد السلطة يبدو وكأنه مجرد إضافة أخلاقية تنبع من الطابع الكلي لمعارف المثقف وتصبح المعرفة هي المحدد الأساسي للمثقف وهي ما اقتصر عليه البعض في تعريفهم للمثقف بحيث يبدو وكأنه شخص يشتغل فقط على الأفكار. وبسبب تجاهل التعريف الكلاسيكي لشرط وجود المجال العام كمحدد للمثقف وقع البعض في أخطاء فادحة تبعهم فيها آخرون. فارتباط ظهور المثقف بظهور المجال العام يعني أننا لا يمكن أن نتحدث عن مثقفين فيما قبل انبثاق المجال العام في القرن التاسع عشر كسياق لظهور هؤلاء المثقفين. وهو ما تجاهله جاك لوكوف في كتابه "المثقفون في العصر الوسيط" الصادر في الخمسينات والذي أصبح أحد الكلاسيكيات؛ وما تجاهله أيضاً آلان دي ليبيرا في كتابه "التفكير في العصر الوسيط" وارتكبا بذلك ـــــــ فيما اعتقد ــــــــ خطأً فادحاً بتطبيقهما لمقولة "المثقفين" على ما لا يمكن أن تنطبق عليه. وتبعهما في ذلك الجابري ليصل إلى استننتاج أن المثقفين الأوروبيين في العصر الوسيط هم من نتاج المثقفين في الحضارة العربية الإسلامية. ومن ثم فإذا كانت ظاهرة المثقفين في الثقافة العربية المعاصرة ترجع إلى الاحتكاك بالثقافة الأوروبية الحديثة فهي بضاعتها وقد ردت إليها لأن المثقفين الأوروبيين ظاهرة نشأت من الاحتكاك بالثقافة العربية الإسلامية. وهذا خطأ فادح لأنه، وببساطة، ليس هنالك مثقفين في العصر الوسيط سواء أكانوا أوروبيين أو في الثقافة العربية الإسلامية. وإذا كان من الممكن أن نجد العذر للوكوف وليبيرا في تجاهل المجال العام وبالتالي الوقوع في خطأ تطبيق المفهوم تطبيقاً ارتدادياً على العصر الوسيط نسبةً لغياب البحث والكتابة عن المجال العام وقت كتابتهما لبحثيهما فإننا لا نجد العذر للجابري في ارتكاب ذلك الخطأ الفادح والإصرار على تطبيق مفهوم المثقف ارتدادياً على تاريخ الحضارة العربية الإسلامية ـــــــــ رغم توافر الدراسات والكتابات حول المجال العام وصلته بالمثقفين ــــــــــ بحجة أن أهل المصطلح نفسه قد طبقوه ارتدادياً.
منطق البحث عند الجابري يخلع المثقفين من مجالهم العام لنجدهم مستقرين في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية ولكن هذا المنطق يحجب منطقاً آخر؛ هو منطق السلطة. ومع منطق السلطة يصبح خطأ منطق بحث الجابري ليس مجرد خطأ عرضي لا ضرورة له تطلبه منطق البحث نفسه وإنما خطأ له ضرورة تبين في أهمية تمويه المفهوم وتلبيسه بالغموض لكي يتسنى عزله عن مجال ظهوره، أي المجال العام، ومن ثم تتوارى المواجهة بين المثقف والسلطة إذ يصبح المثقف مجرد مشتغل على الأفكار يمكن أن يكون إلى جانب السلطة أو في مواجهتها. إن منطق السلطة وحده هو الذي جعل الجابري يبدأ بتعريف المثقف على أنه الشخص الذي يفكر داخل مرجعية إما ثقافية، إذا كان موضوع تفكيره الأفكار والآراء والنظريات التي قال بها مثقفون، أو معرفية معينة، إذا كان موضوع تفكيره من معطيات الواقع وفي هذه الحالة يتم التفكير بتوسط مفاهيم ونظريات وآليات.[6] ومن ثم ينتهي في خصوص هذا التعريف إلى أن مهنة "المثقف" التفكير في الأفكار.[7] وهذا تعريف ــــــــــــ كما هو واضح ــــــــــــ يقصر المثقف على التفكير دون أن يربطه بالكفاح ضد السلطة، إذ أن الكفاح بالفكر ضد السلطة يستدعي وجود مجال عام يمارس فيه المثقف هذا الدور، ومن ثم أمكن للجابري استخدام المفهوم وتطبيقه على تاريخ الحضارة العربية الإسلامية (على ابن رشد وابن حنبل). ولا يربط الجابري في هذا التعريف المثقف حتى بمجرد حرية التفكير، إنه من يفكر فقط، وبالتالي فإن المثقف عند الجابري لا يرتبط حتى بالتنوير؛ إذ لو كانت حرية التفكير جزءاً من تعريف المثقف عند الجابري لصار هو من يفكر بحرية ويتخذ قراراته في ضوء عقله ومعارفه وأخلاقه ولكان يتفق بذلك مع تعريف كانط للتنوير بأنه "جرأتك في استخدام عقلك"، ولتوفرت العلاقة المباشرة ـــــــــــ تلك التي نفترضها دائماً ـــــــــــ بين المثقف والتنوير.[8] ولكن منطق السلطة المحتجب في منطق البحث في المثقف عند الجابري لم يوفر له حتى ذلك الإمكان.
إلاّ أن الجابري، ولأنه يدرك ــــــــــــ كما رأينا من قبل ــــــــــــ أن لفظ "المثقف" لفظ موّلد في اللغة العربية ولا مرجعية له فيها، وبالتالي فهو استجابة لمفهوم طارئ على هذه اللغة تستمده من خارجها؛ وإن كان ـــــــــــ بالضرورة ـــــــــــ يلبي حاجةً ملحة فيها، كان لابد ـــــــــــــ وبسبب منطق السلطة المحتجب في منطق بحثه عن المثقف ــــــــــــــ أن يعالج تلك الجوانب المناهضة للسلطة في تعريف المثقف في منشأه؛ خاصةً وأنه يدرك أن لتبيئة مفهوم ما من المفاهيم في حقل معرفي أجنبي عن حقله المعرفي الأصلي لابد من توافر شروط بعينها منها: أولاً، أن تكون هنالك حاجةً إليه في الحقل الجديد؛ أي أن يكون الهدف من عملية التبيئة هدفاً إجرائياً، يعمل على توظيف المفهوم للحصول على نتائج يصعب إن لم يستحيل الوصول إليها من دونه.[9] وهذا شرط يتوفر في مفهوم "المثقف" إذ بدونه نعجز عن فهم فئات اجتماعية تلعب دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية فيما يخص السلطة واستقرارها، وفيما يخص عمليات التغيير الاجتماعي. وثانياً، أن تنجح عملية التبيئة في ملاءمة المفهوم المنقول مع الحقل المعرفي المنقول إليه، بحيث تتوفر لها المشروعية. وهي عملية تتطلب بناء مرجعية للمفهوم في الحقل المنقول إليه كما تتطلب استحضار مرجعيته الأصلية للتعامل مع المعطيات التي وضع المفهوم للتعبير عنها في الحقل/الأصل والمعطيات التي يراد من ذلك المفهوم التعبير عنها في الحقل/الفرع، مع الاحتفاظ دوماً بالفارق، ولكن لا بوصفه عازلاً ومانعاً بين الحقلين، بل بوصفه فارقاً شفافاً،[10] يشف عن الكلي المشترك بين الحقلين ويرى العيني والخاص كاختلاف في الوقائع بينهما. هذا الشرط الثاني هو ما اضطر الجابري للالتفاف عليه إذ أنه يعني أن يستحضر ضمن ما يستحضر في مفهوم المثقف كفاحه الفكري ضد السلطة في المجال العام؛ وهو ما استحضره الجابري فعلاً ولكن ليلتف عليه ويحوله.
فالجابري يرى أن كلمة "مثقف" ترجمة موفقة بشكل عام للكلمة الفرنسية intellectuel إلاّ أنها لا تخلو من مفارقة فاللفظ الفرنسي مشتق من intellect الذي يعني الفكر أو العقل ومن ثم فهو يدل عندما يستخدم لوصف شئ ما على الارتباط بالعقل كملكة للمعرفة أو بالروح؛ وعندما يستخدم كاسم ـــــــــــ وهو ما يهمنا هنا، وهو أمر يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر ــــــــــــ فهو يحيل إلى الشخص الذي لديه "ميل قوي إلى شئون الفكر، إلى شئون الروح". أما اللفظ العربي "مثقف" فهو مولد في اللغة العربية، وهو اسم مفعول من "ثَقِف" بمعنى حذق؛ ونكاد لا نعثر له على أثر في الخطاب العربي القديم وهو لا يحيل إلى intellectuel الفرنسية وإنما إلى لفظ "الثقافة" الذي هو ترجمة للفرنسية culture والتي تعني "فلاحة الأرض ومجموع العمليات التي تمكن من استنبات النباتات النافعة للإنسان والحيوانات الأليفة" أما في معناها المجازي فهي تعني "تنمية بعض الملكات العقلية بواسطة تدريبات وممارسات، كما تعني مجموع المعارف المكتسبة التي تمكن من تنمية ملكة النقد والذوق والحكم".[11] والمفارقة التي يعنيها الجابري ـــــــــ كما هو واضح ـــــــــــــ هي أن اللفظ في أصله الفرنسي يحيل إلى الشخص المفكر، وهو ما يريد أن يقتصر عليه الجابري في تعريفه للمثقف، بينما في ترجمته العربية يحيل إلى الثقافة وهي أيضاً ترجمة لكلمة فرنسية تعني في معناها المجازي تنمية ملكات ومعارف النقد والذوق والحكم، وهو ما يريد منطق السلطة، المحتجب في منطق بحث الجابري عن المثقف، أن يقصيه ويلغيه من تعريف المثقف. إن الترجمة العربية للكلمة الفرنسية intellectual بـ"مثقف" ترجمة موفقة جداً وليس بشكل عام لأنها تحيل إلى معنى يمكن أن نجد فيه جذراً للموقف الناقد للسلطة وهو ما يعبر عن المعطيات التي نشأ فيها اللفظ الفرنسي، ولعلها تشير أيضاً إلى المعطيات التي يجب أن يعبر عنها في الثقافة العربية. ولذلك فإن هذه الترجمة العربية تعبّر بدقة عن مفهوم الكلمة الفرنسية أكثر مما لو كانت تمت ترجمتها ترجمة حرفية إلى "الفكريين"، ولكن الأخيرة كانت ستفي بمتطلبات منطق بحث الجابري ومنطق السلطة المحتجب فيه.
ولأن الجابري يعلم أن معنى كلمة "مثقف" الذي يرتبط بالاحتجاج ضد السلطة ومقاومتها (ودون أن يلتفت إلى أن هذه المقاومة والاحتجاج تتم في المجال العام) تكتسبه من مناسبة ميلادها (قضية دريفوس) فإنه يشير إلى هذا المعنى بوصفه المعنى "القوي" للكلمة لا معناها حصرياً؛ والغريب أن الجابري يرى أنه هو المعنى الذي تنصرف إليه مقولة "المثقفين" في الأعم الأغلب. ووفقاً لهذا المعنى القوى يتحدد وضع المثقف لا بنوع علاقته بالفكر والثقافة، ولا لكونه يكسب عيشه بالعمل بفكره وليس بيده، بل يتحدد وضعه بالدور الذي يقوم به في المجتمع كمشرع ومعترض ومبشر بمشروع؛ (التشديد في الأصل) المثقف إذن في جوهره ناقد اجتماعي يعمل من أجل مجتمع أكثر إنسانية وأكثر عقلانية فهو ضمير المجتمع والناطق باسم قوى التقدم؛ وهو بالنسبة للقوى المهيمنة لا مناص من أن يكون شخصاً خيالياً طوباوياً متمرداً مثيراً للعراقيل والفتن.[12] وعلى الرغم من أن هذا المعنى "القوي" للمثقف يشير إلى كونه ناقداً اجتماعياً وناطقاً باسم قوى التقدم ومثيراً للفتن بالنسبة إلى القوى المهيمنة إلاّ أنه ـ وبسبب غياب الإشارة إلى المجال العام الذي يمارس فيه المثقف فاعليته ـ فإن كل هذه السمات النافية والنقدية، التي تحدد علاقة المثقف بالسلطة، يغطيها ما يشدد عليه الجابري وهو كون المثقف مشرعاً ومعترضاً ومبشراً بمشروع؛ فالجابري يموه المثقف إلى صاحب رسالة، وفي غياب المجال العام يمكن أن يكون إلى جانب السلطة أو ضدها. المثقف ليس بضرورة أن يكون صاحب رسالة إنه مثقف فحسب يناهض الظلم بفكره ومعارفه وملكاته في المجال العام للنقاش الديمقراطي والحوار السياسي والكتابة ومناقشات الصحف والمجلات والكتيبات والكتب. وهكذا يتم الالتفاف على معطيات مفهوم "المثقف" في منشأه والتي تتضمن الإشارة إلى مناهضة السلطة في المجال العام بتحويل المثقف في معناه "القوي" عند الجابري إلى داعية ومن ثم نظل في حدود تعريف المثقف الذي ينتخبه منطق بحث الجابري الارتدادي وهو أن المثقف شخص مهنته التفكير في الأفكار.
على أن تعريف المثقف بأنه شخص مهنته التفكير في الأفكار يربطه بمفهوم آخر ظهر قبله بحوالي المائة عام، وهو مفهوم "الأيديولوجيين". فقد ظهرت الأيديولوجيا في صراع البرجوازية المبكر ضد الإقطاع بوصفها "علماً للأفكار"، مما يستلزم ثقةً عمياء في العقل، وبوصفها "سلاحاً نقدياً" يستخدم في الكفاح ضد النظام القديم.[13] وكان دي تراسي هو أول من صاغ مصطلح أيديولوجيا في عام 1797م مانحاً أياها معنى علم الأفكار. وظهر الأيديولوجيون كتيار يرفض الميتافيزيقيا ويرى في الطبيعة نظاماً محكماً تجري فيه الأمور تبعاً لقوانين قابلة للمعرفة؛ وهي ذات القوانين التي تشكل أسس الدولة والمجتمع.[14] والتفكير الصحيح هو الذي يكشف عن هذه القوانين التي تقوم عليها الدولة والمجتمع. ومن ثم فإن الأيديولوجيا كعلم للأفكار، يبحث في نشأة الأفكار ويحلل المركبة منها إلى بسيطة ومن ثم إلى إحساسات ومدركات حسية، هو الذي يميز بين الأفكار الصحيحة التي نجد مصدرها في تجربتنا الحسية والأوهام التي لا مصدر لها في التجربة الحسية؛ وعليه فإن بناء الدولة وتربية المجتمع يجب أن تقوم على هذه الأفكار الصحيحة.
وهذا يعني إن كلا المفهومين "الأيديولوجيين" و"المثقفين" يعملان معاً على الأفكار لا بوصفها موضوعاً للمعرفة إذ لو كان الأمر كذلك لما احتاجت الثقافة الفرنسية لهما معاً ولاكتفت بأولهما. إنهما يعملان معاً على الأفكار في علاقتها بالسلطة، والسلطة السياسية تحديداً. ووجه الاختلاف بينهما أن الأول نشأ في مواجهة الإقطاع ولبيان أن الدولة ليست أمراً إلهياً وإنما أمراً طبيعياً شأنها في ذلك شأن أي موضوع طبيعي يخضع لقوانين الطبيعة القابلة للمعرفة بينما نشأ الثاني في مواجهة البرجوازية وكنتاج لنشأة المجال العام في مقابل سلطة الدولة. ولذلك اختلف المفهومان عن بعضهما البعض بحسب ما واجهه كل منهما؛ الأول واجه رؤية دينية للدولة فقابلها برؤية طبيعية، والثاني واجه رؤية برجوازية للدولة تقوم على مفاهيم الحرية والإخاء والمساواة فقابلها بمجال عام يقوم على المناقشة والحوار مقاوماً لانتهاكات وظلامات دولتها. "الأيديولوجيون" ظلت فيهم ملامح ما واجهوه، وهو الموقف الميتافيزيقي، وكذلك "المثقفون" حملوا ملامح ما واجهوه، قيم الحرية والعدالة. والأثنان، ولأنهما ظهرا بالأساس في خضم الصراع الاجتماعي فقد نالت منهما سخرية القوى المهيمنة. الأيديولوجيون انقلبوا على نابليون بعد دعمهم له عندما تخلى عن التزامه بالحريات العامة، وانتهت المواجهة بينهما إلى سخرية نابليون منهم والاستخفاف بهم، وشجبهم بوصفهم بعدم الواقعية وأنهم نظريون خطيرون ولكن غير عمليين ومنفصلين عن العالم يرتاحون في عالم الأفكار ولا صلة لهم بالشؤون العملية أو النفع العام. ومنذ ذلك الوقت اكتسب مصطلح الأيدولوجيا معنى إزدرائي[15]؛ عززه بعد ذلك ماركس بتعريفه للأيديولوجيا كوعي زائف، وهو المعنى الذي ما زال يغلب على المصطلح، على الرغم من أن الماركسية تلتقي مع الدلالة المبكرة لمفهوم الأيديولوجيا كعلم يدرس الأفكار للكشف عن قوانين الدولة والمجتمع.
ومثلما سخر نابليون من "الأيديولوجيين" وصار للفظ معنى إزدرائي، كذلك صار لفظ "مثقفين" محلاً للسخرية والتهكم في أواخر القرن التاسع عشر لأن الدريفوسيين الذين تحدّوا إتّهامات المنبر الفرنسي العسكري ضدّ دريفوس وأصرّوا على براءته قد تدخّلوا وخاضوا في مجال خارج قدراتهم ومؤهلاتهم. وهكذا أصبح المثقّفون هم أولئك المزعجون والمتطفلون الذين يتدخلون فيما لايعنيهم وما هو بعيد عن قدراتهم ومؤهلاتهم.[16] وإذا كانت "الأيديولوجيا" ما زالت تحمل ذلك المعنى الازدرائي فإن "المثقف" ما زال عند الكثيرين يتقعّر كلاماً غير ذي معنى ويعيش في برج عاجي من عالم افكاره. واستنتج سارتر من هذه السخرية أن "المثقّف" اكتسب منذ ظهوره في فرنسا مضموناً سلبياً ونقدياً وارتبط باليسار. ولذلك يرى سارتر أن المثقفين لا يمكن أن يتسموا بالمحافظة الثقافية كما لا يمكن أن يكون خدّاماً للنظام، وأنهم يعانون من ضعفٍ داخليٍ لأنهم يتواجدون خارج مجتمعهم القائم وضده وبدون توفر دعم من أية سلطة ـــــــــــ وفي مرات كثيرة ـــــــــــ بدون حتى تأييد شعبي، هذا الضعف السياسي والاجتماعي هو الذي يشكل مثالية المثقف النقدي وأخلاقيته التقليدية.[17] على أن هذا التوصيف ما يزال فيه قدر من التجاهل للمجال العام إذ هو يضع المثقف كنقيض لأمرين التقاليد الثقافية المحافظة للمجتمع، من جهة، وسلطة الدولة، من جهة أخرى؛ ويجعل من وضعه الضعيف هذا ميزةً له متجاهلاً أن المثقف جزءاً من مجال عام يقف فيه المثقف مكافحاً بفكره ومعارفه وملكاته ضد الظلم إلى جانب شعبه وبدعمه، ولو بعد حين عندما يستبين الشعب أمره، أمر المثقف وأمر نفسه. إن أخلاقية المثقف ومثاليته النقدية ليست في ضعفه الاجتماعي والسياسي وإنما في وقوفه إلى جانب شعبه. وإن كان هنالك ثمة صلة للمثقفين باليسار فهي صلة الوقوف إلى جانب الشعب. وهم بذلك يجدون التقدير والاحترام، من شعبهم، والسخرية والهزء، من القوى الاجتماعية المهيمنة.
الآن، علينا أن نعيد تقدير الأمور من بدايتها بعد أن ربطنا بين المثقف والمجال العام لندرك بدقة العلاقة بينهما، ولننظر بعد ذلك في التحولات التي جرت في المجال العام وسمحت بوجود مثقفين غير نقديين يقفون إلى جانب السلطة بدلاً من أن يكونوا في مقابلها؛ خاصةً وأننا قد وضعنا المثقف بالتعريف في مقابل سلطة الدولة. ظهر المجال العام الكلاسيكي مع نشأة الدولة البرجوازية، فقبل ذلك، في نظام الإقطاع القديم، كانت صلة الناس المباشرة هي بالنبلاء في الإقطاعيات التي يسكنونها، ولم تكن قرارات الدولة تمسهم مباشرة فما كان يمسهم مباشرةً هو قرارات نبيلهم الإقطاعي. وحين انهار نظام الإقطاع ونشأت الدولة البرجوازية لم يعد الناس مجرد رعايا بل صاروا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، وأصبحت قرارات الدولة تمس حياتهم مباشرة ولذلك بدأوا في مناقشتها، أولاً في بيوت القهوة التي ظهرت في ذلك الوقت، ومن ثم في الصحف والكتب والكتيبات والاجتماعات العامة؛ وهكذا ظهر المجال العام البرجوازي الكلاسيكي الذي هو المجال العام للنقاش الديمقراطي والحوار السياسي والكتابة ومناقشات الصحف والمجلات والكتيبات والكتب. هذا المجال أو المجالات العامة تكوّن حقلاً مؤسسياً وخطابياً يوفر خارجاً نقدياً لسلطة الدولة وللإقتصاد.[18] هذا هو تصور هابرماس للمجال العام البرجوازي الكلاسيكي عند ظهوره في القرن الثامن عشر وفيه ينهض المجال العام البرجوازي الكلاسيكي من خلال الحوار العقلاني للتعبير عن الإرادة العامة كمطالب تم التوصل لها باستقلال تام عن الدولة أو السلطة العامة، ويتم تقديمها توقعاً بالحاجة إليها في ممارسة سلطة الدولة. ويمكن تقديم هذا التصور في المخطط التالي:[19]
الحقل الخاص
مجال السلطة العامة
المجتمع المدني (حقل تبادل السلع والعمل الاجتماعي)
المجال العام في الحقل السياسي
الدولة (حقل الشرطة)
المجال العام في عالم الآداب (الأندية، الصحافة)
الحيز الداخلي للأسرة الزوجية (المثقفون البرجوازيون)
(أسواق المنتجات الثقافية) "المدينة"
القضاء (القضاء النزيه)
إن مفهوم هابرماس عن المجال العامّ يصف فضاءً تحتله مؤسسات وممارسات ويقع بين المصالح الخاصة للأفراد في المجتمع المدني وحقل سلطة الدولة. وهكذا يتوسّط المجال العام بين مجالات العائلة وموقع العمل ــــــــــ حيث تسود المصالح الخاصة ـــــــــــ والدولة التي تمارس في أغلب الأحيان أشكالاً إعتباطية من القوّة والهيمنة. وما يسميه هابرماس بـ"المجال العامّ البرجوازي" يتكون من حقل الجمعيات العمومية والحانات والمقاهي، والصالونات الأدبية، وإجتماعات القاعات حيث يتجمع الأفراد لمناقشة شؤونهم العامة المشتركة وليتنظموا ضدّ الأشكال الإعتباطية والاستبدادية للسلطة الإجتماعية والعامّة. ويتغذّي المجال العامّ بالصحف والمجلات والكتيبات والكتب التي تقرأ وتناقش في الأماكن الإجتماعية مثل الحانات والمقاهي. وهكذا كان المجال العامّ البرجوازي هو المحل ـــــــــــ بجانب الجامعات ــــــــــــــ الذي يشتغل فيه المثقّفون وينتجون.[20] وابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر ونتيجة لتزايد بيروقراطية التواصل العام وتحوله إلى تجارة فقد المجال العام البرجوازي الكلاسيكي استقلاله وعقلانيته النقدية.[21]
ويهتم هابرماس بالعلاقة بين المجال الخاص والمجال العام من جهة ومجال السلطة العامة من جهة أخرى ولهذا فصل بينهما بخط مزدوج (أنظر الجدول). وعلى أساس هذا التمايز نظر إلى الطرق التي تتفاعل بها المكونات المختلفة للمجال الخاص مع بعضها البعض. ومن هذا المنظور فإن أكثر ما يهم في المجال العام لعالم الآداب هو دوره كمجموعة من المواقع لتكوين آراء تلفت الاهتمام في ممارسة الدولة لسلطتها. وبالمثل، فإن سوق المنتجات الثقافية تلعب دوراً هاماً في نزع القداسة عن هذه المنتجات مما ينتج عنه قدرتها على لعب دورها في العمليات العلمانية لتكوين الرأي. لأن سوق المنتجات الثقافية، بنزعه لهالة التقديس عن الأعمال الثقافية سمح لها بأن تصبح موضوعاً للمناقشات النقدية. وكان من نتائج ذلك أنها أصبحت متورطة في نقد الأثنين، الدولة والقضاء، وأنها أصبحت أوعية لإعلان حقوق عامة جديدة متعلقة بالإتاحة العامة للثقافة، ومن ثم أصبحت الثقافة لأول مرة، نظرياً، ذات طابع كلي. والجدير بالذكر أن هابرماس يرى في الظهور التاريخي لاستقلال الثقافة شرط قبلي ضروري للعملية التي تصبح من خلالها الثقافة أداة سياسية في تكوين رأي عام نقدي ومعارض لمجال السلطة العامة.[22]
وإذا كان ظهور المجال العام وبالتالي المثقفين قد تم بالأساس في مواجهة السلطة العامة فإن دوره لم يقتصر على ذلك، فمن خلال المجال العام الأدبي، أصبحت المنتجات الثقافية منخرطة في مجالات جديدة من الفعل في علاقاتها مع المجتمع المدني أو ما يسميه هابرماس بالمجال الاجتماعي، أي مع المؤسسات التي تكون الحقل الخاص في الجدول أعلاه. والجدول نفسه يوضح أن المجال العام يتوسط بين مجال السلطة العامة والمجال الاجتماعي، وفي مواجهته للمجالين معاً فإن المجال العام يستخدم موارده الثقافية استخداماً مزدوجاً، فهو وسيلة لتكوين رأي عام في النقد العقلاني لسلطة الدولة وفي نفس الوقت هو وسيلة للعمل على المجال الاجتماعي لتنظيمه. ومن ثم فإن المثقف يجد نفسه أمام مهمة مزدوجة فهو يعمل كمندوب للمجال العام ولكنه وفي نفس الوقت هو مربي ومعلم هذا المجال، فهو يأخذ قيادته من المجال العام وفي نفس الوقت يوجهه وينظمه.[23] هذا هو المجال العام كما ظهر في بداياته إلاّ أنه لاحقاً جرت عليه تحولات اجتماعية بنيوية نتجت من ردم الهوة بين المجتمع والدولة الذي نتج عنه ما يسميه هابرماس بإعادة إقطاعية المجتمع، وقد تم ذلك من عمليتين متقاطعتين نُقلت فيها الوظائف العامة من السلطة العامة إلى مؤسسات خاصة (مثل الشركات الحديثة) بينما، وفي نفس الوقت، امتد نفوذ السلطة العامة بسبب ذلك إلى المجال الخاص؛ فانهار الأساس الذي يقوم عليه المجال العام البرجوازي الكلاسيكي ألا وهو فصل الدولة عن المجتمع. وفي نفس الوقت، فإن نمو أشكال جديدة من الاستهلاك الجماهيري حرمت الثقافة من ذلك الاستقلال التاريخي الذي كسبته بصعوبة وسمح لها بأن تكون أداة نقدية من خلال صلتها بالمجال العام. فالأشكال التي تم بها توزيع الثقافة الجماهيرية الجديدة في ذلك الوقت ـ فصول تعليم الكبار وبرامج الإذاعة الحوارية، مثلاً ـ حرمتها من أي سياق عمومي للنقد والحوار إلاّ تلك التي تديرها السلطة العامة. إن تحول منتجات الثقافة إلى منتجات تجارية والذي كان سبباً في استقلالها ذات مرة أصبح الآن سبباً في فقدانها هذا الاستقلال.[24]
ونتيجةً لهذه التحولات انقسم المثقفون، طبقاً لهابرماس، إلى نوعين تبعاً للدور الذي يقومون به وهل هو يقوم على وظيفة تكنيكية technical أم على الممارسة التي تعتمد على التفكير النقدي وهذا التمييز مما يخص بناء هابرماس للعلاقات بين أشكال العقلانية المختلفة. المثقف التكنيكي يستخدم أشكالاً من التفكير يستمدها من المعارف الجاهزة بينما المثقف النقدي يستخدم أشكالاً من التفكير مختلفة جوهرياً عن تلك. هذا الانقسام مظهر لانقسام أعمق بين العقل الأداتي والعقل النقدي، وهو انقسام يجد جذره في تمييز هابرماس بين النسق وعالم الحياة ومبادئهما العقلانية المتقابلة. ففي صورتهما المفاهيمية الخالصة، فإن عالم الحياة، الذي لا تشوشه علاقات السلطة غير المتكافئة، والذي يجتمع على مصلحة عامة مشتركة في أفق مشترك للمعنى ينهض من الشروط المشتركة للحياة الإنسانية، تتجه فيه العقلانية التواصلية إلى الفهم المتبادل؛ بينما، بالتباين، نجد أن النسق يقوم على العقلانية الأداتية، التي تستبعد قيم الإنسانية والمعنى لصالح الوسائل ـ الغايات وتحدد اتجاهها بنيات السلطة الطبقية والبيروقراطية. هذه الصورة المفاهيمية الخالصة تساعدنا على فهم الفرق بين الوظيفة التكنيكية والممارسة بالنسبة للمثقفين. فالممارسة كما يشرحها هابرماس تهتم بالتقييم العقلاني لصلاحية القيم التي تقوم عليها الأفعال، بينما تهتم الوظيفة التكنيكية فقط بالاختيار العقلاني لأفضل الوسائل لتحقيق أهداف بعينها بمجرد تحديد الغايات القيمية للفعل الاجتماعي.[25]
ويمكن أيضاً أن ندعو المثقف الذي يقوم دوره على وظيفة تكنيكية بالمثقف الأيديولوجي، فالمثقف التكنيكي (أو الأيديولوجي) لا يشعر بالقلق وعدم الرضا تجاه معارفه الجاهزة التي تقوم عليها وظائفه التكنيكية فهو لا يضع شيئاً نصب عينيه قدر التفكير في الوسائل المناسبة لتحقيق الغايات المحددة سلفاً ولذلك فإن أكثر الأفكار والقضايا الهامة تتولد من القلق وعدم الرضا الذي يأتي من خارج مؤسسات السلطة الرسمية؛ من المثقف الذي يقوم دوره على الممارسة التي تعتمد التفكير النقدي والذي نستطيع أن ندعوه بالمثقف النقدي. ولعل في ذلك تفسير لانهيار السلطة الشمولية في الاتحاد السوفيتي القديم تحت ضغط قلق وعدم رضا المثقفين النقديين المتواصل والثابت.[26] المثقف الأيديولوجي يعتقد أن معارفه الجاهزة معارف نهائية تقدم صورة صحيحة عن العالم وبالتالي فهي لا تتغير وإنما تتطور ضمن اتجاهاتها النهائية ووفقاً لما يفرزه التطبيق من مشكلات؛ تؤدي معالجتها إلى تدقيق هذه المعارف الجاهزة ومفاهيمها وليس إلى تغييرها؛ بينما المثقف النقدي تخضع معارفه دائماً لممارسته التي تقوم على التفكير النقدي. ولذلك فإن معارفه لا تتطور فقط وإنما تتغير بانفتاحها على التطور المعرفي والأخلاقي الذي يحدد بدوره مجالاً منطقياً لأشكال مختلفة من التغيير الاجتماعي.
وهنالك أيضاً تشابه بين المثقف الأيديولوجي وباحث القرن الثامن عشر في القانون والعدالة فالأثنان يشتركان في كلية مفاهيمهما، فباحث القرن الثامن عشر يقترح ما هو كلي بالضرورة وما يجب أن نمارسه على نحو كلي، أي يقترح القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية وكذلك المثقف الأيديولوجي يزعم لحججه الكلية ومن ثم فائدتها لأي شخص.[27]
وتبعاً للتحولات التي جرت في المجال العام وأدت إلى فقدان المجال العام إلى استقلاله صارت السمة الأساسية للمثقف هو أنه وجود ــــــــــ في ـــــــــــ تناقض being-in-contradiction (وفقاً لتعبير سارتر). فالمثقفون نتاج للتراكم الرأسمالي فهو الذي يحدد نوعيتهم وأعدادهم في المجتمع بما يحقق المزيد من الأرباح وكذلك هم نتاج سياسات الدولة التعليمية ومؤسساتها وبالتالي فهي تحاول فرض قيم المجتمع الطبقي وأيديولوجيته عليهم بحيث يكون نشرها جزءاً من وظائفهم الاجتماعية. وتقنيو المعرفة العملية technicians of practical knowledge جزء من مثقفي التناقض هذا فهم أيضاً نتاج لسياسات الدولة ومؤسساتها ولكنهم، وفي نفس الوقت، يطورون تكنيكات يمكن تطبيقها من أجل خدمة كل الناس، مثل تقنيو الطب والهندسة والقانون والفيزياء والفلسفة والفنون والآداب ...إلخ ومن ثم فهم يعبرون عن قيم كلية ولكن في مجتمع منقسم طبقياً فإن المعرفة والتكنيكات لا تستخدم لخدمة كل الناس وإنما لخدمة طبقة اجتماعية بعينها تتمتع بالرعاية الطبية الممتازة وبأفضل المحاميين وبالسفر على الطائرات ...إلخ
وهذا يقودوني إلى استنتاجي الأساسي في تعريف المثقف وهي أن التحولات التي جرت في المجال العام وأدت إلى فقدان استقلاله أدت أيضاً إلى ظهور مثقف غير نقدي يناقض تعريف نفسه بما هو مثقف ويناقض حتى طابع معارفه الكلية بانحيازه إلى الدولة ومؤسساتها التي تخدم القوى الاجتماعية المسيطرة. إن المثقف الأيديولوجي مثقف زائف لا يرى التناقضات التي تحدده بينما المثقف حقاً هو من يستطيع أن يبصر هذه التناقضات، وهذا يعني أن المثقف حقاً هو مثقف معارض ونقدي وسلبي (والسلب هنا بمعنى النفي).
وفي سياق فقدان المجال العام لاستقلاله تبرز أهمية مساهمة غرامشي في تعريف المثقف. استند تعريف غرامشي للمثقف بالأساس على دوره الاجتماعي لا على معارفه أو ملكاته، فبالنسبة لغرامشي أي إنسان مثقف لأنه يتمتع بملكات فكرية إلاّ أنه وبسبب بنية المجتمع الطبقي فليس كل إنسان قادر أو تسنح له الفرصة للوصول إلى وسائل إنتاج المعرفة. ولذلك يركز غرامشي في تعريفه للمثقف على دوره الاجتماعي فليس كل إنسان يلعب دور المثقف الاجتماعي الموجه والمنظم الذي يساعد في بناء المجتمع وينتج الهيمنة بواسطة أجهزة أيديولوجية مثل التعليم ووسائط الإعلام. ومن ثم يميز غرامشي بين المثقف التقليدي الذي يتوهم استقلاله عن أية طبقة اجتماعية والمثقف كمفكر تنتجه عضوياً طبقة اجتماعية بعينها من بين صفوفها، أي المثقف العضوي. والمثقف العضوي لا يصف فقط الحياة الاجتماعية طبقاً للقوانين العلمية ولكنه يعبّر من خلال لغة الثقافة عن المشاعر والتجارب التي لا تستطيع الجماهير التعبير عنها. وهذا يعني أن كل فئة اجتماعية تأتي إلى الوجود في تضاريس وظيفتها الضرورية، تخلق معها، عضوياً، شريحة أو أكثر من المثقفين الذين يمنحونها التجانس والوعي بوظيفتها، ليس فقط في المجال الاقتصادي وإنما أيضاً في المجال السياسي والاجتماعي.[28]
إن تصور المثقف عند غرامشي يبدأ من تصور للإنسان كسلسلة علاقات فاعلة (وهي عملية، إن كان فيها للفردية أكبر أهمية، إلاّ أنها ليست مع ذلك العنصر الوحيد الذي يجب الأخذ به). لأن الإنسانية المرتسمة على كل فردية مؤلفة من عناصر مختلفة وهي: 1) الفرد، 2) الأناس الآخرون، 3) الطبيعة. ولكن العنصرين الثاني والثالث ليسا على ما يبدوان من البساطة. فعلاقة الفرد بالآخرين ليست علاقة تجاور وإنما هي علاقة عضوية، بمعنى أن الفرد يتكامل بانضمامه إلى كائنات عضوية، تذهب من أبسط الأشكال إلى أكثرها تعقيداً. وكذلك لا تقوم علاقة الإنسان بالطبيعة على مجرد كونه هو أيضاً طبيعة، بل تقوم على كونه فاعلاً وصانعاً. أضف إلى ذلك: أن تلك العلاقات ليست آلية. وإنما هي فاعلة وواعية أي متناسبة مع درجة فهم كل إنسان لها. ولذا يسعنا القول أن كل واحد يغير ذاته ويبدلها بقدر ما يغير أو يبدل العلاقات المركبة التي يشغل منها مركز الارتباط. بهذا المعنى نقول أن الفيلسوف الحقيقي هو السياسي ولا يمكن أن يكون غير ذلك؛ إنه الإنسان الفاعل الذي يغيّر البيئة؛ وهنا تعني البيئة جملة العلاقات التي تنظم حياة كل إنسان بمفرده. وإذا كانت الفردية هي جملة تلك العلاقات فإن اكتساب الشخصية يدل على اكتساب الوعي بتلك العلاقات، وتغييرنا لشخصيتنا الخاصة يعني تغييراً لكل مجموع تلك العلاقات.[29]
هذا تصور للإنسان يعكس ما هو كلي ولذلك فهو وطيد الصلة بالمثقف. ولذلك فإن مثقف غرامشي العضوي ما يزال يعاني من التناقض بين ما هو كلي، وهو وعيه بتلك العلاقات التي تحدد الإنسان، وما هو ينتمي إلى مصالح القوى الاجتماعية التي ينتمي إليها. هذا التناقض لا يكون عائقاً، بل قد يلعب دوراً محفزاً، إذا كانت مصالح القوى الاجتماعية التي يعبر عنها المثقف تتطابق مع أحد الأشكال الاجتماعية للتغيير التي تقع في مسار تحقيق العدالة والمساواة والحرية. ولكنه يكون تناقضاً معيقاً إذا ما تناقضت مصالح القوى الاجتماعية التي يعبّر عنها المثقف مع العدالة والمساواة والحرية. والتناقض الأخير يبدو مخالفاً لوعي المثقف بالعلاقات المكونة للإنسان، أي مخالفاً لوعي المثقف بالكلي مما يعني أنه مخالف لشروط تكوّنه المعرفي كمثقف. ولن نستعيد الاتساق لمثقف غرامشي العضوى إلاّ إذا جردنا مثقف قوى السيطرة الاجتماعية من صفة المثقف وقصرناها على المثقف الذي يكافح السلطة في المجال العام. وفي هذه الحالة فإن زيادة "عضوي" إلى المثقف لن تكون ذات فائدة إذ ليس هنالك من مثقف غير المثقف المكافح للظلم والسلطة. إن غياب المجال العام هو الذي أوقع تحليلات غرامشي عن المثقف في فخاخ التعريف الكلاسيكي للمثقف التي يبدو فيها دور المثقف في مكافحة السلطة دوراً زائداً على التعريف ـ كما قلنا من قبل؛ ولذلك انتهت تحليلات غرامشي إلى أن تمنح مثقفاً لكل واحدة من القوى الاجتماعية مكافحة للسلطة أو إلى جانبها، وهو أمر يناقض المثقف من حيث النشأة والتعريف.
وقصر المثقف فقط على ذلك الذي يكافح السلطة في المجال العام هو فقط الذي يتيح لنا أن نفهم ما يقوله غرامشي عن "الثقافة الجديدة" أو "الكتلة التاريخية". فالثقافة الجديدة لا تعني مجرد قيام كل فرد باكتشافات "أصيلة"، بل تعني أيضاً وبخاصة نشر حقائق اكتشفت من قبل نشراً نقدياُ بحيث تصبح هذه الحقائق اجتماعية، إذا جاز القول، تضع أساساً لأعمال حيوية وتصبح عناصر تنسيق وتنظيم ثقافي وأخلاقي.[30] وكما هو واضح هنا فإن الثقافة الجديدة تتصل اتصالاً وثيقاً بما هو كلي وبوصفها كذلك فهي تضع أساساً لتنظيم اجتماعي جديد يعبّر في حينه عن ما يبدو أنه مصالح النوع الإنساني كله إلى أن يتكشف غير ذلك في ضوء معارف ثقافية وأخلاقية جديدة، وهو ما يقوم به المثقفون بمعارفهم النقدية فيضعون أسساً جديدة لتنظيم اجتماعي جديد، وهكذا.
أمّا مفهوم "الكتلة التاريخية" فيلعب فيه المثقفون دوراً قيادياً فإذا كان المثقفون هم موجهو الشعب فإن "الكتلة التاريخية" لا تتكون إلاّ حينما يلتحم المثقفون التحاماً عضوياً بالشعب، تنقلب فيه عاطفة الهوى إلى فهم وبالتالي إلى معرفة (لا معرفة آلية بل حية)، ونحصل عندئذ، وبهذا الشرط فقط، على علاقة تمثيل، وحينئذ يتحقق تبادل العناصر الفردية بين الموجِّهين والموجَّهين، أي تتحقق حياة الكل، التي هي وحدها قوة اجتماعية، وإذ ذاك فقط تخلق "الكتلة التاريخية".[31] وهذا يعني أن "الكتلة التاريخية" تعبّر عن الكلي في سياقه التاريخي ولا يمكن أن يكون لمثقفيها غير هذا الطابع الكلي.
إن تعريف المثقف حصرياً بأنه المكافح والمناضل بمعارفه وملكاته ضد السلطة يقتضي أن نتعرض للنقد الذي أنتجته تيارات ما بعد الحداثة بخصوص المثقف الكلاسيكي. تيارات ما بعد الحداثة، وبإثارتها للأسئلة المتعلقة بأهمية قول الحقيقة، ومعرفة من القادر على قول الحقيقة، ومعرفة لماذا يجب أن نقول الحقيقة، وهي أسئلة ترى فيها ما بعد الحداثة جذور ما تسميه التقليد النقدي في الغرب، تريد ــــــــــــ مع فوكو ــــــــــــــ ببساطة أن تستخدم الممارسات والحقائق اليومية؛ وهذا يعني ببساطة بعث المعرفة المقموعة، معرفة الحياة، وهي تلك الكتل من المعارف التاريخية التي يكشف عنها النقد وهي حاضرة ولكن مختفية ضمن جسم النظريات الوظيفية والنسقية. ولذلك فإن البحوث الجينالوجية بحوث معادية للعلم تبحث عن إزالة طغيان الخطابات الكلية بتراتبيتها وتمييزها للطليعة النظرية.[32] ولذلك تقف ما بعد الحداثة ضد مفهوم المثقف الكلاسيكي الذي يكافح من أجل القيم الكلية، مثل الحرية والحقيقة، ويقوم بمهمة تمثيل الشعب والمقهورين والتحدث باسم الإنسانية، ومن ثم تطرح، مع فوكو، مفهوماً جديداً لمثقف محدد ينحاز إلى المقهورين في قضايا محددة وبدون إدعاء تمثيلهم. فبالنسبة إلى ما بعد الحداثة فإن السلطة منتشرة وموزعة ولا توجد فقط في المؤسسات الكبيرة فهي توجد في مكان العمل وفي الدولة وفي الأسرة البطريركية، ولذلك استبدلت ما بعد الحداثة المثقف الكلاسيكي الذي يناضل ويكافح من أجل قضايا ضخمة كالتحرر والتحول الاجتماعي بالمثقف المحدد الذي يتدخل في مجالات مثل الجامعات والسجون والمستشفيات أو لأجل حقوق مجموعة محددة كالأقليات العرقية.[33] فالمثقف لم يعد يعد ذاتاً أو وعياً ممثلاً أو تمثيلياً، فالتمثيل لم يعد موجوداً. ومن ثم يحتفي فوكو بالجماهير التي لم تعد في حاجة للمثقفين لاكتساب المعارف ولم يعد دور المثقف هو أن يضع نفسه على رأس الجماهير أو بجانبها ليكشف لها عن الحقيقة المختبئة إن دور المثقف يختصر على توفير أدوات التحليل فهو لم يعد يتحدث كسيد للحقيقة والعدالة وإنما عليه فقط أن يكشف ببساطة عن حقائق السلطة والامتياز.[34]
لقد كشفت ما بعد الحداثة بنقدها المهم عن بعض أوهام وعقائد المثقّف الحديث الكلاسيكي، إلاّ أن هذا النقد يذهب بعيداً ـــــــــــ كالعادة ــــــــــ في رفض الدور الكلاسيكي للمثقّف الناقد. ويشكل بذلك ــــــــــ كالعادة أيضاً ــــــــــــ ثنائية المثقف الخاص / الكلي، رغم أن ما بعد الحداثة ضد أية ثنائية إذ يكمن في منطق أية ثنائية ما هو كلي ومطلق. وبهذا الموقف الثنائي فإن ما بعد الحداثة تصوغ كُلّيّها الخاص وتهدم نقدها للمثقف من جذوره.
بينما تسعى النظرية النقدية، مستفيدة من النقد الذي تضع أسسه ما بعد الحداثة، إلى تجاوز هذه الثنائية بتطوير مفهوم معياري عن المثقّف العامّ، كما رأينا من قبل. ووفقاً لهذا المفهوم، فإن المثقّف العامّ يتدخّل في المجال العامّ للكفاح ضدّ الأكاذيب والقهر والظلم والنضال من أجل الحقوق والحرية والديمقراطية؛ ولكنه، ولأنه مثقف ديمقراطي، فإنه لا يتكلّم بإسم الآخرين ولا يلغيهم أو يحتكر وظيفة التحدث باسم الحقيقة، ولكنه يشارك ببساطة في المناقشة، مدافعاً عن أفكار بعينها أو قيم أو معايير أو مبادئ قد تكون خاصة أو كلية. إلاّ أنها إذا كانت كلية فهي، مثل حقوق الإنسان، عامّة ومعيارية ومؤقّتة وسياقية وليست صحيحة إلى الأبد. فالحقوق نتاج للصراع الاجتماعي ولذلك فهي بناءات اجتماعية وليست كيانات فطرية أو طبيعية ـ كما يرى المنظرون الكلاسيكيون الحقوق الطبيعية.[35] مما يجعل الكلي في النظرية النقدية ليس كلياً مطلقاً وإنما شبه كلي quasi-universal لأنه يعبّر عن قيم عامة معيارية وبوصفها كذلك فهي مؤقتة سياقية، إنها قيم تحققها مرتبط بحجج تؤيد رفع مزاعم صحة بعينها؛ وبذلك يصبح المثقف في النظرية النقدية مثقفاُ شبه كلي أيضاً فهو يدافع عن الحقوق والحرية والديمقراطية ولكنه يفعل ذلك بالمشاركة في المناقشات بحجج تستند على السياق لا على فلسفة للتاريخ ولا على أية أيديولوجيا مغلقة.
المراجع:
--------------------------------------------------------------------------------
[1] محمد عابد الجابري، المثقفون في الحضارة العربية، محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، الطبعة الأولى، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، نوفمبر 1995)، ص 9، 21
[2] المرجع السابق، ص 23 وأيضاً في
Douglas Kellner, Intellectuals and New Technologies, http://www.gseis.ucla.edu/faculty/kellner/, p. 5
[3]Douglas Kellner, Ibid., p. 1
[4]Jean-Paul Sartre, The Writings of Jean-Paul Sartre, edited by Michel Contat and Michel Rybalka. (Evanston, Ill: Northwestern University Press, 1974) p. 285 quoted in Douglas Kellner, Ibid., p. 1
[5] Reyhan Atasü Topçuoğlu, Intellectuals: a Story from Enlightenment to the Modern World, in: Nebula: A Journal of Multidisciplinary Scholarship (electronic academic periodical), Issue No. 3.2-3, September 2006, at http://www.nobleworld.biz/journalhome.html , p. 182
[6] محمد عابد الجابري، مرجع سابق، ص 7
[7] المرجع السابق، ص 8
[8] Reyhan Atasü Topçuoğlu, Op.Cit., p. 179
[9] محمد عابد الجابري، مرحع سابق، ص 10، 13- 14
[10] المرجع السابق نفس الصفحات
[11] المرجع السابق، ص 21- 22
[12] المرجع السابق، ص 24- 25
[13] جورج لارين، الأيديولوجيا والهوية الثقافية، الحداثة وحضور العالم الثالث، ترجمة فريال حسن خليفة، الطبعة الأولى، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2002)، ص 56
[14] بكري خليل، الأيديولوجيا والمعرفة، الطبعة الأولى، (عمان: دار الشروق، 2002)، ص 82- 83
[15] المرجع السابق، ص 83- 84 وأيضاً في Douglas Kellner, Op.Cit., p. 2
[16] محمد عابد الجابري، مرجع سابق، ص 23 وأيضاً في Douglas Kellner, Op.Cit., p. 5
[17] Douglas Kellner, Ibid., the same page
[18] Tony Bennett, Intellectuals, Culture, Policy: The Technical, the Practical, and the Critical, in: Cultural Analysis, An Interdisciplinary Forum on Folklore and Popular Culture, Issue No. 5 (Berkeley: University of California, 2006), p. 91
[19] Jürgen Habermas, The Structural Transformation of the Public Sphere. An Inquiry into a Category of Bourgeois Society. (Cambridge: Polity Press 1989), p. 30 quoted in Ibid., p. 92
[20] Douglas Kellner, Op.Cit., p. 1
[21] Tony Bennett, Op.Cit., p. 92
[22] Ibid., p. 93
[23] Ibid., p. 94
[24] Ibid., p. 95
[25] Ibid., p. 81-83
[26] Jim McGuigan, Culture and the Public Sphere, (London: Routledge, 1996) p. 50 quoted in Ibid. p. 84-85
[27] Reyhan Atasü Topçuoğlu, Op.Cit., p. 180
[28] Ibid., p. 182
[29] غرامشي، ما هو الإنسان، ضمن نصوص منتقاة من منتخبات من آثار غرامشي التي ترجمها إلى الفرنسية جيلبرت موجه وأرمان مونجو وصدرت من المنشورات الاجتماعية في عام 1959م، في جاك تكسيه، غرامشي دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل إبراهيم مخول، مراجعة جميل صليبا، أصول الفكر الاشتراكي، رقم 21 (دمشق: منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي، 1972م)، ص 185-186 وأيضاً في Topçuoğlu, Ibid., p. 181
[30] غرامشي،التوحيد بين الفلسفة والتاريخ، التاريخية والفلسفة، المرجع السابق، ص 154
[31] غرامشي، الفعالية الفلسفية عند الفيلسوف الديمقراطي، المرجع السابق، ص 176
[32] Reyhan Atasü Topçuoğlu, Op.Cit., p. 183-184
[33] Douglas Kellner, Op.Cit., p. 3
[34] Reyhan Atasü Topçuoğlu, Op.Cit., p. 182-185
[35] Douglas Kellner, Op.Cit., p. 4