|
الأزمة اليونانيَّة ثمرة السياسات الليبراليَّة
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن-العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 22:47
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أفشلت الاحتكارات الرأسمالية مفاوضات اللحظة الأخيرة الخميس الماضي.. المفاوضات الماراثونية التي بدأتْ منذ 5 أشهر؛ بين الفريق اليوناني، ورؤساء المؤسسات الدائنة -المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي ووزراء مالية مجموعة اليورو-بهدف الوصول لاتفاق يسهم بترحيل الازمة، والإفراج عن حزمة التمويل الثالثة 7.2 مليار يورو؛ لتمكين اليونان من الوفاء بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي، وتسديد القسط الذي يستحق في نهاية يونيو الحالي 1.5 مليار يورو. مارست دول مجموعة اليورو ضغوطا غير عادية لابتزاز اليونان، الهدف منها كسر البرنامج الاجتماعي للحزب اليساري اليوناني. وفرض برنامج التقشف التي تتبناه مجموعة المؤسسات الدائنة وتحميل الشعب اليوناني أعباء تفوق طاقاته وقدراته الاجتماعية. وهي بمثابة رسالة لدول أخرى منها اسبانيا والبرتغال بمعاقبة من يحاول الخروج عن نهج الليبرالية الجديدة، واملاءات صندوق النقد الدولي. ومن جانبها، حاولتْ الحكومة اليونانية تفادي انفجار الازمة؛ بالتخلف عن سداد ديونها فقدمت اقتراحات تشمل فرض ضرائب جديدة على الأثرياء ورجال الأعمال وعلى بعض السلع بعضها تمس عامة المواطنين. لإنهاء حالة الجمود التي وصلت اليها المحادثات مع الدائنين. وعلى الرغم من ترحيب وزراء مالية مجموعة اليورو، إلا أنَّ صندوق النقد الدولي رفض المقترحات اليونانية بهدف انتزاع مزيد من التنازلات، مستغلا الظروف الصعبة التي تمر بها الحكومة اليونانية، وإظهار فشلها أمام الشعب اليوناني بالتمسك ببرنامجها الذي اوصلها الى الحكم، وخلق ازمة سياسية تمهد الطريق امام اسقاط الحكومة. ووضعها امام خيارين احلاهما مر: اما التضحية ببرنامجها، واما الانسحاب من مجموعة اليورو وتعريض اليونان للإفلاس. في حين تباينت الآراء حول الآثار المحتملة لفشل المفاوضات؛ فمن جهتها عبَّرت الحكومة اليونانية عن قلقها من احتمالية الفشل والوصول الى طريق مسدود، خشية من التداعيات المحتملة. فقد جاء في تقرير البنك المركزي اليوناني المقدم للبرلمان الأربعاء الفائت 17 يونيو أن فشل اليونان في التوصل إلى اتفاق مع الدائنين سيقود حتما إلى خروج اليونان من منطقة اليور. كما شدد التقرير على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع شركاء اليونان في المنطقة، لمواجهة المخاطر التي ستلحق بالاقتصاد اليوناني بصورة مباشرة من جراء ذلك، وبصفة خاصة تخلف اليونان عن سداد التزاماتها، وهو ما يعد إعلانا بالإفلاس من الناحية الفنية. وفي المقابل، شهدتْ اليونان مظاهرات حاشدة شارك فيها العمال والمتقاعدون وأعضاء النقابات التي يقودها الحزب الشيوعي اليوناني الثلاثاء الماضي 23 يونيو مطالبين الحكومة بسحب مقترحات التقشف وإعادة معاشات التقاعد إلى مستويات ما قبل الأزمة، متهمين الحكومة بالتراجع عن ثوابت برنامجها. وتتضمن مقترحات الحكومة اليونانية زيادة ايرادات الخزينة على حساب ذوي المداخيل المتوسطة والمرتفعة، مما يزيد من دخلهم السنوي عن 50 ألف يورو، ورفع الضريبة على الشركات "المحدودة المسؤولية" من 26% حاليا الى 29%. وفرض ضريبة استثنائية مقدارها 12% على الشركات التي يزيد قيمة أعمالها عن نصف مليون يورو سنويا، وزيادة الضرائب على الممتلكات الفخمة (سيارات فارهة، منازل ذات أحواض سباحة، طائرات، يخوت) ورفع الضريبة على القيمة المضافة برفع الحد الأدنى 6% باستثناء الأدوية والمواد الغذائية، وإبقاء الضريبة على القيمة المضافة ضمن معدلاتها 13% على الخدمات و23% على البضائع. أما الخيارات المتاحة؛ فالأطراف الدائنة لن تسمح لليونان بالتخلف عن تسديد ديونها مع الاحتفاظ بعضوية منطقة اليورو، خشية من تشجيع دول أوروبية أخرى ان تحذو حذوها، كما ان دفع اليونان نحو الخروج من منطقة اليورو وتعريضها للإفلاس اخر الخيارات التي يمكن اللجوء اليها، بسبب التداعيات الخطيرة التي تترتب على ذلك، ليس على اليونان وحدها بل على الأسواق المالية عامة. رغم انتهاء محادثات الخميس الماضي دون التوصل إلى اتفاق للخروج من أزمة الديون، الا ان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تؤكد ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الاثنين المقبل؛ فالضغوط التي تمارسها الجهات الدائنة تهدف بالدرجة الأولى إلى دفع الحكومة اليونانية إلى التراجع الى الحد الأقصى.. والى ما قبل الهاوي! ... إنَّ المخرج الحقيقي لأزمة اليوناني يكمن بوقف سياسة الابتزاز وتجويع الشعب اليوناني، وفرض سياسات التقشف. ومنح اليونانيين حق اختيار سياساتهم الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن تدخل صندوق النقد الدولي ومؤسسات الاحتكارات الأوروبية، ومحاكمة الطبقة اليونانية الفاسدة التي أوصلت اليونان لأزمات خطيرة. وشطب الديون المتراكمة على اليونان التي أسهمت بتفاقم الازمة الاقتصادية وإفقار الطبقة العاملة وتآكل الطبقة الوسطى، وتعريض جيل من المتقاعدين اليونانيين للإذلال والتسول، ممن أفنوا حياتهم في بناء الاقتصاد الوطني، مقابل ان تحصد حفنة من الأثرياء في العالم لا تتجاوز نسبتها الواحد بالمئة نصف ثروة الارض. "هناك طريقان لقهر امة؛ الأولى بحد السيف، والأخرى عن طريق الديون" (جون آدامز 1735-1826).
#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لهذه الأسباب تراجع حزب العدالة والتنمية
-
الانكماش الاقتصادي يرجئ رفع سعر الفائدة
-
نكبات جديدة في ذكرى النكبة
-
الخيارات المتاحة أمام البلدان النامية
-
تحية للعمال في عيدهم
-
السياسة الأمريكية.. والبلدان النامية
-
تراجع اليورو وارتفاع الدولار
-
شخصية استثنائيَّة.. شعب وقضيَّة
-
ليس دفاعا عن أحد.. بل رفقا بالأمة
-
بين دعم المركزي وتحديات الحلفاء
-
اتفاقية أوسلو ولدت ميتة
-
ثورات شعبية.. أم مؤامرة؟
-
اليوم العالمي للعدالة الاجتماعيَّة
-
اليونان تخوض معركة أوروبا
-
الحرب على الإرهاب
-
الاقتصاد العالمي في عام 2015
-
الأزمة تطحن الفقراء.. وتزيد ثروة الأثرياء
-
موازنات الدول النفطية.. وهبوط أسعار النفط
-
الاتحاد الأوراسي الاقتصادي
-
احتجاجات عمالية على سياسات الاتحاد الأوروبي
المزيد.....
-
المغرب والصين يسعيان لعلاقات اقتصادية وتجارية متطورة
-
سعر الذهب صباح اليوم السبت 23 نوفمبر 2024
-
أكبر محنة منذ 87 عاما.. -فولكس فاغن- تتمسك بخطط إغلاق مصانعه
...
-
صادرات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي تجاوز 3 مليارات يورو لشهر
...
-
ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
-
عمل لدى جورج سوروس.. ترامب يكشف عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة
...
-
وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع
...
-
موديز ترفع تصنيف السعودية وتحذر من -خطر-
-
ارتفاع جديد.. بتكوين تقترب من 100 ألف دولار
-
-سيتي بنك- يحصل على رخصة لتأسيس مكتب إقليمي له في السعودية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|