داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 19:50
المحور:
الادب والفن
صدر عن دار السروق "الصرخة: الجزء الثانى من: أثقل من رضوى"، آخر ما كتبت الرائعة رضوى عاشور قبل أن ترحل عن عالمنا الذى لم يعد يرتاح لبقاء الأنقياء الخلصاء. وهو كتاب شديد الإيلام لأنه حكاية عذابين: عذاب امرأة كتب عليها القدر أن تعانى أوجاع ورم خبيث يبسخر من كل قدرات الطب الحديث بكل ما يملك من العلم والتكنولوچيا، وعذاب روح مرهفة ذكية ترى آمالا وأحلاما عشنا بها ولها جيلا وراء جيل، تراها تتبدّد بين من يعبث بها ومن يتاجر بها ومن يتنكّر لها.
تحكى رضوى عاشور عن عذاباتها تلك بنوعيها وتصنع منها أدبا سيبقى إضافة قيّمة للتراث الأدبى الإنسانى. فى ثتايا حكاية عذاب الجسد تتحدّث عن متاحف الفن وعن الجمال. تقف أمام تمثال "ڤ-;-ينوس" فتـُبصر كيف استطاع الفنان أن يضع الحركة ويبث الحياة فى الرخام الصلد، وتصف الورود والأزهار فتـُحس معها ملمس الألوان.
ولكن كيف يكون أدب أو يكون جمال فى الحديث عمّا أصاب آمالنا وأحلامنا من دمار ومن استغلال انتهازى خبيث، أبشع خبثا من خبث السرطان الخبيث؟ حين تنطلق المطالبة الشعبية بانتخابات مبكّرة بعد أن اتضح أن حكم الإخوان يأخذنا فى طريق لا يبشر بخير فإذا بنا نفاجأ بمن يناور ليقودنا لنظام يستمر معه القمع والقهر وانتهاك الحقوق المدنية وخنق الحريات بل والتمهيد لغودة الفاشية الدينية وإن تكن هذه المرة سلفية بدلا من إخوالية! وكيف يكون أدب وكيف يكون جمال عند الحديث عن انتهاك إنسانية الإنسان؟ هنا تعلو نبرة الغضب. مبكّرا فى الكتاب، فى صفحة 64 نفرأ عن "حبر المجنذدين الذين اختنقوا فى سيارة ترحيلات تقلهم من مرسى مطروح إلى القاهؤة. شباب محشورون فى صندوق حديدى مغلق عليهم فى سيارة أمن ...". هولاء المجندون الذين هم فى أيدى فوات البطش مجرّد أدوات يستخدمونها بلا مراعاة، لا أقول لإنسانيتهم، بل بلا مراعاة لأدنى احتياجاتهم الحياتية وكدت أن أقول الحيوانية.
تسرد رضوى عاشور وقائع قتل المتظاهرين والاعتقالات العشوائية وروايات التعذيب فى الفترة من منتصف 2013 حتى سبتمبر 2014 حين توقفت عن الكتابة قبل وفاتها بنحو شهرين، وكانما أرادتها شهادة عن هذه الفترة الكئيبة التى نعيشها، لكنى لا أريد أن أترك انطباعا بأن فيمة الكتاب تنحصر فى تسجيل واقعنا، فالكتاب ككل أعمال رضوى عاشور عمل أدبى ينبض بالحياة والعاطفة الإنسانية والحسّ الجمالى.
القاهرة، 27 يونية 2015
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟