وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 11:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
استكمالا للجزء الثاني من مقالنا والمنشور على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=472053
3 – نظرية التعصب الفريسي :
بحسب هذه النظرية , لكي نعرف الاختبار الصحيح للرسول بولس على طريق دمشق علينا التساؤل ( لماذا اضطهد شاول الكنيسة ؟) . وهو تساؤل ورد في كتاب الدكتور القس فهيم عزيز :
( الفكر اللاهوتي في رسائل الرسول بولس ) – دار الثقافة – القاهرة :
يقول المناصرون لهذه النظرية ان الرسول بولس لم يعاني من صراع نفسي ولكن العكس كان صحيحا .لقد كان محملا بالكبرياء والافتخار لانه كان يتعمق في عمل الناموس . لقد كان شاول يعرف الكثير من المعلومات عن المسيحيين وعن يسوع . ويعرف النتائج الخطيرة لما يعتقده المسيحيون .
لقد اعلن المسيحيون موت سيدهم مصلوبا . لقد كانت فكرة الموت كما اعلنها يسوع لتلاميذه فكرة صادمة ( متى 16 : 22) .فاليهود لم يتصوروا المسيا ( المسيح )المخلص يمكن ان يموت (يوحنا 12 : 34 ) . ولكن المسيحيين اضافوا الى هذه العقيدة شيئا آخر , وهو ان المسيح مات مصلوبا .
فاي مسيح هذا يمكن ان يلعنه الناموس ؟( تثنية 21 : 23) ؟ . ولو كان كلام المسيحيين صحيحا لكانت هذه اكبر ضربة توجه الى الناموس اليهودي . وهنا يكمن ضرورة الاختيار بين اثنين:اما ان يكون الناموس الهي ,وهذا يعني ان المسيح كاذب وملعون ,او ان يكون الناموس صناعة بشرية , وبهذه الحالة يكون المسيح على حق والناموس على خطا .
لقد قسم الفريسيون مجتمعهم الى قسمين : الذين يحفظون الناموس , ثم شعب الارض, وهم جماعة الفقراء الجهلة الغير مستعدين لاستقبال المسيح ولا يستحقون ان ينسبوااليه .
لقد انقلب الامر عند المسيحيين الى النقيض .اذ لايقولون ان المسيح قد صلب فقط , بل انه اختار هؤلاء الاغبياء ,الاطفال الجهال , وفي هذا الادعاء اغاظة لليهود لانه تشنيع بهؤلاء العظام اصحاب الناموس . فهل يمكن ان يسكت شاول على ذلك التجديف ؟
هذا ماراه شاول الطرسوسي قبل ذهابه الى دمشق .كان يريد انصافا للناموس من هذه الجماعة المجدفة . ان اشتداد اضطهاده لم يكن بسبب اسكات صوت الضمير , ولكن لتاجيج نار الكراهية والحقد على المسيحية.
فعند مواجهته ليسوع الناصري القائم من الموت ,راى الناموس يسقط امام عينيه فعلا , راى شيئا اعظم من الناموس . ان الناموس ليس شرا بحد ذاته , لكنه ليس كاملا . ان هذا المسيح اعظم من الناموس .
لقد راى شاول والذي اصبح اسمه بعد هذه االحادثة ( بولس ) ان الجهلة هم الذين اختارهم الله فعلا , وهؤلاء هم الذين اعلن لهم مجد ارادته وقصده .فالجاهل بحسب العالم , والفقير بحسب العالم , هوحكيم ووارث لكل شيء بحسب الله وتدبيره .
لقد قال له يسوع المجد ( شاول ..شاول لماذا تضطهدني ؟ ). اي انه يضع نفسه مكان اتباعه الذين يضطهدهم شاول . هذا يعني ان الاختبار الفجائي على طريق دمشق قد وضعه على طريق جديد , وكشف له الامر بطريقة جديدة . لقد فسر شاول كل شيء في ضوء هذا الاختبار , وعلى الخصوص : الرب , الناموس, الكنيسة.
المصدر الاساسي لتعاليم بولس
اذا كانت الهلينية مصدرا لبعض افكار بولس , واذا كانت اليهودية قد شكلت مصدرا ثانيا لفكر الرسول ,فان الكنيسة الاولى والمجتمع المسيحي الاول , والتقاليد المسيحية عن يسوع المسيح ,وما اعلنه المسيح للكنيسة عن نفسه بعد قيامته , مصدرا رئيسيا لفكر الرسول بولس . ويتضح ذلك من الامور التالية :
1 – ان شاول عندما قابل المسيح على طريق دمشق , كان كاي متجدد مسيحي محتاجا ان يتعلم اولا سر الانجيل . لقد كان لشاول معلومات عن المسيح لكنها ليست معلومات كاملة . لقد عرف شاول خطورة المسيح على الناموس واليهودية اكثر مما كان يعرف المسيحيون انفسهم .
ان الثغرات في معرفة شاول عن المسيح تم اكمالها عندما قابل تلاميذ المسيح والكنيسة الاولى في دمشق وعلى راسهم حنانيا :
( اعمال 19:19). وفي ذهابه الى العربية لابد انه قداخذ حصيلة كبيرة من افكار المسيحيين ليدرس ويتامل , ومن هنا جعل يكرز ان يسوع هو المسيح ( اعمال 9: 20 – 22) كاي راهب اسيني يمر بفترةاختبار لمدة ثلاث سنوات قبل تكريسه للخدمة . وليس كما يقول بعض الموتورين من ان بولس كان جاسوسا للدولة الرومانية
2 – بعد ثلاث سنوات من تجديده ذهب بولس الى اورشليم ليتعرف على بطرس ومكث معه خمسة عشر يوما . ولم يرى غيره من التلاميذ سوى يعقوب اخي الرب. وكان هذان الاثنان من اعمدة الكنيسة . ولا بد انه استقى من بطرس الكثير من المعلومات عن حياة المسيح .
3 – كان لبولس زملاء في التبشير والارسالية , ممن كانت لهم معرفة ودراية بحياة المسيح , مثل يوحنا مرقس والذي كانت الكنيسة في بيت امه ( اعمال 12:12)وبرنابا خاله( اعمال 12 – 25 ) وسيلا ( اعمال 15 – 10 9 ولعل لوقا الطبيب كان نافعا جدا في جمع المعلومات عن حياة المسيح ( لوقا 1 :1), وغير هؤلاء كثيرون ممن لم تذكرهم الكتب .
التقاليد المسلمة الى الرسول بولس
كان من عادة بولس ان يقتبس ويستخدم في رسائله عقائد وتعاليم مسلمة اليه حتى يوجد تفاهما اكثر بينه وبين الكنائس خصوصا في الرسائل المكتوبة الى كنائس لم يكن قد ذهب اليها قبل كتابة رسائله , مثل كنيستي رومية وكولوسي.
من اهم هذه التقاليد المسلمة :
- ( 1 كورنثوس 15 :3 – 7 ) : ( اني سلمتكم مااخذته ان المسيح مات من اجل خطايانا بحسب الكتب ..) .
ويلاحظ ان الفعلين المستخدمين هنا: سلمتكم و اخذت او تسلمت هما الفعلان الفنيان الرسميان اللذان كان يستخدمهما اليهود في تسلم تقاليدآبائهم التي كانوا يحافظون عليها مثل الكتب المقدسة .
ويذكر في العدد( 11 ) ان هذه التقاليد التي تسلمها ثم سلمها الى الكورنثيين لم تكن ملكا خاصا باحد , بل كانت من ضمن ميراث الكنيسةالعام .
- (1كورنثوس 11 : 23 : 25 ) ( فاني تسلمت من الرب ماسلمتكم ان الرب في الليلة التي اسلم فيها اخذ خبزا ..). ان بولس يستعمل نفس الفعلين السابقين مما يدل على انه تسلم هذا الامر من الميراث الكنسي العام الذي وجد قبله .
اما كلمة ( من الرب )فهي لاتعني انه تسلمه من الرب مباشرة بواسطة اعلان خاص , بل تظهر ان الرب هو السلطة النهائية لهذا الامر . لان نفس الكلمات والعبارات تدل على ان الرسول قد اقتبسها من مصدر مكتوب لانها لاتشابه اسلوبه في الكتابة .
مقولات كرازية
هي عبارت ترد في رسائل بولس دون ان يوضح انه اخذها ممن سبقوه , ولا يوجد برهان قاطع على انه اخذها منهم سوى البرهان الداخلي , اي اختلاف التعبيرات والاسلوب عن اسلوبه المعتاد . بكيفية لاتجعل القاريء يعتقد انه اسلوب جديد للرسول بولس في موقف جديد . وهذه المقولات لها صلة كبيرة بالكرازة التي كانت ملكا للكنيسة في تلك الايام .
- ( رومية 1 : 3 – 5 ) ( عن ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد , وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الاموات يسوع ربنا ).
- ان اسلوب هذه العبارة اليونانية يتميز بالمتوازيات :
( الذي صار من نسل داود من جهة الجسد , الذي تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة ) . هذا اسلوب العقيدة او (الاعتراف) يدل على ان بولس لم يكتبها, بل اقتبسها ممن سبقوه . خصوصا ان عبارة ابن داود او من نسل داود هي عبارة الكنيسة التي استخدمتها كثيرا .
ومن المقولات التي تسلمها بولس من الكنيسة الاولى , مثلا :
(رومية 3: 24 - 25 ) , رومية 4 : 24 , 25 وغيرها..
التسابيح الكنسية
لقد كانت التسابيح الاولى للكنيسة هي سفر المزامير , لكنهم بعد ذلك عملوا لهم ترانيم جديدة خاصة بهم. في الرسائل الرعوية نجد بقايا ترانيم ( 1 تيموثاوس 13: 16 , 2 تيموثاوس 2: 11 -13 , تيطس 3 : 4 -7 ) .
ان بولس في قمة فيضانه العاطفي والعرفاني يستطيع ان يكتب اروع الشعر المنثور كما في ( 1 كورنثوس 13 , رومية 8 :31 – 39 ) .ولكن دراسة النص نفسه تشير الى ان هذه القطعة اوتلك هي من اثار الكنيسة الاولى قبل ظهور الرسول بولس .
كما اخذ بولس من الكنيسةالاولى فريضة العشاء الرباني ثم المعمودية . لم يخترعهما بولس من عندياته ولم ياخذهما من ديانات الاسرار و ولكنه اخذهما عن الكنيسة الاولى و كما يقول في العشاء الرباني ( لاني تسلمت من الرب ماسلمتكم ) .ان المصدر الاساسي للانجيل عند بولس كان الكنيسة الاولى . وقد اخذ بولس هذه التقاليد عن الكنيسة الاولى ولم تاخذها الكنيسةعن بولس .
تم الموضوع ..
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟