|
جماليات الإبداع تواكب طفرات البيولوجيا
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 1338 - 2005 / 10 / 5 - 12:23
المحور:
الادب والفن
كثرت – في الآونة الأخيرة تلك الأبحاث التي تحرص على إذابة الحدود بين العلوم المختلفة و ذلك منذ السبعينيات في مقال لفرانسوا ليوتار بعنوان الوضع ما بعد الحداثي ثم شيوع استخدام مجازات الأدب لوصف ظواهر فيزيائية مضادة لمنطق الموضوعية التقليدي في أبحاث ستيفن هوكنج و غيره ثم استخدامها لوصف طفرات البيولوجيا الوراثية أو التكوينية حيث تزدوج فكرة الإبداع بالتطور و تاريخ الأنواع في أبحاث تشارلز دوكينز و آخرين. إن الحركة التي تميز الخصوصية الذاتية للنص الأدبي ، تتداخل وجودياً مع الحركة البيولوجية للجين ، فالتواصل الإبداعي فى الأنساق المادية هو ما يؤدى إلى النسخ ، وإعادة التشكيل والتطور الإبداعي التكويني ، دون مركزية ثابتة فى كليهما ؛ فالنص بما هو مجموعة من العلامات ، يبدأ من نقطة ، ما تلبث أن تتغير فى تمفصلاتها الجزئية ، حتى تصير إعادة تشكيل إبداعية للنقطة الأولى ، ثم تنتقل إلى القارئ فتحور وعيه وتستنسخ ذاتها فى موقع هذا الوعي ، على هيئة ظواهر جديدة هي مزيج من الوعي والنص. لقد مر علم العلامة بتطورات عديدة منذ دى سوسير وبيرس وحتى لاكان وكريستيفا وبارت وجاك ديريدا . ومن أهم مايميز علم العلامة أو (Semiotics) فى الآونة الأخيرة تأكيده على مبدأ (اللعب) (Play) الممزوج باللذة . وفى معجم (المصطلحات الأدبية الحديثة) يذكر د/ محمد عنانى معاني مصطلح (Jouissance) ، ومنها البهجة والفرح والنشوة والسرور ، ويرى أن الكلمة الفرنسية تتضمن إيحاء جنسياً ، وعند كريستيفا تشمل الالتذاذ الكامن فى الكلمة ، ولاكان يرى أنها جنسية وفكرية وروحية فى الوقت نفسه ، وتلتصق بالنص عند بارت ثم يصف مذهب اللعب (Ludism) بحرية استخلاص المعاني من النص وفق النقد التفكيكي (المصطلحات الأدبية الحديثة – د/ عنانى – لونجمان بالقاهرة سنة 1996 48/51 . ولا يمكن وفق هذا المفهوم فصل الإبداع عن حركة التطور فى النص ، وانفلاته من آليات التحكم المركزية مثل الذات والمدلول والوجود وغيرها ، والتي يستبدلها (ديريدا) بلعب العلامة الحرفي عملية الكتابة. ومثلما لا يمكن اختزال النص فى الخطاب – فى التفكيك فإن وجود الفرد وتطوره لا يمكن اختزالهما فى الجين وفق (جيلبرت) ولهذا التداخل مظهران: (الأول) على المستوى الحضارى والبيولوجي للتطور: يحتل النص موقع الجين أو العكس ، حينما يكتب الأخير تطوره من النص نفسه ، ومن ثم يصير التداخل مابعد الحداثى بين الواقع والنص أو التاريخ والرواية فى درجة إحلالية اختلافية ، فالنص يسهم فى بناء الوجود ، وتغيره ثم هدم نفسه فى عملية الاستبدال (Transference) نفسها ، بإمكانات إنتاج نص جديد ، وهكذا ويري (ستيفن هوكنج) أن الأخطاء تؤدى إلى طفرات فى الشفرة الوراثية تزيد من فرص بقاء (دنا) وتطوره أو تكاثره ، فالتطور البيولوجى يعبر عن مسيرة عشوائية (تذكر اللعب) فى فضاء الممكنات الوراثية (اللغة ، النص) ولكنه بطئ على مستوي نقل المعلومات من جيل لآخر ، وعندما أنشئت اللغة المكتوبة أصبح التمرير دون الحاجة للوسائط والطفرات ومن ثم سيزداد تعقد (دنا) إلى حد كبير وفقاً لتحسين خصائصه العقلية (راجع – هوكنج – الكون فى قشرة جوز – المجلس الوطني للثقافة – الكويت 2003) من صـ 149 : 152 ، ألا تشبه هذه الحركة النسخ الإبداعي للنص فى الوعي ، ومن ثم تحويره لإنتاج نص جديد من خلال مسيرة أخرى للتطور ، تخص الجين ، تتداخل المسيرتان إذن فى اتجاه إبداعى . ويعتقد (جيلبرت) أنه رغم إمكانية اختزال قواعد التتابع الوراثى للفرد في قرص مضغوط ، فإن الفرد لايخضع لهذه الحتمية ، لأنها تقع دائماً فى مسيرة التطور (جيلبرت – رؤية للكأس المقدسة – الجينوم – ت /أحمد مستجير – هيئة الكتاب سنة 2002 صـ66 ، صـ 67 . وأرى أن زيادة عوامل الاختلاف واحتمالات العنصرية التى رصدها جيلبرت وغيره بناء على دراسات (الجين) ستنخفض لاحتمالات وجودها في الفرد الواحد ، وتداخلاته مع الآخر. (الثانى) على مستوى النص ، وتحرره من الخطاب الجمالي المفهمومى كما يشير فاتيمو وغيره من منظري ما بعد الحداثة أو خروجه عن نطاق الفاعل كما هو عند ديريدا . التطور الذاتي للنص إذن سيكون واعياً باللعب والبهجة ، وعلى مستوى القراءة بإعادة إنتاجه وفق القارئ. وإن المحاكاة فى هذه العملية ستتخذ أشكالاً تعيد تمثيل عملية اللعب كإجراء لا يؤدى إلى غاية وفق الطور الآني للعلامة ، وسنري الأفراد يسبحون جيداً فى هذا النهر. نشر المقال بعنوان الجين و النص ضمن مجموعة دراسات نقدية صدرت للكاتب تحت عنوان ( أنشودة الجسد المقدس ) عن دار حراء بمصر2003
محمد سمير عبد السلام قاص و باحث بالدكتوراه في النقد الأدبي المعاصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرجينيا وولف صوت إبداعي متفرد
-
حضور ديريدا
-
حول العالم في ثمانين يوما الوجه الجمالي للحقيقة الروائية
-
فوكوياما بين تحديات و مخاطر الديمقراطية الجديدة
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|