|
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هشام الجخ و عدنان ابراهيم انموذجا(5)
الشريف حسين الهندي
الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 20 - 00:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(5) نصف المتمدن ... ذالك الانسان الرهيب
***
طوال الايام القليلة الماضية وجدتني غارقا حتى أذني في قراءة مجموعة من مقالات الروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز التي ضمها الكتاب الشيق كيف تكتب رواية ومقالات أخرى مساقا الى ذالك اتباعا لنصيحة اتضح فيما بعد أنها جيدة الى حد لابأس به على الاطلاق من الصديق علي الفكي
كل مقالة من هذه المقالات تشدك الى داخلها بلغة منسابة متدفقة وحس عالي من السخرية الممتعة و كان مما شدني بين ثنايا الكتاب عنوان طريف لمقال مفاده (الريف ذالك المكان الرهيب حيث تمشي الدجاجات نيئة) ... أثار لدي ذكرى جميلة تعود الى عامين أو يزيد عندما كنت في ذالك المكان الرهيب حقا
بالطبع فإن أصولي ترجع الي الريف .. جنوب الجزيرة تحديدا .. وقرية صغيرة تدعى ود النور تعيش على ذكرى المشروع و بساطة أهلها ... لذالك فإن تخصيص هذه الذكرى دونا عن سواها بالقول أنني كنت في ذالك المكان الرهيب هو وبلا شك مبالغة درامية لا بأس بها لأغراض المقال ... والمهم أننا كنا حديثي عهد بالتخرج من الجامعة اجتمعنا ذات عيد لدى صديق لنا في قرية من قرى شرق الجزيرة ... ولا داعي بالطبع للاطناب في وصف كرم أهلنا هناك أو جمال الطبيعة الى اخر تلك الاحاديث ... فالحق أنه قد واجهتني في تلك الايام مشكلة صغيرة مفادها أنه من الصعب جدا بل انه ليقارب المستحيل هناك أن أجد مكان لأدخن فيه السجائر
انه يا سادتي ولمن لا يعلم لمن المعلوم من القرية بالضرورة إستحالة التدخين في وجود من هم أكبر سنا أو حتى وجود إحتمالية لمرور من هو أكبر منك سنا و لا داعي أن يكون ذا قربى فهناك كما قال حميد " كل الناس أهل " ... ولما كنت أعاني من غضبة الاعراض الانسحابية للنكوتين كان لابد من أن انتبذ لي مكانا قصيا فهدانيتفكيري المشوش حينها الى المستراح ...
وهو مكان قضاء الحاجة غالبا ما يكون في ركن قصي من (حوش الديوان) بناء مربع قصير من الطوب الاحمر و بلا سقف غالبا ... وهذه من الالغاز الكونية التي استعصت على فهمي أن لماذا تكون هذه (المستراحات بلا سقف .... و هو مكان شاعري جدا كما ولا بد أنك لاحظت ذالك ... احساسك بالتبغ وهو يتغلغل في داخلك يوقظ خلاياك المجهدة يصفي ذهنك و يسمو بروحك و و سماء الريف الصافية المتلألئة بالنجوم من فوقك ... لا يمكن أن يكون هناك مكان أكثر شاعرية من هذا و لابد أن مكان كهذا شهد ميلاد كل الافكار العظيمة في التاريخ كتلك التي راودتني حينها ..بأنه ومما لاشك فيه أبدا أن الصعوط/التمباك/العماري هو من أيدلوجيا القرية ولا شك ....
و لو أني كنت قرأت عنوان مقال ماركيز هذا حينها أو لو أنني التقيت بماركيز لأشرت عليه بتعديل عنوانه ذاك ليصبح (الريف ذالك المكان الرهيب حيث يسف الناس التمباك) أو (نصف المتمدن ذالك الشخص الرهيب الذي يتعاطى الصعوط ) أو شيئ من هذا القبيل
و لنفصل في الامر قليلا .... فإن الغالبية العظمى ممن يمارسون فضيلة التبغ الان قد بدأو ذالك إبان سني مراهقتهم الباكرة .. و الامر في مجمله مفسر بالتقلبات الهرمونية للمراهق و ان كنت أفضل تسميتها بثورة الهرمونات ... و المراهق يتخذ من التبغ منبرا ليعلن أنه قد بلغ مبلغ الرجال و لكن للامر رمزيات اخرى خطيرة مثل الرغبة في الاستقلالية و التمرد على تابوهات الطفولة خصوصا تلك التي لا يأخذها المجتمع بجدية كبيرة كسوءة التدخين مثلا أو مشاغلة البنات و غير ذالك ....
و اذا أخذنا التدخين كمثال نجده صارخ في ثوريته ... فرائحة التبغ تبقى دلالة على الفعل حتى بعد انقضائه و لا سبيل لاخفاء اللفافة أثناء التدخين مما يجعل اكتشاف المدخن مسألة حتمية لا فرار من المواجهة حين حدوثها و هو الامر الذي لا يرغب في حدوثه لا المراهق ولا ابائه حيث أن العقد الاجتماعي غير المكتوب هناك أن بامكان الشاب ان يفعل ما يريد طالما ان الكبار لا يعلمون او هم غير مضطرين للتعامل مع نتائج افعاله .... لكل هذا و غيره كثير فإن قريحة القرية قد تفتقت عن تلك العجينة السوداء السحرية التي تدعى التمباك ... سهل الاستخدام و سهل الاخفاء كما أنه لا يترك خلفه أي دلائل تدل عليه رائحة أو أي شيء كان
و ما فعلته قريحة القرية بثورة الهرمونات تفعله بكل المفاهيم المدنية التي ترد اليها ... حيث تلوي عنقها و تطحنها ثم تخرج منها بمزيج مشوه هو ما ندعوه نحن بأيدلوجيا نصف المتمدن ... فالديمقراطية تصبح عملية اجرائية انتخابية تفوز فيها مراكز القوى في القرية ليصبح شيخ القبيلة هو النائب في البرلمان وابناءه هم القيادات الذين تتبارى الاحزاب عليهم لضمهم الى صفوفها ... ولا بأس بتعليم الفتيات إذا كانت الفتاة تذهب الى الجامعة كما كان أسلافها يذهبون ب(مراحهم ) الى الاسواق لبيعها و تصبح الجامعات أشبه بسوق تمبول او الكريبة بشكل عصري لاستقطاب العرسان كما كانو من قبل يستقطبو مشتر لبهائمهم
و هكذا و هكذا كلما قدمت بنية الوعي التناسلي من تنازل لمصلحت سلوك برجوازي ما عملت جهده لتضمن تدجينه و اعادة انتاجه كما فعلت من قبل مع ثورة الهرمونات .... وليصبح العماري هو الرمز الاكثر مصداقية لتمثيل حالة نصف التمدن ... فإن أيدلوجيا نصف المتمدن هي أيدلوجيا الصعوط بلا منازع
و إن كان لي من تعديل آخر على عنوان مقال ماركيز الذي ابتدأت به حديثي فإني لأقول ( نصف المتمدن هو ذالك الانسان الرهيب الذي يسف التمباك و يعجب بشعر هشام الجخ , وافكار عدنان ابراهيم)
#الشريف_حسين_الهندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هش
...
-
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هش
...
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|