|
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هشام الجخ و عدنان ابراهيم انموذجا(4)
الشريف حسين الهندي
الحوار المتمدن-العدد: 4781 - 2015 / 4 / 18 - 22:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(4) نصف المتمدن ... قشة في مهب الريح
"سمعت هديل القمري، ونظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير. أنظر إلى جذعها القوي المعتدل، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة. أحس أنني لست ريشة في مهب الريح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف."
***
المقطع السابق من رواية موسم الهجرة الى الشمال لكاتبها الطيب صالح والذي أتى على لسان الراوي العائد لتوه الى قريته بعد غربة دامت سبع سنوات في بلاد(الخواجات) يمثل وبلا شك إحدى أخطر أيدلوجيات نصف المتمدن التي تحكم أفعاله وتبرر تناقضاته ... هذا الاحساس الدافئ بالجذور و الرؤية الصافية للاهداف والثبات و القدم ....
هناك إعتقاد راسخ لدى أنصاف المتمدنين أنه بإمكانهم التعامل مع منتجات الحضارة بشئ من الانتقائية مع حفاظهم على قيمهم ومورثاتهم حتى يكونو مثل تلك النخلة ... مخلوق له أصل .. له جذور .. وله هدف ... فتكون النتيجة محافظة شبه كاملة على منظومة قيم بنية الوعي التناسلي القديمة مع تلطيخها ببعض المساحيق البرجوازية التي لا تسمن ولا تغني من تناقض لتصبح البرجوازية أو المدنية قشرة رقيقة تحوي بداخلها كل القروية بلا قدرة على هدمها لغياب القدرة على التفكير النقدي أو لخوف مبهم يلازم أصحابها من أن يصبحو "ريشة في مهب الريح"
الطيب صالح في روايته تلك يقدم لنا مقابلات درامية موغلة في عمقها ودلالاتها فمقابل ذالك الاحساس الذائف بالحقيقة لدى الراوي في بداية الرواية ينقلنا الى نصف متمدن اخر اصطدم بكل تناقضاته حتى أضحى لا يمكنه غض الطرف عنها هو مصطفى سعيد الشخصية الرئيسية الاخرى في الرواية يكاد يصرخ في منتصف محاكمته و قد بانت له الحقيقة عارية (هذا المصطفى سعيد لا وجود له . إنه وهم ،أكذوبة . و انني أطلب منكم أن تحكمو بقتل الاكذوبة ) !!
حالة الراوي النفسية في مستهل (الموسم) تمثل بجلاء واضح منهجية التفكير لدى نصف المتمدن ذالك الشعور الجارف بالانتماء حتى أنه كان يسمع أصوات أهله في الغربة ... والحقيقة " مثل هذه النخلة" والحماس الشديد للفعل و الاحساس بوضوح الهدف "لا .. لست أنا الحجر يلقى في الماء و لكنني البذرة تبذر في الحقل" إذا ما أضفت اليه قليل من الغرور و الخوف من أن أهله لن يفهموه خصوصا في إنطباعاته عن (الخواجات) كل هذا مع غياب أو عدم الرغبة في التفكير النقدي .. جميعها تصب في حقل لا ينبت منه الا المتعصبين أصحاب الايدلوجيات المحكمة والتي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ... ذالك أنه يمكن القول وبلا وجل من الخطأ الجسيم أن التعصب السياسي و الايدلوجيا العمياء هم الابناء الشرعين لتناقضات نصف المتمدن الفكرية
الراوي نفسه يدرك ذالك بعد أن يتوغل في عالم مصطفى سعيد الغريب عليه تماما ... تجده في منتصف الصحراء وقد أقامو ذالك العرس البهيج يناجي نفسه " أحس أننا جميعا أخوة . الذي يسكر و الذي يصلي و الذي يسرق و الذي يزني و الذي يقاتل والذي يقتل. الينبوع نفسه و لا أحد يدري ما الذي يدور في خلد الاله . لعله لا يبالي . لعله ليس غاضبا" فهذا التسامح و الشك يناقض تماما حالته عندما بدأت الرواية بيد أنه -أي الراوي- يدرك تماما فيما بعد عند حادثة حسنة بت محمود تحديدا بأن التسامح وحده لا يكفي وأنه لابد من مواجهة تلك التقاليد البالية التي تحكم القرية .. ولكن كيف يواجه جده وعالمه وهو نفسه الذي أصبح لا يدري أين تقع الحقيقة لعلها عندهم و لعل الخير لحسنة لو أنها وافقت على زوجها ود الريس لتنتهي الرواية به سابحا في مجرى النهر معلقا بين الشمال والجنوب" لن أستطيع المضي ولن أستطيع العودة" .. قشة في مهب الريح حرفيا
إن هذه القراءة مفادها أنه وبرغم أن الطيب صالح كان يتحدث في روايته تلك عن هموم جيله ومعاناته الا أننا ما زلنا وبرغم كل تلك السنوات ننظر في ذالك السفر الخالد فنرى امالنا و همومنا حتى لكأن أمتنا وطوال ذالك الزمان لم تتجاوز الصفحات الاوائل من الموسم ولما نصادف "مصطفى سعيدنا الخاص بعد" ولذالك فلا غرو ولا غرابة أن تنظر اللجنة المنظمة لجائزة الطيب صالح العالمية الى مجمل أدب الطيب فلا تخرج منه الا بتلك العبارات (لست القشة في مهب الريح أو لست الحجر يلقى في الماء)ليصدروها كشعار لجائزتهم ظنا منهم انها تمثل الطيب صالح جاهلين أنها تمثل ذواتهم نصف المتمدنة وطريقة تفكيرهم العمياء المتعصبة ... وإن لنا أن نحلم بيوم يصبح فيه شعار الجائزة "لا أحد يدري ما الذي يدور في خلد الاله لعله لا يبالي" أو (أن الدومة تسع الجميع) أو شيئ من هذالقبيل و هو لعمري حلم يبدو عسير المنال في ظل تحكم أنصاف المتمدنين فينا
إن الحديث عن الطيب صالح ذو شجون و لعلي عائد اليه في يوم من الايام .. أما الان فإن لنا أن نقول في الحياة لا مساس و نسعى لكشف بعض أيدلوجيات القرية التي ما تنفك تنفسها في جسد المدينة الضئيل لتنتج لنا مثل شعر هشام الجخ و زائقة جمهوره من القراء
#الشريف_حسين_الهندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هش
...
المزيد.....
-
بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة
...
-
وزير الخارجية الفرنسي: لا خطوط حمراء فيما يتعلق بدعم أوكراني
...
-
سلسلة غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت (فيديو)
-
هل تعود -صفقة القرن- إلى الواجهة مع رجوع دونالد ترامب إلى ال
...
-
المسيلة في -تيزي وزو-.. قرية أمازيغية تحصد لقب الأجمل والأنظ
...
-
اختفاء إسرائيلي من -حاباد- في الإمارات وأصابع الاتهام تتجه ن
...
-
أكسيوس: ترامب كان يعتقد أن معظم الرهائن الإسرائيليين في غزة
...
-
بوتين يوقع مرسوما يعفي المشاركين في العملية العسكرية الخاصة
...
-
-القسام- تعرض مشاهد استهدافها لمنزل تحصنت فيه قوة إسرائيلية
...
-
للمرة الأولى... روسيا تطلق صاروخ -أوريشنيك- فرط صوتي على أوك
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|