|
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هشام الجخ و عدنان ابراهيم انموذجا(1-3)
الشريف حسين الهندي
الحوار المتمدن-العدد: 4780 - 2015 / 4 / 17 - 22:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(1) نصف المتمدن .. مقدمة لابد منها
يمكن القول بلا كثير توجس من الخطا الجسيم بأن مجتمعنا اليوم هو مجتمع أنصاف المتمدنين بإمتياز إنهم في كل مكان في كل ذاوية يحدقون بك يمطرونك بملاحظاتهم المتناقضة و يناقشونك بمنطقهم المعوج وليس ثمة من مفر فحيثما تولي وجهك فثمة نصف متدن يرتدي ثياب الامبراطور الجديدة و ليس لديك ما يكفي من شجاعة لتخصف عليه من ورق المنطق ما يواري به سوؤته العقلية .
كل من قرأ في بلد العميان لويلز يدرك تماما حزن زرقاء اليمامة و يأس أنبياء العهد القديم من أقوامهم ... مع وباء أنصاف المتمدنين يا سيدي إن لك في الحياة أن تقول لا مساس أو أن تصبح مثلهم تماما إن الحبيبة رفقاء النضال ندماء الليالي السعيدة بائعي السجائر و مساعدي الحافلات و ستات الشاي و الجميع الجميع حتى ال بيتك الاطهار المقربين هم يا عزيزي من أنصاف المتمدنين .
في كتاب كولن ولسون المسمى اللامنتمي ينحى صاحب الكتاب منحى أقل ما يوصف به بأنه مستفز جدا ذاللك أنه يشرع في الحديث عن أشخاص يصمهم بأنهم جميعا لا منتمين من دون أن يكلف نفسه مشقة أن يخبرنا ما هو اللامنتمي هذا بدلا عن من هو . لذا فإن لنا أن نسن لأنفسنا (خارطة طريق ) لهذا البحث حتى لا نقع فيما وقع فيه صاحب اللامنتمي.
بدأ سنحاول الاجابة على سؤال ما هو نصف التمدن و ماذا نعني بالمدينة و القرية ... ثم من بعد ذالك ندلف الى بعض السمات المشتركة في التفكير عند أنصاف المتمدنين ثم نختم بحثنا هذلا بدراسة موضوعية لأثر نصف التمدن في شعر الشاعر المصري هشام الجخ و في الاراء الفقهية الجديدة التي اضحت شائعة اليوم في أوساط أنصاف المتمدنين مثل محاولات عدنان ابراهيم وغيره من الدعاة الجدد
***
(2) نصف المتمدن .. بنية الوعي التناسلي
المدينة ...
إن تعريف المدينة وكما أقترح في هذا المبحث لا ينبغي بأي حال أن يتمايز أو يختلف عن تعريف حالة التمدن ... ويمكننا لأغراض تتعلق بإيجاد تعريف شامل و ممايز للمدينة وحالة التمدن أن نستلف من لغة اليسار الماركسي لنقول إن المدينة هي وسط يجتمع فيه الناس وفقا لعلاقات انتاج معقدة و غير قابلة للإختزال و يلعب فيه رأس المال الفكري دورا واضحا وقويا وبهذا يتضح تماما أننا نتحدث عن مدن برجوازية ذات نمط سلوكي يتحدد بالأساس من هذا التداخل بين هذه العلاقات المعقدة وغير القابلة للإختزال في مقارنتها بالقرى التي يتسم سلوكها المعيشي بالبساطة الناتجة من بساطة علاقات الانتاج في القرية
في ورقته الثرة موسم الهجرة الى الشمال مقاربة تحليل فاعلي ينحو الشيخ محمد الشيخ منحى جديدا في تحليله لدرة أدب ما بعد الكولينيالية (الموسم) عندما يحيل الصراع في داخل العمل الروائي لصراع بين بنيتين عقليتين تتنازاعان وعي ابطال العمل الروائي مصطفى سعيد بشكل اكبر هما بنية الوعي التناسلي التي يمثلها الجنوب موطن البطل الرئيس و بنية الوعي البرجوازي التي يمثلها الشمال حيث دارت رحى معظم احداث الرواية
وبلا استطراد مخل يمكننا أيضا أن نستلف مصطلحات الشيخ لاغراض هذا المبحث كما فعلنا مع مصطلحات اليسار الماركسي من قبل لتصبح القرية تمثل بنية الوعي التناسلي بعلاقات انتاجها المبسطة التي تعزز من نمط المعيشة التكافلي أو الجماعي حيث ان بساطة علاقات الانتاج و قلة متطلبات الحياة تجعل من من يملك وسيلة الانتاج سواء كانت الارض او القطيع او حتى المقدرة الجسدية هو الفاعل الرئيس في مجتمع القرية ليقوم نظام اجتماعي ابوي بطرياركي و تنمو بنية الوعي التناسلي حيث ان النسب و القربى هي الروابط الاساسية بين مكونات المجتمع/الاسرة/القبيلة بالفاعل أو الفاعلين الرئيسين في نمط الانتاج القروي
أما في المدينة والتي تمثل هنا بنية الوعي البرجوازي فإن علاقات الانتاج المعقدة و دخول العامل الذهني بدلا عن الجسماني كعامل حاسم في صراع كسب لقمة العيش يجعل من الصعب على الاسرة الاعتماد على عائل واحد كما أن من مميزات نمط الانتاج البرجوازي على القروي هو دخول الثقافة الاستهلاكية التي جعلت متطلبات الحياة أكثر تعقيدا مما كانت عليه في القرية وهو الامر الذي يعمل على تفكيك بنية الوعي التناسلي من حيث تفكيك اعتماد المجموعات على عائل واحد لندخل في عصر الفرد فيه هو عنوان المرحلة لا الاسرة و التميز العقلي لا الجسماني او الاثني هو ما يحدد المكانة الاجتماعية للفرد لتظهر بنية الوعي البرجوازي القائمة في الاساس على التقليل من قيمة النسب و الحسب وإعلاء قيمة التميز العقلي لتصبح قصص الابطال في المجتمع البرجوازي هي قصص النجاح للافراد لا قصص الانتصار للقبيلة و الارث والاخذ بثأر قديم كما كانت عليها في القرية
فإذا ما كان هذا هو الفرق بين مجتمع القرية والمدينة فإن السؤال الذي سيلازمنا الان يصبح من هو نصف المتمدن هذا و ما مظاهر سلوكه و ما هي علاقة شعر هشام الجخ او اجتهادات عدنان ابراهيم هو ومن شاكله بكل هذا ؟؟
***
(3) نصف المتمدن ... صابون بلا تعليم
هنالك نصيحة مشهورة منسوبة للكاتب الامريكي مارك توين يقال حسب مصادر عربية على شبكة الانترنت انه نصح بها وزير الحربية الامريكي اللذي لا تذكر المصادر اسمه ومفادها ان توين قد قال له ان أفضل طريقة للتخلص من الهنود الحمر إذا ما اسبعدنا خيار أن نجمعهم جميعا في حفرة كبيرة و نطلق عليهم النار (وهو خيار جيد كما لا يفوت على فطنة القارئ) هو قصفهم بالصابون والتعليم
بالتأكيد تذكر هذه القصة التي لا أدري مدى صحتها التاريخية في صياغ عام من الشتائم المقذعة للعقلية العنصرية الامريكية و الامبريالية العالمية الجديدة الى اخر هذه الموالات النضالية المعروفة ... ولكن الملاحظ هو دقة هذه العبارة المنسوبة لتوين في توصيف اليات بنية العقل البرجوازي المستخدمة لهدم انماط السلوك القروية (الصابون) و بنى الوعي التناسلي لدى القروي (التعليم)
يمكننا القول بأن الرحلة الجغرافية أو المكانية ما بين القرية والمدينة التي يقطعها القروي لحاجة في نفس يعقوب قد تختلف من شخص الى اخر تشابه الى حد كبير رحلة اخرى زمانية تاريخية قطعتها البشرية جمعاء أو ما زالت في تقطعها بين نمط الانسان القروي المسيطر سابقا و بين نمط التمدن الحديث ... حيث لعب التطور في تطبيقات العلوم والنقلات الصناعية والتكنلوجية دور الصابون التاريخي في تشذيب و تهذيب السلوك الانساني كما لعب التطور في مناهج التفكير والمدارس الفلسفية المتطورة دور التعليم التاريخي في هدم الأسس النظرية لبنية الوعي التناسلي لدى الافراد .... والملاحظ في هذا التحول التاريخي تجاه المدينة أن كلتا ميكانيزمات التمدن -الصابون والتعليم- يجب ان تعملا بشكل متزامن لانتاج سلوك مدني ونمط تفكير متمدن يقي الفرد مغبة الوقوع في شرك نصف التمدن و هو مالم يحدث في الرحلة الجغرافية المكانية لقرويينا في العالم الثالث
إن لدى كاتب هذه السطور وكما هو بين من السرد أعلاه ما يدعوه الى الى الإعتقاد بأنه وبرغم الاختلاف في التفاصيل تبقى هنالك بعض السمات العامة المشتركة بين انسان المدينة وانسان القرية على مستوى العالم وبالتالي سمات مشتركة بين انصاف المتمدنين كذالك ... بيد أنني مثل شيخي تاج السر الحسن " ما زرت يوما اندونيسيا أرض سوكارلو ولا شاهدت روسيا " لذالك فإن لنا أن نقصر بحثنا عن سمات نصف المتمدن على أرض السودان ومن ثم نبحث عنها ففي العالم العربي القريب عل ذالك يكفينا مغبة التعميم المخل و الاختزال المضر
***
المدينة في السودان تستقبل القروي ب(صابون) شديد الفعالية يتمثل في السخرية اللاذعة من نمط سلوكه ملبسه و حتى طريقة حديثه هذا إذا ما أضفت اليه الهجمة العولمية الشرسة و انتشار ثقافة الاستهلاك البرجوازية تجد لديك القروي وقد نضا عنه (عراقيه) المتسخ و استبدله على المدى الطويل ب(تشيرت أديني حقنة) و لربما اختلفت طريقته في الحديث على المدى الأطول وذالك أقصى ما يمكن أن يناله من مدنية شكلية إن صح التعبير و حتى هذه قد ينجو من كثير من مظاهرها إذا ما استعصم ببعض أيدلوجيا القرية المتمثلة ي الاعتزاز بالأصل القروي الى اخر ذالك الهراء
أما في يختص بالتعليم فإن المدينة لدينا قد فشلت في ذالك فشلا ذريعا فمن ناحية فهي لم توفر علاقات انتاج بذالك القدر من التعقيد اللازم لتغيير افكار الافراد على المدى الطويل كما أنها و و لأنها ورثت نظام تعليمي تلقيني من المستعمر لم تنجح في تمليك طلابها القدرة على التفكير النقدي فصارت مفاهيم مدنية بحتة مثل الديموقراطية و الحرية و حقوق المرأة تعيش في دواخلهم جنبا الى جنب مع مفاهيم قروية قديمة مثل الرجولة و الشرف ووجوب طاعة الاكبر سنا دون أن يستطيعو نقدها وتفكيكها في دواخلهم ... وباختصار أنجبت المدينة أنصاف متمدنين حرفيا و مع كل جيل جديد تزيد فيهم مظاهر المدينة الشكلية وتقى غي دواخلهم مفاهيم القرية البالية حتى دون أن يدركو ما يعايشونه من تناقض داخلي
ثمة إغراء لا بأس به يراودني الان بالاستفاضة والاستطراد في هذا التناقض داخل مؤسسة الدولة السودانية البرجوازية شكلا القروية جوهرا وموضوعا .. أو ربما الاشارة الى الماخذ التي أخذه دكتور محمد جلال هاشم على طبقة الافندية والتي تشكل أساس انصاف المتمدنين في السودان و لكن ذالك حديث قد يأتي لاحقا فلنحاول الان مراجعة بعض أيدلوجيات القرية التي تسربت الى المدينة ضعيفة التأسيس و من ثم نبلغ مبتغانا في تحليل الظواهر الاعلامية للجخ او لعدنان ابراهيم على ضوء هذا التأطير النظري الذي قدمناه
يتبع
#الشريف_حسين_الهندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة
...
-
وزير الخارجية الفرنسي: لا خطوط حمراء فيما يتعلق بدعم أوكراني
...
-
سلسلة غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت (فيديو)
-
هل تعود -صفقة القرن- إلى الواجهة مع رجوع دونالد ترامب إلى ال
...
-
المسيلة في -تيزي وزو-.. قرية أمازيغية تحصد لقب الأجمل والأنظ
...
-
اختفاء إسرائيلي من -حاباد- في الإمارات وأصابع الاتهام تتجه ن
...
-
أكسيوس: ترامب كان يعتقد أن معظم الرهائن الإسرائيليين في غزة
...
-
بوتين يوقع مرسوما يعفي المشاركين في العملية العسكرية الخاصة
...
-
-القسام- تعرض مشاهد استهدافها لمنزل تحصنت فيه قوة إسرائيلية
...
-
للمرة الأولى... روسيا تطلق صاروخ -أوريشنيك- فرط صوتي على أوك
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|