بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4774 - 2015 / 4 / 11 - 20:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك في أن موضوعاتنا التي كتبناها بصفة عامة, وموضوعنا السابق بصفة خاصة كان وقعه أليماً شديداً على كثير من المنتفعين من تطويق الإسلام والقرآن بخيوط عناكبهم السامة, فكانت صفعة قاسية على وجوههم أنْ يرونا نكتسح كل الإفتراءات والإدعاءات التي قاموا ويقومون ببثها والترويج لها ليل نهار للإساءة إلى الإسلام بأكبر قدر ممكن من الأكاذيب والإفتراءات والبهتان.
لذا فقد أصبح تقدمنا في هذا طريقنا الطويل الشائك محنةً حقيقيةً لهم, وعقبة في طريقهم الذي رسموه لأنفسهم خبثاً وتخابثاً, فالآن يرون أن كل نمورهم التي أطلقوها في ساحة الإسلام الرحبة كانت نموراً من ورق وأنَّ إستراتيجياتهم الفاشية الفاشلة في طريقها إلى الزوال "السريع" بإذن الله تعالى.
كنا نعلم سلفاً ونرصد ونتوقع - من سعيناً لتصحيح المسار الإسلامي وإزالة الغبش المفتعل وكسر السياج المضروب حوله - لن يمر بسلام وسيؤدي إلى ردة فعل كبيرة, وأن خفافيش الظلام ستنشط ولكن هذه المرة بان إضطرابهم وقلقهم وتخبطهم كقرد جريح,, مرةً يلعق جروحه وأخرى يعمل على توسيعها بتنطيطه في كل الإتجاهات بألم وحيرة وقلق.
الموضوع كما تابعه القراء الكرام ليس له علاقة بكل الذين تسابقوا بشراهة إلى كتابة التعليقات حوله, والتي من صياغتها وأسلوبها العدواني المغرض تدل على التخبط وعدم الحيلة والإرتباك, لذا كان أغلب المعلقين (لا أقول كلهم) لجأوا كعادتهم إلى إسطوانتهم المشروخة التي تدل على السذاجة والجهل حتى بالأمور العادية والمعلومات العامة وبدون تركيز في أي شيء أو تبني أي فكرة أو موضوع, سواءاً أكانت أموراً أو مواضيع أدبية أو لغوية أو سياسية أو تاريخية, بل حتى أحداث الساعة لم نجد أي منهم قد ركز على نقطة ذات أثر يمكن للشخص أن يبني عليها رد أو يتبادل معها بفكر أو ذكر.
لذا تجد أن هذه التعليقات تدل على وجدان خرب, ومستوى تفكير أصحابها متدني, من أولئك الذين لا يهمهم إهتزاز صورتهم ومصداقيتهم أمام القراء الذين سيقيمون كل كلمة تقال بميزان الذهب. فالسمة الظاهرة لهؤلاء الجهلاء هي السواد الداخلي والوجدان المجخي والكراهية غير المبررة لكل ما هو حق وإستقامة,,, فيعُّرون أنفسهم بأنفسهم دون حياء ويكشفون واقعهم وعشقهم للشر أينما وجد.
طبعاً نحن لا نقول هذا لأننا قلقون من تعليقاتهم,, أو نخشى من شرها, فهذا حق مكفول لهم, ولكن عليهم أن يعلموا جيداً أننا على أتم الإستعدام والملكة لأن نجابه ونواجه ومتفاعل مع كل فكرة سليمة أو جهالة سمجة سخيفة بصبر وأناة وعقلانية. فما دمنا على حق, ولا نرجوا بديلاً غيره, وفي الوقت نفسه نملك ناصية المرجعية الوحيدة في العالم وهي كتاب الله فهذا يجعل موقفنا دائماً ثابتاً ومتوازناً وراسخاً في ألمجابهة والمقارعة بالحجة والبينة والدليل المادي الذي لا ولن يملكه الطرف الآخر الذي يعتمد أساساً على الهوى والإشاعات والأكاذيب والبهتان.
ولكن المنطق والعقل يقول ما دام أننا نناقش أفكاراً ومعتقدات ونتناول مواضيع عامة هي ملك للجميع - وهذا يعطيهم الحق في أن يدلي كل منهم بدلوه دون تقييد لحريته أحد – يبقى على الطرف الآخر أن يلتزم الموضوعية والأمانة العلمية وإحترام الذات والحفاظ على المصداقية التي باتت لديهم على المحك. غير أن مغالاتهم في الشنآن لدرجة الإعتداء والتعدي على الغير بالإساءة لهم ولمقدساتهم والتدخل في خصوصياتهم فهذا هو السفه وسوء الأدب والإخفاق في تبني مرجعية موثوقة لديهم ليحاججوا بها.
ومن ثم, فإن شعورهم بالإنهزامية ووطأة الفشل والإحباط تجعلهم في مهب الريح, فلا يجدون لأنفسهم بديلا للتنفيس عن ما بداخلهم سوى بالتطاول على الآخرين بما لا يمكن أن يتصوره ويقبله العقل ويستريح له الضمير الإنساني الحي, كما سنرى لاحقاً من تفنيدنا لهذه التعليقات الخرقاء.
فالموضوع الأساسي الذي كتبناه, "بكلياته" كان شأناً خاصاً قصندنا به تصحيح مفاهيم إسلامية وحث أولي الأمر منهم على مراجعة ترتيب بيتهم من الداخل, وتنقية مراجعهم من الشوائب التي طغت على الحق والخير الذي يكمن فيها. وبالتالي لم نوجه فيه أي نقد أو نناقش فيه أي فكر لغير المسلمين ويكفيهم برهاناً على قولنا هذا العنوان الذي أسميناه (الذين جعلوا القرآن عضين), من بعض المسلمين فلم يكن الهدف من ذلك الخوض في شخص المجتهد نفسه وإنَّما قصدنا منه مناقشة مفاهيم خاطئة عن القرآن الكريم تحديداً وحصرياً, سواءاً أكان ذلك معهم أو مع غيرهم لنصل معاً إلى خطاب إسلامي صحيح يكون نابعاً من كتاب الله تعالى وليس من تلك الإختلافات والإجتهادات المذهبية والطائفية التي شجعت وطمَّعت المحبطين الضالين "بغاث الطير" لأن يستغلوا ذلك التقصير والغفلة منهم فيتطاولون عليهم وعلى ربهم وكتابهم ونبيهم,,, وهم أصغر وأحقر وأجهل من أن يناقشوا مشاكلهم ونواقصهم الخاصة التي عمَّت وطمَّت.
لقد راجعنا فيه إجتهادات المجتهدين ليس تطاولاً عليهم ولا تقليلاً من شأنهم وقدراتهم العلمية والفكرية ولم نطعن في حسن نواياهم وسعيهم الخيِّر,, ولكننا بإعتبارنا جميعاً "كبشر" غير معصومين من الزلل والخطأ وسوء التقدير, ومع ذلك مطالبين من الله تعالى إعمال أفكارنا وعقولنا في تدبرنا للقرآن الكريم في كل لحظة وليس مرة واحدة وذلك بأمر الله تعالى نفسه, لأنه منهج حياة كامل مكتمل, لذا يجب أن يكون فعالاً على الدوام لضبط إيقاع حياتهم به وعلى هديه وضوابطه القويمة.
نعم قد يكون كلامنا - مع إخوتنا الذين يشاركوننا الهم والمصير والمقصد والمرتجى وكلامهم معنا – فيه شيء من الحسم والشدة التي تفرضها علينا وعليهم الأمانة التي نواجهها وتخيفنا إن فرَّطنا فيها أو داهنَّا أو أدخلنا فيها أهواءنا, وهدينا في ذلك قوله تعالى لنبيه الكريم (ودُّوا لو تدهن فيدهنون). وطبعاً مسعانا هذا إنما قصدنا منه أيضاً تكذيب الأفاكين ومواجهتهم بحقيقة القرآن وحقيقة الإسلام وتبصرة الناس على الحق والحقيقة التي حاول طمسها الأفاكون وساعدهم على ذلك وهن وغفلة المسلمين,,,
ولكن في المقابل,, فإنَّ المرجفين المتربصين بنا الدوائر,, من أولئك الذين يعدون علينا أنفاسناً ويحصون علينا تحركاتنا,,, لم تخف عنهم ورطتهم وهلعهم ممَّا نقوم به من كشف أكاذيبهم وإبطال مفعول تلفيقاتهم, ولم يغب عنهم خطره على برامجهم الهدامة الي أعدت بدقة لإقتلاع الإسلام من جذوره لأنه المرآة الفاضحة التي يرون من خلالها أنفسهم على حقيقتها,, فهو كاشف للعيوب ومواجه لأصحابها بها,, ومذكرٌ إياهم بالهوة السحيقة التي تردوا فيها والمصير البائس الذي ينتظرهم, وبالتالي لن نستغرب سعيهم بكل طاقاتهم لكسر هذه المرآة لأنهم عجزوا في أن يغيروا ما بأنفسهم حتى تعكس لهم صورة جديدة أفضل يحترمونها.
كل مواضيعنا دون إستثناء ركزنا فيها على منهجية ثابتة وواضحة ومحايدة فيما يتعلق بالدين ومعتقدات الناس, وقلنا ما قاله (القرآن الكريم بإحكام وتفصيل) إن الوحيد الذي يُقَيِّم الأديان, ويفاضل بينها, ويختار ويقبل منها ما يريده هو نفسه المقصود بهذه الأديان وذلك هو (الله الخلَّاقُ العليم) بالنسبة للمؤمنين "إيماناً وتسليماً" ولغيرهم "حقاً قاهراً" حتى إن أنكروه, وهو خالق السماوات والأرض, وخالق كل شيء, أو الآلهة الإفك بالنسبة لمن أراد إلهاً غيره وفقاً لهواه, فله ما إختار لنفسه بكامل حرته "وفق مشيئة الله وإذنه".
ولكن لم يأذن الله تعالى لأحد أن يتدخل في ما بينه وبين عبده إلَّا بالبيان والنصيحة للتبليغ لإقامة الحجة, وذلك ما لم يفرض أحد دينه أو معتقداته على غيره فرضاً أو يسعى في الأرض جباراً وناشراً للفساد. هذا,, وقد أرجأ الله تعالى تقييم عمل الناس (كل الناس) ومعتقداتهم ومجازاتهم عليها لليوم الآخر,, سواءاً أآمن الناس بذلك أم لم يؤمنوا.
كما قلنا إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يتضمن في سوره وآياته مئات التأكيدات على حرية الإعتقاد والمعتقد, ولم يجعل الله لأي بشر سلطاناً على بشر آخر مثله ليلزمه بدين هو لا يريده وغير مقتنع به, لأن الله تعالى لا يريد "كمَّاً وعدداً", فالكون كله ساجداً لله تعالى وموحداً ما عدا الثقلين الذين إبتلاهما الله بالإختيار ليعلم من يؤمن به غيباً ممَّن يكفر به عن علم. ( فلو كان هذا مراده لقهر الناس عليه قهراً كغيرهم من المخلوقات, فهو الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء), وإنما يريد "نوعاً فريداً خالصاً مخلصاً له بالتوحيد والطاعة والعبادة ", فيكون مقبلاً عليه إقبالاً بحب وقناعة من تلقاء نفسه.
وقد كتبنا مواضيع مطولة في هذا الشأن لم يكن رأينا الشخصي "بالطبع" من ضمن ما كتبنا,, ولكن فقط من تدبر كتاب الله المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهذا ما يطالب به كل شخص حتى الملحدين وغيرهم يدَّعون بأنهم يريدون حرية المعتقد,, والقرآن الوحيد الذي يقول بذلك ويؤكد عليه ويطالب به فيقول (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي), وقد كفله للجميع دون إستثناء,, والذي يريد التأكد من قولنا هذا عليه مراجعة ما كتبناه في هذا الشأك بالرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=459340
وهذا يؤكد ما قلناه, انَّ الملاحقات بالسباب والإساءة لديننا ولنبينا من كل أولئك السفهاء الأقذام, ليس له أي منطق ولا مبرر سوى العدوان والإعتداء من الفاسدين وجداناً وخلقاً, على الآخرين غيرهم وإستفذاذهم بالتعدي على أجلَّ وأقدس مقدساتهم ظناً منهم ووهماً بأن هذه التراهات والتخرصات يمكنها أن تثني عزمنا وعزيمتنا أو تهز شعرة من رأسنا. لذا نعدهم بأننا سنحاصر سعيهم الهدام ومساعيهم الشريرة من كل جانب ونأتيهم من كل حدب وصوب "رجالاً وعلى كل ضامر", لنهدم إفكهم وكذبهم وشرَّهم, "بالكلمة, والحجة والدليل والبرهان", لتحل محله "الحقيقة" بفرض سلطان الحق والعدل والإنصاف والقسط الذي لا يعرفه هؤلاء المحبطون المهزومون.
في الواقع ظننت أن تكون جل التعليقات على هذا الموضوع - إن لم تكن كلها - من أهل الشأن المعنيين أنفسهم, وهم المؤمنون الذين خاطبناهم بصفة خاصة بموضوعنا هذا, ولكن الشيء المدهش حقيقةً لم نر من هؤلاء أحد قد أدلى بدلوه لا سلباً ولا إيجاباً, كأن الأمر بسيط وسطحي ولا يعنيهم في شيء,, ولعل بعضهم لم يدركوا أننا قد أقمنا الحجة عليهم فالموضوع جد خطير وأنَّ إعادة النظر في كل شيء مسئولية الجميع بصفة عامة, وأهل الإختصاص بصفة خاصة فبات العمل على تنقية المراجع من الشوائب وتوحيد الخطاب الإسلامي بإعادة الأمور إلى نصابها هو الجهاد الحقيقي.
فما الذي سيلقون عليه الله تعالى وهم يرون آيات الله يعبث بها العابثون ويتجرأ عليها الجاهلون, ويستهذأ بها المنتسبون إلى هذا الدين بالهوية وهم ينخرون في عظامه كما تنخر دابة الأرض الخشب. أللَّهُمَّ إني أشهدك أنني قد أقمت عليهم الحجة وكشفت لهم (على قدر إستطاعتي) بعض مواطن هذا الخطر على كتابك ودينك ونبيك, ليس فقط من أعدائه التقليديين المعروفين ولكن من أولئك المؤتمنين عليه فأحاطوه بالشبه والتشكك والشطحات الفارغة ولكنهم بدلاً عن التحرك الجاد المثمر,, قد آثروا الجلوس في ركن ركين والقراءة للإستمتاع وضياع الوقت والتسلية, فأصابهم الوهن وقبول كل شيء, لدرجة أن الإستخفاف بدينهم وسب ربهم ونبيهم بات أمراً طبيعياً عادياً لا حيلة لهم بصده ولم يجربوا أي حيلة لذلك إلَّا من رحم ربي وهم قلة قليلة تأثيرها محدود لكثرة الشبه عليه والمآخذ وتكالب الأمم عليهم كما تتكالب الأكلة على قصعتها .
سأبدأ عرض التعليقات أولاً بآخر تعليق,, وهو ذلك الذي جاءنا من شخص قال إنه "متابع", فكان نصه كما يلي:
بشاراه: ((... لا تخرج عن النقاط التي اوردها المعلقون ناقشهم ورد عليهم ان استطعت .. ولكني اشك في ذلك لانك مغسول الدماغ .. وان نكاح الحوريات والارائك والخمر والعسل افقدك صوابك ...)).
أولاً: وحقيقةً,,, هذا التعليق, على كل ما به من تجاوزات وإعتداءات وتطاول وجهل, يعتبر من أكثر التعليقات التي وردنا وتردنا "تأدباً" ومع ذلك يقطر جلافة وسوء أدب وتطاول" لا مبرر له, إذا كانت غايته هي الحث على الرد على التعليقات, علماً بأننا بالفعل قد رددنا على أغلبها وبإسهاب, وهي موجودة وقد إطلع عليها القراء ومرتبة بأرقام متسلسلة وتواريخ كلها سبقت تعليقه,, فالمتمعن في مداخلة هذا "المتابع" كما يقول, يعلم من الوهلة الأولى أن المقصود هو إيجاد حجة ومدخل للسباب والسخرية لا أكثر من ذلك,, فمثلاً.
1. لاحظ الجهل والسطحية في قوله" لا تخرج عن النقاط التي اوردها المعلقون ", ولم يسمي لنا أي من تلك النقاط التي يزعم أننا خرجنا عنها في ردنا على المعلقين, ولا زلنا نتحداه أن يذكر لنا تلك النقاط التي إفتقدها في ردنا,
2. ثم أنظر إلى صيغة الأمر وهو يقول لنا: "بشاراه!!! ناقشهم ورد عليهم", كأنما أنا ملزم بالرد على تراهات وتخاريف لا هدف منها ولا عائد يمكن أن يفيد القراء, فإن رددت عليها فسيكون الرد بمثلها, وهذا ما يريدونه حقيقةً,,, أن يحولوا الموضوع الجاد إلى مجرد ملاسنات وسباب ومشادة يستوي عندها الطرفان,,, وقد نبهنا الله تعالى إلى هذه الخصلة الذميمة لديهم في سورة فصلت قال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰ-;-ذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ 26 ), فكانت كل التعليقات هي بقصد اللغو فيه ظناً منهم انهم بذلك سيغلبون,,, ولكن هيهات.
3. وأنظر إلى الإستخفاق في قوله لنا " ورد عليهم ان استطعت .. ولكني اشك في ذلك", علماً بأن الذي أخرجه من جحره وأقلق مضجعه هو كثافة البيان, وقوة الحجة ووفرة البرهان,, وصدق المرجعية التي تضمنها الموضوع, فكيف لا نستطيع الرد "بالحق" على خطرفات وهزيات وداءات نفوس مريضة منهكة؟؟؟
4. وسوء الأدب والتطاول والإستهجان في قوله: " ولكني اشك في ذلك لانك مغسول الدماغ", كلام مرسل لا يعرف صاحبه معناه ولكن عبارة سمع بها فألقى بها في أتون الحق فإحترقت,
5. ثم أنظر إلى الفجور والتفحش والشذوذ, في قوله لنا عن الجنة: " وان نكاح الحوريات والارائك والخمر والعسل افقدك صوابك ", علماً بأن الجنة "دار إكرام الكرام", لذا ليس فقط فيها هذا الجزء من التنعم وإنما فيها ما لا عين رأن ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر. ولكن الذين رهنوا أنفسهم للفجور, وإستعبدتهم الشهوات الجنسية "الشاذة", من أولئك المنغمسين فيها فهي لا تفارق أفكارهم ووجدانهم, لا تعتقهم من سلطانها يقظة من ضمير ولا من إثمها ودنسها لحظة من تعفف.
تلك الشهوات والمتع الرخيصة ذات المنابع والمصادر القذرة المقذذة التي باتت محور حياتهم الفارغة من الطهارة والتطهر الذي يكرهونه ويمقتونه, يظنون أن ما بالجنة من حور وخمر وعسل شبيهٌ بما عرفوه في حياتهم ونواديهم الليلية,,, فيريدون أن يشوهوا الصورة البهيجة لدار الكرامة بدور المهانة التي هم فيها, ويريدون أن يشوهوا صورة المؤمنين الأطهار الذين أحبهم الله تعالى فأعد لهم جنة الخل.
وقد عقد الله تعالى مقارنة بين الفريقين بقوله في سورة محمد: (إِنَّ اللَّهَ «« يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ »» وَالَّذِينَ كَفَرُوا « يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ » 12), فهم يتعاطوه ولا يعرفون دنسه, ولا يتقون عاقبته التي هي نار جهنم "دار إهانة وتحقير الفجار", ولكنهم لا يتقون شرها بإصلاح حالهم الذي تردوا فيه, قال تعالى في سورة الفرقان: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا 44).
ومع كل ذلك قد تعاملنا مع تعليقاتهم بإعتبار أنها مفاهيم خاطئة ومن واجبنا أن نضع بجوارها المفاهيم الصحيحة (من وجهة نظرنا نحن), ونترك القاريء لإختياره الحر, بل وسنتعامل مع كل التعليقات التي وردت ونناقشها, ونرد عليها, ليعلم القراء أننا لم نبالغ في وصفهم وإنما كنا في ذلك لمن الزاهدين, لأن ذلك يتعارض مع منهجنا وهو التركيز على ما يفيد ولا نجاري هؤلاء في ترديهم الفكري والخلقي.
ولكن الغريب في الأمر أن هذا "المتابع" كما يقول لم يذكر لنا تلك النقاط التي شغلته ويريدنا ألَّا نخرج عنها ونرد على المعلقين فيها, على أية حال, فإننا سنرد عليها كلها,,, ولكنه حينئذ لن يكون سعيداً بها لأنها ستكشف ما أردنا أن نصبر عليه رأفة بهم ولكنهم ألحوا علينا كثيراً ومن ثم ستأتيهم مناقشتنا الكاملة لهم, وليعلم أنه هو الذي طلب مزيداً من الخزي والإحباط.
ثانياً: يجب أن يفهم هذا المتابع وأمثاله, أننا لا نكترث لتعليقاتهم السخيفة التي ليس لها معنى ولا هدف سوى العبث والتطاول على الناس, وإنما سنفند محتوياتها لنكشف للقراء ضحالة الفكر الذي خلفها وروح العدوانية لأصحابها, والإرهاب الفكري البغيض والحقد غير المبرر الذي يعاني منه البشر الآن بسببهم وحصاد أيديهم وألسنتهم.
ثالثاً: سنقوم بذكر "النقاط" في التعليقات التي وردتنا والتي (يأمرنا بها ذلك "المتابع المتستر") بأن نناقش أصحابها ونرد عليهم. ولكن في الأول نبدأ بنقاطه هو, منها:
1. قوله: ((... ولكني اشك في ذلك لانك مغسول الدماغ), واضح أن هذا كلام مرسل سخيف محفوظ ومكرر, وقد إعتدناه كثيراً من أولئك الذين لا يعرفون ماذا يقولون ولا يفهمون ما يقال لهم,,, فإن أراد أن يتشكك في إستنتاجنا وتحليلنا هذا فما عليه سوى توضيح ما قصده من هذه العبارات الجوفاء,, مثلاً: (دماغي مغسول من ماذا؟), و (ما أو مَنْ الذي غسله ؟؟), و (كيف كانت عملية الغسيل هذه, وما أدراه بها؟؟؟).
2. رغم أن الحور العين, والخمر والعسل وغيرها من صنوف النعيم والتنعم في الجنة (لا تفقد المحظوظ بها صوابه ولا عقله), لأن الذي يفعل ذلك هو التعامل والتعاطي مع (ربات الفجور والسفور والخدور والخمر الذي به غول وسكر وتخمير,,, ذلك الذي يمارسه الفجار هو الذي يذهب العقل ويفقد الصواب والحشمة), ويذهب قدر الرجال وهيبتهم ووقارهم,
3. الجهل مصيبة, وآفة الجهال. عدم معرفتهم وفهمهم لمعنى كلمة "نكاح" تلك الكلمة العربية الفصيحة التي تعج بها القواميس, فالذي يريد أن يستعمل المفردات التي لا يعرفها ويتعامل بها مع أهل الفكر ورواد الكلمة عليه أن يفهمها قبل أن يسارع إلى إستخدامها في القول أو الكتابة, فمعنى كلمة "نكاح" شرعاً يقصد بها "عقد الزواج" a contract, وهو تلك الوثيقة المتداولة في لحياة الدنيا والتي تشهد بأن الطرفين المعنيين فيها قد أصبحت تربط بينهما علاقة شرعية مأذونة من الله تعالى (زوج وزوجة), وليس المقصود بها الجانب العملي من دخول وجماع ونحوه,, وهذا غير الذي تقصدونه أنتم ويدور في رأسكم ليل نهار وهو "الزنى والسفاح والشذوذ".
إذاً النكاح إنما هو من مقتضياة الحياة الدنيا العفيفة للتعامل مع النساء العفيفات الطاهرات في إطار الزوجية فقط. وبالتالي ليس هناك "نكاح" في الجنة وإنما إباحة مطلقة "كلٌ في قسمته ونصيبه من الحور العين الخاصة به وحده ولا يشاركه أحد فيهن أبداً لا من الإنس ولا من الجن", والخمر في الآخرة هي (لذة للشاربين), ليست مسكرة تذهب العقل, وإنما لذة ومتعة لذا فهي (لا غول فيها, ولا هم ينزفون), وليست كخمركم الدنيا التي تعتبر "رجساً من عمل الشيطان".
وقد ذكر الله تعالى الحور العين والخمر والملذات "تحديداً" ليحفذ المؤمنين على صبرهم على مغالبة النفس الأمارة بالسوء وحرمانها من ملذات آثمة ينعم بها غيرهم بلا وازع من ضمير ولا رادع من عقيدة أو أخلاق, وقد ترك المؤمن مجاراة النفس والناس في الفجور من زنا وشرب للخمر والمخدرات وغيرها من الممارسات التي قد أفسرت الدنيا بأسرها فباتت أوكاراً للدعارة والمجون والبغي على الأنفس والأعراض والأموال,,,
فكأنما يقول الله لهم واعداً,,, أبشروا فإن الله سيعوضكم خيراً مما تركتم من ملذات في الدنيا وزهدتم في ومفاتنها إستجابةً لأمره وطاعة له, فهناك عشرات الآيات التي تؤكد ذلك وتحفذ المؤمنين على محاربة هوى النفس الذي يضرهم بصفة عامة ويضر الآخرين بصفة خاصة, من ذلك الآيات التالية:
- في سورة الزمر, قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ-;- إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ 73),
- وقال عنهم في سورة النحل: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 32),
- وفي سورة الإنسان, قال عنهم: (وَجَزَاهُم « بِمَا صَبَرُوا » جَنَّةً وَحَرِيرًا 12),
- وفي سورة المؤمنون, قال: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ « بِمَا صَبَرُوا » أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ 111),
- وقال عنهم في سورة الفرقان: (أُولَٰ-;-ئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ « بِمَا صَبَرُوا » وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا 75),
- كذلك قال في سورة القصص (أُولَٰ-;-ئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ « بِمَا صَبَرُوا » وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 54),
- وقال عنهم في سورة آل عمران: (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 170),
- وعن المؤمنين من بني إسرائيل, قال في سورة الأعراف: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ-;- عَلَىٰ-;- بَنِي إِسْرَائِيلَ « بِمَا صَبَرُوا » وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ 137).
- وقال في سورة النحل: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰ-;-ئِكَ لَهُمْ عُقْبَى « والَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ-;- رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » 42), وقال في سورة العنكبوت: (« الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ-;- رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » 59),, وفي سورة الرعد, قال: (سَلَامٌ عَلَيْكُم « بِمَا صَبَرْتُمْ » فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ 24), وفي سورة الطور, قال: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا « بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » 19), وفي سورة الحاقة, قال: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا « بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ » 24), كما قال في سورة الزخرف: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا « بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » 72).
هذا ليس إفتراءاً من عند أنفسنا, بل هو من عند خالقنا وخالقكم وخالق كل شيء,, وقد أقام الأدلة والبراهين "المادية" المعجزة بأن موحيه ومنزله هو نفسه الخلاق العليم, ولم يترك في القرآن وقبله (التوراة والإنجيل والزبور) أي فرصة أو مجال لحجة على الله من أحد بأن هناك شيء من غموض أو غبش في الرؤيا ولا ضعف في الأدلة والبراهين المادية, وقد أكد في كل كتبه المنزلة من عنده أن جميع الرسل قاموا بالتبليغ تماماً كما أمرهم, وكل منهم أقام الحجة على قومه قبل أن يلقى ربه.
وحيث أنه أكد في كل كتبه بأن الدين بالمشيئة, ولذلك خلقهم وأعدَّهُم على الخيار والإختيار, لذا قال: (ونفس وما سوَّاها, فألهمها فجورها وتقواها, قد أفلح من زكَّاهَا وقد خاب من دسَّاها). وقد إختار البعض تزكية أنفسهم بقبول شرع الله وإطاعة أنبيائه ورسله وإلتزام أوامره وإجتناب نواهيه, وإستبدال عرض الدنيا ونعيمها الزائل بما عند الله من نعيم مقيم,,, وفي المقابل هناك من إختار "دسَّهَا", فأتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني بعد أن أضاعوا وأذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا فهؤلاء أراد الله تعالى أن يقيم عليهم الحجة فأمر رسله أن يبلغوهم ما أوحاه الله إليهم, ويذكرهم بما حدث لأمثالهم من الأمم التي سبقتهم, ويلفت نظرهم إلى آثارهم وأدلة عذابهم, حتى يقيمون عليهم الحجة ففعلوا.
وأمر الله هؤلاء الأنبياء والرسل بأن يتركوهم لإختيارهم فلم يجعل الله لأحد منهم سلطانا عليهم, ولم يأمرهم بمؤاخذة أي شخص منهم أو محاربته أو إجباره ما لم يبغي في الارض فساداً وظلماً وإعتداءاً على غيرهم. وما دون ذلك ارجأه الله ليوم محدد "تشخص فيه الأبصار", وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد,, يوم خصصه للحكم بين الناس "بذاته" فيما كانوا فيه يختلفون.
وقد سبق أن ذكرنا بعض الآيات التي بين الله فيها لمحات من الجزاء الأوفى على الإيمان والصبر على كبد الحياة الدنيا وجهاد النفس والشر طمعاً فيما عنده تعالى لعلمهم بأن وعده الحق وأنَّ الله لا يخلف الميعاد. قال تعالى في سورة القيامة: (يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ 13), وقال في سورة المدثر: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ 38). وتأكيداً لذلك دعونا نتدبر الآيات التالية لنعرف مسار اصحاب الخيارات الأخرى وما لهم وما عليهم فيها:
1. بين الله تعالى في سورة العنكبوت أنه لا يبالي إن إختار بعض أو كل الناس الكفر بالله بأنعمه التي آتاهم إياها ولا يبالي إن تمتعوا بها, فقد آتاهم إياها وهو قادر على أن يحرمهم منها ومن الحياة نفسها إن أراد ذلك, وهذا تأكيد مغلظ على أنَّه لا ينبغي لعمل أن يتم بدون مشيئته, لذا قال لنبيه الكريم بصراحة وبكل وضوح وإستغناء: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 66), في اليوم الآخر عند لقائهم المحتوم مع ربهم. وقد أكدها أيضاً في سورة الروم, قال:(لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 34),
2. وفي سورة السجدة بيَّنَ للكافرين أنَّ ما هم فيه من غم وعذاب كان حصاد أعمالهم التي قدموها لأنفسهم في الحياة الدنيا, وقد ذكَّرهُم الله تعالى فنسوا الذكر وتناسوه, لذا قال لهم: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰ-;-ذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 14), وأكد ذلك وبرره لهم في سورة غافر, قال لهم: (ذلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ 75), ثم أقام عليهم الحجة, وأن تكذيبهم لم يكن له ما يبرره, فقال في سورة يونس: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَٰ-;-لِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ 39).
وقد حذرهم الله من قبل عبر الأنبياء والرسل من عدوهم الشيطان الرجيم الذي توعدهم بالضلال والإضلال والغواية, فلم يصدقوا الرسل وإتبعوا الشيطان فأصبح وليهم ليتمكن من ناصيتهم ويوردهم مورده, بين الله عداوة هذا الشيطان للإنسان, وسعيه الدؤوب للإطاحة به وغوايته كما جاء في سورة الحجر: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 39). ولكن مع كل ذلك لم يتعظ هذا الإنسان وعبد عدوه وأطاعه وسلمه قياده فأورده النار وبئس القرار.
3. وفي النار ذكره الله تعالى بتكذيبه للرسل وإنكاره لوعيدهم الذي أصبح فيه, فقال له في سورة آل عمران: (لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ 182), وقال له أيضاً في سورة الأنفال: (ذَٰ-;-لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ « وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ » 51), وأكدها في سورة الحج, قال: (لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ « وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ » 10),
4. كما أكد الله لهم بأنه لم يقهرهم أو يجبرهم أو يكتب عليهم الكفر والعصيان, ولكنه قد كتبه عنهم, فهو يعلم ما في نفوسهم فإن علم فيهم خيراً وآبوا إليه لغفر لهم ذنوبهم ولا يبالي, قال تعالى في سورة الإسراء: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا 25),
وقال لنبيه الكريم, ألَّا يهتم بما يقوله هؤلاء المكذبين, ويترك السرائر لربها فهو أعلم بها منه, فقط أحصر إهتمامك بمن يذكر ويخاف الوعيد, فقال له: (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ 45), إذاً ليس هناك أي إلزام أو قهر أو إجبار لأحد, فالنذارة والبشارة للذين يريدون وجه الله والمؤمنون به, أما الآخرين فلهم البلاغ المبين والتذكير بما وقع من عذاب على من كان قبلهم وعلى شاكلتهم من الكفر والعصيان والبغي على غيرهم.
5. يؤكد القرآن الكريم أنَّ "الإيمان" متاح لكل البشر دون إستثناء, والجنة معروضه لهم جميعاً ومتاحة لمن أرادها وسعى سعيها, وكذلك النار متوعد بها كل البشر لكل من كذب وعصى وسعى في الأرض فساداً وإعجازاً وتسلطاً على غيره, لذا, فإن من كل الأمم السابقة واللاحقة هناك عدد من المؤمنين بالله ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره, فهؤلاء قد سعوا سعي الجنة, لذا فهم مبشرون بها, وغيرهم من أهل الكفر والفسوق والعصيان, هم المتوعدون بالعذاب والمهانة وجهنم التي سعوا سعيها فكانت لهم وكانوا لها.
فها هو ذا الله تعالى يقول عن بني إسرائيل في سورة المائدة: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ « بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ » وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ « فَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ » 47), وقال لنبيه الكريم: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم « بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ » وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ « أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ » وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُون 49 ), وقال في سورة الكهف عن الكافرين: (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ « بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا » 106), (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ 36 ),
6. أنظر إلى هذه الآية الكريمة في سورة غافر,, حيث أكد الله تعالى على أن الناس مرجوون ليوم القيامة, لذا لم يعجل لهم العذاب كما حدث مع الأمم السابقة, وإنما إقتضت حكمته ألَّا يؤاخذهم على أعمالهم أولاً بأول, بل أن يؤخر حسابهم ليوم الحساب, قال: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا « مَا تَرَكَ عَلَىٰ-;- ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ » وَلَٰ-;-كِن « يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ-;- أَجَلٍ مُّسَمًّى » فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا 45), فيقال لهم حينئذ: (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ-;- كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ «« لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ »» إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب 17 ).
فما دام الأمر بهذا الوضوح, وأنَّ كل فريق أُعْطِي حق الإختيار فإختار لنفسه بنفسه ما يراه الأنسب والأفضل له,,, ليس بتخبط وجهل وضبابية,, وإنما (عن علم وإدراك وتبصر) تولاها الله بنفسه وضمن انها كافية وشافية وواضحة ومقيمة للحجة, وذلك بعد تبليغ مفصل مقام عليه الدليل والبرهان والحجة. فإذا زهدتم في طريق الجنة وإرتبتم فيها وكذبتم بها ورضيتم ما أوحته لكم أنفسكم وزكَّاكم وأيدكم الشيطان. فما هو سر إعتراضكم علينا وملاحقاتكم لنا وتصغيركم لشأننا, والخوض في مقدساتنا وعباداتنا,, لأننا فعلنا مثلكم وإخترنا لأنفسنا بأنفسنا طريقاً مغايراً لطريقكم الذي لم نجبركم عليه أو كان لنا دور فيه؟؟؟
ولماذا تريدوننا أن نختار طريقكم الذي إخترتموه لأنفسكم وليس لديكم أي حجة أو برهان أو مبرر أو كتاب منير ترجعون إليه وتستشهدون به على صدق مسعاكم وصحة إختياركم؟؟؟ ..... علماً بأننا نحن الذين نملك ذلك الدليل وتلك البراهين التي أدرتم ظهوركم إليها وأشحتم بوجوهكم عنها.
ما سر كل هذا العدوان والكراهية السافرة التي تلاحقوننا بها,,, هل هو الحسد؟؟؟ ..... فلماذا تحسدوننا وما نحن عليه كان ولا يزال متاحاً لكل من سعى إليه وفي متناول يده إن وفقه الله لذلك,, ولكنكم أنتم الذين نبذتموه وراء ظهوركم بإختياركم عن علم وقناعة وعِنْد وإصرار.
وهل هو تنافس بين الأديان والمعتقدات؟؟؟ ..... نحن لا ندخل مع أي ملة في أي جماعة أو طائفة في تنافس, فهل يعقل أن تتنافس قمم الجبال بقيعان الودياو؟
فكل الذي يرضي الله ربنا يرضينا, وكل ما يغضبه يغضبنا, وكل ما يبغضه نبغضه,, وقد قالها لنا ربنا بكل وضوح في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا - «« عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ » « لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ »» - إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 105), أبعد هذا القول من الله تعالى يمكن أن نصدِّع رؤوسنا ونقلق أنفسنا بمن ضل أو كفر أو ألحد؟؟؟, .....
فما هي مصلحتنا في ذلك, وما هو العائد علينا أو على ربنا الذي إستغنى ممن إستغنى عنه وقلاه وأعرض عنه وحكم عليه في الدنيا (بالمعيشة الضنكى), وحشره يوم القيامة (أعمى), (قال ربي لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً؟, قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).
أليست هذه الملاحقة والحقد والإساءة المستمرة منكم لأمة هذا شأنها ومنهجها, دون أي مبرر لمثل لهذا العدوان السافر دليل قطعي على أن أصحابه يعتبرون "إرهابيين بإمتياز", يمارسون الشر بأريحية وبدم بارد حقداً وكراهيةً دامية. وكما لا يخفى عن الجميع أن الدماء التي تنزف كلها الآن وغداً وفي السابق إنما هي دماء مسلمة كل ذنبها أنها مستهدفة من الآخرين بدون أي تبرير منهم.
قال الله تعالى للمؤمنين في سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ-;- بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ-;- وَعِيسَىٰ-;- أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ « كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ 13), وقال: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ-;- أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ 14), فقال لنبيه الكريم: (فَلِذَٰ-;-لِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ « اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ » « لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ » « لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ » - اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ 15), إذاً لم تنقمون منا وتكرهوننا وتعادوننا إن كنتم تعقلون ما تفعلون.
هل أدركت الآن أيها "المتابع المتخفي", لماذا كنت أتجاهل الرد على بعض التعليقات التي كانت تتضمن إستخدامات لمفردات أو عبارات ليست في محلها الصحيح مما يجعل مجرد الرد على أمر مستهجنٍ مثلها يعتبر مشاركة آثمة في هذا الجهل والجهالة, إلَّا إذا أردتم أن تكون الردود بمثابة حلقات دراسية في اللغة والتعبير والنحو. فلنكتفي بهذا القدر معك,,, ولنذهب معاً إلى باقي التعليقات التي بالفعل قد رددنا على بعض نماذج منها فقط لإزالة ما بها من مفاهيم مغلوطة ووضع الأمور في نصابها الصحيح أمام القراء الكرام, رغم أننا نعرف الغاية منها في الأساس.
كان أول تعليق لشخص سمى نفسه المتنبي، تحت عنوان (اساطير وخرافات مضحكة), قال لنا فيه:
((... هذه الخرافات والاكاذيب والمسرحيات لا يصدقها الا اصحاب العقول الساذجة والمتخلفة انها اساطير مضحكة وتمثيليات فاشلة تريد ان تعّبرها على الناس ونحن في القرن الواحد والعشرون والسفر على ظهر الحمير والابل تحولت الى الطائرات والمركبات الفضائية التي تجوب الفضاء الخارجي وقرأنك يقول « ان السماء مرفوعة على عمد » ؟!!...)).
أولاً: حاولنا إيجاد رابط أو علاقة ما بين موضوعنا وبين هذا التعليق, وبحثنا بين فصوله وفقراته وأسطره,, فلم نجد خرافات ولا أكاذيب ولا مسرحيات, ولكن هذا ليس غريباً علينا في ما تورده علينا أمثال هذه التعليقات التي لا يراعي فيها أصحابها أي معايير علمية أو قيم أخلاقية أو ضوابط فكرية، لأن كل همهم هو المساهمة بصورة سالبة مفتعلة للتشويش باللغو في الموضوع جادة بالولوغ فيه.
وإن كان هناك من بينهم من لا يعرف التفريق ما بين الحق والباطل, وما بين الصواب من الخطأ,, وسنرى لاحقاً أن أحد هؤلاء العالة ظن أن "رواد الفضاء" « قد بلغوا السماء السابعة» فهم يجوبونها دون حدود,, فأدهشه أنَّهُم لم يروا للسماء أعمدة ولم يجدوا فيها رواسي, كما قال القرآن (حسب مفهومه المغلوط وظنه وجهله حتى بالمعلومات العامة), فمثل هذا الضحل الذين يبثون بين الناس مثل هذه السخافات لا يمكن أن يحتويها عقل صبي, ماذا أناقش فيها ومع من أناقش؟
ومع ذلك لم نتجاهله كما يقول "المتابع الخفي", ورددنا وعلقنا على تعليقاته السخيفة هذه بشيء لعله يحرك فيه الفكر, فكان رده علينا بعد كل ذلك أسوأ من التعليق الأول, كما سنرى.
ثانياً: العبارة التي إدعى فيها أن ما جاء بموضوعنها كذب, فقال بالنص: ((... لا يصدقها الا اصحاب العقول الساذجة والمتخلفة انها اساطير مضحكة وتمثيليات فاشلة تريد ان تعّبرها على الناس ...)),،، هذا جزء مما قاله وقد كان في غاية الركاكة,, وهي عبارة خالية من المضمون والمحتوى, ومع هذا وذاك لم يُشِرْ عبرها إلى أي شيء بعينه في الموضوع نفسه حتى يمكننا إستنباط مقصده ومن ثم, إعتبرنا هذا التعليق عبارة عن خطرفة المراد منها عبارات تتضمن أكبر قدر ممكن من الإستهجان والإهانة والتطاول,,, لذا كانت النتيجة الحتمية أنَّ كل ما قصده لنا من سوء وضرر باء به هو نفسه, وخسر هنالك المبطلون. ومع ذلك لم نتغاضى عنه وإنما رددنا على هذا العدوان الفج بالتعليق التالي:
قلنا له تحت عنوان: ( تَبَصَّرْ حتى لا تَتَحَسَّر ): إنَّ الذين يقرأون ويفهمون ما قرأوه هم الذين يحرصون على نقل النصوص التي يريدون أن يناقشوها مع الغير بفهم إن لم يكن بأمانة, فهؤلاء هم أصحاب العقول. أما الذين لا يفهمون ما يقرأون وما يقولون, فأولئك هم الذين لا يعرفون كيف ينقلون النصوص التي أمام أعينهم كما هي, وتيعاملون معها,, لأنهم لا يفقهونها لذا, فمن البديهي أن يستوي عندهم (النفي مع الإيجاب) كما إستوي عندهم الخير بالشر, والإبتكار بالتطور (كله عند العرب صابون),,.
فأمثال هؤلاء المدعين المعرفة والحداثة يقبعون دائماً في قاع الجهل وربقة التخلف, ولا يفرقون ما بين "الحمير والأبل" وبين "الطائرات والمركبات الفضائية", فهذا أمر متوقع منهم. لأننا هكذا قد بلينا بهم ولا بد من أن نصبر عليهم لأن هذا هو قدرنا.
على أية حال,, قلنا له في ذلك: إن الحمير والإبل التي تحدث عنها يستحيل أن تتطور لأنها منذ أن وجدت كانت في أقصى مدى للتطور الذي أراده الله تعالى لأنها صنعة الخالق الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى,, وعليه, لن يستطيع بشر أن يأتي بمثلها, أو يعمل على تطويرها, ولكن أصحاب العقول الساذجة والمتخلفة هم الذين يظنون أنَّ الطائرات والمركبات الفضائية هي تطوير للحمير والإبل وهذا هو التخلف عينه.
فلو قسنا على هذا المفهوم الضيق سنتصور الإنسان الذي كرمه الله قد تطور بالفعل إلى robot, تلك الآلة التي إعتاد الجهلاء أن يضاهئون بها خلق الله, لذا فلا غرابة في أن نرى من أمثال هؤلاء السذج ذوي العقول المتخلفة أن يعودوا لعبادة أسلافهم في الجاهلية فيسجدون لهذا الإله المعدني robot god, إذا تصورناه تطوراً طبيعياً لآلهة الجاهلية للآت والعزى وهبل ومناة, فما دام أن أولئك قد صنعهم ذلك الإنسان المتخلف بيديه من حجارة ثم عبدها من دون الله, فما الذي يمنع من أن تعبد جاهلية القرن الحادي والعشرين تلك الآلهة الإفك التي صنعها نفس الإنسان المتخلف "من مادة الطائرات والمركبات الفضائية مثلاً, ألم يخرج وليهم السامري لأمثالهم من قبل عجلاً جسداً له خوار, فظلوا عليه عاكفين؟؟ فما بالك بأن آفة الشرك والجهل تتطور وتزداد العقول تدهوراً حتى بلغت عبادة الآلات التي أصبحت بديلاً لآلهة الحجارة.
أما الإنسان العاقل السوي فسيظل إنساناً متطوراً بإستمرار, والإبل والحمير ستظل في قمة تطورها لأنها غير قابلة للتغيير والتطوير, فهي ليست مُكَلَّفَة ولا مُبْتَلاة. وكذلك لأنها الأصل وصنعة البديع المبدع. أما تطور المعدات واللوازم والآلات وإبتكاراتها المستمرة لن تشوش عليه أو تسحره فتفتنه فيخرجه من إنسانيته العاقلة إلى جمادية الآلة الصامتة الساكنة.
ورداً على مفهومه الخاطيء عن السماوات والأرض, وإدعائه بأن القرآن قال (السماء مرفوعة على عمد), قلنا له تصحيحاً لمفاهيمه الساذجة: (على فكرة يا متنبي: القرآن لم يقل "إن السماء مرفوعة على عمد") كما تدعي,, إنتبه جيداً لما تقول,, بل قال تعالى في سورة لقمان: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ «« بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا »» وَأَلْقَى « فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ » أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ 10),, أترى كيف أن الله تعالى يسلط المفترين على أنفسهم فيقعون دائماً في شر أعمالهم؟؟؟ .... فليتك تحاول أن تتبصر حتى لا تكثر الزلل فتتحسر.
هكذا كان ردنا على أولئك الذين قصدوا بتعليقاتهم شيء واحد, هو الإساءة والإستخفاف والإستهجان والسباب, فحولنا هذا الشر العميم إلى مادة علمية متوازنة قصدنا منها إظهار الحق والحقيقة وتركنا الجهالات ليبوء بها أهلها وصناعها حسرةً وخزلاناً وغبناً. فماذا كان رد المتنبي هذا على التعليق الذي صححنا له به عوجه؟ ..... فلنتابع معاً ما إدعاه فيما يلي:
قال لنا هذا المتنبي, في تعليق آخر, تحت عنوان: (بشارة هل للكعبة ربا يحميها ؟!), كما يلي:
ليبرر خطأه السابق عن السماء, قال: ((... اذا كانت باعمدة واو بغير اعمدة «« وتقول فيها الرواسي»» وايضا يقول القران - وهذ لا تستطيع ان تنفيه وهي ان السماء من طبقات واخرها ( سابع سماء ),,,
1. تساءل قائلاً: فهل رأى رواد الفضاء تلك الطبقات وكيف اجتازوها هل باذن ام بدون أذن ؟!
2. ثم قال أيضاً: وماهو الحجر الاسود اليس هو حجر اصم لا ينفع ولا يضر كما قال ( عمر بن الخطاب ) واذا لم يكن اصما وجمادا حاله حال اللات والعزى وهبل اقتلعه القرامطة ولم يستطع الدفاع عن نفسه ولا عن الحجيج ولا دافعت الكعبة عن نفسها عندما قتل الحجاج الموجودين بجوار الكعبة او عندما احرقت بالمنجنيق الا يقولون ان للكعبة ربا يحميها ومتى يحميها اذا لم يكن في هذه الساعات الحرجة ودماء الحجاج تسيل والكعبة تحترق في زمن اخر على يد الحجاج الثقفي لم يبقى الا ان تقول لنفسك ( اين عقلي ) ؟!!...)).
هذه هي بعض التعليقات التي تريدنا "أيها المتابع" أن نرد عليها ونناقش أصحابها, رغم أنها عبارة عن خطرفات وقصاصات من هنا وهناك,, وقد صيغت بركاكة عبر لغة الضاد, وحتى نغطي النقاط التي أثيرت فيها يلزمنا قدر كبير من البيان والإبيان الذي لا نجد له متسعاً في المساحة المخصصة للتعليقات بصفة عامة, فهي تسع لنص لا يزيد عن ألف حرف فقط. بينما تلزمنا عشرات الآلاف من الحروف لتغطية تلك الردود والمناقشات. بالإضافة إلى ذلك,, قد لا تكون في الغالب هذه هي المشكلة التي لا تشجعنا على الرد بما تستحقه ولكن الإشكالية في صاحب التعليق نفسه, لأنه يقوم بعرض أشياء هو ذاته لا يفهمها بل ولا يريد أن يفهمها, وليس من مقاصده وأهدافه الوصول إلى حقيقتها.
وبالتالي يبقى مجرد تناولها بالتفصيل يمثل مضيعة للوقت وتكرار لما فصلناه في مواضيعنا السابقة التي أغلب أصحاب التعليقات المشبوهة هؤلاء لا يكلفون أنفسهم بالإطلاع عليها, إذ تكفيهم "خطفة" لكلمة أو فقرة ليبنون عليها تعليقاتهم التي أهم عناصرها إن لم تكن كل عناصرها المشاكسة والمشاتمة والمكايدة, وقد شبهناهم بمطبات الطريق التي تضرك في كل الحالات, فإن دخلت فيها أضرتك وإن تفاديتها أضرت معك غيرك. ومع ذلك فلا بأس من أن نحاول التعليق على هذه القصاصات المتراكبة والمتراكمة, بقدر المستطاع فيما يلي:
أولاً: صححنا للمتنبي هذا مفهومه المغلوط عندما إدعى بأن القرآن قال: (إن السماء مرفوعة على عمد), فقلنا له بل الله تعالى قال: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ «« بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا »»). ولكنه لم يرجع عن مغالطاته فترك هذه وراء ظهره ثم إنتقل منها إلى بهتان آخر غيرها فقال لنا: ((... اذا كانت باعمدة واو بغير اعمدة وتقول فيها الرواسي ...)),,,
ففي هذه المرة نسب الرواسي إلى السماء,, مع أننا في ردنا على تعليقه السابق عرضنا عليه الآية كاملة, فلم يكن بها نسبة الرواسي للسماء, لأن الله تعالى قال: (وَأَلْقَى « فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ » أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ).
فكيف إذاً تريدنا أن نرد على أناس لا يقرؤون ولا يفهمون ما يقرؤونه وليس لديهم إستعداد حتى إلى أخذ الأمور الجادة بجدية,,, فقط يبغونها عوجاً حتى لا يظهر الخير على ما يعشقونه من شر لمن حولهم.
ثانياً: إنتقل إلى ما هو أكثر سذاجة تجعل الحكيم يفقد حلمه وصوابه,,, أنظر إلى ما قاله جيداً هذه المرة, قال لنا: ((... وايضا يقول القران - وهذ لا تستطيع ان تنفيه - وهي ان السماء من طبقات واخرها ( سابع سماء ) فهل رأى رواد الفضاء تلك الطبقات وكيف اجتازوها هل باذن ام بدون أذن ؟! ...)),
قل لي أيها المتابع,,, كيف تريدني أن أناقش وأرُدُّ على شخص قد رسخ في ذهنه وتفكيره أن (رواد الفضاء) قد مروا على طبقات السماء السبع الواحدة تلو الأخرى فلم يجدوا لأيِّ سماء منها "عمد",؟؟ في الحقيقة,, ليست هذه هي مشكلته ولا سبب تعليقه,,, وإنما يريد أن يقول بأن القرآن يقول بوجود أشياء إكتشف رواد الفضاء بأنها غير موجودة, من ذلك (حسب تصوره وإعتقاده الغريب):
1. لا وجود للأعمدة التي رفعت عليها السماء, لأنه ظن أن الله تعالى قال: (إن السماء مرفوعة على عمد), فماذا يعني هذا في رأيه؟؟؟ ..... يعني أن القرآن قال بعمد لم يجدها رواد الفضاء الذين إخترقوا كل السماوات السبع ولم يجدوا شيئاً من هذا القبيل,, إذاً .... !!!!
2. قال: لم يجد رواد الفضاء أيضاً أي رواسي في هذه السماوات, حيث ظن أن الله تعالى قال: (ألقى في السماء رواسي), فقال,, "فرحاً منتشياً بهذا الفتح العظيم الذي لم يسبقه إليه أحد", إذاً أين هذه الرواسي التي قال القرآن إن الله ألقاها في السماء؟؟؟ ..... إذاً ......!!!!
3. لا شك بأنه غايته من ذلك هي نفي كل ما جاء بالقرآن عن السماوات الطباق التي إخترقها رواد الفضاء فلم يجدوا لا عمد ولا رواسي,,, إذاً هؤلاء الرواد لم يروا في طريقهم أي شيء, في ملكوت السماوات, لا شهب, ولا حرس, ولا أبواب, ولا الملائكة ولا الجنة ولا النار ولا العرش ولا رب على العرش.... الخ (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).
فلو كان هناك شيء من هذا القبيل لإضطروا إلى الدخول في حرب النجوم وقاوموا الحرس الشديد والشهب ولإنتصروا عليها بأسلحتهم النووية والبلاستية والكيميائية, الخ شي لا يكاد يصدقه العقل. هؤلاء الذين ينتقدون القرآن ويهاجمونه ويتطاولون عليه وهم في جُبِّ الجهل وربقة الضياع,,, هكذا يفكرون وبهذا السفه يوقنون.
فهل, مثلاً لو قلنا لأصحاب مثل هذه العقول, بأن أقرب النجوم إلينا، هو الشمس باعتبارها أقرب نجوم السماء إلى الأرض وأصغرها وأقلها حراً,,, أيصدقوننا في قولنا هذا؟
وهل لو قلنا لهم بأن الشمس تبعد عن الأرض مائة تسعة وأربعين مليون وستمائة ألف كليومتر (149,600,000 كلم), وأن ضوءها (بمقياس سرعة الضوء) يصل إلى الأرض في حوالي ثمانية دقائق, فهل هم مصدقون لنا قولنا هذا بأي حال من الأحوال؟ ..... بالطبع لا,,, ولكن فلينظر صاحبنا هذا ومن معه - على الأقل – إلى بعض ما يحتويه الرابط التالي:
http://www.startimes.com/?t=16796253
فهل سيصدقونا إذا قلنا لهم بأن الشمس تعتبر أقرب وأبرد بل وأصغر نجم في الكون؟؟؟
وماذا إذا قلنا لهم إن علماء الفلك اكتشفوا أن اقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو النجم (الأقرب القنطوري Alpha Centaurs) الذي يبعد عنا بمسافة قدرها 4.3 سنة ضوئية. وأن هناك بلايين النجوم والمجرات التي تسبح في الفضاء, على الأقل تلك التي تهمنا منها مجرة درب التبانة التي تحتوي على تقريباً على 200 إلى 400 بليون نجم، من بينها الشمس التي تعتبر الأقرب والأصغر والأخفض حرارة. ولمزيد من المعلومات أنظر إلى الرابط التالي:
http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=0325f790142bdaf4
كل هذا الذي سمعت عنه حتى الآن إنما هو فقط مجرد زينة للسماء الدنيا, وليست السماء الدنيا نفسها,, قال تعالى في سورة الملك: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 1), (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ 2), (الَّذِي خَلَقَ - « سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا » «« مَّا تَرَىٰ-;- فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰ-;-نِ مِن تَفَاوُتٍ ؟»» - فَارْجِعِ الْبَصَرَ - هَلْ تَرَىٰ-;- مِن فُطُورٍ؟؟؟ 3), (ثُمَّ « ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ » - يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ 4), (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ 5), (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
فأنظر كيف أقسم الله تعالى بعظيم خلقه ليؤيد عظيم وحيه وكريم رسله, وقد كان القسم مغلظاً قال فيه للمشركين والمكذبين من قوم نبيه الخاتم في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ-;- 1), إشارةً إلى أن هذا الكائن الذي يراه الناس صغيراً خافتاً ضوءه, ليس هذا واقعه وحقيقته, وإنما هو جرم ضخم وعظيم حجماً وحراً وضواءاً وإرتفاعاً بحيث تعتبر الشمس بالنسبة له حبة رمل بجانب جبل, ولأن الأمر الذي أقسم الله على صدقه وتأكيده أيضاً يعدل هذا النجم علواً وضياءاً وحجماً وقدراً, إن لم يكن يفوقه في كل ذلك.
لذا قال لهم بعد القسم: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ-;- 2), وأنَّ الذي يقوله لكم ليس من عنده وإنما هو وحي من ربه وربكم, قال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ-;- 3), أو يجتهد من تلقاء نفسه: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ-;- 4), وأنَّ هذه العلوم الكونية الفلكية الدقيقة والعظيمة لا يعرف أحد عنها شيئاً قبله لأنه الوحيد من بين خلقه الذي إختصه بعلم يعتبر بالنسبة لكل من كان قبله غيباً خارج دائرة علم البشر, لأنه قد: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ-;- 5)، وليس من علوم الأرض التي سبقه إليها غيره.
على أية حال,, لا يضرنا إذا أشركنا غيرنا معنا في إيصال بعض الإضاءات التي وصل إليها بعض المتدبرين لآيات الله المعجزة في ظل ومعية المعايير العلمية. لذا, فلنتابع هذا الرابط, لعله يساعدنا على فهم بعضاً من هذه الحقائق العلمية الراسخة التي إختلف حولها الناس, فنستمع إلى طرف آخر له تناولٌ آخر إستخدم فيه ملكة "التدبر" في آيات الله تعالى بمعايير علمية بحثية, نترككم معها بدون تعليق منا عليها:
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2014/11/01/612518.html
إذاً,, فالشمس،، نجم صغير, وقريب نسبياً "قياساً بباقي النجوم الأخرى, وهو ملتهب إذ تتراوح درجة حرارته ما بين 5,500 درجة مئوية على سطحه و15,000,000 درجة مئوية في مركزه. وتدور حوله عشر كواكب تمثل المجموعة الشمسية, منها:
1. كوكب عطارد mercury, الذي يبعد عن الأرض بحوالي 75,900,000 كيلومتراً, وليس له أقماراً تابعة,
2. كوكب الأرض،، يبعد عن الشمس بمسافة قدرها 149.6 مليون كيلومتر (149,600,000 كم), ولديه قمر واحد تابع له يبعد عنه بحوالي 238,900 ميل (384,400 كلم).
3. كوكب الزهرة Venus, لذي يبعد عن الشمس بحوالي 108,200,000 كيلومتراً, وليس له أقماراً تابعة,
4. كوكب المريخ mars,, الذي يبعد عن الأرض 227,900,000 كيلومتراً,, ولديه قمران صغيران تابعان له,
ثم تأتي بعدها النجوم الأخرى التي قد يصل بعدها عنا إلى حوالي عشرة سنوات ضوئية . نظراً لكون المسافات بين النجوم كبيرة جدا يستخدم الفلكيون مقياسا أسهل في تقدير المسافات بينها وهو مقياس "الزمن" الذي يقطعه ضوء نجم حتى يصل إلينا على الأرض، حيث أن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة لا تتغير وهي نحو 300.000 كيلومتر في الثانية.
بناءا على ذلك يستغرق الضوء 8 دقائق لكي يصل إلينا من الشمس (تعادل 150 مليون كيلومتر). و نشعر بعظمة المسافات بين النجوم عندما نعرف أن النجم التالي للشمس يصلنا ضوؤه خلال 4.22 سنة ضوئية.
هذا,, ولم تقف ملاحقتهم للإسلام والمسلمين والقرآن بل ورب القرآن عند هذا الحد, فهم يتخبطون ويلهثون وراء سراب, ظناً منهم أنهم يستطيعون نتق الجبل بأظافرهم أو تحويل المستحيل إلى واقع,, كل همهم وأمانيهم أن ينالوا من هذا الدين القويم الذي لن يجدوا عليه مأخذا حتى لو سعوا إلى ذلك بكل أجيالهم وعملوا كفريق عمل واحد يضم الجن معهم لن يستطيعوا ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهريا.
والعجيبة أنهم هم أنفسهم يعرفون هذه الحقيقة,, ولكن ألا يكفيهم التنفيس عن أمراضهم النفسية الضاغطة, وأحقادهم بأن يشاغبوا ويظهروا ضغائنهم غير المبررة,,, لذا لم يتركوا شيئاً له علاقة بهذا الدين إلَّا وحاولوا تشويهه والطعن فيه, فكانت النتائج لهذا السلوك غير الإنساني وغير الحضاري إحباطات متلاحقة زخزلان متراكب, ولكنهم سيظلون هكذا يحرقون أوراقهم ويخربون بيوتهم بأيديهم فلا يعودون حتى بخفي حنين.
فلننظر إلى نموذج آخر من هذا العدوان المتواصل, فبعد أن خاضوا في الجنة والحور العين والخمر والعسل,,, وقلبوا البياض الناصع إلى سواد,, وحولوا مناسك الحج إلى وثنية وشرك, تحولوا الآن إلى الحجر الأسود, ليحولوه بدوره إلى وثن وإله يعبد من دون الله, بل وعدُّوهُ مع أصنام مشركي قريش, بل وفكروا في هدم البيت فإنتشت نفوسهم المريضة بذكر ضرب الكعبة بالمنجانيق وقتل الحجاج فيها على يد الطغات البغاة,, ولعلهم يتمنون الآن أن تنسف من على الأرض نسفاً... لقد حاولت البحث بين طباع الضواري والكواسر والجوارح, لأجد مثيلاً لهذه النفوس السوداء فإستحيت من الضباع والتماسيح والحيات السامة عندما إقترب تفكيري منها.
فلماذا كل هذا العدوان الشيطاني الخبيث أيها الناس المتحضرون الذين أزكمتم أنوفنا وصدَّعتم رؤوسنا بالحديث والتغني بحقوق الإنسان, والحرية والحضارة والإنسانية, فلماذا تتحدثون عن شيء يستحيل أن يكون له وجود في مثل هذه النفوس الشريرة المتداعية التي تعادي الناس تلاحقهم في خصوصياتهم وتعمل جاهدة على تشويه كل مقدس لديهم ..... لماذا؟؟؟ ألا تستحون من القراء الذين يسحتقرونكم بعد تقييمهم لأعمالكم الجاهلية البغيضة؟؟؟؟ ..... (إن لم تستح فأفعل ما شئت), بإسم حرية الرأي, الذي إدعاها قراصنة الحرية ومافية حقوق الإنسان وأباطرة الغطرسة والكبر والتعالي.
قال صاحبنا المتنبي هذا عن الحجر الأسود: ((... وماهو الحجر الاسود اليس هو حجر اصم لا ينفع ولا يضر كما قال ( عمر بن الخطاب ) واذا لم يكن اصما وجمادا حاله حال اللات والعزى وهبل اقتلعه القرامطة ولم يستطع الدفاع عن نفسه باحرقت بالمنجنيق الا يقولون ان للكعبة ربا يحميها ومتى يحميها اذا لم يكن في هذه الساعات الحرجة ودماء الحجاج تسيل والكعبة تحترق في زمن اخر على يد الحجاج الثقفي لم يبقى الا ان تقول لنفسك ( اين عقلي ) ؟!!...)).
الآن أيها المتابع المتخفي,, أفي هذا الطرح, وهذه الخطرفة وهذا الإعتداء السافر على الناس تريد منا مناقشتهم والرد عليهم؟؟؟ وهل أمثال هؤلاء لو وضعنا الحقيقة بين أيديهم وتحسسوها وإشتموا رائحتها وذاقوا طعمها سيعترفون بها ويقولون فيها كلمة حق؟؟؟ ..... وهل من كان قصده في الأساس الشر والتشويه والتدمير يمكن أن تصل معه إلى قناعة أو إقتناع خاصة إذا غابت المعايير والمباديء والأخلاق والحياء لديه؟؟؟
ولكن مع كل هذه الإعتبارات, سنقوم بتحليل ومناقشة هذه الفكرة الساذجة لتكتمل المعلومة لدى القراء الكرام الذين هم المعنيون, ويكفينا رضاً أننا قد برأنا ذمتنا أمام ربنا وأقمنا الحجة على من أبى.
أولاً: لن يخفى على أحد أن هذا التعليق ليس له أي علاقة بالموضوع الأساسي, لا من قريب ولا من بعيد,, مما يؤكد بأن المسعى ليس مقصود به مناقشة مسألة أو الإستبيان والإستيضاح عن فكرة سوية, وإنما القصد تشويه الإسلام ووصفه بالوثنية وعبادة الحجارة, فكانت النتيجة أن جعله الله تعالى يشوه نفسه بنفسه ويضحك الناس عليه, لقد نشر غسيله على الملأ فخزاه الله تعالى به.
لقد نسي أو تناسى أن الدين الإسلامي موثق ليس كله جملة واحدة فقط, وإنما كل حرف في كتابه موثق ومؤمن عليه,, وبالتالي كل المحاولات اليائسة في حضرته تنعكس وبالاً وإحباطات على أصحابها. نعم المسلمون يُصَلُّونَ تجاه الكعبة المشرَّفة وهي تعمل على توحيد توجههم وهدفهم الموحد لكل المؤمنين, في كل صلاة يربط الله بين قلوبهم جميعاً بل وفي كل لحظة.
وهذه الغاية لن تستطيع حضارة الغرب الواهية الموهومة تحقيقها بأي حال, قال تعالى (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى), أما أهل القبلة فقلوبهم متحدة وموجهة في إتجاه واحد, وتجعل الكل مستوىٍ ومتساوي ومتسق مع غيره لا فرق بيه ولا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلَّا بالتقوى.
ولكن أيها الذكي الفطن,, هل سمعت مسلماً حاجَّاً كان أو معتمراً أو مصلياً خاطب للكعبة لذاتها فقال لها (لبيك أيتها الكعبة)؟ أو قال للحجر (سبحانك أيها الحجر الأسود)؟؟؟, وهل سمعت أحداً يقول للكعبة أحميني أو أعطيني أو أغفري عني أو ساعديني أو حتى للحجر الأسود أو مقام إبراهيم أو الصفا والمروة أي من هذا؟ إذاً فأنت تفكر "تفهاً", وتقول سفهاً وإفكاً, وتنشر شراً وعدواناً صريحاً مع سبق الإصرار والترصد.
فإن كان القصد هو عبادة الكعبة أو الحجر الأسود أو أي من مناسك الحج والعمرة والصلاة,, فكيف تفسر قول الله تعالى في سورة قريس للمشركين: (فَليَعْبُدُوا ربَّ هَذَا البَيْت), ولماذا لم يقل لهم مثلاً (فليعبدوا هذا البيت)؟؟؟ أهي ذلة لسان أم خطأ مطبعي؟؟؟ والآن إليك منَّا بالقاصمة وهي قوله تعالى في سورة البقرة: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰ-;-كِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ-;- حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ-;- وَالْيَتَامَىٰ-;- وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰ-;-ئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ 177), طبعاً أشك في أنك ستعرف مغذى هذه الآية أو تفهم معناها,, ولكن يكفي فهم القراء لها وهذه هي الغاية.
ها قد طاش سهمك أيضاً هذه المرة وإرتد إلى نحرك فضاعف عليك وطأة الإحباط ومرارة الفشل, فهنيئاً لك بحصاد زرعك وثمرة كدك. وكما ترى فقد ساهمت "قهراً من الله لك" على كشف توحيد الله تعالى في قلوب المؤمنين, وهم أثناء تقبيلهم للحجر الأسود يسموا قلبهم وتلهج ألسنتهم بذكر وتمجيد وحب رب هذا البيت وربهم ورب هذا الحجر بقولهم الذي لا ينقطع أبداً (لبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبَّيْكَ,, لبَّيْكَ لا شريك لك لبَّيْكَ,, إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ,, لَا شَرِيْكَ لَك ). وصلاتهم تجاه الكعبة وطوافهم حولها إنما هو وجهة وجهة حددها الله تعالى ولكن التوجه بالقلب وكل الكيان لرب هذا البيت المتفرد بالألوهية والربوبية والقدسية سبحانه وتعالى عما يشركون.
ثانياً: أما القول بأن (للكعبة رب يحميها) هذا حق, وإلَّا لما بقيت شامخةً حتى الآن, ولكن هذه المقولة لم تصدر عن النبي نفسه ولم يذكرها الله في كتابه, بل هي مقولة لعبد المطلب جد النبي قبل الإسلام, بل وقبل ميلاد النبي نفسه. وحتى لو أزيلت جدران هذا البيت, فإنه سيظل بكامل قيمته وقدسيته ولن تتحول القبلة عنه ما دامت السماوات والأرض. والجدران بناها الإنسان وبالتالي عرضة للتأثر بأغيار البيئة, وقد أعيد بناءها أكثر من مرة, قال تعالى لخليله إبراهيم وإبنه الذبيح إسماعيل أن يرفعا القواعد من البيت فرفعاها, ولم يتأثر قدر البيت قبل أن يرفع إبراهيم قواعده وإسماعيل.
يا عزيزي!!! لماذا لا تهتمون بشأنكم المتردي ومصيركم الذي بات على المحك, والهاوية التي تواجهكم كلما إقتربتم من الرحيل إلى مصير أنتم تركتموه وإشتغلتم بالفارغة حتى يأتيكم اليقين. ودعونا وشأننا, ونحن بدورنا لن نذكركم إلَّا عندما تحاولون إقحام مشاكلكم العقدية في شأننا أو محاولة نسج الأباطيل حول ديننا القويم,, حينئذ لكل مقام مقال.
لا يزال للموضوع بقية,,,
تحية كريمة للقراء
بشاراه أحمد
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟