سامي عبدالقادر ريكاني
الحوار المتمدن-العدد: 4773 - 2015 / 4 / 10 - 02:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا المنشور عبارة عن جمع لما ذكرته في تعقيباتي على نقاش يدور على مواقع التواصل الاجتماعي بين المدافعين للاسلام الوسطي في صورته الاخوانية وبين المنتقدين لهم, والذي زاد في الاونة الاخيرة مثل هذا الجدال بين الاوساط الاسلامية على المستوى العالمي ولم يسلم منها اسلاميو كوردستان واصبح حديث الساعة ودعوة وصراخ ان دل على شيء فانه لايكون على اقله دعوة الى المراجعة ان لم يكن تراجعا اصلا,ولكثرة الطلب من الاخوة بان انشرها على صورة مقالة لتعميم النفع فاستجبت لهم ,وهي عبارة عن رؤية تحليلية حاولت من خلالها الالتزام بالحيادية قدر الامكان وفي نفس الوقت اظهرت فيه وجهة نظري الشخصي من خلال نقدي للاتجاهين ,ونزلته تحت هذا العنوان, (ما اللذي يريده الاسلاميون بعد الوسطية).
من ملاحظاتي لسياق وتسويق الادلة من قبل الاخوة الكورد الناقدين للحركات الاسلامية الوسطية في مسعاهم لاثبات وجهة نظرهم والحكم على فشل الاسلام السياسي او اقله الوسطي الذي كان يؤمل او يعقد عليه الامال في مسعاه لاثبات ان الاسلام هو الحل, بعد فشل بقية الحركات الاخرى في هذا المسعى, وبعد الوقوف على حالتهم النفسية ذهب بي الشك كانني بهم يحاولون ان يزيحوا عن كاهلهم عبء السنين التي كافحوا واقنعوا انفسهم عليه ولم ياتوا بعدها باي نتيجة على حد تقديرهم جراء انتمائهم او تعاطفهم مع (الوسطية) او الاسلام السياسي عموما ,وهذا من حقهم ان يعملوا تفكيرهم فيه ويراجعوا مواقفهم , لذلك وفي نظري وبصورة غير مباشرة ارادوا اشفاء غليلهم من خلال نقد الاخوان العالمي ,تجنبا للتصادم المباشر مع اصحابهم في هذا التوجه ممن هم في كوردستان , لذلك رايتهم غير موفقين في نقدهم ,و مع هذا لم ينقذهم ذلك من الهجوم عليهم من الطرف الاخر وهذا ايضا من حقهم, وكان على الطرف الاول ان يكونوا اكثر جراة باعتقادي الشخصي, وكاني بهم ايضا يريدون التذرع بهذه الوقائع التي ذكروها المدعمة لوجهة نظرهم والتي لايمكن باعتقادي ان يبنى عليه موقف سليم ان اردنا الحقيقة,لاجل تحقيق تلك الغاية , مما دفع بهم في رغبتهم للاعتماد على المثالية اكثر من اعتمادهم على التحليل الواقعي والمنطقي في نقدهم لهذه الحركة , وبالاخص عندما ارادوا ان يحملوهم سبب الانتكاسات االمتتالية في ادارتهم للحكم بعد ان خلي الساحة لهم في دول الربيع العربي فذهبوا الى محاسبتهم كانهم ليسوا بشرا يتاثرون ويتقلبون ويخطاون ويصححون , اويحاسبونهم كانهم كتلة واحدة من حيث التنظيم والمرجعية والظرف المكاني والزماني فيبرهنون بحادثة وموقف في ظرف ما ومن شخص ما على فشل وعدم جدوى وجودي لهم في كل مكان اخر بعد ان حكموا عليهم بالغباء السياسي وعدم الثبات على المواقف ومتبعي النزوات الشخصية ان صح التعبير , ليتخذوا من هذا طريقا لسحب ايد يهم وتحرير انفسهم من هذا التوجه او فسح طريقهم للتجاوز عن كل ماهو اسلامي , والسؤال الثاني الذي راودني من الناقدين للاسلام الوسطي والذي اعدادهم في تزايد مستمر بانهم دائما ينوون العزم على النقد مسبقا ومن ثم يبحثون عن ضالتهم من بين جبال من الركام المتكدس بحثا عن قشة يعولون عليه في تبرير نقدهم فيتحول نقدهم ليكون من اجل النقد فقط ولغايات اخرى في نفس يعقوب, فينزلقون بذلك الى اللاواقعية واللا انصاف, ويتحولون الى التبرؤية الذرائعية التي اتصف بها في الاونة الاخيرة كثير من اصحاب واتباع الفكر الاسلامي والتي تاتي غالبا كردة فعل من نفسية انهزامية نابعة من دونية ذاتية وقعوا فيها اثر التراجعات السياسية والايديولوجية للاسلام السياسي التي اجتاحت المنطقة ,فتاهوا بعد ان اضاعوا بوصلتهم عندما اثبتوا افتقارهم وعدم تميلكهم للحلول والبدائل المقنعة ,مما دفعهم ذلك للتقرب اوالبحث عن ايديولوجيات اخرى بديلة ويفضلون لو كانت مضادة لافكارهم السابقة لتتحول هذه الرغبة الانفكاكية في احدث صورها الى الانتقامية من كل ماهو اسلامي .
ووصفا لحالة الحركات الوسطية والساحة التي يلعبون فيها ونقدا لتزرعات ومواقف الاخوة اقول, اذا كان قد ثبت حسب علم الاجتماع البشري وعلم السياسة ,بان الدين من اكثر العوامل المؤثرة في ادارة المجتمعات البشرية ولايمكن التغاضي عنه , وكون الدين الاسلامي هو دين اكثرية المجتمعات الشرق اوسطية , واكثرها ابتلاءا بها , وهي سبب كل الازمات في المنطقة لسوء استعمالاتها من قبل شعوب وحكام المنطقة حتى اصبح كل حل بديل لعلاج داء اصابه ,لايخرج من كونه يحمل معه داءا افتك من الاول سواء باسم المذهبية او اي ايديولوجية اخرى حتى انحصرت في الاونة الاخيرة بين ثلاث حلول عند ثلاث ايديولوجيات اسلامية لايحمل اي منها علاجا شافيا لهذه المعضلة السياسية و تتصارع فيما بينها مع اخواتها الغيرشقيقة (الايديولوجيات القومية والعلمانية) التي فشلت هي ايضا بدورها في هذا الحقل وكانت سببا للالتجاء الى هذا البديل من قبل شعوب المنطقة , وهي الحركات السلفية بشقيه السني والشيعي , والارهابية او المتطرفة ايضا بشقيه السني والشيعي , والتي ثبت كارثيتهما على المنطقة,والاخر المتمثل بالاسلامية الوسطية الغير مستقرة والمتفاوته في مسارها بين مؤيديها زمانا ومكانا,و تتجاذب اطرافها المساران الاخران الكلاسيكي والتطرفي من جهة , والعلماني والقومي من جهة اخرى , اضافة الى التخبط في عملها بين نظريتها الدعوية واختياراتها السياسية ومتطلباتها التي تحتم عليها تحقيقها في ذاك المجتمع الذي يستهدفونه ,فمع كون الجانب الدعوي في عمل هذه الحركات الوسطية تتركز على بناء شخصية اقرب الى المثالية فانه يدفع بهم الى التخبط والتعارض والتناقظ مع انفسهم ومع المجتمع ويؤدي الى عقم النتائج في الساحة السياسية كليا, خاصة عند اختيارهم للمنهج السلمي وتقمصهم لشخصيات تاريخية او كاريزميات انية حين دخولهم الى اللعبة السياسية في مجتمع عقليتها قائمة على عبادة القوي وعلى الصراع الصفري في المنافسة على السلطة, والتبريري لاي وسيلة توصلهم الى غاياتهم حتى لو كان تحالفا مع الشيطان يضمن بقائهم في السلطة او الفوز بها,وراينا ماذا حل بمصر في تحالف الدكتاتورية مع الخارج , وماذا فعل عبدالله صالح باليمن ,والمالكي بالعراق , وماذا فعل بشار بسوريا,والفرقاء بليبيا ,ويعتبرون كل هذا دهاءا وحنكة ودراية نابعة من خبرة سياسية وماجورة دينيا ,فعلها المسلمون قبل العلمانيين ,عندما اعتبرو كل الانحراف والتشويه والدكتاتورية التي انتهجها معاوية عندما اغتصب السلطة واخرجها من مسارها الصحيح واصبحت سنة اقتدا به بقية الحكام من بعده الى يومنا هذا ,ومن ثم امتدحه وبرر تصرفاته من بعده كل علماء ووعاظ السلاطين ,وعندما لم يروا بان النصوص الشرعية ستسعفه وتصرفاته بما اقترفه في حق الاسلام والمسلمين ,ذهبوا لاسعافه بتسمية سياسية ,شرعنوه والبسوه لباس الدين, لربما تنقذه من ذلك,وهي سابقة تارخية عفت كل اعمال السلطة والسياسة من المراقبة والمحاسبة الدينية والاخلاقية في ان واحد ,واصبح تبرير الانتهاكات الدينية والاخلاقية سياسا سنة متبعة لايعطي للفقه والاجتهاد مجالا لللعب في ساحتها , فبدل الحكم عل معاوية وعلى من سار على نهجه من بعده الى يومنا هذا بانهم مجرموا حرب , راحوا يمجدونه ويعظمونهم , وبدل تلقيبه بالدكتاتور, لقبوه بداهية السياسة ومنقذ الدين بدهائه, وكان هذا المصطلح(الدهاء السياسي) كافيا لتبرير كل انتهاكاته ,وكان حقل السياسة لاعلاقة له ابدا بالدين وان من يخطا دينيا من السلطة او النخبة يكفي ان يسعفوه ويشرعنوا تصرفه سياسيا لاخراجه من الاثم, واما من يخالفهم في السياسة ويعارضهم حسب اللعبة السياسية ومباديء العدالة الالهية والدساتير الانسانية من عامة الشعب افرادا اوجماعات, يتهمونهم دينيا تحت مسميات (خوارج, مارق,كافر, محارب ,مرتد ,مشرك ,عاصي, شاق لعصا الامة, فرق النار(اي من 72 فرقة التي تدخل النار حسب الحديث) ) ويحللون دمائهم واموالهم واعراضهم وفي الاخرة يدخلونهم جهنم وبئس المصير , ,والان نفس الشي يحصل في المجتمعات الاسلامية وباسم الديمقراطية والاسلام والوحدة الوطنية والقومية ,والحفاظ على مصلحة الامة ضد الاعداء والاسلام , كلها شعارات فضفاضة لاتغني ولاتسمن من الجوع شيئا وتقف ورائها هذه العقلية وتسوقها كالبهائم ,وباسمها ينتهكون كل هذه القوانين والاعراف والدساتير السماوية والانسانية,فكيف في هكذا ساحة يكون ذاك التقيم صحيحا,وكيف يكون لعب هكذا جماعة في هكذا ساحة اصلا صحيحة ومن ثم نريد ان ياتي هؤلاء (المسالمون ) باحسن او افضل النتائج العملية في سعيهم للسلطة وفي هكذا ساحة وفي مواجهة هكذا عقلية تراثية مبهورة بدهاء معاوية, وبكارزمية القوة والسطوة السفيانية , وتبريرات ابو هريرة النصوصية والدينية المختلقة,.
اما على الجانب الاخر اقول للاخوة الكورد الناقدين والمدافعين عن الاخوانية او الوسطية هونوا على انفسكم من هذا الحماس ,يجب ان تعلموا بان الوسطية مع كونها اقرب الى فطرتنا الكوردية ولكن علينا ان لاننسى بان هذه الوسطية الاسلامية التي نراها في العالم الاسلامي ليست وحدة واحدة لامن حيث الاهداف ولا الوسائل ولا من حيث البنية اوالمرتكزات الدينية ولامن حيث المنبع او المرجع او الفلسفة والايديولوجيا ولا من حيث ظروف صراعها ودوافعها زمانيا ومكانيا ولاعرقيا , وهو مختلف كليا ماعدا الهالة الوسطية في اجتماعهما لما هو راسخ في فطرتنا ككورد ,لذلك حتى لو اختار الشعوب الاخرى في منطقتنا لتلك الوسطية وسلموا بها شعوبهم ,فسيبقى الطريق طويلا بينهم وبين ما نريده ونفهمه من هذه الوسطية لذلك علينا ان لاننخدع اكثر مما انخدعنا فوسطيتهم وتطرفهم وسلفيتهم جزء لايتجزا من تراثهم القومي وصراعهم على السلطة يفتخرون بها ويبنون ويتزرعون وياخذون اصالتهم وشرعيتهم من هذا التاريخ الذي هو فعل اجدادهم يفتخرون به و يتقاتلون لاسترجاعه ويستمدون منه زادهم وحماسهم ودافعهم لتعبئة اتباعهم لمواجهة بعضهم البعض ويعتبرون كل ذلك من الدين, وهذا التراث لايخدم ديننا ولا مصالحنا ولايتوافق صميم الدين الاسلامي ولا مع مانفهمه من الاسلام ,لذلك فنحن نحتاج الى اعادة قراءة للاسلام ومراجعة شاملة تاريخا ونصوصا وفقها وتشريعا واصولا وعقيدة ومنهجا وفهما للقران والسنة ولامذهبيا في الطريقة وجردا من تاريخ الاقوام وفعلهم الا بقدر ما نستفيد منه في معالجة ومساعدة مايخدم حاضرنا ومستقبلنا وبما يتوافق مع رسالة الاسلام الذي يواكب في معالجاته مع مسيرة الانسانية صعودا, وتتغير مع تغير مراحل التطور الانساني والكون مضمونا مع بقاء ثباتها نصوصا ورسما ,وبذلك سيكون اسلامنا مرجعها من منبعها الاول وهو القران وما يوافق القران من السنة العملية او المتواترة,وسيكون انعتاقا للاكراد من الصراع التاريخي المدمر بين الاقوام التي استعملت الاسلام لاغراضهم الشخصية والقومية والمصلحية وبناء امبراطورياتهم واستعملت الكورد في هذا الصراع بدون ان يكون لهم فيها ناقة ولاجمل ,واسترجاعا لعلاقتنا مع الله وحده مختومة بشعارهويتنا الكوردية الاسلامية ,نجعل من روح الدين الذي ارسل رحمة للبشرية جمعاء ومن رقي منبعها التي لايحده زمان اومكان في حل القضايا البشرية وبما يمتلكه هذا الفهم من سعة ومرونة غير محدودة في معالجة القضايا الانسانية ليتواكب بعد ان يكسر القيود والاغلال التي وضعتها عليهم العقليات المتحجرة والظلامية والحاقدة, مع ماتوصلت اليه المجتمعات البشرية اليوم من تطور ورقي وعلى جميع الاصعدة وفي جميع المجالات ,ومن ثم نتخذ من هذا الفهم ارضيتنا نعتمد عليها في كل قضايانا مع الله ومع انفسنا ومع الخلق اجمعين ,تحت راية (وماارسلناك الا رحمة للعالمين)عندها سيكون ديننا لنا لالغيرنا ولله لاللعباد ولخدمة قضايانا لالقضايا غيرنا .
#سامي_عبدالقادر_ريكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟