مناقشة تعليق يعقوب ابراهامي الاخير٢-;-


حسقيل قوجمان
2015 / 3 / 18 - 13:13     

مناقشة تعليق يعقوب ابراهامي الاخير٢-;-
راينا في المقال السابق ان للمختبرات تاريخ ديالكتيكي طويل كما لكل الحركات الطبيعية للمجتمع. فتطور المختبرات تحقق مع تطور العلوم واصبح للمختبر في ايامنا مفهوم متطور كما نراه في كافة العلوم البشرية. فكل علم من العلوم البشرية له مختبره الحقيقي وليس المجازي المشاد حسب متطلبات بحوث العلم المعين. فللكيمياء مختبر كيمياوي وللطب مختبر طبي وللفيزياء مختبر فيزيائي الخ.
الصفة العامة للمختبر، لاي مختبر، هي ان يكون بتركيبه ومواده واجهزته صالحا لبحث طبيعة العلم المطلوب بحثه فيه. فهو على هذا الاساس صورة مختصرة للطبيعة يجري فيها بحث الحركات الطبيعية التي يراد بحثها فيه. فمختبر الكيمياء ينبغي ان يبنى ويجهز بالمواد الكيمياوية المتوفرة في الطبيعة لكي يمكن في المختبر اجراء التجارب العلمية عليها من اجل اكتشاف حركات جديدة تجري في الطبيعة. وهذا ينطبق على مختبر اي علم اخر.
يقول يعقوب حول القوانين الطبيعية التي اكتشفها الانسان "ثم جرى التحقق من صحتها (أو تفنيدها) في المختبر." لنترك التفنيد جانبا حاليا. كيف يجري التحقق من صحة القوانين الطبيعية في المختبر؟ يجري التحقق من صحة القانون الطبيعي باثبات ان النتاج الذي جرى اكتشافه او تحضيره في المختبر مطابق لما يجري في الطبيعة. فاذا اختلف عما يجري في الطبيعة يعني ان النتاج لم ينجح والامر يتطلب المزيد من البحوث من اجل تحقيقه. اذ كل بحوث العلماء في المختبرات يقصد منها تحقيق ظواهر مشابهة للظواهر الجارية في الطبيعة.
منذ نشوء الانسان مثلا كان يرى البرق في الايام الممطرة وخلق كثيرا من الاساطير حوله ولكن العلم في تطوره اكتشف ان البرق هو حركة تحول الطاقة الكهربائية المتولدة من احتكاك الغيوم الى طاقة ضوئية.
وقد جرب اديسن في مختبره الكبير ان يقلد الطبيعة بتحويل الطاقة الكهربائية الى طاقة ضوئية. نجح في تحقيق ذلك ولكنه لم يستطع الاحتفاظ بالنور لانه كان كالبرق يطلق شعاعا ضوئيا سريع الاختفاء. فاجرى مئات او الاف التجارب لاكتشاف طريقة يحتفظ بها بالنور الناشئ عن تحول الطاقة الكهربائية الى طاقة ضوئية الى ان نجح في تقديم النور الكهربائي للانسانية. فكيف تحقق اديسن من صحة هذه الحركة؟ تحقق من ذلك بانتاجه نورا في المختبر شبيها بالنور الذي يجري في الطببيعة.
جرى الحديث في تعليق يعقوب عن المختبر بالمعنى المجازي. فما هي صفات المختبر المجازي؟ ان المختبر الحقيقي في مفهومنا المتطور حاليا هو ان يكون بناية معينة مخصصة لبحوث علم معين كمختر الكيمياء والفيزياء والطب والصيدلة وغيرها. اما المختبر بالمعنى المجازي فهو حمام ارخيميدس او شجرة تفاح نيوتن وربما دكان الحداد او صومعة الكاهن ولو انني اعتبر الاخيرين مختبرين حقيقيين في ظروف وجودهما ودرجة تطور العلوم في ذلك الحين.
ماذا نفهم اليوم حين نتحدث عن مختبر كيمياوي؟ نفهم انه بناية بنيت خصيصا وهندست لكي تصلح لكي تكون مختبرا كهذا تجلب لها مواد من الطبيعة كالمواد اللازمة مثل الحوامض والقواعد وسائر المواد والمستحضرات الكيماوية وجهاز تحضير كبريتيد الهايدروجين الذي لا يمكن اجراء اية تجربة بدونه والكثير من الادوات اللازمة مثل القناني والانابيب وغيرها. وجهاز تجهيز انابيب التسخين المسماة منورات بنزين الخاصة بالمختبرات الكيمياوية والميكروسكوبات اللازمة للبحوث. فهو بناء جاهز لاجراء التجارب وتحضير المواد حسب حاجة العالم او العامل الكيمياوي. كل هذه مواد تجلب من الطبيعة لكي تجعل المختبر صورة موجزة للطبيعة يستطيع العالم فيها ان يجري تجارب مشابهة لما يحدث في الطبيعة من اجل محاولة تقليد الطبيعة في انتاجها واكتشاف مواد جديدة يستطيع العالم تحضيرها لم تكن معروفة لديه سابقا. هذا ما اسميه صور مصغرة للطبيعة. ويجري عادة انشاء مختبرات تصلح لتعليم علم ما في الجامعات لتعليم طلاب الجامعات المواضيع العلمية وتدريبهم على استخدام المختبرات الكبيرة بعد تخرجهم بصورة تخصصية.
ادى تطور العلوم الى ضرورة ايجاد مختبرات لاكثر من علم واحد يجري فيها بحث عدة علوم يساعد احدها الاخر ويكمله. وقد كثرت مثل هذه المختبرات في نطاقات علمية في ايامنا. اود ان اذكر على سبيل المثال المختبر الذي انشئ في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. أنشأ مختبر يضم كل العلوم البشرية جمع فيه افذاذ جميع العلوم وخيرة علماء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وربما غيرها من اجل رفع عنصر اليورانيوم الى عنصر البلوتونيوم غير الموجود على الكرة الارضية وموجود في الشمس وهو ضروري من اجل انتاج القنبلة الذرية. وهذا كان من اوسع المختبرات في التاريخ حتى ذلك الوقت ولكننا نرى ضرورة تاسيس وتشكيل المزيد والمزيد من مثل هذه المختبرات من اجل صنع الاقمار الاصطناعية والصواريخ القادرة على اطلاقها مثل مؤسسة ناسا.
يقول يعقوب "كل القوانين الطبيعية الكبيرة التي عرفتها الإنسانية جرى اكتشافها في المختبر (بالمعنى المجازي الواسع للمختبر)." واشتراط يعقوب للمعنى المجازي هنا ضروري لان الكثير من القوانين الطبيعية الكبيرة لم يكتشف في مختبر حقيقي بالمعنى غير المجازي. وبالمعنى المجازي يمكن اعتبار كل زاوية في الكرة الارضية مختبرا "(بالمعنى المجازي الواسع للمختبر)".
انتقل الان الى خرافة التفنيد. يصر يعقوب على ذكر التفنيد عند ذكر اكتشاف واختبار صحة القوانين الطبيعية. والتفنيد مصطلح معاد للعلم وللقوانين الطبيعية وحتى للانسانية. يعقوب يكرر ذكرها كالببغاء لانه تعلمها من احد الكتاب الذين يصدقهم. وهذا طبعا من حقه. ولكن تجربته لتطبيق تفنيد قانون الجاذبية استنادا الى ذلك كان تعبيرا عن جهله المطبق لقانون الجاذبية ولمعنى تفنيد قانون الجاذبية اذ اعتبر قانون الجاذبية هو سقوط التفاحة وان تفنيد قانون الجاذبية هوعدم سقوط التفاحة.
ان قانون الجاذبية ظاهرة طبيعية يجري فيها تجاذب بين كل جسمين في الطبيعة. وتطور العلم الى امكانية قياس الجاذبية بين اي جسمين استنادا الى حجم الجسمين والبعد بينهما وتوصل علم الرياضيات الى تكوين المعادلة الرياضية الدقيقة لقياس الجاذبية كنا نستعملها عند دراسة مبادئ الفيزياء في الدراسة الثانوية. وما معنى تفنيد قانون الجاذبية على هذا الاساس؟ يعني اننا يجب ان نجد حالة ينبغي ان يكون فيها جاذبية ولا تحدث الجاذبية فيها. فمثلا نعلم ان القمر حين يجابه المحيط يجتذب مياه المحيط فيحصل المد. وتفنيد قانون الجاذبية هنا يعني ان نجد حالة يمر فيها القمر على المحيط ولا يجتذب مياه المحيط. وهذا شيء لا ولن يستطيع يعقوب او العالم الذي علمه ذلك او اي انسان اخر ان يجده او يحققه.
ان الواقع هو ان الانسان عاجز عن تفنيد او التاثير باي شكل من الاشكال على اي قانون طبيعي لان القوانين الطبيعية تجري في الطبيعة بالاستقلال عن الانسان وعن وجود او عدم وجوده وبالاستقلال عن عقله وفكره وشعوره وارادته في حالة وجوده. فحتى الاف الحركات التي تجري في جسم الانسان وفي دماغه لم يعرفها الانسان الا عند اكتشافها ولا يشعر بها حتى بعد اكتشافها. وخير من عبر عن ذلك كان ستالين ولذلك اقتبس عبارة ستالين بهذا الخصوص لقرائي رغم انني اعلم ان ذلك يزعج يعقوب وغيره من اعداء ستالين. ولكنهم في حالة عدم رغبتهم بقراءة عبارة علمية رائعة لمجرد ان من كتبها هو ستالين فهذا شأنهم وبامكانهم ان يتحاشوا قراءتها.
"إنهم ينفون أن تكون قوانين الاقتصاد السياسي انعكاساً لانتظام حركة التطور التي تحدث بصورة مستقلة عن إرادة الناس. وهم يرون، نظراً للدور الخاص الذي يسنده التاريخ إلى الدولة السوفييتية، إن في وسع هذه الدولة، وقادتها، إبطال قوانين الاقتصاد السياسي القائمة، في وسعهم «تكوين» قوانين جديدة، و«خلق» قوانين جديدة.
هؤلاء الرفاق مخطئون خطأ جسيماً. فمن الجلي أنهم يخلطون بين قوانين العلم التي تعكس حركة التطور الموضوعية في الطبيعة أو في المجتمع، هذه الحركة التي تحدث بصورة مستقلة عن إرادة الناس، وبين القوانين التي تسنها الحكومات وتخلقها إرادة الناس وليس لها غير قوة حقوقية. و لكن لا يجوز أبداً الخلط بين هذه القوانين وتلك.
إن الماركسية تعتبر قوانين العلم ـ سواء منها قوانين الطبيعة أو قوانين الاقتصاد السياسي ـ انعكاساً لحركة التطور الموضوعية التي تحدث بصورة مستقلة عن إرادة الناس. وفي وسع الناس اكتشاف هذه القوانين، ومعرفتها، و دراستها، وأخذها بعين الاعتبار في أعمالهم، واستخدامها في مصلحة المجتمع، ولكن ليس في وسعهم تعديلها أو إبطالها. ومن باب أولى، ليس في وسعهم تكوين أو خلق قوانين جديدة للعلم."
في هذا النص المقتبس من ستالين اجوبة على كل الاعتراضات التي يبديها يعقوب وغيره من كون الماركسية تعتبر القوانين الطبيعية وقوانين الاقتصاد السياسي علما وتعتبر استحالة قدرة الانسان في التاثير على اي قانون طبيعي او قانون اقتصادي ولا يستطيع الانسان سوى استخدام القوانين التي يكتشفها كدليل للعمل من اجل خدمة الانسانية وحتى من اجل ابادة الانسانية.
الان ننتقل الى السؤال الاخير: "سؤالي هو: كيف اكتشف كارل ماركس القوانين الطبيعية لما يسميه حسقيل قوجمان علم الماركسية (الذي لا يقل دقة، كما هو معلوم، عن علم الفيزياء)؟ وكيف تم التحقق من صحتها وكيف يمكن تفنيدها أو إثبات صحتها شأنها شأن كل قانون طبيعي (!!!) آخر"
راينا اعلاه ان لاكثر العلوم التي توصل اليها الانسان توفرت امكانيات عملية لانشاء مختبرات من الطبيعة تشبه الطبيعة يمكن محاولة تقليد الطبيعة فيها من اجل اكتشاف حركات طبيعية جديدة لم يعرفها الانسان سابقا يستطيع العلم اثبات صحتها بمشابهة انتاجها للانتاج الطبيعي المعين الذي يجري في الطبيعة.
اما الديالكتيك فهو علم الحركة في الطبيعة. وليس لهذا العلم امكانية بناء مختبر يحتوي على مجرد الحركة الطبيعية من اجل محاولة اكتشاف حركات طبيعية جديدة لم يعرفها الانسان واختبار صحتها بمشابهتها للحركة الجارية في الطبيعة في مختبر. الديالكتيك هو علم كل حركة على الاطلاق تجري في الطبيعة لذا لا يمكن ان يوجد مختبر للديالكتيك كما يوجد للعلوم الطبيعية الاخرى. ان مختبر الديالكتيك هو الكون كله.
ان اثبات صحة كل حركة يكتشفها الانسان هو تبيان كونها تجري فعلا وفقا للقوانين الديالكتيكية. وخير تعبير عن ذلك كان قول انجلز في مقاله "كلمة عن الديالكتيك" التي اقتبستها في الحوار مع السيد الزيرجاوي ولا ارى بأسا في اعادة اقتباسها.
"ان الديالكتيك المدعو بالديالكتيك الموضوعي اي (المستقل عن الانسان) يهيمن في الطبيعة باسرها اما الديالكتيك المدعو بالديالكتيك الذاتي، ديالكتيك الفكر، فليس سوى انعكاس للحركة السائدة في ارجاء الطبيعة."
وعلماء الديالكتيك لا يحاولون طبعا تفنيد الديالكتيك او تفنيد اي قانون طبيعي اخر لان ذلك يعني امكانية التلاعب في القانون الطبيعي. واذا استطاع انسان تفنيد اي قانون طبيعي فهذا يعني ايضا ان بامكان الانسان ان يعدل او يكمل او يخلق او يلغي قانونا طبيعيا وهو ما يستحيل على الانسان تحقيقه كما راينا اعلاه.
بعد اكمالي كتابة هذا المقال رايت بالصدفة تعليقا اخر ليعقوب ابراهامي على نفس المقال لا استطيع التعليق عليه الا "عادت حليمة ..." وما علي الا ان اعود الى مقاطعته.