أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الجواهر...!















المزيد.....

الجواهر...!


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4740 - 2015 / 3 / 6 - 23:13
المحور: الادب والفن
    


الجواهر...!!

نبيـــل عـــودة


كانت على فراش الموت، تشعر بضعفها، لا تجد دموعا للبكاء على نفسها. شعورها أن ما تبقى لها لن يتجاوز شهراً واحداً كأقصى حد.. فهمت ذلك رغم أن لا أحد يريد أن يعترف أمامها بقرب نهايتها، بما صار معروفا لديها من الهمس حولها. لم تكن تملك القوة والرغبة في التفكير بعجيبة قد تطيل عمرها. لم تعد تجد فائدة من التمني ان تفتح عينيها لتستيقظ من حلم مرعب. تتمنى ان تغمض عينيها وينتهي ألمها. دواء التخدير لم يعد يساعد في تخفيف آلامها. ما كان يقلقها حقاً أن زوجها صار مرتبطا منذ أقعدها المرض قبل نصف سنة، بفتاة شقراء بجيل ابنه. لم ينتظر وفاتها.. ليدعها على الأقل تودع عالمها بشعور مريح، بلا هواجس تأكل قلبها.
الشعور أنها أصبحت شيئاً ينتظرون موته، شيئاً زائداً يثقل على الجميع، صعب عليها.. حتى الشهر المحدد لها صار ثقيلاً على الذين حضنتهم وأعطتهم قلبها وجهدها وراحتها بلا حساب.
تقضي معظم يومها مع مساعدة تقوم على خدمتها، استأجرها زوجها ليريح نفسه أولاً.. كثيراً ما بحثت عن دمعة تريحها فلم تجدها. لم تكن تعرف هل تبكي ذاتها أم تبكي خراب عالمها قبل موتها؟
كانت تعلم أن زوجها ليس لوحده في الطبقة الأولى.. ولكن من أين لها القوة لتتحرك وتكشف ما يجري تحت أنفها؟ ومساعدتها ترفض أن تقول ما يدور في البيت.. دائماً تتهرب من الإجابة.. لا تغضب عليها.. هذه وظيفتها.
عندما كان زوجها يحضّر شقراءه، كانت تلتزم مساعدتها الطبقة الثانية بحجة التنظيف أو الاستراحة.. كانت تشعر بحسّها أولاً، وبتطور قدرة سمعها ثانياً، بكل حركة تجري في الطابق الأرضي، كانت تسمع الضحكات المخنوقة، حسها لا يخطئ. ما كانت تطلبه أن يرحم زوجها أيامها الأخيرة، أو ربما ساعاتها الأخيرة.. ولكنها تشعر بالغضب من وقاحة تلك الشقراء التي وجدت بشخص زوجها، أباً وعشيقاً في نفس الوقت..
قليلاً ما كان يدخل غرفتها.. وإذا دخل فبابتسامة مصطنعة ليسألها عن صحتها:
- "إن شاء الله تتحسني"
وكأنه يقول لها:
- "خلصينا، موتك رحمة لك ولنا".
أحياناً تفكر بعقابه.. ولكنها لا تعرف كيف تعاقبه دون أن تلحق الضرر بابنهما الوحيد. صارحت ابنها بما يعتلج في صدرها، حقاً تشعر بأنه يحبها ويبكي مصيرها، ولكنه بما يخص والده له موقف آخر:
- "هل تريدينه أن يتمدد مريضا إلى جانبك؟"
شرحت له ما وصلها من صديقاتها وما تلمسه وتحسه وتسمعه داخل بيتها:
- "ألا حرمة لبيتي وأنا صاحبته الشرعية حتى اليوم؟ ليفعل ما يريد خارج منزلي. عندما أموت ليفعل ما يشاء!"
فردّ بشكل منعها من فتح الحديث معه مرة أخرى:
- "أمي ماذا جرى لك، على ماذا أنت قلقة؟.. هل تريدين أن تجرّي أبي معك.."
ولم يكمل الجملة، كانت تعرف انه يعني:
- "إلى القبر".
تغابت وقالت له:
- "لينتظرني حتى أموت على الأقل، وليفعل ذلك بعيداً عني ودون علمي، هل كوني مريضة في أيامها الأخيرة يجعلني لا شيء في بيتي ولدى زوجي؟"
كم تمنّت دمعة.. لكن دموعها قد جفت منذ عرفت ما ينتظرها.
قبّلها ابنها على جبينها وشعرت بدمعة حارة تسقط فوق خدّيها الباردين.. وسارع يخفي دموعه ويخرج مسرعاً.. تاركاً لها عذاباتها وانتظار النهاية التي بدأت تشعر ببطء حركتها.. صارت تتمنى أن ينتهي عذابها بسرعة..
كانت تتمنى أن ترى حفيدها الأول، ولكن لا يبدو أن الزمن سيمنحها هذه السعادة. قبل أسبوعين سألت ابنها:
- " أين وصلت زوجتك؟"
فأجاب:
- "إنها في السابع.."
كم تتمنى الموت، وكم تتمنى أن ترى حفيدها قبل موتها.. ربما الألم الأعظم الذي يعذبها من موتها، حرمانها من رؤية حفيدها وملاعبته. أما زوجها فلم يكن الأمر يعنيه وكأنه جاء من كوكب آخر.. لا يحدثها بأي موضوع، وحين سألته عن تجهيزات الحفيد، التي كانت تتمنى أن تقوم بها، تبين أن الأمر لا يعنيه كثيراً:
- "أمه ستجهز له ما يريد، أعطيتها شيكا مفتوحاً"
كل ما يعنيه عشيقته الشقراء التي أعادته مراهقاً بجيل الكهولة. لو كان الأمر معكوساً هل كانت تتصرف مثله، أم تقبر نفسها إلى جانبه، تقوم على خدمته وحضانته حتى يتمنى أن يطول به المرض رغم ما فيه من آلام رهيبة..؟
لماذا ما يطلب من المرأة لا يطلب من الرجل؟
وماذا تفيدها هذه الأفكار في حالتها الميئوس منها؟
ستمحى ذكراها من هذا المنزل.. سينسون أنها كانت أما وزوجة مخلصة وخدامة وجارية وخليلة... ستصبح مجرد ذكرى لا يتذكرون إلا أيامها الأخيرة المليئة بالعذاب لها ولأهل البيت. سيقولون:
- "ربنا أراحها وأراحنا"
وهي لم تكن تحلم براحة من هذا النوع. على الأقل كانت تريد موتاً دون أن تعذبها مشاعر الغيرة.. أو الشعور أنها أصبحت عالة ينتظرون موتها وإقفال صفحة متعبة من حياتهم.. وكأنهم قد تخلصوا من آفة بيئية.
أسعدهم ستكون الشقراء.. سيخلو لها الميدان.. ستقلب كل أغراضها وتأخذ ما يعجبها وتلقى بقية أغراضها للقمامة.
ما كان يسري عنها قليلاً حديثها التلفوني مع صديقاتها، اللواتي حافظن على مودة وعلاقة، ولكن زياراتهن باتت قليلة في الفترة الأخيرة ربما بسبب ما يدور في البيت..
كانت لها صورة تحبها كثيراً، هي وابنها عندما كان في العاشرة من عمره، وقد عملت منها نسخة مكبرة علقتها أمام السرير منذ تلك الأيام، كانت تبدو امرأة مكتملة الجمال، صدرها عريض واسع، ورقبتها ممتدة، وقوامها جميل متناسق يشع حيوية وأنوثة.
هل ستكون الشقراء بمثل جمالها؟
آه ما أصعب الأفكار عندما تتخيل زوجها، الذي تزوجته بعد قصة حب، تملؤها حتى اليوم بالمشاعر الجميلة.. مع شقرائه، التي وصلها أنها كانت من المتسابقات على لقب ملكة جمال.. كيف وصلها؟ وماذا وجدت به غير أمواله وقدرته على الصرف بلا حساب؟
وفجأة خطرت لها فكرة جهنمية.
اتصلت بإحدى صديقاتها..
- ايفلين.. آمل أني لا أزعجك يا روحي..
- إطلاقا.. لا تفكري أبدا انك تزعجيني.. آسفة لم أزرك في الأسبوع الأخير.. ولكني سأزورك بالتأكيد غداً.. أنت دائماً على بالنا.. أرجو أن تكوني بخير..
- شكرا يا ايفلين.. أنا متعبة جداً.. ولكن لي طلبا صغيراً..
- تأمري يا روحي..
- لي صورة.. الصورة التي أمام سريري.. مع ابني.. تذكرينها؟... أريد من صديق ابنك الرسام الذي رسم صورة لك، أن يرسم لي الصورة إياها، سابقيها هدية لزوجي... وسأدفع له ما يطلبه.
- اتكلي علي.. سأرتب لك الموضوع..
في اليوم التالي حضر الرسام مع ايفلين. نظر إلى الصورة وقال:
- سأرسمها لك.. مسألة يومين..
- ولكن لي طلب يا عزيزي..
- تفضلي...
- أريدك أن تضيف للصورة عقداً من اللؤلؤ والألماس يغطي كل صدري، أترك هذا لخيالك البارع.. وكذلك أقراط من الألماس.. وإسوارتي ذهب ضخمتين مع الأحجار الكريمة... ضع في كل يد واحدة.. ولا بأس من إضافة دبوس يأخذ العقل على الفستان في الصدر.. تفنن به..
- هذا سهل.. سأجعل الجواهر تبدو حقيقية يمكن لمسها باليد..
- رائع... رائع. خذ دفعة على الحساب
أخذ مبلغاً لم يحلم به.. أنزل الصورة، لفّها بشرشف أبيض، وخرج مسرعاً بينما ايفلين تحملق بصديقتها غير قادرة على فهم ما يجري حولها. بعد أن خرج الرسام استجمعت ايفلين نفسها وسألت:
- ماذا تفعلين يا صديقتي؟ منذ متى تحبين الجواهر؟
- اسمعي يا ايفلين، أنت أقرب الناس إلي بعد إبني، سأصارحك.. اقسمي أن يبقى ما تسمعيه سراً بيننا؟
- أقسم..
- زوجي كما يعلم الجميع، وأنت أيضا، رغم انك ترفضين الاعتراف أمامي بما تعرفينه، يخونني مع شقراء بعمر ابنه.. سحرها بأمواله.. أنا سأودّع هذا العالم المجنون.. ما هي إلا أسابيع أو أيام.. ولكن تخيلي، عندما تكتشف الشقراء الصورة، وترى الجواهر التي تأخذ العقل.. ستبدأ بالبحث عنها... أريدها أن تتعذب.. كما عذبتني وانا في أيامي الأخيرة!!
- ولكن لا جواهر لديك...
- هذا هو الأمر.. انه انتقام صغير ليس إلا.. وليسامحني الله... لن تصدق زوجي إنها مجرد صورة واني لم أكن، رغم أمواله، أعشق الذهب والجواهر. ستبحث عن جواهري التي في الصورة.. حتى لو ظهر لها كل الأنبياء وأبلغوها بأن الجواهر غير موجودة، لن تقتنع أني لم أكن أملك الجواهر التي سيلبسني إياها الرسام...



[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب نتنياهو: لامع وفارغ..!!
- هل التطرف الديني بديل لعصر التنوير العربي؟!
- جسران وعالمان...!!
- فلسفة مبسطة: -الإمباتيا- أو الدخول في أحاسيس الآخر!!
- الخنزيرة سيدة محترمة…
- الكتاب الذي لم يعرفه سعيد
- خواطر سياسية: ما الذي يخفيه -استفزاز- نتنياهو للإدارة الأمري ...
- الشرق والغرب لا ينفصلان...!
- فلسفة مبسطة: الفلسفة العملية
- ليس بالصلاة فقط..!!
- نتنياهو قوميسار سياسي جديد- جدانوف إسرائيلي
- فلسفة مبسطة: حتمية اجتماعية أم إرادة حرة؟
- ضمان لشرفها...!!
- يوميات نصراوي: ماركسية أفيون الشعوب!!
- زيت مريم العذراء المقدس
- الغريب
- نصوص قصصية متمردة
- فلسفة مبسطة: مفهوم العقلانية
- فلسفة مبسطة: المضمون والشكل
- واقع جديد: مغامرات نتنياهو لا تمر بدون ثمن


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الجواهر...!