أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل السابع















المزيد.....

أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل السابع


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 14:54
المحور: الادب والفن
    


ذهبنا، أنا وعبد الصمد، إلى الكُتُبِيَّة، كل يوم، السماء صافية، والمستقبل مثقل بالغيوم. لم تكن طريقة التفكير سببًا، كان يركبني على دراجته النارية من ورائه، ويعمل دورة كبيرة ليتفادى ضربات القدر في جهنم ساحة جامع الفناء. في الواقع، كان زحام الملعونين، وكذلك طقوس التصوف والحركات الكهنوتية، تدفعنا إلى التوقف والتأمل وقتًا يطول أو يقصر، وهو في الغالب يطول، وأنا لا وقت عندي أكرسه إلا للعلة التي يا ليتني كنت معلولها في المدينة الحمراء. لهذا السبب، كان مُضَيِّفي مضطرًا للذهاب حتى "جيليز"، حي الأثرياء والفنادق السياحية، ثم الصعود على كتفي شارع محمد الخامس السويّ كالخط المستقيم، والموجود في أقصاه جامع المرابطين.
أخذنا، إذن، نبحث في المخطوطات المهملة، عن قصة حب أحمد الأندلسي وإيزابيل العاشقة، وبعد مضي أسبوع في غبار الكلمات، أيقنت من استحالة وجود أي أثر لها. كانت المخطوطات تتوزع بين الكتب الصفراء وسير الأبطال القدامى، كعنترة، مثلاً، ذلك العبد الأسود الذي أحب عبلة، ابنة عمه، وأحبت عبلة، بدورها، ابن عمها، ولكن لأنه كان أسود، رفض أبوها أن يعطيه يدها. ليبرهن على أن اللون لا شيء في عين الشجاعة، غدا عنترة سيد قبيلته. وهكذا بقوة خلقه، أجبر عمه على الاعتراف بعدم وجود أفضل منه زوجًا للحلوة عبلة.
هناك أيضًا سيرة أبي زيد الهلالي، من بني هلال، تلك القبيلة التي هاجرت من وسط الجزيرة العربية إلى مصر، تاركة الشمس والرمل إلى الشمس والنيل، واجتاحت المغرب في القرن الحادي عشر. وكان لمآثر أبي زيد أثرها في الخيال الشعبي، فألبس البطل ثوب الرجل الخارق تارة وثوب الرجل العالم تارة. وقعتُ كذلك على مآثر رودريجو دياز دي فيفار، السيد الكنبيطور، سيد السلاح أو سيد القتال، كما كان يدعوه الملك المسلم لساراجوسا. أراده تحت إدارته، وقبل بتحقيق كل رغباته، فدخل في خدمته اليوم لأجل الإنهاء عليه في الغد. وفي رأيي سيد اللغات، لقدرته على التحدث بالعربية، لغة أعدائه، ملوك الطوائف. وقعتُ، إذن، على السيد، سيدي عندنا، وتوقفتُ عند الصراع بينه وبين المرابطين على مدينة فالنسيا.
عبّرت عن خيبتي لعبد الصمد، وأخبرته عن استحالة عودتي إلى مدريد. من ناحية، الظروف في إسبانيا لم تزل غامضة، فالعساكر، من طرفي البرنة، يعلنون كل يوم، الانقضاض النهائي على معسكر آميديه، ولا يقع أي شيء من هذا. ومن ناحية، سيكون وضعي، على الخصوص، معرضًا للشك، بسبب علاقاتي الشخصية بالمتمرد الأرخذوني، طالبي، وما جرى بيني وبين العاهل الإسباني وأبي بكر الآشي. صحيح أن مهمتي في المملكة الهاشمية قرب العاهل الأردني باءت بالفشل الذريع، إلا أن لا العساكر ولا الفارس بوعمير سينسون ذلك أبدًا. عاجلاً أم آجلاً، سينتقمون مني ومن زوجتي وأطفالي، وفي كل الأحوال آميديه ستتم تصفيته.
لأول مرة، بدا على المراكشي القلق لأجل آميديه، تمنى لو يفعل شيئًا له وللإخوة الأرخذونيين، وعبر عن عجزه التام. أما عني، فقد حثني على أن أرسل من وراء أسرتي في الحال، ستنزل ضيفة عليه حسب كل أصول الاستقبال، بانتظار أن أعين في الجامعة حيث يدرّس. جامعة مراكش الفتية بحاجة إلى أستاذ محنك مثلي، وهو سيكلم العميد. حسبما يرى، كل شيء ممكن، ولا يوجد هناك أي مشكل. بالطبع، تريثت فيما يخص مجيء زوجتي وبناتي، يجب التوقيع أولاً. لست أدري لماذا فكرت فجأة في الذهاب إلى عمان إذا لم تجر الأمور كما يتوقع عبد الصمد، للعمل في إحدى الجامعات الأكثر عددًا مما هي عليه في المدينة الحمراء، أو في إحدى المؤسسات الثقافية. أرجأت التفكير جديًا في هذا إلى المستقبل، وعزمت، بالأحرى، على الانتهاء من التنقيب في مخطوطات الكُتُبِيَّة الصفراء، لتزجية الوقت هذه المرة، بانتظار نتائج مساعي مُضَيِّفي.
في أحد الصباحات، وأنا أتعلق بخاصرة عبد الصمد، على دراجته النارية، كلمني. سمعته بصعوبة، بسبب الريح التي كانت تملأ أذنيّ. اقترح علي الاتصال بحاكم مراكش، فهو، على الرغم من تزمته الديني، معجب بالفلاسفة ورجال الأدب. كانت آثار تجربتي المريرة في قلبي مع العاهلين الأردني والإسباني لم تزل تفعل فعل أمواس متصوفي ساحة جامع الفناء، فرفضت. لم أعد أثق بحاكم، أيًا كان، فكل طالب القرب منه لا يحصد سوى القمح والمتاعب.
في اللحظة ذاتها، أحاط بنا أربعة من رجال الدرك على دراجاتهم النارية، وطلبوا من عبد الصمد أن يتبعهم. لم ينطق بكلمة واحدة، وأنا كذلك. لم نكن نعلم أينا المقصود. ما لنا وما علينا. على معرفة منا أم على غير معرفة منا. أحسست بتقلص عضلات بطن صديقي المغربي. عاش بالأوهام. على الأوهام. لم يعش مثلي. نزلنا أمام مركز الشرطة. رميت سائقي بنظرة عابرة، كالكركم كان وجهه. كبله رجال الشرطة، ودفعوه، دون أن يحسبوا أي حساب لحضوري. وحيدًا أمام باب مركز الشرطة، ترددت، وأنا أصعد درجاته الثلاث. وفي النهاية، اندفعت نحو الداخل.
- أريد أن أرى رئيس المركز، قلت لأول شرطي.
أشار إليّ بالجلوس.
انتظرت أكثر من ساعة، وحركة رجال الشرطة لا تهدأ. في الأخير، جاء ضابط أنيق جدًا، سلم عليّ، وطمأنني:
- لا شيء لدينا ضدك، تستطيع الذهاب!
- أعرف ألا شيء لديكم ضدي، ولا أحد أجبرني على البقاء، أنا هنا من أجل السيد بلصغير، ماذا فعل كي توقفوه؟
- أنت لا تعرف مُضَيِّفَكَ، بروفسور، بالقدر الذي نعرفه.
- تقول بروفسور؟
- أنت الأستاذ الإسباني، نعرف كل شيء عن أبحاثك في الكُتُبِيَّة.
- فلنعد إلى مُضَيِّفي، كما تقول.
- عبد الصمد بلصغير نشيط خطير، قادر على إلحاق الأذى بأمن الدولة.
- ماذا! بأمن الدولة؟
- حتى أن نشاطاته السياسية تتعدى حدودنا.
إذن لن يطلقوا سراحه قبل زمن طويل.
- من يسب الحاكم، واصل الضابط الشاب، لا شيء غير مسبة بسيطة، يحبس ثلاثة أشهر، ابنه شهرين، زوجته شهرًا، هذا فيما يخص المسبة، فتخيل منفذي نشاط سياسي يتعدى حدودنا وعقابه، من يرمون إلى قلب النظام، وهدم العقيدة، والقضاء على التقاليد والعادات! أنصحك، بروفسور، بأن تجد لك فندقًا أفضل لك، وتغادر بيت بلصغير في الحال. أنا أعرف فندقًا صغيرًا، ولكنه مريح، في المدينة، البلدة القديمة التي اعتدت على أجوائها، وأكيد أنك تريد مواصلة العيش فيها، اسمه فندق الأطلس، اذهب إليه من طرفي، وسيعتني بك صاحبه تمام الاعتناء.
- متى أستطيع رؤية السيد بلصغير؟ رجوت الضابط الشاب.
- سنلقي به في السجن حتى يوم محاكمته.
- هل أستطيع رؤيته في السجن؟
- تدبر أمرك مع سجانيه...
اتجهت نحو باب الخروج، فقذف ممثل الدولة في ظهري:
- ...وكن كريمًا معهم.
كانت الصدمة مهولة على والدة عبد الصمد، غير أنها رفضت أن أغادر بيتها إلى فندق، قالت "صديق ولدي بمثابة ولدي". في اليوم التالي، ذهبت، بصحبة أخي عبد الصمد الأصغر، إلى السجن. كان سجنًا كبيرًا بأسوار عالية، محاذيًا، بالفعل، للكُتُبِيَّة. لم تُجْدِ رشوتنا للحارس نفعًا. طلب منا العودة في الغد، فعدنا، وضاعفنا الرشوة، هذه المرة. بعد انتظارات طال بعضها عدة ساعات أحيانًا، كان أهالي السجناء يدخلون من باب حديدي ضيق، مع قفة أو صرة، وعندما يحين دورنا، يرفض الحارس إدخالنا، ويطلب منا العودة في الغد. وهكذا كنا نعود كل يوم، وفي كل مرة ندفع للحارس، حتى اليوم الذي قرر فيه أن يتركنا نجتاز الباب الحديدي الضيق.
جاء عبد الصمد ليحيينا من خلف سياج، وكأنه شق عُباب البحر. في عدة أيام، فقد نصف وزنه، ولم يعد وجهه الدميوي يعبر عن شيء آخر غير الشِّدة. بكى أخوه الأصغر لما رآه، بكاء ذكرني بأبي. لم أساوم أبدًا على سمعتي، فأسقطتني من حق النذالة، ولاحظت اليد المكسورة لنظارة صاحبي الطبية. لقد عذبوه. لكنه نفى كل شيء. لقد تعثر في ظلام الزنزانة.
- سنتصل بمحامٍ، قلت له، سنعمل كل شيء لإطلاق سراحك.
حاول الابتسام، كعادته، دون أن ينجح لتيبس شفتيه.
- إنهم عساكر إسبانيا، أوضح، أعطاهم أحد رجال آميديه المعتقلين بعض الأسماء، بينها اسمي، وهم حتمًا سيطلبون تسليمي.
ومن جديد، حاول الابتسام.
- هل تذكر جدار الإسمنت المسلح في مكتبة الكُتُبِيَّة؟
أخذ قلبي يدق بسرعة خارقة.
- ما له، جدار الإسمنت المسلح؟
- إنه جدار الحجرة المحرمة.
- جدار الحجرة المحرمة!
- عندما عرف السجانون بأنني أستاذ جامعي، واحد مثقف، أحضروا لي بعض كتب تسمح لي بتزجية وقتي في القراءة. اعترف لي أحدهم بأن هذه الكتب تأتي من الحجرة المحرمة، التي كانت، في الماضي، ملحقة بالكُتُبِيَّة، واليوم، بالسجن. مقابل عدة دريهمات، أقضي معظم وقتي باحثًا عما تريد، بروفسور، دون أن أجد أي شيء لغاية الآن. إنها مئات المخطوطات المكدسة فوق بعضها البعض، بل آلافها، وحدي لن أستطيع البلوغ أبدًا إلى قراءتها كلها.
- كيف السبيل إلى اختراقي الحجرة المحرمة لهدف العمل معك؟
- الرشوة، في هذه الحال، لن تنفع في شيء، لا ولا التصريح الإداري.
- حتى ولو كان صادرًا عن الحاكم نفسه؟
- الحجرة المحرمة جزء من السجن لمنع الناس من اختراقها.
- هذه المخطوطات وهذه الكتب، هل هي خطرة إلى هذه الدرجة؟
- لم أجد إلى حد الآن ما هو خطر منها، إنها مخطوطات في علم الكلام، وفي الشعر الغزلي.
- لكنها آلاف مؤلفة! قصة إيزابيل العاشقة وأحمد الأندلسي حتمًا بينها! لا بد لي من طريقة تمكنني من اختراق جدران هذا السجن.
جاء سجان، وأبلغنا بانتهاء الزيارة. في طريق العودة، تذكرت ما قاله الضابط الشاب. أسهل الطرق لأُسْجن هي سب الحاكم، غير أنني ترددت بين سب ولده أو زوجته، تبعًا لمدة العقوبة، ومن الأفضل سب هذه. إذا لم يبلغ بحثي في الحجرة المحرمة هدفه، لسبب أو لآخر، سأكرر الجرم، وهكذا حتى أجد ما أريد.

يتبع الفصل الثامن من القسم الثاني



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل السادس
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الخامس
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الرابع
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثالث
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثاني
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الأول
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الحادي عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل العاشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل التاسع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثامن
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السابع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السادس
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث
- رماد لا يشتعل ردًا على ليندا كبرييل


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل السابع