ج1 ب2 ف 4 :مهام خرافية للأولياء الصوفية : الحملات والنظرة واللحظ

أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 10:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .
الباب الثانى : تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية
الفصل الرابع :أنواع الأولياء الصوفية ومهامهم وكراماتهم
مهام خرافية للأولياء الصوفية : الحملات والنظرة واللحظ
* الحملات :
1- يقال أن الولي يتحمل الحملة أي ينوب عن المصاب في تحمل مصيبته، وقد شاعت هذه الفكرة في العصر المملوكي، وقد نصح الشعراني بصحبة الفقراء لأنهم يحملون عن أصحابهم المصائب في الدنيا . وقد وضع لها القواعد فلا يحمل الشيخ إلا عن أبناء حارته وإلا فقد تعدى دائرته ، وشرط الولي الذي يحمل الحملات الاتصاف بالذلة ، والفقر ، وكثرة الملازمة في المواكب الإلاهية ، وألا يأخذ عنها مقابلاً ، وكف الجوارح عن المحرم والمكروه والشهوات المباحة ، والصيام أيام التحمل والتخلق بالرحمة ، ونصح الشعراني بألا تكثر الحملات في النصف الثاني من القرن العاشر .
ويستلزم التحمل جهداً من الولي فهو يحس بالأوجاع في جسمه وقد يبقى دون طعام أو شراب أو نوم أو نظافة أو لباس جديد ، وقد أخبر بعض أهل الكشف أن احمرار الماء الذي تحت بيت الشعراني في الخليج إنما هو من كثرة الهموم النازلة عليه !!، ويقول إن هذا الأمر قلّ من يفعله في عصره من المتمشيخين ، وغاية أمر أحدهم أن يتوجع باللسان فقط !! وقد تحمل الشعراني عن رجل وامرأته حين مات ابنتهما فكاد لحمه وعظمه أن يذوبا !! ويطلب الشعراني من إخوانه ألا يغضبوا حين يرونه عابساً ضيق الصدر فربما كان مشاركاً في حملة لحاكم أو لامرأة مات ولدها أو كانت في الطلق ، وكان إذا نزل بالمسلمين هم أوغم لا يقر قرار حتى يرتفع ، وهو يتحمل هم عدوه أكثر من اهتمامه بحمل حملة صديقه ، وأكثر حملاته عن المرضى ، وكان من وقعت له مصيبة يأتي للشعراني فيحملها عنه ولا يتخلف . والحملة تخف بحسب الاعتقاد وتثقل بعدمه ، أي إذا كنت تعتقد في الشيخ فعلاً فإنه يحمل عنك مصيبتك فيخف وقعها عنك ، وإن لم تكن تعتقد فالويل لك !!
2- والقارئ للشعراني يتصوره بطل الحملات الوحيد ، إلا أن الأولياء السابقين قد ادّعوا ذلك وإن كانوا أقل مقدرة من الشعراني في سبك ادّعاءاتهم ، وعامة فإن الحديث عن الحملات لم يكثر إلا في أواخر العصر المملوكي ، وقد وردت إشارات متفرقة عن الحملات في أقوال متصوفة المماليك البحرية فالمرسي يلوم العامة لأنهم ينفضون عن الولي الذي بين أظهرهم " مع أنه هو الذي يحمل أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم ، ويقول ابن على وفا " إذا حصل لي وارد من واردات الجلال إنما هو تحمل عن الخلق " ، وفي حكاية للسبكي " تحمل شيخ ألم مريده حتى خرج عن الصلاة فبرئ المريد " ، وفي مناقب الحنفي – في القرن التاسع – أن بعضهم تحمل الرمد عن غيره فشفاه ، حتى إذا أهل القرن العاشر فأضحت الحملات ميدان المزاعم الصوفية ، فيدعي المتبول أنه يتحمل ما يعجز عنه سبعون رجلاً من الأولياء ، وكان أبو الفضل الأحمدي يحمل هموم الناس " حتى صار ليس عليه أوقية لحم " ، ويدعى أفضل الدين الشعراني بأنه منذ عشر سنين يحس بأن جسمه في طبق من نحاس على نار من غير ماء ولحمه ودهنه يطشطش وهو صابر ، وذلك " من كثرة توجه الناس إليه في شدائدهم ، فيحملها عنهم ويعاني بدلاً منهم " .
3- وكانت الحملات مجالاً للصراع بين الأولياء ، فأثناء خلاف الشعراني مع ثلاثة من أصحاب النوبة حصل له الفرج على يد الشيخ محمد البهوتي ، الذي تحمل عنه بعد أن أبى الحملة ثلاثون من الأولياء ، فبرئ الشعراني بعد أن كان قد مكث تسعة أيام بلا أكل أو شرب أو نوم .
4- وقد يتعاون الأولياء في الحملات فيرسل المرصفي وغيره الحملات للشيخ بركات الخياط ، فيضعون له الحجر على حانوته ، فيعلم بالحاجة ويقضيها ، ويقول " الاسم لطوبة والفعل لأمشير " ، مع أنه لو كان ولياً حقيقياً ( عندهم ) لعرف الغيب وما احتاج إلى حجر يوضع على باب دكانه ، ولكن الأساطير تخلو من المنطق .
وكان سويدان المجذوب يحمل الحملات ، وكل من حمّله حملة وضع حبة من الحمص في فمه ليتذكر قصته ، فربما امتلأ فمه من الحمص ، ويظل كذلك شهراً حتى تقضى الحوائج ، وكان الخوّاص يرسل الحملات الثقال للشريف المجذوب فيقوم بها ، وبدون حمص !!
والواضح أن شيوع الاعتقاد في الحملات كان لتبرير النذور والأموال التي كان يحصل عليها الشيوخ من الناس.
النظرة .
1- وإذا كانت الحملة في الغالب يتحملها الولي عن الجميع فإن النظرة أو النفحة للمريدين والأتباع القريبين.
2- وقد كان الشاذلي يربي أولاده بالنظر من غير كلام ، ويقول المرسي " والله ما بيني وبين الرجل إلا أن أنظر إليه نظرة وقد أغنيته " ، والمريدون من جانبهم يعترفون بأثر نظرة الشيخ فيهم ، يقول أحدهم " فلما جلست نظر إلىّ الشيخ وأمدني بما أمدني ، ثم قال لي انصرف إلى بلدك فقد استغنيت " ويقول الشعراني عن أحد المجاذيب " كان يحبني وكنت في بركته وتحت نظره " .
3 ــ وينتظر المريدون خروج الشيخ من خلوته لتكون نظرته إليهم أوقع في الأثر ، وقد اختلى شمس الدين الحنفي أربعين يوماً فاستعد مريدوه للظهور بين يديه حين يخرج وقالوا " غداً يظهر سيدي من الخلوة فكل من وقع نظره عليه حصلت له السعادة .. فلما كان وقت السحر ظهر سيدي ووقع نظره على ، فقال لي محمد قلت نعم يا سيدي ، قال : والله لقد حصلت لك السعادة الكلية " يقول الراوي فكل ما أنا فيه من ثمرات تلك النظرة "، حتى أنه تقطب قبل موته ( أي أصبح قطباً ) ، وقد وقع نظر الحنفي على كلب فأصبح الكلب ولياً بفضل تلك النظرة يقول الراوي : " فهذه نظرة رجل من الأولياء وقعت على كلب غير مكلف ، فكيف لو وقعت على آدمي ؟ أو على أحد من جهة ذلك الولي مثل خادم أو ولده أو على واحد من تلاميذه ؟؟! " ، وهو سؤال يستحق الإجابة فعلاً ؟
اللحظ
1- وقد يعبر عن النظرة باللحظ ، خاصة في المراجع غير الصوفية ، فالسبكي يقول عن ابن الحسين الأنصاري " كان إذا ألحظ شخصاً انتفع بألحاظه " ، ووصل الشيخ محمد الحنفي إلى ما وصل إليه " بلحظ الشيخ أبو العباس السوسي " .
2- ووصل الاعتقاد باللحظ الى السخاوى المؤرخ الفقيه المحدّث ، فكان يُكثر من استعمال هذا اللفظ فيقول عن الزين عبد القادر إنه " انتفع بلحظ أبجد المجنون " ، وقال عن الكتاني أنه " انتفع بلحظ الشيخ عمر بن عيسى " ، ويقول عن نفسه " إنه انتفع بالشيخ الغمري " ، " وصليت بجانبه ولحظني " .
وفي المراجع الصوفية استغاثت فتاة بالشيخ فقالت : " لاحظني يا شيخ أبي " ، ويقول الشعراني عن شيخه على النبتيتي " فحصل لي منه لحظ ، وجدت بركته في نفسي إلى وقتي هذا " ، وبهذا المفهوم تختلط النفحة باللحظ والنظرة .
يقول السخاوي عن أحدهم " وقد عادت على نفحاته وبركاته ونفعني دعاؤه " ، وقد صحب الشعراني الشيخ الزفتاوي نحو خمس سنين وحصل له منه " نفحات " ، وقال نحو ذلك عن شيخه صدر الدين البكري .

#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات