|
أنا عربي... ولن أكون يوما شارلي
سيف الدين عفانة
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 17:52
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
أن يموت إنسان من جرّاء خطوط ترسمها أقلامه فذاك ظلم وقهر وهو أمر غير مقبول. وأن نوظّف الدّين أيضا للتّخلّص من الناس وإعدامهم وبطرق وحشية هو أيضا أمر لامبرّر له وهو قذر أخلاقيا وسياسيا. ولكن، تمتدّ القذارة في مسألة هذه الصّحيفة السّاخرة "غير المسؤولة" إلى عديد الجوانب التي يجب أن ننتبه لها. أولا فبكتابتنا " أنا شارلي" فنحن نعني " أنا (متضامن مع ضحايا الهجوم الذي وقع على صحيفة) شارلي (الأسبوعية)". ولكن لماذا أنا؟ متضامن مع شارلي؟ وما هي هذه الصحيفة وما هو توجهها؟ وهل قرأت أنا لها مقالا من قبل؟ أهي عنصريّة؟ السؤال المهمّ هو هل تسائلنا قبل أن نقول "أنا شارلي" من هي شارلي؟ والسؤال الأهمّ هو هل أننا بهذا نساند الصحيفة أم نساند الكلمة أم الحرّية أم الحقّ أم نحن نساند فرنسا؟ كثيرة هي الأبواب التي أستطيع الدخول من خلالها إلى هذه المسائل المتشابكة جدا. ولكن أعانني الرئيس الفرنسي بخطابه فاتحا لي بابا أعرض من بطحاء بلاهة خطابه. فقال فرانسوا هولاند (16 جانفي 2015) كلمات تبدو جميلة في ظاهرها حمقاء في الداخل وخبيثة في الأعماق : - المجرمون حاولوا اغتيال الحريّة.. هم أصحاب إيديولوجية الكراهية.. فرنسا بلد حقوق الإنسان... فرنسا تكافح بصرامة ضد العنصرية ومعاداة السامية ... فرنسا تحترم كل الأديان... وأقول صحيح لذلك تفتح مريم العذراء ساقيها في عدد صحيفة شارلي هيبدو في حين يبدو السيد المسيح على صورة صغير خنزير... ولذلك أيضا كتبت شارلي عن القرآن ما يلي يوم 10 جويلية 2013 (Le Coran c’est de la merde, ça n’arrête pas les balles.) وأستحي أن أترجم هذا القبح. فهل هذا احترام الأديان يا رئيس بلد الحريّة؟ وهل هذه فرنسا أم فولتير وإيرازموس؟ - وإذا كان كذلك فلماذا قدمتم صحفيا للمحاكمة؟ أسمعك يا سيدي الرئيس تسألني من هو؟ هو موريس سيني (Maurice Sinet ) الذي اتهم بمعاداة للساميّة سنة 2008.. وحينها كان مدير النشر بشارلي فيليب فال (Philippe Val) أكد أنه نشر المقال دون قراءته ولا مراجعته. ( أنظر: Arnaud Borrel, Charlie hebdo zappe Siné, Marianne2.fr, 15 juillet 2008)... ويوم 16 جويلية كتب فيليب بال أنه أنهى التعامل مع الرسام موريس سيني ... وبموجب الطرد التّعسّفي دفعت شارلي هيبدو لرسّامها 40 ألف يورو سنة 2010 وارتفعت قيمة "جبر الضّرر" لتصل قيمة التعويض 90 ألف يورو سنة 2012 لصالح الرسام المطرود... ولكن مع هذا فقد واجه الرسام موريس سيني يومي 27 و28 جانفي 2009 تهمة "التحريض على الكراهية العنصرية". - أذكر أيضا أن فرنسا عاقبت جنديّين وعاقبت فنانا مسرحيا (Dieudonné) من أجل وضعية يد تسمونها (quenelle) نستطيع اقتراح "الفطيرة " كترجمة بسيطة لها بالرجوع إلى أصلها في اللغة الألمانية " Knö-;-del "وهي حسب قول اليهود تعني الرمز اليهودي (تحية هتلر) مقلوبة وبالتالي تعني لواط ضحايا الهولوكوست أو شواه (ש-;-ו-;-א-;-ה-;-) أي الكارثة. - وبالوصول إلى الهولوكوست، أتوجه إلى السيد الرئيس المحترم فرانسوا هولاند: إلى أي حدّ أنتم تسمحون بالبحث في هذا الموضوع؟ أنا لا أهاجم اليهود هنا ولكني أقول لك ما لن تستطيع البوح به يوما: أنك كنت ولم تزل مثلك مثل أي رئيسا لفرنسا خادما مطيعا لهم. فلا تجعل الأمر يبدو مسألة حريات ولكن المسألة كانت ولم تزل سياسية إقتصادية يرأسها اليهود ويتحكمون فيها كما يشاؤون... فهم الأقوى الآن وللأقوى الحكم دوما... هكذا علمنا التاريخ. والأمثلة على ذلك تعرفونها وأسوق بعضها على سبيل المثال لا الحصر: المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ " David Irving " الذي حكم عليه بالنمسا في 20 فيفري 2006 بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب إنكاره للهولوكوست في كتابه حرب هتلر "Hitler s War" ثم أستاذ علم الحاسوب الأمريكي آرثر بوتز وروجيه غارودي... كما أذكّر سيادتكم أن لليهود قوانين تمنع إنكار الهولوكوست (Laws against Holocaust denial ) في عديد الدول على غرار بلدكم الحرّ وألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر ورومانيا وبلجيكا وسويسرا.. ( راجعوا المقال الآتي : Holocaust Denial Laws and Other Legislation Criminalizing Promotion of Nazism - Prof. Michael J. Bazyler ). الأمثلة تطول وتوجع قلمي وأصابعي ولست مضطرا لجرد سخافات الغرب... ولكني للأسف ملزم أن أذكركم أن مصطلح معاداة السامية ليس حكرا على اليهود.. وإن وجد يوما حاكم عربي رجل فسيحاكمك أنت وأمثالك بهذه التهمة.. معاداة السامية... ولكن ليس من أجل ثلب يهودي أو قذفه أو... ولكن من أجل العنصرية المفروضة على العرب وليست على الإسلام. فكما قال المخرج مصطفى العقاد : " الإسلام يصور كدين إرهابي. حصل الدين كله على هذه الصورة بسبب وجود عدة مسلمين ارهابيين. إذا كان هناك دين ممتلئ بالإرهاب، فيمكن قول ذلك عن المسيحية أيام الحملات الصليبية. لكننا في الواقع لا يمكننا لوم المسيحية كدين بسبب مغامرات بعض أتباعها آنذاك." للأسف أقول أن أكبر عنصرية موجّة الآن ومقنّنة هي ضدّ العرب ومدخلها الرئيسي هوالإسلام المتطرّف. ولأجل عيون من رفع من العرب شعار "أنا شارلي" أسوق هنا بعض الأمثلة : لماذا لا نستطيع السّفر إلى فرنسا إلا بعد فتح تحقيق شامل على سيرتنا منذ ولدنا؟ ولماذا الضمانات المالية المفروضة على طلاب العلم والباحثين؟ ولماذا التأشيرة المحدودة؟ ولماذا ندفع مبالغ طائلة من أجل الحصول عليها؟ ولماذا يحرم متزوج من السّفر مع زوجته الأجنبية (والأمثلة كثيرة جدا) لمجرّد أنه عربي؟ وحين نعود إلى عقود خلت، نذكّركم إن نسيتم بجماعة شارل مارتيل التّي فجّرت رابطة الطّلاب المسلمين في فرنسا يوم 7 ماي 1980 وبالهجوم ( بالقنابل ) على مكاتب القنصلية الجزائرية في مارسيليا يوم 14 ديسمبر 1973 والذي خلّف 4 قتلى عرب من الجزائر. وإرهابكم موثّق بأيديكم لذلك لن أطيل الجرد. وفي المقابل يأتي إلينا كل سنة مئات الآلاف من الزوار الأجانب العجّز والمحرومين وأصحاب العلل المادية والمعنوية من أجل إيهامنا أنهم سيّاح في حين لا يتجاوز معدّل إنفاقهم نصف معدّل إنفاق التونسيين المقيمين ببلدانهم... نحن أيضا ملزمين بالحديث مع البلجيكي بلغته والألماني كذلك والفرنسي بالطبع... في يسخرون منك لو زرت بلدهم يوما وتكلمت العربية.. ويقولون... هم الأقوى طبعا.. ونحن ... نحن العرب. نحن العرب الهمّج والمتّسخين.. نحن عفن والقاذورات... نحن الجهل والتّعصّب... نحن ونحن ونحن.... العنصريّة مأتاها العرب والجهل كذلك والإرهاب ولد مع الإسلام... هكذا يصوّرنا الغرب اليوم... ونحن كالأغبياء نصدّق ما يقولون.. حتّى الأبحاث العلمية اليوم يحوّلون وجهتها كي يصبح العرب أقل ذكاء.. وهي طرفة قديمة أشهر مؤلّفيها كان داروين بنظريته حول "الحركات الاجتماعية التطورية" وما يتعلق بالتطور والاصطفاء الطبيعي. أما اليوم فالغرب تجاوز داروين ولكنه بقي في صلب نظرية أسبقية شعوب على أخرى وأجناس على أجناس. ولكنه لغبائه أو لاستغبائه العرب يستعمل نفس الأسلوب إذ يؤكّد علمائه أن سِعة الجمجمة " La capacité crânienne " والتي كانت لدى النياندرتال (عاش بين 2500 و2800 سنة قبل الميلاد) تفوق 1500 صم مكعب لم تتجاوز لدى الإنسان اللإفريقي اليوم بما فيهم أنا كاتب هذا المقال 1349 صم مكعبّ..أما شعوب الشمال فتفوق لديهم حجم جمجمتهم 1450 سنتمترا مكعبا... وهذا مثال واحد والأمثلة كثيرة يكفي البحث قليلا على الانترنيت كي نندهش كم نبدوا أقزاما بالمقارنة بشعوب الشمال أو الغرب.
لماذا إذن هذه العنصرية؟ لماذا طفح اليوم هذا الرهاب العربي الإسلامي؟ وهل لصراعاتنا التاريخية دخل؟ وهنا نعود بالسؤال إلى أسّه : من صنع هذا الوجه الكريه كي يصبح الإسلام اليوم "الدين الملعون"؟ أصنعه المسلمون أنفسهم أم هي حرب مرتزقة؟ كثيرة هي التساؤلات المطروحة اليوم... ولكن للأسف لن تكون الإجابات إلا قرارات سياسية يصدرها أصحاب المال ويطبقها أصحاب السّلطة ويستفيد منها الغرب وينكوي من جرّاءها العرب...
وفي الختام لي بعض التّساؤلات أبكاني بعضها وأقشعرّ جسدي من ذكرها: العراق نزفت حتى الموت... فنسفت متاحفها وأغلقت مطابعها ودمّرت مكتباتها... فلصالح من هذا؟ سوريا تحتضر اليوم... بعد أن قتّل رجالها وشرّدت نسائها وتهجّر صغارها... فلصالح من هذا؟ ليبيا تسرق اليوم... بعد أن نهبت متاحفها وخرّب كلّ ما كان فيها جميل... فلصالح من هذا؟ اليمن أيضا والسودان... ومصر التي تدفن كلّ يوم سيناويا تحت غصن زيتون مجتثّ على أيادي الجيش المصري... فلصالح من هذا؟ وفلسطين... أو ما بقي منها آيل للاندثار من الذاكرة... فلصالح من هذا؟
عاملنا المعاصر أصبح فوضى... ملهى ليلي يديره أصحاب المال... فأما القوّاد (انظر لسان العرب، مادة قاد) فهم قادة العالم... وأما البغايا فهم قادة العرب.. ونحن.. سأدع المخيّلة العربيّة تتصوّر ما نحن عليه في ذاك الملهى...
ولكن لست أكتب الآن لأبكي حظّ العرب أو حظّنا... ولكن لنستفيق على ما وصلنا إليه.. بل أكتب وسأكتب علّنا نستفيق وننظر لماذا كنّا أسيادا وأصبحنا عبيدا... لماذا قدمنا العلم بالأمس لهم واليوم ننتظر منهم الحَسنة كالمشرّدين؟ لماذا نمتلك أكبر الثروات الطبيعية والمنجمية واليد العاملة ولا نستطيع من خلالها تحقيق استقلاليتنا الاقتصادية ولو ليوم واحد ؟
وقبل أن أرحل أوجه شهادة توبيخ – وأنا حرّ في ذلك ووطني العربي منحني هذه الحرّية - لكلّ عربي رفع راية " أنا شارلي". كما أذكّر مرة أخرى بالراحل مصطفى العقّاد آملا أن لا تبقى مقولته صالحة لعقود أخرى : الشيء الوحيد الذي يمكننا أن نفتخر به اليوم نحن العرب هو تاريخنا. كما أن هناك قصيد كتب منذ قرن من الزمان عنوانه " تنبهوا واستفيقوا أيها العرب " للأستاذ الأديب إبراهيم اليازجي أتمنى أن يتمّ تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي بنفس الحميّة التي نشر بها البعض شعار أنا شارلي الذي قدّمه مبتكره رونسين (Joachim Roncin ) منذ يوم فقط للمعهد الوطني للملكية الصناعية بفرنسا (Institut national de la propriété industrielle) كي يحتكر الشعار لغاية تجارية...
#سيف_الدين_عفانة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ناجي العلي.. وقدر الإغتيال السرمدي
-
لا تعاشر نفسا شبعت بعد جوع...
-
البوليس النوفمبري يستعيد ألاعيبه... والمجتمع المدني يجي يطبّ
...
-
ننتظر من المربّي التونسي... أن يكون رسولا
-
الشّباب العربي... وبيع الأعضاء
-
عاجل : وزارة التربية تسحب ترشح حوالي 70 ممن تقدموا لمناظرة ا
...
-
البغايا: بنات الشّعب المفقّر
-
رجال الأمن والسّلاح... كيمياء للتّرهيب أم ضرورة قوميّة ملحّة
-
المهدي جمعة للشعب التونسي : شدوني لا ن... عليكم
-
الشباب التّونسي قادر... آخر رهان قبل فوات الأوان
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|