|
غطاء الدولار سبب المواجهة الأمريكية الروسية
طاهر مسلم البكاء
الحوار المتمدن-العدد: 4674 - 2014 / 12 / 27 - 16:22
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ابتدأ الأنسان تعاملاته التجارية بتبادل السلع بعضها ببعض ،غير ان صعوبة مثل الأجراء ولتسهيل مبادلاته اهتدى الى العملة التي ظهرت بأشكال وانواع عديدة عبر التاريخ واليوم يمكننا ان نصنف النقود الى نوعين : أولا ً : نقود حقيقية . ثانيا ً : نقود تقديرية . النقود الحقيقية : هي التي تحمل قيمتها لحظة التداول وتكون مصنوعة من نوع من المعادن الثمينة كالذهب او الفضة ومن امثلتها الليرة العثمانية ( المجيدية ) التي كانت متداولة في العراق وسوريا قبل الحرب العالمية الأولى ،وكذلك الجنيه الأنكليزي الذهبـي الذي بدأ يختفي اوائل القرن التاســع عشـر والروبية الفضية الهندية . اما النقود التقديرية (غير الحقيقية ) : فهي نقود ليس لها وجود مادي ساعة التعامل انما مبنية على غطاء غير منظور وامثلتها الدولار الأمريكي والجنيه الأنكليزي الحالي والدينار في الدول العربية . الدولار الأمريكي : الدولار الأمريكي هو العملة الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية ،ومنه فئات (1،2،5،10،20،50،100) سنت ويرمز له بالرمز USD أو -$-.وهو اليوم العملة الأولى في التعامل العالمي وخاصة في دول الشرق الأوسط . ان أي عملة عالمية تكون مغطاة بقيمتها ذهباً لأعطائها الموثوقية، والدولار الأمريكي يجب أن يكون مغطى بقيمته ذهباً، إلا أنه في الواقع لا أحد يستطيع أن يثبت ذلك فقد امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة ليست بالقصيرة عن استبدال الدولار الأمريكي بما يعادل قيمته ذهباً ،ومع أن سعر الذهب يباع عالمياً بالدولار، وسعر الذهب (أونصة الذهب) تحدد حسب سعر البورصة وتقييم بالدولارولكن هذا لايعني ان جميع الدولار الموجود في التعاملات العالمية مغطى بالذهب . فالولايات المتحدة الأمريكية رفعت الغطاء الذهبي عن الدولار عام 1973 م، وذلك عندما طالب رئيس جمهورية فرنسا شارل ديغول استبدال ما هو متوفر لدى البنك المركزي الفرنسي من دولارات أمريكية بما يعادلها ذهباً. منذ عام 1973 م انخفضت القيمة الحقيقة للدولار الأمريكي حوالي 40 مرة . امريكا أشبه بتاجر معروف في السوق : ان امريكا اليوم هي اشبه بتاجر كبير معروف في السوق عندما يأتيك لأغراض التعامل التجاري فأنك ستستقبله بترحاب لما معروف عنه من سمعة مالية ولكن ليس لأنك مدرك لما يمتلكه او مقدار النقد الذي في جيبه ، وبالتالي فأن هذا التاجر سيستمر بتعامله التجاري حتى ولو كان في واقع الحال لايملك الغطاء المالي الحقيقي لتعاملاته وقد يكون مدان للآخرين . يقدر الخبراء الأقتصاديون قيمة الدولار الأمريكي الموجودة في التعاملات الدولية بأكثر من250 تريليون دولار ،غير ان هذا المبلغ يزيد مئات المرات عن حجم الناتج الاجمالي المحلي العالمي من الذهب ،حيث يقدر الخبراء حجم الذهب المستخرج في كل العالم بمالا يزيد عن 170 ألف طن تقريبا وأن قيمته الحالية الحقيقية اليوم بالدولار لا تتعدى 7 ترليون دولار ، ما يدل على أن القسم الأعظم المتبقي من رؤوس الأموال في العالم لا قيمة حقيقية لها . أزمة الرهن العقاري عصفت بقيمة الدولار: في سبتمبر 2008 بدأت أزمة مالية عالمية والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929م، ابتدأت الأزمة بالولايات المتحدة الأمريكية ثم إلى دول العالم لتشمل الدول الأوربية والأسيوية والخليجية والدول النامية والتي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008م إلى 19 بنكاً، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكا . أزمة الدولار سنة 2008 انهار الدولار في نهاية عام 2007 على بداية عام 2008 ووصل إلى أدنى مستوياته في التاريخ وذلك بسبب الأزمة المالية وأزمة الرهن العقاري حيث سجل اليورو مستوى قياسي أمام الدولار في شهر مارس وصل إلى 1.60 وسجل الجنيه الأسترليني أكثر من 2 دولار وهبط الدولار دون الفرنك السويسري لأول مرة في التاريخ ووصل الدولار إلى أدنى مستوياته في 13 عاما أمام الين الياباني دون 97 ين وهبط أيضا أمام غالبية العملات العالمية. انتقال الأزمة الى اوربا : بعدما عصفت الأزمة المالية في الولايات المتحدة وافلست الكثير من الشركات الضخمة والتي أثرت سلبا على الدولار انتقلت الأزمة بعد ذلك إلى القارة الأوربية وبريطانيا وبذلك أصبحت الأزمة عالمية وليست أمريكية فحسب واثرت سلبا على اليورو والجنيه الاسترليني وذلك من شهريوليو 2008 والذي شهد أيضا انخفاض سعر النفط عن السعر القياسي 147.27 دولار للبرميل. وصل اليورو في شهر أكتوبر 2008 إلى أدنى مستوى منذ عامين ونصف العام عند1.24 دولار وووصل الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى في 6 أعوام عند 1.55 دولار ولكن الدولار واصل انخفاضه أمام الين الياباني إلى أدنى مستوى في 13 عام. روسيا امسكت بعنق الزجاجة : ان روسيا بمواجهتها الحالية لأمريكا تحاول جاهدة لعب دور الند الذي يحقق الموازنة الدولية والغاء انفراد القطبية التي تعبث فيها امريكا اليوم دون النظر الى مصالح الآخرين ، وهذا ما كان يؤديه الأتحاد السوفيتي سابقا ً قبل ان يسقط بالضربة القاضية ،وقد ابتدأت مع امريكا بأهم موضوع حساس بالنسبة لها وهو الجانب الأقتصادي ،وما مجموعة البريكس التي تشكلت بجهود روسيا سوى دليل على ذلك ،حيث برزت على الساحة الدولية بشكل قوي وفاعل ولعبت دور كبير في انشاء دول البريكس والذي من المتوقع ان تتجه به من حلف اقتصادي كبير الى كتلة سياسية هائلة تلغي قطبية امريكا المنفردة بالعالم اليوم ،ويمثل سكان البريكس 40 % من عدد سكان العالم ، وتشغل ربع مساحة اليابسة ،وهذا ما يغيض امريكا كثيرا ً ، ماذا لو ان هذه الكتلة الكبيرة وما ستضم في المستقبل القريب من دول اخرى ،رفضت التعامل بالدولار واستخدمت عملة خاصة بها في تعاملاتها التجارية مع العالم ،ان هذا مما لاشك فيه سيكون بداية النهاية لهيبة الدولار وبالتالي لقطبية امريكا وانفرادها بالعالم ،وقد حملت الأخبار بوادر من هذا ،بعد فرض امريكا وحلفها الأطلسي حصارا ً على روسيا وما لحقه من تدهور لآسعار النفط ،حيث اعلنت روسيا انها ستقلل التعامل بالدولار الى ادنى مستويات وانها ستبدأ تعاملاتها مع حليفاتها بالعملات الخاصة بتلك الدول . هل ان نبوءة هنتنغتون في طريقها للتحقق : حذر المفكر الأمريكي هنتنغتون الغرب من الخطر الأسلامي حيث يقول ( الأسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك ، وقد فعل ذلك مرتين على الأقل ) ، في الفتوحات الأسلامية ثم في توسع الدولة العثمانية، وان أكبر ما يثير الغرب مستقبلا"هو التحالفات الدولية التي قد تنشأ مثل التحالف ( الصيني - الأسلامي ) . ان الواقع اليوم يجعل مثل هذا الكلام قريب من التحقق ،ان لم يكن واقعا ً بالأضطرار نتيجة السياسات الأمريكية والأطلسية وحلفاءهم في المنطقة والتي تركت المواطن العربي والأسلامي بين قتيل ومعوق ومهجر ،ومن ثم في مدها كل اشكال الدعم للفئات الظلامية الهدامة ،والتي يتلفع بعضها بأردية الدين كذبا ً وزورا ً وقد ادت هذه الفئات دورين مهمين - تشويه الدين الأسلامي وتحريف مبادئه السمحاء . - تخريب وتدمير دول المنطقة والى حد دك البنى التحتية ،واشاعة الأرهاب فيها . وهذا ما يضطر هذه الدول الى الأستنجاد بأي قوى دولية تبرز في الساحة الدولية ،والتي هي ممثلة اليوم بروسيا والصين ،وخير مثال على ذلك ماحصل ومستمر الحدوث في سوريا ،التي لم يكن ماحصل فيها في صالح شعبها ابدا ً حيث اصبحت ملعبا ً وساحة صراع لجهات دولية عديدة .كما ان عزل وتهميش ايران ومحاصرتها اقتصاديا ًوتهديدها عسكريا ًجعلها تميل في تعاملاتها بأتجاه روسيا والصين . ان دراسة متأنية للواقع الدولي تظهر خوف وتململ اغلب دول العالم من السياسة المنفردة بالعالم وميلها على اعادة التوازن الدولي الذي بدأت بوادره بالظهور وبقوة ليس نتيجة للحاجة الملحة له فحسب بل وبسبب من السياسات الأستعلائية للقطبية المنفردة . العودة الى الأساس الذهبي : ويزداد اليوم التوجه نحو العودة إلى الأساس الذهبي في اغلب دول العالم ذات الثروات ،بسبب ما تعرض له اقتصادها من نكسات مع الدولار وحماية لمستقبلها ، و حتى في أمريكا نفسها ابتدأت مثل تلك الدعوات تظهر للعلن وهذا ما حصل في ولاية يوتا الأمريكية والتي تم الاعتراف فيها في العام 2011 بقانونية تداول سبائك الذهب والفضة والمعادن الثمينة الأخرى كعملة قابلة للتسديد ،كما تنوي عدة ولايات أخرى منها كارولينا وكانزاس الانضمام إلى هذه المبادرة ،حيث وجد ان هذا هو الطريق السليم الذي يقطع الشك باليقين ،كون المنظومة المالية العالمية اليوم مبنية على غطاء واه ٍ لا ضمان واضح فيه ، أي أنها مبنية على لا شئ ومعرضة في أي لحظة للأنهيار كما حدث عام 2008 .
#طاهر_مسلم_البكاء (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا انقرض العرب
-
الحصارالملعون يطال مجلس الأمن
-
الأسلام دين المستقبل
-
العالم يتصارع في بلادي
-
اكسير الشباب والحياة
-
خرجوا من الباب ليعودوا من الشباك
-
شهيد جديد في كوكبة الشهداء
-
العرب لايتعلمون من التجارب
-
هجرت الكفاءات طاقات ضائعة
-
الحسين .. الموالون والمخالفون
-
سر القصف الصهيوني لسورية
-
ضبابية السياسة الأمريكية
-
الأنسان يطير الى الكواكب ..ج3
-
الأنسان يطير الى الفضاء .. ج2
-
الأنسان يطير الى الكواكب .. ج1
-
حقوق الأنسان والنفاق الدولي
-
الشرق الأوسط .. الحق والباطل
-
فرص التوازن الدولي
-
تركة معالي الوزير
-
فكرة عن ما يحيط بنا من كون
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|