|
أمريكا، الإخوان، الحراك أية علاقة ؟
محمد بوجنال
الحوار المتمدن-العدد: 4666 - 2014 / 12 / 19 - 10:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمريكا، الإخوان، الحراك أية علاقة ؟
لقد سبق أن طرحنا في أكثر من دراسة أن أشكال الدولة السلبية العربية هي أشكال قبلية أو عشائرية تستند إلى مشروعية توجد في الماضي والمستمرة في الحاضر؛ وهي،في حكمها تستند، بالإضافة إليها كأسرة،إلى ما يسمى بمقربيها القبليين والجهويين والإقليميين المعتبرين بمثابة ذراعها الواقي والشعبي لمواجهة تمرد الشعوب وذلك بتمكينهم ومنحهم العديد من الامتيازات.بهذه القاعدة واجهت الأنظمة العربية تلك الحراك الشعبي بمقربيها من القواعد القبلية والجهوية والإقليمية باعتبارهم، حسبها، الممثلين الحقيقيين للشعب. إلا أن تراكم الاحتجاجات والمظاهرات ضد الفقر والجهل والاستغلال وفقدان الكرامة قد كسر القاعدة مفرزا بذلك ظاهرة الحراك بخروج الشعوب إلى الشوارع والاعتصام بالساحات الكبرى مطالبة بإسقاط الأنظمة التي تخلت عنها أمريكا بعدما كانت تدعمها وترعاها وتوفر لها الحماية الكافية وفق ما كانت تقتضيه مصالحها. إلا أنه عند الشعور بتهديد مصالحها تلك، بدأت بالتهيؤ المبكر، ومنذ سنوات، للخلص من حلفائها في الحكم؛ وتبين أن التحضير للمرحلة لم يكن رهين مرحلة الحراك، بل كان سابقا على ذلك خاصة عندما نستحضر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وكذا المشاريع الكبرى التي عملت على التأسيس لها بهدف التطويع الجيو- سياسي للمنطقة العربية خدمة لمصالحها التي ضمنها المصلحة الإسرائيلية؛ وتتمثل هذه المشاريع التحضيرية في الشرق الأوسط الكبير، والمشروع المتوسطي، ومشروع الاتحاد من أجل المتوسط، وطرح سياسة الجوار الأروبية؛ ناهيك عن قرارات مجموعة الثمانية (جي8)؛ والمبرر هو ادعاء نشر الديموقراطية والعدالة بالمنطقة وهو ادعاء ماكر إذ الصحيح هو خلق شروط ضمان وتأمين مصلحتها كنمط إنتاج رأسمالي عولمي ومعها، بطبيعة الحال، المصلحة الإسرائيلية. وهكذا، إذا كان هناك اتجاه من الدارسين يعتبرون الحراك العربي حراكا داخليا ومستقلا عن آثار وأدوار القوى الخارجية، فهناك اتجاه آخر يرى أن للعامل الخارجي دوره في حصول الحراك. ويستند هذا الاتجاه على وجود وثائق سرية سربها موقع "ويكليكس" مفادها تدخل أمريكا بمنح ملايين الدولارات لمنظمات وجمعيات قصد خلق شروط التأسيس للديموقراطية بالمنطقة العربية وخاصة بمصر. انطلاقا مما سبق واستنطاقا للأحداث، يتضح التدخل في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا وباقي الدول: ففي تونس تلقى زين العابدين بن علي الأوامر بتسليم السلطة سلميا وإلا فسيرغم على ذلك بمعنى أن التخلي عنه فرضته المصلحة؛ وهو ما حصل مع محمد حسني مبارك وعلي عبد الله صالح والحسم العسكري المباشر مع معمر القذافي واستحضار ميزان القوى في التعامل مع بشار الأسد. ويؤكد كل هذا قول جون غسنيل( المخابرات السرية الفرنسية) أن الأجهزة المخابراتية بالغرب كانت على علم مسبق بقرب حصول الثورات العربية دون إخبار الأنظمة بذلك نظرا لرغبته في حصول التغيير بالمنطقة العربية؛ فالجماهير خرجت إلى الشارع بحيث لم يعد أمام أمريكا القدرة على إيقافها، فطلبت من الرؤساء، تفاديا لإلحاق الضرر بالمصالح مغادرة مناصبهم سلميا وإلا فمخطط الإرغام المرفق بالعقاب هو مخطط جاهز.فالتدخل الأمريكي، وضمنه حلفاؤه بما فيهم إسرائيل، مارس مهامه إذ الوثائق تثبت أن الاستعداد الأمريكي للتدخل كان مهيئا وكذا الترتيبات المعدة لحصول الانتقال كانت بدورها جاهزة. ومعلوم أن التكتيك الأمريكي مع أوباما لم يعد يعتمد التدخلات المباشرة كما كان الحال مع جورج بوش الابن بقدر ما أنه أصبح يعتمد التدخلات الغير المباشرة المعتمدة على آلية الإعانات الاقتصادية والمالية التي عن طريقها، لحماية الإعانات تلك وضمان حسن إنفاقها، تقوم بالتدخل وهو الأسلوب الذي لم يطبق على ليبيا حيث حصل التدخل العسكري المباشر والسريع .هكذا، فعن طريق التدخل الغير المباشر تم تدريب الشباب وتسليحهم بالتوجيهات الكافية ومدهم بالمعلومات الضرورية لاستيعاب مخططات النظام وآلياته وطرق وأمكنة تحركاته. وقد كان لإسرائيل، حسب العديد من الباحثين، حضورا فعالا في المخطط ذاك الذي تجسد ، خاصة مرحلة جورج بوش الابن، على جعل المنطقة العربية بؤرة توتر وفوضى لتهيئ الشروط اللازمة لتفكيكها قصد التأسيس لما سموه بالشرق الأوسط الكبير بعد حصول التفكيك الفعلي للدولة تحت مسوغ نشر الديموقراطية؛ إنه المخطط الذي يتضمن تقسيما يأخذ شكل ديموقراطيات فدرالية أو بلغة أخرى تقسيم الدول ورسم حدودها في شكل فدراليات باعتبارها الشكل الذي يضمن استمرار التقسيم وضعف الجزء ضمانا لاستمرار سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على ثروات المنطقة وبالتالي قوة إسرائيل اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. لهذا ، فإسرائيل تراهن على مشروع إذكاء الصراع والفوضى أكثر فأكثر بين الطوائف والمذاهب والإثنيات، وكذا التركيز على الصراع العربي/الإيراني متوخية من وراء ذلك إحلال الفوضى والبلبلة محل مطلب شرعية القضية الفلسطينية في اتجاه خلق شروط تصفيتها عربيا بالنسيان الذي سيليه، حسب مخطط التفكيك، مرحلة إلزامها بالوطن البديل الذي حدده في الأردن. وهذا المشروع الإسرائيلي يشتغل من داخل المشروع الأمريكي الذي زكى ودعم ويدعم الحراك العربي في اتجاه خلق شروط إنهاء الصراع العربي/الإسرائيلي على مختلف الجبهات والتحقيق الشامل للتطبيع مع إسرائيل. أما بصدد القوى الداخلية فقد قاربنا منها الحركة الإخوانية على أساس مقاربة،في فرصة أخرى،علاقة القوى التقدمية بالموضوع. تجسد الحركة الإخوانية اقتصاديا الحرية الاقتصادية الرأسمالية أو ما يسمى أو ما يسمى بالنيولبرالية أو قل تبني نهج المنافسة التي تتحدد بالإقرار والتعهد بالتأسيس وتشجيع وحماية الأسواق ذات الطبيعة المتوحشة المفتوحة على الاستثمارات الخارجية. بهذا المعنى يكون للحركة الإخوانية تصورها المتجلى في التخلي عن حماية الأسواق الوطنية أو الشبه وطنية بمختلف أشكالها وهو التصور الذي اشترطته أمريكا على الحركة الإخوانية للسماح لها،بل ومساعدتها، على استمالة الحراك العربي واستيعابه في اتجاه الحصول على السلطة تحت شعار شرعية صناديق الانتخابات والديموقراطية. وهكذا فقد تم السماح للحركة الإخوانية بالسيطرة على الحراك بالاستعداد المسبق والمنظم والمدعم ماديا وتدريبيا وتكوينيا لقطف ثمار الحراك في مختلف المناطق العربية؛ وقد تمكنت الحركة تلك، وفق النهج المرسوم، من الانقضاض على السلطة باسم الشرعية والديموقراطية. إلا أنها فشلت فيما بعد لأسباب موضوعية وذاتية. لقد كان هدفها، وفق نهج أسلوب استيعاب وتطويع الحراك، يتمثل في العمل على التأسيس لعلاقات إنتاجية تبقى تحت سيطرة وفي خدمة قانون النظام الرأسمالي، علاقات تتحدد بالكاد في نمط الإنتاج الريعي بقيادة نظام سياسي سمت بدولة الخلافة الإسلامية التي هي أساسا دولة محاربة الحداثة بأنواعها العلمانية والاشتراكية والشيوعية مستفيدة من تمويل مالي ضخم مصدره السعودية وقطر – دون نسيان قدراتها الذاتية – ومتوفرة على جناح عسكري مدرب وذو قدرة على التدخل متى تطلبت الحاجة ذلك. ولا تفوتنا الإشارة إلى أنه لا اختلاف بين الحركة الإسلامية – الحركة الإخوانية – التي تنخرط في الحياة السياسية والحركات الإسلامية التي تتبنى أسلوب العنف في التركيز على استيعاب واستثمار الحراك؛ وعليه، فالحركتان تتقاطعان حول الغاية والهدف ؛أما الاختلاف فليس في حقيقة الأمر سوى اختلافا على المستوى الظاهري المتجلى في الآليات وتقسيم الأدوار من داخل وخارج الحراك لإقامة نظام اجتماعي أصولي سموه، كما سبق القول،" بدولة الخلافة الإسلامية" في انتظار التحقيق الفعلي للأممية الإسلامية معتمدين النهجين: السلمي والعنيف وفق قاعدة تقسيم الأدوار وموظفين في ذلك وضع فقر الشعوب ومعرفتهم الأمية والميتافيزيقية. وقد اعتمدت الحركة الإخوانية أهم آليات تشكيل وتوجيه الحراك المتمثلة في وسائل الإعلام؛ فعلى مستوى الواقع عرفت الجماهير العربية قبل وأثناء الحراك وضعا تميز بالغموض وتضارب الآراء وسرعة الأحداث وهو الوضع الذي يفسر اعتماد واقتراب الجماهير العربية من الإعلام للتخلص من التشويش والغموض والتضارب في المعلومات؛ إلا أن الثابت، نظرا لطبيعة نمط الإنتاج الريعي،، هو التحيز السياسي والأيديولوجي لوسائل الإعلام تلك قبل وأثناء الحراك؛ وقد كان هذا جد واضح من خلال مواقف وتوجهات فضائية الجزيرة والعربية وغيرهما في دفاعها ودعايتها لصالح الأجندة السياسية للحركة الإخوانية خاصة في مصر وتونس؛ لذلك كنا، واتضح الآن لمن كان ما زال في حاجة إلى البرهان، أننا أمام فضائيات تنفق عليها مليارات الدولارات الريعية لمد الجماهير بالمعلومات المغلوطة والمخدومة، عن وعي وبوعي، عن دلالة معنى الحراك وبالتالي تطويع الجماهير لما فيه مصلحة هذه الجماعة وبالتالي مصلحة أمريكا وحليفتها إسرائيل وكذا أروبا . وعموما، فالتراكم المالي والتنظيمي والعسكري والمخابراتي لحركة الإخوان المسلمين جعل منها الفاعل الأكثر مراقبة للحراك العربي في المرحلة الأولى، والأكثر فاعلية في الانخراط بالشارع والميادين الكبرى في المرحلة الثانية، والمستفيد الأبرز من عفوية تنظيم الحراك لينقض على السلطة في المرحلة الثالثة؛ إلا أن غياب التجربة والخبرة والضعف المعرفي وأسلوب تفرد واستبداد الجماعة بالسلطة وعدم الاستجابة لمطالب الشعب كلها عوامل دعت الجماهير والأحزاب العلمانية والاشتراكية والشيوعية والمجتمع المدني إلى المطالبة بالشوارع والساحات الكبرى بإسقاط نظام جماعة الإخوان المسلمين وهو ما حدث فعلا في المرحلة الرابعة، في مصر، موطن الحركة. لذا،وبناء على المعطيات السابقة، فالعلاقة بين أمريكا والإخوان المسلمين بصدد الحراك لعبت فيها جدلية العاملين الداخلي والخارجي دورا هاما أسقط مخطط التحالف الأمريكي/الإسرائيلي والإخواني/الريعي؛ إلا أن الجدلية تلك مكنت، فيما بعد،العامل الخارجي بقيادة أمريكا والداخلي العربي الإقليمي والمحلي، من التحكم في وبالترتيبات اللازم اتخاذها وفق مشروع التحالف ذاك الذي دخل جزء منه اليوم مرحلة الإنجاز في التأسيس والتثبيت الفعلي لمرحلة الفوضى والنعرة الطائفية والإثنية بهدف الانتقال إلى المرحلة التالية، مرحلة تثبيت التفكيك ودفن اتفاقية سايكس – بيكو لصالح إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة تأخذ شكل فدراليات خدمة واستجابة للمصالح الحيوية لأمريكا وحليفتها إسرائيل وباقي الحلفاء على المستوي الخارجي والإقليمي والمحلي وفق قاعدة ميزان القوى.
#محمد_بوجنال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان العربي ضحية المكان الأصولي والسلفي
-
وماذا عن المنظومة الاشتراكية زمن الراهن العربي؟
-
الحراك العربي والدولة الداعشية: من زمن إلى آخر
-
العرب، الحراك: إخفاق آخر
-
فلسطين تدمر ونباح العرب كالعادة مستمر
-
الإنسان العربي ما زال سجين كهف أفلاطون!
-
جدلية الواحد العددي بعبع الدولة العربية
-
اللغة الماكرة عكاز أشكال الدولة السلبية العربية
-
- المكان - المغربي كوجود لغوي
-
فدرالية اليسار الديمقراطي وقضايا -أمكنة- المجتمع المغربي
-
راهنية -المكان-السياسي بالمغرب حكومة ضعيفة،وجي8 جديدة هجينة،
...
-
السياسة والدولة بين اللبس والالتباس
-
نحو تصور للتناقض بين السياسة والدولة
-
في مادية ظاهرة الانتفاضات العربية
-
في مادية ظاهرة الانتفاضات عالميا
-
الحكومة بدون فلسفة هدر للطاقات البشرية والطبيعية
-
سوريا جنيف2 أو إقبار النظام العالمي الأحادي القطبية
-
سوريا بين الاقتتال والضربة الأمريكية
-
السلطة القضائية في المغرب: استمرار الحال وشكلية الاستقلال
-
السلطة التنفيذية في المغرب: شكلية الجهاز والجهل بدلالة الشعب
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|