|
تحولات القصة القصيرة في تجربة محمود شقير/ د. محمد عبيد الله
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 17 - 12:29
المحور:
الادب والفن
صدر حديثا للدكتور محمد عبيد الله أستاذ الأدب والنقد العربي بجامعة فيلادلفيا كتاب جديد بعنوان: تحولات القصّة القصيرة في تجربة محمود شقير، وصدر الكتاب عن دار أزمنة في عمان بدعم من جامعة فيلادلفيا. والكتاب دراسة نقدية منهجية مطولة تقع في 280 صفحة كرّسها المؤلف لمقاربة واحدة من أبرز التجارب الإبداعية العربية المعاصرة هي تجربة القاص الفلسطيني الكبير محمود شقير (مواليد القدس 1941) للوقوف على تطوّر تجربته وخصائص كتابته في رحلة طويلة، زادت على نصف قرن ، نشر شقير خلالها عشر مجموعات قصصية، أولاها مجموعة: خبز الآخرين، وخاتمتها متوالية قصصية عنوانها: مدينة الخسارات والرغبة. وبين المحطّتين مراحل وتجارب متنوعة، من أهمها محطة (القصة القصيرة جدا) التي يعدّ شقير رائدها الفني فلسطينيا وعربيا، ومحطة الكتابة الساخرة التي مثّلت لونا من ألوان الجدل مع الواقع ومقاومة اختلالاته بأسلوب جديد يجمع بين المتعة والفائدة. ومحطة (المتوالية القصصية) التي تحولت فيها المجموعة القصصية إلى كتاب قصصي يتضمن تجربة موحدة ذات أثر كلي أو موحد. وقد اجتهدت دراسة د.عبيد الله في التفاعل مع مراحل تجربة شقير ومحطاتها، بما يكشف عن موقعها البارز في المدونة القصصية العربية، وبما يبرز دورها في تمثيل تجربة الفرد والجماعة الفلسطينية، وما عصف بتلك التجربة خلال هذه العقود المضطربة التي تعقدت فيها حياة تلك الجماعة، حتى غدت "جماعات" مشتتة مغمورة يجمع بينها اسم فلسطين، تغالب النسيان، وتواجه مصاعب رحلتها الشقية بأطياف الأمل ومقاومة الانكسار. وقد وقف الكتاب في فصوله الخمسة عند أبرز معالم هذه التجربة، في سياقها الفلسطيني الذي لم يغب عن قصص شقير بتنوع مراحلها وتعدد أنواعها وبلاغة اشكالها، وفي سياقها الفني الأدبي الذي يربط هذه القصص بطبيعة النوع الأدبي الذي تنتمي إليه، وتشغل حيزا من تاريخه وراهنه. ففي الفصل الأول اهتم المؤلف بالواقعية التسجيلية أو التوثيقية التي مال إليها محمود شقير في قصصه المبكرة، فقدم صورا بليغة من واقع القرية الفلسطينية في ذاتها وفي علاقتها بجارتها المدينة. وصور في تلك القصص واقع الفقر والجهل وقسوة الحياة، مما اشتركت فيه القرى الفلسطينية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وكشف صلة ذلك الفقر بتحولات المجتمع، سواء ما يتصل بتغير أنماط الحياة، أو أثر الاحتلال. وقد كشفت القصص عن بدايات تشكل طبقة العمال الأوائل، في صورة قرويين ضاقت بهم سبل العيش، واضطرتهم إلى التوقف عن التواكل على الطبيعة وانتظار هبات المواسم، فاتجهوا لممارسة أعمال متنوعة في ورش البناء والمصانع وأعمال تجارية في المدينة، ولكن لم تتطور حركة العمال تلك إلى طبقة واضحة ليكون لها دورها في التغيير، لأسباب موضوعية تتصل بوجود الاحتلال الذي لم يتوقف أثره على احتلال الأرض وارتكاب جرائم القتل، وإنما ارتكب جريمة تدمير بنى المجتمع الفلسطيني ومصادرة آفاق تطوره وتمدنه. وإضافة إلى حضور البعد الواقعي الاجتماعي في القصص المبكرة، فقد سجلت قصص أخرى أصداء الحرب والأحداث الكبرى، وفي مقدمتها نكبة فلسطين 1948 وهزيمة حزيران وسقوط القدس عام 1967. وسجلت القصص فيما سجلت بدايات ظواهر اللجوء والنزوح وتشكل أحوال جديدة للفلسطينيين في المنافي، أو تحولات حياتهم تحت الاحتلال، بما يوثق بأسلوب رفيع صورا من المعاناة وغياب العدالة والعسف، وصولا أطياف أولى من المقاومة والمواجهة التي ولدت من رحم ذلك الواقع القاسي. ووقفنا في نهاية الفصل الأول عند بعض السمات والخصائص التي ميزت هذه المرحلة ومنها: توظيف التراث الفلسطيني، والتشكيل اللغوي واستعمال المحكية الفلسطينية، وظاهرة التسمية ودلالاتها في السرد الواقعي، وتأثيرات الواقعية الاشتراكية التي تسللت تدريجيا في بدايات محمود شقير من خلال قراءاته الأدبية والفكرية، ثم توسعت وتعمّقت امتدادا لالتزامه اليساري الحزبي. وفي الفصل الثاني وقفت الدراسة عند قصص محمود شقير التي قدمت تمثيلا سرديا لظاهرة المقاومة بصورها المتنوعة، وأبرزت تلك القصص شخصية الفدائي الفلسطيني، وأسهمت في تمجيد دوره والإعلاء من شأنه، فصورته مرة بصورة مسيح فلسطيني، يروي دمه التراب ويوزع معجزاته هنا وهناك لينتشر الخصب وتتجدد الحياة. وصورته في مواجهة الكاتب أو المثقف، وانتصرت -تبعا لمنطق المرحلة- للبندقية في مواجهة الكلمة. كما رصدت بعض القصص –وفق الكتاب-أعداء آخرين غير العدو "الواضح" مما تمثل في ظهور قوى معادية للمقاومة وللنضال السياسي، وفي ظلال ذلك برزت ظواهر السجن السياسي والقمع والحد من الحريات، مما مارسه النظام العربي ضد الأحزاب والقوى الوطنية. لقد صورت قصص شقير جوانب من هذه الهموم، وخطت خطوة فنية بما أضيف إلى الواقعية والتسجيلية من أطياف تعبيرية لا تهدف إلى "المحاكاة" أو "المرآوية"، وإنما تجهد في تكثيف الأبعاد القصصية وتحويل المكوّن الواقعي إلى قيمة فنية باقية. وفي الفصل الثالث درس الكتاب تحوّل محمود شقير من القصة القصيرة بشكلها التقليدي المألوف، إلى نوع القصة القصيرة جدا، بما فيها من إيجاز وشعرية وكثافة. وسعت دراسة د.عبيد الله إلى وضع هذا التحول في سياقه الثقافي الأدبي، بما يبرز أسبابه ودوافعه عند شقير نفسه الذي تميز بوعيه النقدي المصاحب لكتابته الإبداعية. كما أوجز الفصل لمحات من تاريخ القصة القصيرة جدا وتسمياتها ومعالمها. واهتمت الدراسة بمجموعات شقير التي كرسها لهذا النوع، ومما وقفت الدراسة عنده: عناصر القصة القصيرة جدا وخصائصها وسماتها الفارقة، عبر تحليل نماذج متنوعة من هذا النوع الحيوي: مثل فضاء العناوين ودلالاتها بما يبرز بلاغة العنونة التي تعكس التحول إلى التعبير الداخلي الوجداني. ومن العناصر الكبرى التي اهتم الفصل بتحليلها مما يميز القصة القصيرة جدا: قصر الشريط اللغوي، الحالة القصصية، شعرية القصة، شعرية التفاصيل وأثر ريتسوس، أنسنة الأشياء وإحياء الجمادات، لغة القصة القصيرة جدا، السمات العجائبية والغرائبية، بلاغة المفارقة، الأبطال المهمشون ومادة الحياة اليومية. وقد خصص المؤلف الفصل الرابع لنوع لدراسة ما سمّاه (المتوالية القصصية) التي يرى أن شقير قد توصل إليها عبر تأليف كتاب قصصي يتضمن تجربة موحدة ذات أثر كلي أو موحد، ولكن ليس على طريقة الرواية المتصلة المتنامية، وإنما بتحويل القصة القصيرة جدا إلى وحدة أو لبنة في البناء العام. فكل وحدة لها قدر من الاستقلال والاكتمال الذي يسمح بقراءتها مستقلة، وفي الوقت نفسه تتصل هذه الوحدة عبر روابط معينة بالوحدات الأخرى لتكوين الأثر الكلي. ويرى عبيد الله أن محمود شقير قد أنجز ضمن هذا الشكل ثلاثة كتب ارتبطت بمدينة القدس بشكل عام. جعل أولها (احتمالات طفيفة) نموذجا للمتوالية التي تترابط عبر وحدة الشخصية التي تتنقل بين: القدس، إسبانيا، براغ ولكنها تحمل تجربتها الفلسطينية في كل الأماكن. وفي المتوالية الثانية (القدس وحدها هناك) كان للمكان (القدس) الحضور الأبرز في تشكيل عناصر الوحدة والربط، إلى جانب حضور الراوي والمؤلف النموذجي الذي يشكل رابطا أساسيا بين الشخصيات والأماكن. وفي التجربة الثالثة (مدينة الخسارات والرغبة) استعمل محمود شقير نظام السلاسل القصصية السداسية، ليكشف في هذه التنويعات والخيارات بعض إمكانات القصة القصيرة، وإمكانية توسيعها وانفتاح بنيتها المكتملة في شكل جديد، يصلح لحمل هموم المدن والأماكن المركّبة كمدينة القدس. وفي الفصل الخامس اهتم عبيد الله بدراسة ظاهرة السخرية في القصة القصيرة التي برزت في إنتاج محمود شقير، مستفيدا من فكرة (الكرنفالية) الباختينية ومتعلقاتها المرتبطة ببناء المناخات الهزلية في جو من التعدد اللغوي والمفارقات والمحاكاة الساخرة، وحاول المؤلف تكييف هذه الفكرة مع شكل القصة القصيرة، مما يقتضي قدرا من المرونة في "تبيئة" المفهوم –كما يقول-ونقله من سياق إلى آخر. وقد قرأ عبيد الله مجموعتين لشقير تميزتا بنماذج وفيرة من هذا النوع الكرنفالي الساخر هما: صورة شاكيرا، وابنة خالتي كوندوليزا، فوقف عند فكرة حفلات الاستقبال ذات الطابع السياسي، والاحتفالات الفنية ذات الطابع الجماهيري الشعبي، ووقف عند فكرة الصلة بين المقاومة والسخرية، وكيفية تحويل السخرية إلى أداة من أدوات المقاومة. كما حلل نماذج تربط السخرية بالكابوس والرعب، واجتهد في تحليل بعض آليات السخرية باستخدام المحاكاة الساخرة والعبث بالأسماء وتقنيات "التكاذب" وغير ذلك من أساليب تساعد على بناء المواقف الساخرة. وفي خاتمة كتابه قال د.عبيد الله بأن دراسته تأمل أن تكون مدخلا قرائيا يسهم في مزيد من الاهتمام بتجربة محمود شقير، وتغري الدارسين والنقاد ببعض الظواهر المهمة التي تنطوي عليها، إلى جانب توجيه مزيد من الاهتمام بالدراسات النقدية التطبيقية حول التجارب الأدبية الموازية والمعاصرة لتجربته، فمعظم تجارب الأجيال المعاصرة لم تنل حظها من الدراسة والاهتمام النقدي بالرغم من صمودها لعقود طويلة، وبالرغم من دورها الجمالي والثقافي في تمثيل جوانب مهمة من حياتنا المعاصرة. ومؤلف الكتاب د.محمد عبيد الله ناقد وكاتب وشاعر معروف، صدر له كتب نقدية متتابعة في العقدين الأخيرين، ومن عناوين مؤلفاته الأخيرة: أساطير الأولين-الجنس الأدبي الضائع في السرد العربي القديم/2013، الوعي بالشفاهية والكتابية عند العرب/2014 وشارك في تأليف كتاب: ناصر الدين الأسد الفكر والمنهج/2014. ويعمل حاليا استاذا مشاركا للأدب العربي بجامعة فيلادلفيا، وهو عضو الهيئة الإدارية وأمين الشؤون الخارجية برابطة الكتاب الأردنيين.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة: شكوك
-
قصة: غابة
-
قصة: كلب
-
قصة: البيت
-
قصة: الأغنية
-
الكلب
-
قصة: اشتباك
-
قصة: وديدة
-
قصة: التمثال
-
قصة: حالة
-
قصة: العلم
-
سطوح الأشياء
-
قصة: الراقصات
-
قصة: إقليم الحليب
-
قصة: منال
-
قصة: خروج
-
مروان
-
قصة: انتحار
-
عرض أزياء
-
قصة: مرايا
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|