|
إيبولا و داعش .. أيةعلاقة ؟
عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب
(Abdeljebbar Lourhraz)
الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 5 - 11:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يظهر ، الآن ، على إيقاع الأزمات الاقتصادية المتكررة التي يعيشها ، عالمنا المعاصر ، خطر يتهدده : اسمه فيروس " إيبولا " . و يقفز على مسرح الأحداث السياسية التي عاشها العالم العربي ، و التي على أثرها عاشت بعض دوله ربيعا ديموقراطيا ، سرعان ما عرف انحسارا و تراجعا في مده الثوري ، شبح اسمه " تنظيم داعش " كلاهما ( إيبولا" و" داعش" ) قد ظهر بشكل متزامن مع ظهور الآخر ، و بشكل مفاجئ أيضا. و هذا الأمر ، هو ما دفعنا إلى افتراض أن هناك علاقة ترابطية تجمعهما ، تستلزم تسليط الضوء عليها لاستجلاء ما غمض من جوانبها المظلمة . و للبحث في هذه العلاقة المفترضة ، يمكن الانطلاق من طرح تساؤلات حول الظرفية الدقيقة التي ساعدت على ظهورهما ، و كذا حول طريقة توظيفهما و استعمالهما من طرف القوى العظمى حماية لمصالحها . تساؤلات لا تشكك في مصداقية ما يروج في وسائل الإعلام من أخبار تصور " إيبولا " كفيروس خطير و معدي و سريع الانتشار، يستلزم من الناس اتخاذ الاحتياطات منه و التدابير اللازمة للحد من خطورته المتفاقمة .. كما أنها لا تشكك في مصداقية ما جاء ، مؤخرا ، على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما من تصريحات اعتبرت الدولة الإسلامية " داعش " "سرطانا خبيثا " يهدد بلده أمريكا و حلفائها .. و لكنها تساؤلات تريد أن تصل إلى حقيقة الأشياء ، انطلاقا من التحقق من مدى صدقية ما يبث ، في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها و مشاربها ، و ما ينشر ، عبر الشبكة العنكبوتية الإنترنيت و مختلف مواقع الاتصال الاجتماعية المرتبطة بها ، حول " إيبولا " و " داعش " . و الأسئلة التي نود طرحها هي كالتالي: هل " إيبولا " ، بالفعل ، فيروس عابر للقارات و لا دواء ناجع له ؟ و هل الدولة الإسلامية " داعش " " إرهاب " لا حدود جغرافية له ؟ و بأي معنى يمكن فهم أن " إيبولا " و " داعش " هما عنصران يشكلان خطورة حقيقية تهدد الأمن العالمي ؟ و إلى أي حد يمكن الذهاب بالفكرة التي تعتبرهما مجرد صنيعتين لغرب رأسمالي فاحش ، لا هم له سوى البحث عن حيل جديدة يضمن بها استمراريته في الاستحواذ و السيطرة على مقدرات الأمم و الشعوب المستضعفة ، و ذريعتين الغرض منهما تخويف العالم للمزيد من تسويق الأدوية و الأسلحة لإنعاش اقتصاد يتداعى للسقوط ؟ كإجابة عن هذه التساؤلات ، يقتضي منا الأمر تحليل هذه العلاقة الترابطية المفترضة بين " إيبولا " و " داعش " تحليلا سيسعفنا في فهم مختلف السياقات التي تبلورا معا فيها ، و تداعيات ذلك ، على المستويين الاقتصادي و السياسي العالمين .. و بهذا المعنى ستكشف لنا تلك العلاقة أن لهذين العنصرين الخصائص و المتلازمات المشتركة التالية : -;- القتل و الفتك بالناس . -;- الانتشار السريع . -;- إثارة الهلع و نشر الذعر بين الناس . هذه الخصائص تجعلنا نقول ، بعد هذا كله ، أن " إيبولا " كغيره من أجيال الفيروسات الأخرى السابقة ( سارس ، الجمرة الخبيثة ، أنفلوانزا الطيور ، انفلوانزا الخنازير ) هو فيروس أصبح الآن يستهدف حياة الإنسان بعد أن كان يستهدف في الأصل فصائل حيوانية ( قردة مثلا ، خفافيش ... ) و السبب في ذلك هو أنه فيروس " مفبرك " .. صنع من طرف شركات طبية و صيدلية عالمية استلهمت هذا" الاختراع" من أحدث مبتكرات الهندسة الوراثية لصناعة الفيروسات ، استجابة لطلب دوائر رأسمالية عليا متحكمة في دواليب الاقتصاد العالمي .. فيروس معدل جينيا ليتوافق و العناصر الوراثية لدى الإنسان حتى يسهل عليه اختراق البنية الوراثية الإنسانية .. لكن أي إنسان أريد له أن يكون المستهدف من طرف هذا الوباء الخطير ، حتى يكون ذريعة للتخويف و نشر الذعر بين الناس ؟ إنه إنسان الدرجة الرابعة .. الخامسة .. الألف .. لا أدري .. ليكن ، إذن ، إنسان أفريقيا الغربية .. إنسان ليبيريا و سيراليون و غينيا و نيجيريا المرشح الأوفر فقرا و جهلا و أمية .. و بعض من إنسان الغرب ( سياح ، دبلوماسيون ، أطباء و ممرضون معالجون ... ) الأوفر دراية أو إنسانية .. و إنسان بقية العالم الأوفر سذاجة و تصديقا لكل ما يروج ، القادر على تصدير هذا الذعر و هذا الهلع إلى كل أرجاء العالم ، لتسهيل ترويج الأدوية القاضية على هذا الوباء الخطير و ضمان حسن تسويقها . إن المشاهد الدراماتيكية ، التي يصورها الإعلام المتواطئ مع هذا الاقتصاد المعولم لضحايا "إيبولا " ، تسجل بالواضح ، اشتراك الماركوتينغ و علم الوراثة في ارتكاب هذه الجرائم في حق أناس أبرياء يدفعون ، من حيث لا يدرون ، حياتهم ثمنا من أجل إنجاح إخراج مسرحية سخيفة اسمها فيروس " إيبولا " و هذه الخصائص ، أيضا ، تجعلنا نقول ، كما قلنا عن" إيبولا" أن " داعش " هو أيضا فيروس قد تمت فبركته في دهاليز استخباراتية .. وإنه ، بناء على ذلك ، اعتبر ذريعة غربية لاستهداف شرق أوسط ممانع يرفض الانصياع ، و يأبىأن يتكيف فورا مع متغيرات محيط معولم بقيادة أمريكية إسرائيلية . إنه ، بحسب أمريكا و من يدور في فلكها من إعلام غربي ، فيروس خطير من نوع آخر .. و خطورته تكمن في كونه يقوم بتكفير كل مخالف لتوجهاته الإيديولوجية ، و جعل هذا التكفير مقدمة للذبح أو الصلب أو الرجم و سبي النساء ، و خاتمة لترويع و تخويف العالم ، و الحكم ، بالتالي ، على " الإسلام السياسي " بأنه " إرهابي " و الإرهاب كما تفهمه أمريكا و من يدور في فلكها ، قد تحول شكله و لم يتغير جوهره : فقد كان يعني المنظومة الشرقية التي كان يقودها الشيطان الأحمر " الاتحاد السوفياتي " ، أصبح يعني بعد اندحارها أوائل تسعينيات القرن العشرين المنظومة الإسلامية الشيعية التي تقودها إيران كما أصبح يعني تنظيم القاعدة و ها هو الآن يعني ، بعد تصفية بن لادن ، تنظيم داعش . " داعش " ، بهذا المعنى الأمريكي ، هو " إرهاب" ، تحاول أمريكا أن تقنع العىلم بأنه يشكل تهديدا حقيقيا للكيان العربي الإسلامي في وجوده .. و ينبئ بأن الوضع في المنطقة العربية كارثي و المستقبل ا غامض، و بأن الثوابت التي تأسست ، منذ عهد خلت ، الدول الوطنية في هذه البلدان بعد الاستقلال ، قد أصبحت قد نسفت من أساسها . لقد خسرت أمريكا الكثير من العتاد و من عناصر جيشها في حربها على العراق ، على الرغم من تحقيقفها الانتصار على صدام حسين و إزالة نظامه . و حتى لا يتكرر سيناريو العراق في الحرب على سوريا و غيرها من الدول العربية ، حاولت أمريكا أن تجعل من أبناء العرب و المسلمين الغاضبين و الناقمين على دولهم أداة لقتل بعضهم البعض ، و وسيلة لفرض سياسة الأمر الواقع على الدول العربية و شعوبها لتغيير أوضاعها ضدا عن إرادتها . فالأمر يقتضي أن يتنازع الأطراف لاختلاف المذاهب ، و يقتل بعضهم البعض، و تتدخل أمريكا ، بالقوة لفض النزاع ، بعد أن يستنفذ الكل طاقته و يصبح جاهزا لأن يسيطر عليه. هؤلاء الغاضبون و الناقمون ليسوا سوى شباب هذه المنطقة العربية ، قد عاش و لا يزال ، فراغا كبيرا في حياته ، و خواء معرفيا و عقائديا في كيانه العقلي و الروحي . فانضمامه لما بات يعرف الآن بالدولة الإسلامية ( داعش ) هو ، في حد ذاته ، بحث عن معنى جديد لحياته .ينسيه حياة الذل و القهر التي يعيشها في بلده الأصلي .. ف" داعش " بالنسبة إليه ، هي تحقيق ل" دولة الخلافة" التي ستسترد له حقوقه المهضومة. ففشل الخيارات المتعاقبة تاريخيا لأنظمة الحكم الاستبدادية في تحديث المجتمعات العربية ، قد دفعته إلى تبني أطروحات رادكالية تجمع ما بين التصور الغامض للأفكار المتطرفة و النزوع إلى تطبيقها حرفيا ، و بشكل دموي . نحن الآن ، أمام صناعة و فبركة جديدة ، لا تقل دناءة عن صناعة فيروس " إيبولا " التي تحدثنا عنها سابقا .. إنها صناعة الفوضى التي بدأت تعم المنطقة العربية و تجعل أهلها يغرقون في ظلماتها حتى النخاع .. إنها صناعة الاضطراب و التطرف و الغلو في التدين .. صناعة جعلت الشرق الأوسط ، في مهب الريح .. و تركته ملكا مشاعا لكل من هب و دب من الغاضبين و الناقمين على أنطمة الحكم الاستبدادية التي أفرزتها الحرب الباردة . قبل الختام ، نحب أن نطرح السؤال التالي: هل هناك مجال هنا لصناعة و إبداع كيانات سياسية مستقلة و حرة ، تكون بديلا حقيقيا لأنظمة الحكم العربية الفاسدة ، تنشد الحرية و تحافظ على كرامة الإنسان في هذه البلدان . و جوابنا لمن أراد معرفته هو قولنا الآتي: قبل أن يولد من رحم هذه الفوضى شرق أوسط جديد ، ليس كما أرادته أمريكا و إسرائيل ، و لكن كما أراد ذلك أبناؤه الأحرار ، ستولد ألف كذبة و كذبة و يعم الخراب و الدمار .. لكن ستنبعث من رماد السنين إرادة شرق أوسطية جديدة توحد القوى المتعددة و تحدد معالم جديدة تقود إلى الحرية و الانعتاق من ربقة الاستعمار الجديد بعد الامساك ببوصلة السلم و الأمان لتحديد الاتجاهات الأصلح .
#عبد_الجبار_الغراز (هاشتاغ)
Abdeljebbar_Lourhraz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم :- أندرومان من دم و فحم - .. قراءة تحليلية لمفارقات الم
...
-
وهج الأفكار و الذكريات
-
في الحاجة إلى نقد ثقافة الإقصاء
-
الربيع العربي .. المبني للمجهول !
-
السوسيولوجيا الكولونيالية بالمغرب
-
كرنفالات فاتح ماي .. نحو تأسيس خطاب مناهض لعنف الشغل
-
أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟
-
المنظومة التربوية المغربية : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال
...
-
الأخضر الإبراهيمي كبش فداء ؟
-
الرئيس المصري الجديد و أسئلة المرحلة الصعبة التي تجتازها مصر
-
الربيع العربي كما يبدو في نسخته المعدلة جينيا
-
سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثور
...
-
الثورات قدر الشعوب .. فهل من معتبر ؟
-
مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
-
- الإعاقة الفكرية - وآلية إنتاج المجتمع المدبلج
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|