|
التساهل العلماني : الحرية المسمومة
محمود جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 4597 - 2014 / 10 / 8 - 22:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تفيد التقارير الإعلامية عن تنظيم داعش أن عدداً كبيراً من أعضاء التنظيم جاءوا من دول غربية ، بالأخص دول أوروبا ، و حازت فرنسا - التي تحتوي عدد من المسلمين أكثر من اية أوروبية أخرى - على النصيب الأكبر بما يقارب الثلاثة آلاف مقاتل أو ربما أكثر ، جميعهم بالتأكيد مسلمون و الأغلبية الساحقة مهاجرون أو أبناء مهاجرين جاءوا من دول مسلمة عربية أو افريقية و حصلوا على الجنسية الفرنسية ، و ينطبق الوارد أعلاه على الدول الغربية الأخرى مع اختلاف أعداد المقاتلين . ما يجمع هؤلاء المقاتلين هو التطرف الإسلامي الشديد، الذي بدأ معهم أثناء تواجدهم في بلادهم العلمانية ، على مرأى و مسمع الأنظمة الحاكمة في تلك الدول ، دون أن تتعرض لهم أو توقفهم قبل حصول الكارثة ، و ظل هذا التطرف يزداد إلى أن فتحت امامهم الطريق نحو تحقيق أهدافهم في (الجهاد في سبيل الله) . أين كانت الدول حكومات الدول الغربية خلال الفترة الماضية ؟؟ كما نعلم فإن الدول الغربية مثل دول أوروبا و أميركا الشمالية و أستراليا ، تطبق نظاماً علمانياً حراً لا يتداخل فيه الدين و السياسة ، لكن الحريات الدينية مسموحة بشكل مطلق ، بما فيها حرية الدعوة إلى الدين أياً كان ، و حرية ممارسة شعائره و عباداته ، حتى وصل الأمر في بعض المدن الأوروبية إلى تشكيل كانتونات إسلامية تبدو أشبه بمدينة داخل مدينة و مجتمع داخل مجتمع، يرفض فيه هؤلاء السكان الإندماج مع بقايا المكون السكاني الآخر ، و يغلب على هذه الأحياء انتشار الجريمة و التحرش و الجهل و التخلف و تعاطي المخدرات ، و لكونها بيئات مغلقة مفصولة عن محيطها فإنها تشكل بيئة خصبة لنشر الأفكار الدينية المتطرفة . و نحن نسمع بين فترة و أخرى عن فرق و جماعات تشبه صاحبة الصيت السيء المسماة هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر السعودية. معظم المهاجرين المسلمين الذين استوطنوا الدول الغربية، تم جلبهم في البداية لتعويض النقص الحاد في العمالة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، و لاحقاً هاجر إليها عدد كبير آخر بدعوى الدراسة و العمل و اللجوء الإنساني و السياسي ، هرباً من دولهم الأصلية التي انتشر فيها الفقر و الجوع و الجريمة و الإضطهاد العرقي و السياسي و الديني ، ليجدوا ملاذاً آمناً في أحضان دول علمانية ، و العلمانية كما نعلم لا تميز بين الناس على الأسس المذكورة أعلاه ، بشكل رسمي على الأقل . و كما ذكرنا سالفاً أن التطرف المبني على الإنغلاق أخذ يزيد يوماً بعد يوم ، و تم استقطاب الجهلة و المغفلين من أبناء الديان الأخرى في المجتمع و حشو أدمغتهم بأفكار إرهابية ، كل ذلك تم بدعوى حرية التعبير و الإعتقاد، التي رعتها بكل سذاجة ، أو ربما بكل خبث ، حكومات أوروبا سواءاً تلك المحسوبة على اليمين أو على اليسار أو الوسط . و طالما حذرت أصوات هنا و هناك من تفاقم هذا التطرف ، دون سميع أو مجيب ، حتى تفجيرات مدريد و لندن قبل سنوات و أحداث 11 سبتمر قبلها لم تكن كافية لهذه الحكومات لاتخاذ إجراءات صارمة في وجه هذا الإرهاب النائم قبل استيقاظه . الآن يتم تصدير الإرهابيين إلى الشرق الأوسط من أوروبا ، و كأنه لم يعد يكفينا العدد الهائل من الإرهابيين و مسانديهم و المتعاطفين معهم في بلادنا حتى نستورد المزيد من الدول الغربية !! و رغم أن منطقة الصراع تبدو بعيدة نسبياً عن أوروبا ، و شاسعة البعد عن القارة الأميركية و عن أستراليا ، إلا أن الحكومات باتت متخوفة الآن من الخطر الذي يمكن أن يسببه عودة الإرهابيين إلى بلادهم ، أو من ذلك الخطر الكامن في الإرهاب النائم داخل كنتونات المسلمين و خارجها . هذا الخطر الذي إن لم يتم التعامل معه بصورة حازمة، و ليس بسياسة العلمانية الناعمة الرقيقة ، فإننا سنشهد عمليات إرهابية في قلب أوروبا ، لكن هذه المرة لن تسكت الشعوب كما سكتت في التفجيرات التي حصلت منذ أعوام ، و هذا حقهم المشروع ، بل واجبهم بالتأكيد ، و ستنادي تلك الشعوب من يستطيع إدارة الأزمة و لو بأساليب فرانكو و ستالين ، إذا زاد الأمر عن حده . لأن كل المواثيق و الإتفاقيات الحقوقية و الإنسانية التي وقعتها دول العالم ، ستصبح حبراً على ورق عندما يتهدد الأمن الإجتماعي . شخصياً لست قادراً على الحكم إذا ما كان كل ما سبق من كلام ، هو نتيجة تساهل متعمد له اهدافه (و التي ربما قد خرجت عن الإطار المحدد لها ) أو غير متعمد من قبل السياسات الرسمية . لكن مهما كانت الدوافع و الأسباب ، فإن إجراءات أخرى ينبغي تطبيقها الآن ، إن لم يكن من أجل دولنا و شعوبنا المنكوبة، فمن أجل شعوبهم أيضاً .
#محمود_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلام يتحيز للرأسمالية
-
تقليم الأظافر
-
التاريخ يتوب عن الكذب
-
لماذا نرفض الأديان
-
النساء تحب الله أكثر
-
الحضارة الإسلامية : الميت لا يعود إلى الحياة
-
التحرش الجماعي بين الكبت الجنسي و علم النفس
-
الكبت الجنسي في خدمة العنف الديني
-
خروجاً من الدفاع السلبي
-
المتمرد : قراءة في متاهة كامو الخالدة
-
الإسلام و العلمانية : خرافة التوافق
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|