|
جربة تنتفض على وقع النفايات
فوزي بن يونس بن حديد
الحوار المتمدن-العدد: 4589 - 2014 / 9 / 30 - 22:17
المحور:
كتابات ساخرة
عاشت جزيرة جربة طوال تاريخها حرّة أبية لا ترضى بالمهانة والذلّ، حتى في عهد الدكتاتورية، فهي الجزيرة التي يحرسها البحر من كل أجزائها، يرفض أبناؤها أن تعيش بلادهم في فوضى عارمة، وقد باتت مشكلة النفايات السبب الرئيسي لانتفاضة خرجت تنادي بإزالة الأوساخ من شوارع المدينة السياحية التي كانت على مدى التاريخ البورقيبي ونظام بن علي مهمّشة إلى حد كبير، ولئن حظيت معتمديتا ميدون وحومة السوق بالرعاية فإن معتمدية آجيم وهي لا تقل كثافة سكانية ولا مساحة عن السابقتين ظلت طول تلك الفترة تعاني الأمرّين، فبينما هي عانت في عهد بورقيبة وعهد بن علي وضحّى أبناؤها في سبيل العزة والكرامة وسجلوا لوحة من التحدي والشجاعة والصبر على المصائب التي توالت وتعقّدت حتى بات الآجيمي ينعى نفسه من شدّة هول المصاب. وبعد الثورة المباركة، بقيت الجهة المعنية غائبة عن الحدث بل لم تبال بما يحدث في أبرز مدينة سياحية في تونس بأكملها، حيث الهواء النقي، والهدوء والكرم الجربي والبحر الساحر، كلّها مفردات تميزها عن غيرها ويتوافد عليها السياح من كل دول العالم، ورغم هذه المقومات كلّها لم تدِر أيّ من الحكومات وجهها شطرها لتقف عن كثب على مشاكلها ومطالبها، فبينما تتمتع معتمديتا ميدون وحومة السوق بجملة من المحفّزات بقيت آجيم وهي مدخل الجزيرة تنتظر في طابور طويل أوهمها أنها ستصل إلى المسؤول ليعلم مشاكلها ويعمل على حلها، وقد طالبت مرارا بهذه الأمور إلا أن تعنّت والي مدنين وتصلّبه وعدم مواجهة أبناء الجزيرة ربما نكاية وربما خوفا هو الذي أفاض الكأس، فهم يطالبون بحقوقهم المشروعة وعلى الوالي أن يسمع مطالبهم وينفذها فما هو إلا موظف في الدولة عليه واجب يجب أن يؤديه لا أن يبقى مرفها على كرسيه في مكتبه ومترفّعا عن الناس يهوى الجلوس في أفخر المطاعم والنزل عندما يزور الجزيرة. الجزيرة باتت قاب قوسين أو أقرب إلى العفن أينما ذهبت، في شوارع حومة السوق وفي الأسواق المكتظة وبين البنايات، تجد النفايات منتشرة في كل مكان، يتعمد الأهالي حرقها أحيانا لئلا يصاب الإنسان بعدة أمراض فتُحرق معها الأشجار وربما الجدران، مشهد يتكرر في كل ناحية من حومة السوق، وأما آجيم فهي دائما الحاضرة الغائبة أوساخ منتشرة في كل مكان والسيد المعتمد ولا الوالي قادر على حلّ المشكلة، طالبوا الناس بالصبر فصبروا ولكن نفد صبرهم لأنهم صبروا بل وصابروا، ولكنهم لم يجدوا حلا لمشكلة باتت تؤرّق الجميع، وبات الجميع يتأفّف كل يوم مما يرى وممّا يسمع من حكايات هنا وهناك، فهذا يحرق نفاياته وذاك يرميها في أي مكان بعيدا عن منزله ليرمي الآخر قمامته في الطريق ربما، والبلدية عاجزة عن أداء مهامها لأنه ليس هناك من يسيّرها، كل شيء واقف ومتوقّف عن العمل ويبحث عن الوقوف أو التوقف والناس حائرون ماذا يفعلون؟ وأين يرمون نفاياتهم، تلك المشكلة التي باتت تقضّ مضاجعهم كل يوم، فالقمامة منتشرة والروائح الكريهة باتت في كل مكان يشمّها من بعيد كل إنسان، نتج عنها انتشار البعوض بأعداد هائلة، فما أن تصبح على شمس حتى ترى أفواج البعوض وقد غزت كل مكان وقد تتحول إلى عدو شرس يحمل فيروسات إذا ظل الوضع هكذا مما ينبئ بكارثة صحية كبيرة، فضلا عن تزايد عدد الكلاب في كل مكان وفي كل زاوية وبين المساكن مما أفزع السكان وبدأ داء الكلب ينتشر من حين إلى آن، وربما هناك أمراض أخرى قد تتفشى كالران. نعم جربة تنتفض ومن حقها أن تنتفض، في ظل حكومة ساكتة وقابعة في القصبة، فهي لم تفعل شيئا ولم تقم بواجبها تجاه مواطنيها الذين يتواصلون معها، ولكنها تقفل الباب في وجوههم، فلا الوالي يمثل الحكومة ولا غيره ممن أعطوه الثقة لحل مشكلة مصبّ النفايات، وظلت مدينة قلالة في غليان مستمر تطالب وتنادي وتصرخ ولا مجيب، فلا رئيس الحكومة يرى ولا رئيس الجمهورية يتابع، الكل مشغول عنك يا جزيرة الأحلام، من حقّك أن تنتفضي، من حقّك أن تصرخي، من حقّك أن تطالبي، فمنظمات البيئة تسمعك وستدافع عنك وستحميك من كيد الكائدين، من حقّك أيتها الجزيرة أن تعيشي نظيفة عزيزة أبيّة، وإذا استمر الأمر على هذه الحال دون استجابة لهذا النداء قد يتحول الأمر إلى عصيان وقد حذرنا مرارا من هذا ولكن لا حياة لمن تنادي كما يقال. جربة اليوم تعيش أزمة حقيقية، تعيش كارثة بيئية، وكارثة صحية، وكارثة اجتماعية وحتى اقتصادية، فإذا لم تتحرك الحكومة على عجل فإن الأمر قد يخرج عن نطاقه، وتصبح الجزيرة في حالة حداد وربما عصيان لحين وجود حل سريع وناجع لهذه المشكلة ولا حلّ إلا بالوقوف على المشكلة والنظر في أسبابها ومحاسبة المتخاذلين الذين لم يلبّوا نداء الوطن، وظلوا يماطلون ويراوغون.
#فوزي_بن_يونس_بن_حديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبو سرور الذي لم يمت
-
هل هذه هي الحرية التي يريدها العرب؟
-
المرأة وأزمة الاستعباد
-
المرأة وأزمة الاستعباد
-
أوباما يصرخ في الحادي عشر من سبتمبر
-
آلآن وقد عصيتِ قبلُ
-
الاهتمام بأمور المسلمين
-
أمتنا في خطر
-
لماذا تتزين المرأة؟
-
-داعش- المحبوبة الملعونة
-
جنون الكرة ( كأس العالم نموذجا)
-
الانتروبولوجيا الإباضية أو الانتروبولوجيا والإباضية
-
نام البابا واستيقظ
-
غض البصر كيف نفهمه؟
-
هل للعمال عيد؟
-
اتفاق على المحك
-
صبرا آل غرداية
-
حمة الهمامي رئيسا لتونس
-
المرأة لماذا لا تستر نفسها
-
قمة خرجت بخفي حنين
المزيد.....
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|