رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4589 - 2014 / 9 / 30 - 08:53
المحور:
الادب والفن
أمي
يراودني ـ أحيانا ـ الكفر، ليس بالفكرة وإنما بالسلوك، عندما قرأت ـ قبل عقود ـ قصص عبد الحليم عبد الله، سألت نفسي: "هل يمكن أن يكون الشر بهذا الحجم؟" المجتمع الذي رسمه لنا عبد الحليم عبد الله ينخر فيه الفساد والرذيلة حتى العظم، وبعد عقود قرأت "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، وجدت الشر يتطور شكلا ومضمونا، حتى أنني فكرة بتمزيق الرواية لما فيها من سواد.
هذا على صعيد الأدب، أما في الحياة العملية، فقد علمتني أمي، رحمها الله، أن أكون لإخوتي وأقاربي، كما أكون أنا لنفسي، فكانت ترسخ في مفهوم العطاء وعدم الإقدام على الحرام، الحرم هنا كان حقوق الناس، فلا يجوز لنا اخذ ما ليس لنا، حتى لو بدا ذاك قانونيا أو شرعيا، كانت تهتم بحقيقة الأخلاق مضمونها، جوهرها، وليس شكلها، من هنا لم نكن حتى نفكر بان هناك أخ يمكن أن يسرق أخاه، فقد علمتنا أن نقدم لإخوتنا ما نقدمه لأنفسنا، فكان مثلها القائل "لا تكونوا كالجراد، فخذه مش منه".
تتقدم بي الأيام، وأجد المجتمع الفلسطيني ـ الذي حلمت بأنه مجتمع مثالي ـ في عطاءه وحبته وتماسكه ـ مجرد بيت عنكبوت، يتهاوي عند أول هبة هواء، كل القيم والمثل والأقوال البليغة كانت "هباء منثورا"، الواقع غير ما علمتني إياه أمي، هو أقسى بمليون مرة مما رسمه شكسبير في "عطيل" هو أكثر من السواد في "عمارة يعقوبيان" هو العجز في "رجال في الشمس" هو الخيانة في "لير" لم يكن هناك إلا نقيض الخير، ليس هناك حب، أو عطاء، بل وجدت الكذب، والخيانة، والكفر، والعجز، فرحمك الله يا أمي، لماذا جعلتي لي الحياة زاهية ولم تجعليها بحقيقتها!
رائد الحواري
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟