عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4571 - 2014 / 9 / 11 - 13:36
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
فالتأويل كمفردة أصطلاحية تعني الكشف الحقيقي عما تأول المتأولون بهمن مرادات ومقاصد وليس تفسيرا للمعاني التي هي من منطق القرآن من قدسيات الله أي من مخصوصاته ولذلك فأن العالمون الراسخون بعلم الله يقفوا عند التأويل بالأقرار منهم بأنه من عند الله مصدر ومعلوم أي من وضع الله ومن صنعه,كما أنه مسئول بأن يعلم ما خفي في المتشابه للناس متى أراد وكيف أراد وأنى أراد ولا يدعون أنهم يحطون بعلمه إلا بالقدر الذي يريد الله,فالراسخون بالعلم مع كل أدواتهم التي بين أيديهم يقفون عند التأويل وهم الأقرب للنص من غيرهم يؤمنون بمنطق ومنطوق النص التالي ويعتبرونه{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ..يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}البقرة255.
فالمنطق اللساني الوضعي نتاج بشري محض تولد من حاجة وضعية ذاتية يفهم من خلالها الإنسان كلامه بالشكل الذي يحاول أن يعصمه من الخطأ بالتفكير والفهم البيني مع الإنسان الأخر,فهو مبتدع وفق ذاتية بشرية لها وله قوانين مشتركة استنادا للتجربة التي عاشها وبنى كيان هذا المنطق ومعطياته عليها,فهو بأمتياز ذاتي بشري في ذوقية مميزة له تستجيب لدواعيه ومكنوناته ونتاجه اللساني,وبالصورة هذه يكون مختلف تماما عما في كلام الله وحديثه وقوله لأختلاف في مصادر التكوين والمعطيات والأسس المتعلقة في القضية ونقصد فيها(الموضوع).
فالأسقاطات الشخصية متوفرة في المنطق اللساني ويستجيب لها لأنهما من مصدر واحد وبموجب كيف واحد,أما النص القرآني فهو بعيد عن الأسقاطات البشرية لأنه وببساطة ليس نتاجه ولا من مزاجه,فلا يمكن للمنطق أن يفهم كلام الله إلا من خلال مأتى أخر وهو الميزان الذي نزل معه,فيكون الأخير طريقا يبين للمنطق اللساني المقاصد والمعاني ثم يتولى هو أي الأول عملية التوصيل للفهم البشري ما تقبله أو ما كشف له عن طريق الميزان,وبذلك تكون وظيفته ليس الكشف عما في كلام الله بل فهمه على الوجه الأصح من خلال دلائل وقواعد الميزان الإلهي.
وهناك نقطة جديرة في الأهتمام أن علم المنطق اللساني في قواعده يشير في بعضها على ما يخالف كلام الله في كينونته ويقف عاجزا وهو في مواجهة النص القرآني من تمرير هذه القواعد القانونية أو محاولة ملائمتها معه,فالقاعدة المنطقية التي تعرف الخبر مثلا بأنه (جملة كلامية تقبل الكذب والصدق لذاته),فحينما ترد هذه الجملة الخبرية في أي كلام أو حديث لا بد أن نحكم عليها بأن الخبر الوارد فيها يقبل الصدق ذاتيا كما يقبل الكذب بنفس الحالية,فهل هذا ينطبق على أخبار القرآن بالصيغة التي يسطرها المنطق{قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ}التوبة94,فالنبأ الوارد في الآية الشريفة هو من أخبار الله لعبادة فهل هي قابلة للتكذيب والتصديق ذاتيا؟,أم أن الخبر أصلا محكوم بالمخبر؟.
فعندما نحكم منطقنا البشري على اللسان القرآني العربي المبين نكون أمام حالة أعتباطية كونها لا تنضبظ بضابط حقيقي والأعتباط هو كل ما لم يستحكم فيه ضابط يمنعه من الخروج عن مداه ومداره الحقيقي(اعتباطي حسب المعنى الشائع لها من العبطة التي تدل على الاضطراب والالتباك والتداخل بين الأمور،أي نفي النظام والقوانين عنها),فالنص عندما يرد في شأن قضية ما فلابد أن يكون واضع النص يريد له مدار ومدى محدد يقصده ويتعمده,فأن لامست القصد كما أراد الناص تكون أنت وهو في أطار واحد بمعنى في خط واحد من الأرادة للمقصد للفهم للنتيجة بموجب محدد منضبط ,وأما أذا لم تتابع صاحب النص كما قصد وأراد وصرح فتختلف النتائج بأختلاف الفهم لأن الرابط المحدد أنتهك بما يمكن تسميته بالأعتباطية بالفهم,ومثال لذلك الله تعالى يقول{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}البقرة183,فالكتابة هنا تنظم تحتها أرادة الله وأمره وقصده والعلة الأصلية ,كما تتصل بالإنسان المتعبد بها من خلال الطاعة والأستجابة والفعل والتسليم,وتتصل بين الله والعبد من خلال الشكر والجزاء والفوز والنجاة,وهذه الأمر جمعيا تنظم تحت عنوان قضية واحدة منضبطة هي قضية العبادة{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات56.
فالتعامل مع قضية العبادة ذاتها لا يتم من خلال فهمنا نحن لها وبموجب منطقنا البشري ولكن نتناولها من خلال أصل القضية وقيمها الخاصة التي لها علة قد تكون غيبية أو غير منكشفة للجميع,فعلينا التسليم بها كما هي حتى يتبين لنا العلية أو الأصل التشريعي لها, وبذلك نكون موضوعيين بالفهم وغير أعتباطيين,أما لو بحثنا في أصل قضية العبادة خارج موضوعها ومن خلف أطارها بفهمنا الذاتي سوف نصل لنتائج لا تكون متوافقة وغير مستوعبة للقصد الموضوعي وبذلك نكون أعتباطين وقد ورد هذا الفهم بالنص التالي{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}المائدة101,هنا نشهد هذا التفريق بين الموضوعي والأعتباطي في النص,فالأعتباطي هو{عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}فما يبدو لنا أستنادا لمقايسينا الذاتيه هو الأعتباط بعينه لأنه يعطينه نتيجة تسؤنا,وحقيقة هذا السوء لأنه غير موافق للغاية الكلية وهي الرحمة والفوز والنجاة,أما الموضوعي فهو قوله تعالى{وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ}فالقرآن هنا هو الحاكم الضابط لأن فيه جوهر قضية العبادة بما يحتوي من أحكام كاشفة لها.
هذا فيما يخص مفهوم الأعتباطية والموضوعية بشكل عام,أما فيما يتصل منه باللسان العربي ولسان عربي مبين أي التفريق بين اللسان العربي كوحدة نظامية متكاملة منسجمة مع بيئتها وتعكس ذوق الإنسان العربي وقيمه فهي بالضرورة والحتم تختلف عن لسان القرآن العربي المبين,وهذا ما أشار إليه الكثير من الباحثون المعاصرون من خلال الدراسة العلمية الأنثرو سيسيلوجية وعلاقة الإنسان ككائن واللغة كمظهر إنساني مرتبط بالإنسان ويعبر عن مكنونه الثقافي ونضجه الحضاري كما يتعلق بالبيئة والمعتقد((لا شك أن نشأة اللسان العربي وولادته كانت قبل نزول النص القرآني،وتحقق ذلك باكتمال أصوات اللسان (الأبجدية)،أما استخدام هذه الأصوات بتراكيب وألفاظ فقد كان بشكل قاصر ومحدود من قبل الناس،ومن هذا الوجه ظهر الفرق بين اللغة،واللسان العربي،فاستخدام الله عزوجل للأصوات العربية(الأبجدية)كان بحكمة وعلم وبصورة منسجمة مع محل الخطاب تدل عليه تماماً،وربط خطابه مع حركة الكون،لذا أخذ اللسان العربي(اللسان القرآني) قوانين الكون ذاتها،فالكون لايوجد فيه عبث أو اعتباط،وكذلك لايوجد فيه مجاز،ولا مايسمى خطأ ترادف،والعنصر في الكون له قيمة ووظيفة فظهر ذلك بالصوت العربي(الحرف)،ومن هذا الوجه كان للسان العربي(النص القرآني) قواعد خاصة به،وللغة العربية قواعد خاصة بها، وهذا واضح تماماً من الفرق بينهما!!. وسميت اللغة التي ينطقها القوم الذي نزل عليهم القرآن بالعربية تيمناً بالنص القرآني ولاستخدامهم الصوت العربي فقط (الحرف) أما تراكيبهم وألفاظهم فهي لغة مثلها مثل أي لغة أخرى،والحجة باللسان العربي فقط الذي هو لسان القرآن،لذا وصفه الله بلسان عربي أي لسان فطري كوني علمي، وما سواه - أي كان - فهو أعجمي ضرورة،والتحدي أتى بذلك،فمن من الناس - أي كان - يستطيع أن يصيغ نصاً عربياً،أي نصاً كونياً علمياً منسجماً مع حركة الكون( آفاق وأنفس) يصلح أن تقرأه في كل زمان ومكان دون أن تجد فيه قصوراً(أعجمية) أو خطأ،وطبيعي من يدرك ذلك يقف عاجزاً،ولا يخوض في معركة خاسرة ابتداء ونتيجتها محسومة سلفاً))(سامر إسلامبولي 2009-01- 19,اللسان العربي محكم ،ولغة الناس اعتباطية ,موقع أهل القرآن الأليكتروني).
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟