نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 22:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قامت الطائرات الأمريكية بعدة طلعات جوية على آليات متفرقة و مجاميع أرتال لتنظيم داعش ففكت بعض الخناق عن قوات البشمركة الكردية و المدنين الأيزيدين المحاصرين، و أجبرت قوات التنظيم على تنفيذ تراجع بسيط و التحول إلى الحالة الدفاعية في الأماكن المفتوحة بدل استمرار الهجوم و تحقيق المكاسب، فاشترت بعض الوقت و أجـّــَلت ما كان ممكنا أن يسقط لو لم تفعل.
اللافت أن الأمريكان لم يكثفوا هذه الطلعات و لم تكن نيرانهم و حمولاتهم التي يلقونها بالحجم المتوقع من رد الفعل على الخطر الذي من المفترض أنهم يستشعرونه في حال كان التنظيم يشكل تهديدا ً حقيقيا ً لسقوط العراق، فلماذا؟
المدخل الأول لفهم هذا التوجه هو الوضع الأمريكي الداخلي الذي لم يعد يقبل اليوم ما كان يقبله بالأمس من حجم التدخل الكثيف للقوات الأمريكية في كل بقعة من بقاع الأرض و ما يتطلبه ذلك من استنزافه للخزينة و مواردها و انعكاسه على الإقتصاد الأمريكي و فرص العمل المتاحة و غطاء التأمين الصحي للمواطنين.
أما المدخل الثاني فهو تحالف المالكي مع الدولة الإيرانية التي تُعتبر العدو الإقليمي الأول لمصالح الولايات المتحدة، فيكون في هذه الحالة أن تنظيم داعش يلتقي في المصلحة مع الولايات المتحدة من حيث الرغبة في و العمل على إنهاك الدولة الإيرانية و إبقائها مشغولة كل الوقت في الدفاع عن وجودها الشيعي أمام الخطر السني القادم.
يعلم السياسيون في الولايات المتحدة أن تورطهم في ضرب داعش و استلام زمام المبادرة من المالكي لإنهاك التنظيم و إنهائه هو هدية مزدوجة لإيران أولا ً و لبشار الأسد ثانيا ً و كلاهما عدوان لدودان و خصمان تتمنى واشنطن أن تستفيق من النوم فلا تجدهما. لكنها لا تستطيع أيضا ً أن تقبل نمو التنظيم الداعشي و تضخمه ليبتلع العراق ككل، فجاءت ضرباتها جراحية الأثر مدروسة ً لتبقي المقاتلين الداعشين في نطاق المحافظات السنية لا يتجاوزونها، حتى تحسم أمرها، و لذلك لن نرى تمددا ً لداعش باتجاه الأقليم الكردي و لا باتجاه الأردن أو السعودية، و سيبقى مقاتلوه ينتقلون بين غرب العراق و شرق سوريا.
يمكن أن تتغير السياسة الأمريكية تجاه داعش لو قام قادة ثوار العشائر بمخاطبة الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق على حكومة وحدة وطنية تحقق توازنا ً لجميع أطياف المكون العراقي دون تغول من إيران أو تفوق طاغي للسنة، و هو ما سيضمن للولايات المتحدة أن يبقى العراق الجديد منزوع الدسم من جهة التفوق التكنولوجي و الثقافي و الحضور الدولي، و متوازنا ً من جهة العداوات الطائفية القديمة، و حليفا ً تموينيا ً من جهة التزويد النفطي، و عندها فقط سنشهد تدخلا ً أمريكيا ً واسعا ً لدعم الثوار السنة ضد داعش التي سينقلبون عليها كما انقلبوا على القاعدة في العقد الماضي بالضبط، مع ضربات جوية مؤثرة و كثيفة و مدروسة.
إنها قذارة السياسة، و الإيزيديون و المسيحيون و الشبك و عامة الشعب العراقي هم مجرد أرقام على طاولات السياسين و الدواعش.
هل ما زلتم تصدقون أن السياسة معنية بالإنسان؟
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟