|
الفريسة ، بين مَخالِب ذئاب المصالح وثعالب السياسة
اسماعيل طه شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 20:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت الايام الأولى من هذا الشهر (آب 2014) هجوما مباغتا من قبل ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بعد أن خففت سلطة أقليم كردستان من حدة لهجة خطابها السياسي إزاء حكومة المالكي الطائفية وبعد فتح مجال مناقشة نقاط الخلاف بالطرق الدبلوماسية وتعيين رئيس الجمهورية.. فجأة ووسط هدوء حذر في خطوط التماس مع التنظيم المذكور، إتجهت آليات ومدرعات داعش صوب المناطق المتنازع عليها في محافظة الموصل وسيطرت على مناطق واسعة منها بعد اشتباكات وانسحابات أشبه ما تكون بفصول مسرحية تراجيدية مبهمة، و في جو لا يخلو من الغموض، مما عمقت الشكوك المثارة حول التنظيم المذكور، وحول التمهيدات التي سبقت توسيع نطاق عملياته على حدود الأقليم، ولم يكن غرابة إتساع رقعة هذه العمليات أقل شأنا من غرابة دخول التنظيم المزلزل مدينة الموصل وسيطرته على وحدات عسكرية للجيش العراقي بكامل آلياتها وعتادها، مما فتح شهية كل ناظر أو مراقب أمام تحليلات وتأويلات وتفسيرات عديدة، كانت مثار مجموعة من الأسئلة المنطوية ضمنا على كل ممكن في إطار السياسة، ومزيد من علامات التعجب هنا وهناك، ركزت وشددت أكثريتها على نقطة سهولة دخول أو تسهيل إدخال هذا التنظيم المريب في مدينة الموصل ومصادر دعمه ومنشأ ظهوره وبهذه السرعة اللافتة والأهداف التي يمكنه أن يحققها كلاعب سياسي للدول التي أمسكت بملف العراق.. كل هذا وسط إستغراب أكثر المعنيين بهذا الشأن، من مدى سرعة انتشاره في رقعة يعتبر نموذجا لعراق مصغر، أقصد محافظة الموصل التي يقطنها مكونات متنوعة وطوائف عديدة. في ظل هذه الأحداث التي جرت على خط ملتهب سياسيا قبل أن يلتهب عسكريا، حري أن تتعمق الشكوك إزاء هذا التنظيم قيادة وقاعدة.. وكشخص بسيط لا عهد له بميدان العمل السياسي، قلت في نفسي وخصوصا بعد إستحضار مشاهد الضربات التي كانت تنفذها طائرات أمريكية بدون طيار (مسيرة) على أفراد من تنظيم القاعدة يركبون سيارة تائهة في إحدى صحارى اليمن، وبعد التفكير في مسح ومراقبة العيون الاستخباراتية الساهرة التي لا يشذ عن أسماعها دبيب النمل في مكمنه، حينها قلت: إما أن تكون قيادة التنظيم مصنوعة أو مخترقة بإمتياز من قبل مخابرات دولية لها أجندات ومصالح في المنطقة، وتكون القاعدة تبعا لذلك فريسة مغفلة، تستدرج وتستقطب حول تلك القيادة في بقعة ورقعة بعينها وفي توقيت مناسب، لتتمكن تلك المخابرات من تصيدها بسهولة عندما تشاء، وإستعمالها كورقة ضغط وقتما تشاء، وتقسيم المنطقة أو توزيعها سياسيا وفق ما تشاء، للحفاظ على مصالح دولها القريبة أو البعيدة.. المبررات التي رسخت لدي الإعتقاد السابق وعمقته كثيرة، من ضمنها، سرعة تبدل الخطاب السياسي لجميع الفرقاء، وتسارع وتيرة الأحداث بين ليلة وضحاها، فضلا عن الجولات المكوكية بين شمال العراق وجنوبه ووسطه، في ظل ضغوطات وأزمات خانقة خلفتها خلافات سياسية وإقتصادية عميقة بين من يمسكون بزمام الأمور.. كل هذا المشهد المبكي في المناطق محل النزاع كشنگال وسهل نينوى ومخمور، والمضحك في بغداد وخطوط المواجهة العسكرية، جعلني أقتنع أكثر فأكثر، من أن الأمر مجرد سيناريو أو مسرحية، والهدف منها فرض تقسيم أو توزيع ما ووفق شروط مرسومة تحت ضغوط عسكرية مباشرة وغير مباشرة، والممثلون سياسيون يجيدون لغة الشعارات وتبديل نبرة الخطابات حسب شريعة الدفع والقبض، ومرؤوسون بمثابة فرائس، يدفعون ضريبة تلك الشعارات، وسط لهيب النار والنزوح الجماعي، على حساب راحتهم وأرواحهم، والمتفرجون دوما – وفق تصوري – أطراف دولية كبرى لها أطماع ومصالح دائمة تبنى على دماء وجماجم شعوب المنطقة المضطهدة التي تحكمها أنظمة عسكرية أو عقليات عشائرية مدعومة أو مصنوعة هي الأخرى بدورها من قبل تلك الأطراف.. وأخطر فصول هذه المسرحية التراجيدية التي ربما يطول عرضها هي الفصول النهائية، فصول التقسيم والإقصاءات وتصفية الحسابات السياسية بتبادل التهم الجاهزة بعد توقف العمليات العسكرية، التي ربما تطال جماعات معارضة لسياسات بسط الهيمنة وتغيير الثقافات والسيطرة على ثروات بعينها ووفق إملاءات لا يستبعد أن تكون خارجية، تبرر و تخول سلطة المعاقبة لمن يملك القرار الفعلي على أرض الواقع.. وهنا أدركت الصباح وكان لزاما علي أن أسكت عن الكلام المباح وسط فضاء حرية محدودة لا تتحمل كل ما يتخطى النغمة السائدة المسموح بها، مكتفيا بلغة الإشارة فقط، للتعبير عن إستخلاص محصلة يظهرها إعلام حزبي ملجم، يضيق بالإختلاف، ويخرس الألسنة، ويعمي العيون عن الرؤية الواضحة.. يردد ويعرض بلغة الحال بدلا من لغة المقال - دون كلل أو ملل - صورة مقاربة لتلك التي يرسمها المثل الكردي الذي يقول: ((يأتي الذئب بالحملان، ويقول الثعلب ها قد جئنا بها))!!! صورة منسجمة تماما مع ثقافة الإقصاء والخنوع والخضوع المستشرية بعمق في كل الأوساط وبدون إستثناء، تلك الصورة التي تأتي دوما – للأسف – وفق إطار ومقاسات خطاب مضلل ومخدر، يستعرض العضلات ليرهب، بدلا من تشخيص العلل تمهيدا لمعالجتها، حاملا في جعبته أوراق مآس جديدة تمخضت عنها الحرب، للإستفادة منها في الأشواط المتبقية من اللعبة السياسية، وتلك الطامة الكبرى !!!!
#اسماعيل_طه_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|