في غزة ... يدفن الآباء أبنائهم دون نظرة وداع !!!
طلعت الصفدي
2014 / 8 / 10 - 11:52
يولد .. يتردد في البداية حتى يرى نور الشمس ،ورائحة الوطن في غزة .. يترعرع في الحضن الدافئ لوالديه في اسرته الصغيرة ،الخلية الاولى للمجتمع الفلسطيني ،وتحت حماية العائلة والسلطة القانونية والشعب الفلسطيني ،يتثبتون بأرض الاباء والأجداد ،فلسطين التاريخية التي استولى عليها المهاجرون والغاصبون ،والمستوطنون الغرباء ،تحت فتاوى ومزامير توراتية وتلمودية ،ودساتير اخرى ،ينفذون ارادة الرب كما يزعمون ،ويزورون ارادة الرب ،بعودتهم لأرض الميعاد ،يغلفونها بأهداف دينية ،وفي حقيقتها أهداف سياسية عنصرية ،هم في خدمة الرأسمالية ،والغرب الاستعماري بزعامة الولايات المتحدة الامريكية ،وبدعم المحافظين القدامى والجدد.
الطفل الفلسطيني ابن الأرض الكنعانية ،لا يناقض قوانين الحياة والتطور ،يولد ،يترعرع ،وفي المرحلة الأولى لطفولته يزحف على بطنه الى الوراء ،خطوة الى الخلف وخطوتان الى الأمام ،وما بين السقوط مرة ،والوقوف مرات ،ينتصب وقوفا وقوفا ،مرفوع الهامة يمشي ،تتحكمه غريزة البقاء والصمود والتحدي ،يشتد عوده ،ينام الفلسطيني ويصحو على حب الوطن ،وما بين الفرح والأمل يرسم الآباء خارطة المستقبل لأبنائهم . ينشغل الغزيون عن عدوهم المركزي الاسرائيلي للحظة ،لترتيب أوضاعهم المعيشية الصعبة في ظل واقع مرير ،الانقسام القبيح ،الحصار يحول غزة لسجن كبير ،فصل غزة عن الضفة الغربية والقدس والأهل في 48 ،الأسرى في معتقلات الاحتلال يخوضون معركة الامعاء الخاوية ضد قانون الاعتقال الاداري ،تحسين شروط اعتقالهم ،والنضال من أجل اعتبارهم أسرى حرب بعد الاعتراف بدولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة ،وغلاة المستوطنين يقتحمون المسجد الاقصى ،والمقدسات المسيحية ويجري تهويد القدس عاصمة دولة فلسطين ،يمارسون الارهاب اليومي يستولون على الارض ويقيمون المستوطنات ،ويعتدون على المزارعين اصحاب الارض الاصليين ،والانفصال عن البعد العربي والدولي ينهش اللحم والعظم الفلسطيني ،والتدخل في الاوضاع والصراعات الداخلية للأقطار العربية ،والصفقات المالية ،والتحالفات والتكتلات الاقليمية على حساب القضية الفلسطينية وممثلها الشرعي ،وأوراق الحل في يد امريكا ،وفشل المفاوضات جراء التعنت الاسرائيلي ،ووتراكم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني وغياب التوحد في مواجهة الاحتلال وسياسته العدوانية ،ومع سياسة الهاء شعبنا بقضاياه وصراعاته الداخلية ،كان الاحتلال يخطط سياسيا وعسكريا ،ويتربص للانقضاض على شعبنا ،وفي المقدمة منهم الأطفال والشباب ،باعتبارهم وعد المستقبل للخلاص من الاحتلال ،وإعادة الحقوق الوطنية المشروعة ،ولم الشمل الفلسطيني .
وعند لحظة الصفر ،وتوفر البيئة العربية والدولية الحاضنة لعدوانه ،فان الاحتلال الاسرائيلي لا يفتش عن ذرائع ،ومبررات ،ينقض عزرائيل الصهيوني على الضفة الغربية وقطاع غزة ،وتتساقط قذائف الموت الحاقدة على الاسرة ،والعائلة والبيت في لحظات احتضان الاب لأبنائه ،ويتحول شعاع الأمل والمستقبل الى جحيم ،وجسد الأطفال البض الى أشلاء ،وجثث متفحمة ،لا يفرق الأب بين طفله وطفلته ،رؤوس بالكاد تمسك بالجسد ،وأطراف متقطعة ،وأحشاء خارج الجسد ،وشلال من الدماء الزكية ترسم خارطة فلسطين على جدران البيت وفي الشوارع والمدارس والمساجد ،وعلى الارصفة والطرقات بكل اللغات العربية والعبرية واللاتينية ،وفي الجو والبر والبحر هستيريا ،وضحكات لاغتصاب الارواح من الاجساد الحية ،وقهقهات ،ورقصات على صور الضحايا ،يتلذذون دون ضمير وبسادية مطلقة على وقع الصراخ والعويل والدخان والغبار المشع بأسلحة الدمار الفتاكة ،فهل انتصر الجنون على العقل ،هل سيطرت البهيمية والوحشية والبربرية على عقولهم فتحولوا لوحوش وآكلي لحم البشر ،هل أعمتاهم التعبئة الشوفينية ،والحقد الاعمى على الحب الانساني ،الغازي على الضحية ،السلام على أغصان الزيتون ؟؟ جئتكم بأوراق الزيتون في يد ،وباليد الاخرى البندقية ،فلا تسقطوا اوراق الزيتون ؟؟ وين الملايين ، والشعب العربي وين ؟؟؟!!!
في غزة يتوقف المنطق ،وتتعطل الحياة ،وبدل ان يودع الابناء آباؤهم لكبرهم ،وشيخوختهم المليئة بالتجربة والخبرة الكفاحية ،يودع الاباء الابناء ،يودع المسنون الصبايا ،ينقطع نسل البعض ،تمسح اسر بأكملها من السجل المدني ،فلا وريث ولا صديق ،إلا دموع الاحبة والجيران ،وقراءة الفاتحة والترحم عليهم ،ولتحصي وزارة الاسكان ما تحصيه فهذا لن يغير في الأمر شيئا ،وعدد الشهداء ،والجرحى من الاطفال والنسوة ،تبقى وثائق ادانة للمحتل في انتظار التوقيع على ميثاق روما دون ايادي مرتعشة ومترددة ،ويحوم العار على كل شهود المجازر ،وعدد المفقودين تحت الانقاض والمعتقلين ،فلا احد يعرف ،ومع ذلك يبقى الأمل في انقاذ ابنائهم من تحت انقاض البيوت المهدمة ،وفي عودة المعتقلين . تتسابق وسائل الاعلام والفضائيات الفلسطينية والعربية على شريطها المتحرك ،والعاجل عن مسلسل الشهداء والجرحى وعددهم ترحل كأوراق الخريف ،ونسوا انهم ابناء أسر وعائلات فلسطينية ينتمون ليس لغزة برغم مكان ولادتهم فيها بل ليافا وحيفا واللد والمجدل وجولس والمسمية ،والرملة وعكا وبئر السبع وبربره وبرير ،وكل مدينة وبلدة وقرية وخابية وشجرة وذكرى وتاريخ ومعركة ....الخ الشهداء هم ابناء عائلات ،لهم تواريخ ميلاد ،وأماكن ميلاد ،وإباؤهم يروون لهم حكايات المناضلين والشهداء منذ بدء الخليقة الفلسطينية ،ما قبل ابراهيم وإسماعيل وموسى وعيس ومحمد عليهم السلام ،ففلسطين من مهدها الى مهدها ام البلاد والشعوب والأمم ،وغزة لن تكون مخصيه ،بل منبع للأطفال الثوار فالغضب الساطع آت ،وبلاد العرب أوطاني ،وفي الشهر الماضي لوحده ،كان مقابل 1913 شهيدا 4500 مولودا ثائرا لن يغفروا ولن ينسوا جرائم المحتلين ومجازرهم .
طلعت الصفدي غزة – فلسطين
الأحد 10/8/2014
[email protected]