|
بين تموز لبنان وتموز غزة السفاح واحد
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4528 - 2014 / 7 / 30 - 15:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يبق في هذا العالم الذي قطع مشواراً طويلاً في حقول الحضارة سوى دولتين تعتبران شن الحروب رسالة حتمية لا بد من التمسك بها . هاتان الدولتان هما امريكا واسرائيل ومن لف لفهما ، بالنسبة لأمريكا فالحرب بكل مقاييسها وتبعاتها من قتل وتدمير تعتبر ثقافة وعهداً من عهودها السياسية لخدمة مصالحها الاستعمارية . حتى اليوم لم تتمكن من تحرير نفسها من وبأ هذه السياسة منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم ، فقد خاضت حروباً راح ضحيتها مئات الألوف من الضحايا ، سواء في كوريا وفيتنام وكوبا ولبنان وافغانستان والعراق ، أما اسرائيل حليفة امريكا الاستراتيجية وأحد الأدوات التي تستخدمها لتنفيذ سياستها بالهيمنة واقامة الأحلاف ، فالحرب بالنسبة لها كانت ولا تزال عملاً مقدساً ، فهي تعتبر دماء ضحاياها الوقود والعصارة التي تقوي عودها وتمنحها الحياة . فاليهودية السياسية رغم كونها احدى ضحايا النازية ، الا انها لم تبتعد كثيراً عن مبادىء هذه الحركة ، خاصة ذلك المبدأ الذي يؤمن بأن القوة واجب فكري وقومي وديني ، لأنها الوسيلة القادرة على استعباد الآخرين ، رغم ان غالبية دول وشعوب العالم تكفر بمثل هذه المبادىء ، وهناك من يزعم بأن الصهيونية سبقت النازية في هذا المضمار ، وهؤلاء يعتمدون على المعطيات التاريخية التي تشير الى ذلك ، وقد اتضح ذلك من الشعارات التي نادى بها ابناء الهجرات اليهودية الى فلسطين خاصة الأولى والثانية وما تلاهما ، وقد انتقلت هذه الشعارات من جيل الى جيل وتحولت الى واقع تبنته الاجيال السياسية وكافة المؤسسات التي تدير شؤون الدولة خاصة الأمنية منها حتى هذه الساعة . احدى هذه الشعارات التي رفعتها الاجيال الاولى وتبنتها الاجيال اللاحقة من احزاب وقوى صهيونية ، يقول الشعار – ב-;-ד-;-ם-;- ו-;-א-;-ש-;- י-;-ה-;-ו-;-ד-;-ה-;- נ-;-פ-;-ל-;-ה-;- ، ו-;-ב-;-ד-;-ם-;- ו-;-א-;-ש-;- י-;-ה-;-ו-;-ד-;-ה-;- ת-;-ק-;-ו-;-ם-;- ، ו-;-ב-;-ד-;-ם-;- ו-;-א-;-ש-;- י-;-ש-;-ר-;-א-;-ל-;- ת-;-ח-;-י-;-ה-;- ، نعم مملكة اسرائيل هوت بقوة الحديد والنار ، وسوف تعود الى الوجود بقوة الحديد والنار ، وسوف تستمر في حياتها بقوة الحديد والنار ، هذه هي المرجعية الاساسية التي تستوحي منها حكومة نتنياهو سياستها ، وقد سارت على نهجها الحكومات السابقة ، برئاسة شارون وبراك ورابين واولمرت ، القوة والقتل وسفك الدماء جميعها لا تزال تحتل الخيار والأولوية الأولى للاستمرار في الوجود . المشهد العدواني الاسرائيلي وضعنا امام حربين داميتين في شهر تموز بصورة خاصة ، العدوان في تموز الأول كان يستهدف المقاومة اللبنانية فكانت خاتمته الفشل والهزيمة المعنوية والسياسية وحتى العسكرية بالمفهوم الاستراتيجي ، لأن عدم هزيمة المقاومة يعتبر هزيمة للقوة المعتدية لأنها الأقوى . القاصي والداني يعرف بأن المقاومة اللبنانية ضاعفت من قدراتها وقوتها ، مع ذلك تبقى لهذه الحرب خصوصيتها مثلما يوجد للعدوان في تموز الحالي على قطاع غزة خصوصيته ، هذه الخصوصيات تشمل نقاط ومواقف متشابهة ، كما يوجد فيها الكثير من التفاوت لكن يبقى المعتدي واحد والسفاح الذي سفك دماء مئات الاطفال واحد وهو اسرائيل بكل قياداتها العسكرية والسياسية الفاشية . في عدوان تموز لبنان سنة 2006 طفا التواطؤ العربي ضد المقاومة اللبنانية بسرعة فوق سطح الاحداث ، يحمل اسماء السعودية ومصر مبارك والطابور الخامس بين قوى ما يعرف ب14 آذار في لبنان ، كما ان هذا العدوان كان مدعوماً بغطاء امريكي التي كانت تخطط لإقامة شرق اوسط لا وجود لسوريا الممانعة وايران الثورة والمقاومة فيه . في هذه الحرب لم تطالب اية جهة بوقف اطلاق النار حتى الجامعة العربية بقيت على حالها من الشلل ، لانهم جميعاً كانوا ينتظرون قيام حزب الله برفع الرايات البيضاء ، في هذه الحرب كشف حزب الله عن عجز اسرائيل السياسي والعسكري ، وانها غير قادرة على انهاء الحرب متى تريد وكيفما تريد ، كما ان افلاسها العسكري حول جنودها الى اسراب من البط قام رجال المقاومة باصطياد حوالي 150 ضحية منهم ، اضافة الى مئات الجرحى والمشوهين . في تموز لبنان كانت امريكا تتحدث عن هذه الحرب بعنجهية وغرور ، لأنها كانت واثقة بأن حزب الله سوف يتوسل لأعوانها كي يوقف القتال . لكن عندما فشلت اسرائيل في مهمتها ولم تعد تتحمل الخسائر المتلاحقة خاصة بعد اشتعال وتفجير عشرات الدبابات في معركة " وادي حجير" رفع اولمرت يديه وبدأ هو يتوسل لأمريكا لوقف عجلة الحرب التي اشعلها بنفسه . في تموز لبنان كانت المقاومة تملك عمقاً جغرافياً استراتيجياً على امتداد عشرات بل المئات من الكيلو مترات داخل لبنان وسوريا ، كما ان تضاريس ارض المعركة ملائمة اكثر منها لحرب العصابات من قطاع غزة ، في تموز لبنان لم تتوقف طرق الامدادات التي تصل الى المقاومة من كل من سوريا وايران ، اما في حرب تموز غزة فان طرق الامدادات شبه متوقفة بسبب الحصار وبسبب الموقع الجغرافي لقطاع غزة . في تموز غزة احدثت المقاومة تجديداً عسكرياً هاما في سير المعركة ، هذا التجديد تجسد اولا بالقوة الصاروخية الهائلة التي فاجأت المعتدين وحلفائها من الانظمة العربية ومن الصهيونية العربية التي لا يروق لها صمود المقاومة الفلسطينية وانتصارها ، كما ان هذه الصواريخ فاجأت سلطة ابو مازن التي اعتبرتها في يوم من الايام صواريخ عبثية ، لقد طالت هذه الصواريخ غالبية القرى والمدن الاسرائيلية من ديمونا جنوباً الى حيفا شمالاً ، كما طالت القدس والعديد من مستوطنات الضفة الغربية . لقد ادى الرد ومقاومة العدوان الى اصابة قطاعات كبيرة من جبهة اسرائيل الداخلية ، وكانت المرة الأولى التي وقع فيها مطار اللد المدني تحت مرمى صواريخ المقاومة ، مما ادى الى شل حركة الملاحة الجوية في هذا المطار ساعات طويلة ، وقد فقدت اسرائيل صوابها بعد ما قررت عدة شركات طيران اجنبية وقف رحلاتها الى هذا المطار . في حرب تموز غزة اعادت المقاومة من جديد الاهمية الاستراتيجية لحرب الانفاق ، فقد ذهل الاعداء والاصدقاء من قدرة رجال المقاومة على استخدام هذه الانفاق بحكمة وشجاعة وطرق مدروسة ، خاصة تلك الانفاق التي توصل المجاهدين الى ما وراء خطوط العدو . في تموز غزة تغيرت المعادلة السياسية العربية منها والدولية ، فقد كشفت هذه الحرب من جديد بان غالبية الانظمة العربية والاسلامية عار على التاريخ وعار على البشرية التي يتوقع منها أن تزلزل المحتل وتنفض عنها خجل الخنوع والذل ، لقد تبين انهم عبارة عن ارقام لا وزن ولا قيمة لهم رغم نفطهم وثرواتهم المكدسة في البنوك الغربية واسلحتهم التي يشترونها ويخزنونها حتى تصدأ ، والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه اين شيوخ الفتاوى الذين حملوا كلمة الجهاد وجعلوها مطية تركض نحو سوريا والعراق وليبيا ، فتحوا ابواب الشر باسم الدين حتى دمروا البشر والحجر ، اذلوا المرأة العربية المسلمة ولم يتركوا لها قيمة ووجود تحت شعارات ومسميات دينية عديدة ، هؤلاء الشيوخ من القرضاوي الى العريفي وغيرهم اختبأوا وقطعت السنتهم ، اختبأوا وراء عجز الانظمة التي تحركهم . كشفت هذه الحرب من جديد عري العرب شعوباً وانظمة واكدت بأن الاجماع القومي الذي صنعه عبد الناصر لم يعد قائماً ، واكدت بان الاجيال الشبابية التي ولدت في عهد مبارك وفي مصر وفي السعودية والاردن وحتى فلسطين ابو مازن وشمال افريقيا ، جميعها اجيالاً مدجنة مجردة من أي انتماء قومي ، وان فلسطين بالنسبة لها مجرد ذكرى ، واصبح شعبها عبئاً على البشرية بكاملها . كشفت هذه الحرب بان مصر هي مصر لم تتغير منذ عهد السادات حتى اليوم رغم انفجار ثورتين فيها ، فنظامها وغالبية شعبها يتصرفون كما خططته لهم امريكا واسرائيل ، لأول مرة تظهر قوى في دولة عربية تتضامن مع العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة خاصة في مصر ، هذه القوى تعمل ليل نهار على تشجيع اسرائيل على الاستمرار في عدوانها لقتل المزيد من الاطفال والنساء والشيوخ ، ولم تترك وسيلة الا ووضعتها لخدمة المخطط وأشهر الوسائل الأعلام الذي نضح وتبين أنه اعلام رخيص ومستواه في الحضيض . كشفت هذه الحرب من جديد تخاذل سلطة ابو مازن وكافة امراء اوسلو ، كما كشفت بان حكومة المصالحة لا تختلف عن ورق الكلينكس يستخدم لتمرير المؤامرات والتغطية على عجز السلطة في رام الله ، لقد كشفت هذه الحرب عن وزن ابو مازن الحقيقي وانه لا يمثل دولة كل فلسطين ، بل يمثل شرائح مستسلمة مهزومة من حركة فتح . ان الصمود البطولي للمقاومة في قطاع غزة تخفف كثيراً من الاحتقان الذي يعاني منه غالبية الفلسطينيين بسبب سفالة الانظمة العربية وشعوبها ، فعمليات القتل والتدمير الممنهج في غزة لم تحرك الحمية والشهامة لدى نشامى الاردن في عمان او لدى فراعنة مصر كي يظهروا نوعا من العتب على جرائم اسرائيل ويهددوها بطرد سفرائها من عواصمهم ، في حين هذه الحمية والواجب الانساني تحركت في دماء قادة وزعماء العديد من دول امريكا اللاتينية فقاموا باستدعاء سفرائهم من تل ابيب احتجاجا على جرائمها هذه الحرب . المؤامرة ضد المقاومة ما هي الا جزء من المؤامرة التي حبكت لتدمير سوريا والعراق وليبيا وبعد الخروج من ساحة معركة غزة ستفتح الكثير من الصفحات وخزائن الاسرار ، الرابط بين تموز لبنان وتموز غزة ان بقدر الخذلان العربي كان انتصار المقاومة ، وبقدر الصمت والعجز العربي ستكون الاسرار والفضائح وان غداً لناظره قريب . عاشت المقاومة .....
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع المصالح فوق الجسد الفلسطيني
-
ماركات احتلالية خاصة بالصهيونية
-
النقد البناء كسكين الجراح الذي يجرح ليشفي
-
لكل زمن وموقف دايتون جديد
-
قلة الشغل تعلم مفكر النيتو التطريز
-
عندما يبكي السجان دموع النفاق
-
في انتظار طيور سنونو جديدة قادمة الى اسرائيل
-
بين أنصار المخلوع وانصار المعزول حبل من مسد
-
النقد هو الجانب الآخر للحقيقة
-
قاطرة المفاوضات تبحث عن سكة حديد واضحة
-
تركيا واسرائيل توأم سيامي في قهر الشعوب
-
مصالحة نتنياهو اردوغان سكاكين جديدة فوق الجسد الفلسطيني
-
في حكومة نتنياهو تعددت الضفادع والنقيق واحد
-
طقع حكي بماركة صهيونية
-
اليمين الاسرائيلي يريد انتفاضة ثالثة
-
لكل قديس نزوة
-
الجيش خاسر إن لم يربح الحرب والمقاومة رابحة إن لم تخسرها
-
الازمات تلد الهمم
-
حق القوة لا يهزم قوة الحق
-
عباس فرط بكل الثوابت الفلسطينية وماذا بقي ؟؟؟
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|