|
الحرب على غزة او عندما يتم التطبيع مع الموت
عبدالحق رحيوي
الحوار المتمدن-العدد: 4521 - 2014 / 7 / 23 - 11:12
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يعد الآن من الممكن الحديث عن التقدم كمبدأ عرفته الإنسانية، فإذا كانت الحروب العالمية قد حطمت أسطورة التقدم كمبدأ مؤسس للحداثة، فإن المجازر الاسرائلية ضد الشعب الفلسطيني تكون قد أعلنت نهاية الحداثة الغربية على المستوى السياسي، وأنها تخلت عن مشروعها الإنساني مؤسس لروحها، فهي تملك من القدرة ما يكفي لإدانة الحملات العسكرية ونصرة الشعب الفلسطيني انتصارا للإنسانية، من هذا المنطلق ينبغي التخلي عن كل الخطابات السياسة ذات النزعة الإنسانية في الفكر الغربي، واقتصر هنا على السياسة الغربية أي "أوروأمريكية" لكوني أتحدث عن القرارات السياسية التي ينبغي أن تصدر من مؤسسات رسمية، فليس لدينا أي شك في وجود ملايين الأوروبين الرافضين للسياسة الإسرائيلية والمنتصرين لقضية الشعب الفلسطيني، لذلك يبقى هذا التمييز ضروريا، ويبقى من الضروري كذلك الكشف عن كيف تحول الموت في الفلسطين مختلف كليا عن تجربة الموت التي تنكس فيها الأعلام البيضاء. الموت تجربة مؤلمة إذا حل في بلدة ما تتغير العادات والتقاليد، ويتذكر الجميع الله قاصدين المساجد والكنائس كما يتمنى كل شخص على أن لا يكون الموت قد ضرب معه موعدا المرة القادمة، إلا أن هذا الحدث القدري يبقى حدثا عاديا في فلسطين، فقد تصادفه في كل مكان، في الأزقة والشواع، قد تصادفه وأنت في الشاطئ أو في طريق الى المسجد، أو أنت راكعا، فليس للموت هناك موعدا، واعتاد أن يأتي بدون مقدمات، قد يغتالك الموت في أي لحظة، وأمام كاميرات دولية تخلد لحظات معانات الشعب الفلسطيني، في النهاية هو موت لا يجيد الاختيار. هكذا اختلط في قطاع غزة ألم الحياة بفظاعة الموت فتحول القطاع الى سجن تحاصره جنود مرصعة بنجوم ذهبية، يتوعدن حلم الفلسطيني بقضية السلام، لا سلام ممكن فاليهودي لا يؤمن بالحاضر والمستقبل بالنسبة إليه غامص، ولم يتعلم ما يكفي من القيم، فكل القيم التي تعلمها هي أن يصدر الموت الى جيرانه عبر قذائف الهاون أو طائرات بدون طيار، التي توزع الموت كل يوم على أمل أن يتحول القطاع الى مقبرة كبيرة يسكنها الموتى، تسهل مراقبتهم، فالإسرائيلي لا يثق حتى بالموتى فحراستهم واجبة. إن تجربة الموت هذه ربما طبع معها المجتمع الدولي، فموت لاعب كرة، أو مغني مشهور أو ملك، أو رئيس جمهورية، يعتبر حدثا فضيعا تغلق فيه الحانات وتتوقف فيه المسلسلات وتتلى فيها آيات من الكتب المقدسة، تنظم أيام من الحداد وتعلن حالة الطوارئ، وتخلد ذكراه سنويا وكأنه إلها، بينما يموت مئات الفلسطينين كل يوم ولا أحد يكترث لقضيتهم، لا يجدون مرثيا ولا قارئا، لا يقف أحدا دقيقة صمت للدعاء لأرواحهم الخالدة، فهم منسيون في الموت والحياة، لذلك ينبغي تذكير المجتمع الدولي على أن الموت واحد ولا يمكن دولنته أو إباحته لا يمكن شرعنة الموت، ولا تبريره، فاذا كان الاعدام مرفضا في المحاكم، فهل من المعقول أن يباح الدم الفلسطيني؟.وهل من المعقول أن يتعرض الشعب الفلسطيني الى عقاب جماعي ؟. لا يمكن بأي حال أن يبرر الموت، مهما كانت الأسباب والدوافع، ومهما كانت الأهداف والغايات لا يمكن أن يسلب أي فرد من حقه في الحياة، حقه في الحفاظ على وجوده البيولوجي، على أمله في استشراف المستقبل، لأن كل الأشياء تبرر إلا الموت. لذلك نقول لإسرائيل لا يمكن أن تبرر قتلك للفلسطيني دفاعا عن حياة إسرائيلي، لا يمكن أن تحرم الفلسطينين من النوم من أجل أن يحلم إسرائيلي بسلام في نومه، فإذا كان من حق الإسرائيلي أن يستمع بالحياة، فليس من حقك حرمان الفلسطيني من هواء غزة، لا يمكن لأسرائيل أن تبرر قتلها للفلسطنين مهما كانت الأسباب والدوافع، كما قلنا فالموت لا يبرر ولا يمكن أن يسمح به القانون والأعراف الدولية، لأنه من غير المعقول أن يرفض قرارالإعدام في المحاكم، وأن يباح الدم الفلسطيني في المحافل الدولية والسياسة الإسرائيلية، وكأن الدم الفلسطيني أصبح رخيص الثمن، لهذا ينبغي ليس إدانة إسرائيل فقط، وإنما محاكمتها طبقا للقوانين الدولية لارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية. لقد تحولت القضية الفلسطينية الى قضية قدرية، كل محاولات السلام باءت بالفشل، رغم المحاولات الجادة التي قام بها رئيس الوزراء إسحاق رابين الذي اعترف بدولة فلسطين مانحا إياها حكما ذاتيا في عهد رئيس الراحل ياسر عرفات، إلا أن اغتياله من طرف يهودي متشدد كان بمثابة نهاية الأمل بالنسبة لأحفاد النبي إبراهيم في السلام، ومنذ صعود يهود باراك وأرييل شارون لم تعرف القضية الفلسطينية أي جديد، حرب دائمة، مع الاستمرار في توسيع المستوطنات وتمزيق الأراضي المقدسة. ينبغي أن يثير اهتمامنا في هذه الحرب أنها ليست حربا على فلطسين، وإنما حرب على غزة فقط، هكذا بدأ يحل تدريجيا قطاع غزة بدل دولة فلسطين، وكأن القطاع أصبح دولة قائمة بذاتها، وبتالي جزئت إسرائيل فلسطين ونجحت في تضييق الحصار على المقاومة الفلسطينية، لأنها أصبحت متموقعة في بقعة جغرافية صغيرة جدا يسهل مراقبتها الى حد ما، كما أن سياسة شن هجمات عسكرية في أيام معدودة والعودة الى الوراء لا يبرر هزيمة إسرائيل كما اعتاد إعلامنا الفاشل الترويج لها، وإنما هي خطط إسرائيلية من أجل تجنب المساءلة الدولية وحتى يطبع كل من يحمل في قلبه بقايا الإنسانية مع العدوان الإسرائيلي، لأن تكرار الأحداث بنفس الكيفية يؤدي مع مرور الوقت الى خلق نوع من الرتابة والتطبيع، وهذا الى حد ما نجحت فيه إسرائيل، فالمواطن العربي طبع بما يكفي مع استشهاد الفلسطينين، لقد أصبح قدرهم، ونحن نؤكد على مواطن العربي بدل السياسيون العرب، فهؤلاء، مخترقون جميعا من الموساد الإسرائيلي، وعروشهم تفوح منهم روائح الفساد، يستطيعون إرسال الهدايا للأموات، لكن لا يمكن أن يتوعدوا اسرائيل، خوفا على عروشهم المزيفة، فهم سيظلون الى الأبد رعاة لمصالحهم الشخصية خادمين لأسرهم البرجوازية، مطيعين للسياسة الغربية، مادام البيت الأبيض هو الضامن الوحيد لكراسيهم التي لا نتمنى أن تظل أبدية.
عبدالحق رحيوي مدرس الفلسفة المغرب
#عبدالحق_رحيوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النقابي والسياسي في عيد العمال
-
التصور الهيجلي للحداثة
-
الحداثة واشكالية الراهن
-
الخطاب السياسي للحداثة وميلاد الدولة الحديثة
-
هيجل والوعي الفلسفي بالحداثة
-
الثورات العربية على ضوء كتاب -سيكولوجية الجماهير- جوستاف لوب
...
-
الدرس السقراطي والمدرسة الخصوصية
-
الجنس والجنسانية من وجهة نظر تاريخية
المزيد.....
-
في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة -تريفي-
-
لغز مرض تسمم الحمل الذي حير العلماء
-
-بايدن قد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته- -
...
-
قلق على مصير الكاتب صنصال إثر -اختفائه- بالجزائر بظروف غامضة
...
-
هل نحن وحدنا في الكون؟ ماذا يقول الكونغرس؟
-
مشاهد لآثار سقوط صواريخ لبنانية في مستوطنة كريات أتا (صور +
...
-
-حزب الله-: إيقاع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح
-
مشاهد لـRT من موقع الضربة الإسرائيلية لمنطقة البسطة الفوقا ف
...
-
مجموعة السبع ستناقش مذكرات التوقيف الصادرة عن الجنائية الدول
...
-
لماذا يضاف الفلورايد لمياه الصنبور وما الكمية الآمنة؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|