|
يسوع والمرأة السورية – 6
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4506 - 2014 / 7 / 8 - 10:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطرقت في المقالة السابقة (يسوع والمرأة السورية – 5) [انظر الهامش رقم 1] إلى جزئية محددة في إجابة سؤال: من هي المجدلية؟ وقد أثبتُّ هناك، من خلال نصوص العهد الجديد ذاتها، أن المجدلية قد لعبت دوراً شديد الأهمية والمحورية في حياة يسوع إلى الحد أن دورها قد فاق بكثير دور أم يسوع مريم. وقد أثبت أيضاً في تلك المقالة السابقة أن علاقة أم يسوع، مريم، بابنها هي علاقة قد شابها الكثير من الشوائب والتجاذب. هذا واضح جداً في نصوص العهد الجديد، إلى درجة أن كاتب [كتبة] إنجيل يوحنا يمتنع تماماً حتى مِنْ ذكر اسمها في إنجيله [للتفاصيل والنصوص انظر الهامش رقم 1]. ولسبب ما مختلف عليه اليوم بين الباحثين فإن بولس تبنى (عكس) ما كان عليه يسوع في تعاملاته مع النساء اليهوديات وعلاقته بهن، إذ تبنى موقفاً متشدداً من المرأة بصفة عامة. ولسبب مجهول أيضاً فإن كتبة الأناجيل الرسمية (تعمدوا بصورة واضحة جداً اخفاء طبيعة علاقة يسوع بمريم المجدلية، كما حاولوا التمويه، ولأسباب مفهومة إلى حد ما، على علاقة يسوع غير المحبذة مع أمه وأهل بيته وأقاربه). فمن (الثابت الآن، وغير القابل للشك)، أن يسوع كان على (علاقة متضادة وغير متهادنة مع أمه وأخواته وأخوانه وأقاربه)، إذ هذا واضح جداً في تعاليم يسوع ذاتها وفي نصوص العهد الجديد. ومن الثابت الآن وغير القابل للشك أن (مريم المجدلية) قد لعبت دوراً محورياً هاماً في حياة يسوع. فهي التي كانت تصرف على يسوع من أموالها، وكانت معه في أسفاره، وتتبعه حيث حلّ ورحل، وكانت موجودة عند صلبه، وعند دفنه، ووضعتها أساطير قيامة يسوع في (موقع متقدم على كل تلامذته من الرجال). فلا شك إطلاقاً في محورية دورها في حياة يسوع، ولكننا، بسبب (التزوير المسيحي في نصوصهم المقدسة) فإننا نجهل اليوم طبيعة تلك العلاقة. فماذا نعرف عن مريم المجدلية؟
مريم، لقبها (المجدلية) يدل على أنها أتت من قرية اسمها (مجدل). كل الكتابات المسيحية تقول أنها قرية المجدل، تقع بالقرب من ساحل بحيرة طبرية وعلى مقربة أيضاً من مدينة طبرية. إلا أن الكتابات المسيحية تتغافل، لسبب ما، عن حقيقة وجود مدينة ثانية، أقدم من الأولى، تحت نفس الاسم وكانت مأهولة بالسكان وقت حياة يسوع، وورد ذكرها في بعض الكتابات اليهودية. فكل الكتابات المسيحية تجعل تلك المدينتين على أنها (مكان واحد). هذه المدينة هي (مجدل تاريجيا) (Magdala Tarichaea). ويبدو أن كلمة (مجدل) تعني (برج)، بينما كلمة (تاريجيا) تعني (السمك المملح)، فاسم تلك المدينة يعني حرفياً (برج السمك المملح)، ومِن اسم المدينة نستنتج أنها تقع أيضاً بالقرب من بحيرة أو ساحل البحر. فمثلاً، في إحدى الكتابات اليهودية التي تُدعى (Lamentations Raba)، يذكر كاتبها أن تلك المدينة قد "دمرها الرب بسبب الزنى"، ولا نعرف بالضبط ماذا يقصد الكاتب بكلمة (دمرها)، ولكن على الأرجح تعني أنها تعرضت لهجوم عسكري أو لأزمة اقتصادية فخلت من سكانها. إلا أنه من الواضح أن (مجدل تاريجيا) لم تكن مكاناً مرموقاً في الذهنية اليهودية، وأنها ذات سمعة غير محبذة، وهذا ربما يفسر تغافل الكتابات المسيحية عنها وجعل المدينتين [القريتين] مكاناً واحداً. فمريم المجدلية أتت من إحدى هذين المكانين.
ويبدو واضحاً أن مريم المجدلية كانت امرأة تملك مالاً بحيث يجعلها (ثرية) بالنسبة إلى معايير ذلك الزمان حتى تستطيع أن تصرف على يسوع من أموالها [لوقا 8: 2-3]. وثراؤها هذا الذي لا شك فيه (ينفي تماماً) العبارة الواردة في الأناجيل: (ظهر [أي يسوع] أولاً لمريم المجدلية، التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين) [مرقس 16: 9] [لوقا 8: 2]، إذ العقلية الدينية في زمن يسوع، والذي تبناها يسوع ذاته، كانت تعتقد أن سبب الجنون هو التلبس بالشياطين. فالعهد الجديد يتهم المجدلية بأنها كانت مجنونة حتى شفاها يسوع [أي أخرج الشياطين] ومِن ثم تبعته، وهذا (لا يتفق إطلاقاً مع حقيقة ثراؤها وامتلاكها الأموال التي كسبتها بطريقة ما وتتصرف بها كيفما شاءت). فالمجدلية، من الواضح، أنها كانت ذات ذهنية حاضرة بحيث تؤهلها لجمع تلك الأموال والاحتفاظ بها. فالاتهام بالجنون من جانب كتبة الأناجيل المعترف بها (يجب أن يُنظر له على أنه ضمن المحاولات، مجهولة السبب حتى اللحظة، في التمويه والتكتم على حقيقة الدور الذي لعبته المجدلية في حياة يسوع). تلك العبارة هي ضمن (الخديعة) التي مارستها الكتابات الرسمية المسيحية فيما يخص المجدلية.
هل كان يسوع متزوجاً؟
نصوص العهد الجديد لا تقول إطلاقاً أنه قد تزوج. ولكن ما يغفل عنه جميع مَنْ يتبنى هذا الرأي وذلك الدليل هو حقيقة أن (نصوص العهد الجديد لم تقل أيضاً أنه لم يتزوج). بل الأدلة الظرفية تؤكد أنه من غير السائد إطلاقاً في زمان يسوع أن يصل رجل يهودي، أو (راباي) كما في حالة يسوع، إلى سن الثلاثين وهو لم يتزوج. إذ الزواج المبكر جداً للأطفال، بين الثانية عشر والخامسة عشر للإناث، والخامسة عشر والسادسة عشر للذكور، هو السائد في تلك الفترة. وإن كانت هناك إناث لا يستطعن أن يجدن أزواجاً في ذلك المحيط اليهودي بسبب المعايير الثقافية والدينية السائدة، إلا أنه من غير الراجح جداً، إلى حدود الغرابة، أن نجد رجلاً يهودياً في ذلك الزمان، وخصوصاً إذا كان (راباي) ويتطرق لأمور الدين كما هو الحال مع يسوع، قد قضى حياته بأسرها أعزباً. أما انعدام الإشارة إلى (زوجة يسوع) في نصوص الكتابات المسيحية المبكرة فإنه من (الراجح جداً) أنه يدل على (طلاق يسوع لزوجته أو وفاتها في حياته)، (والرأي الأول هو الأقرب للواقع). إذ هناك دليل في (تعاليمه ذاتها يدل على تجربة مريرة جداً مع الطلاق). فما الذي يدعو يسوع إلى أن يقول في تعاليمه: (أما أنا فأقول لكم إن مَن طلق امرأته، إلا لعلة الزنى، يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني) [متى 5: 32]؟! ما الذي يدفع رجل، (يقول لنا أتباعه اليوم بأنه كان يدعو للمحبة من دون مواقف مسبقة)، أن يتخذ هذا الموقف المتشدد جداً المبالغ فيه من (المرأة المطلقة بالتحديد وحصراً)، وحكمها الأخلاقي: (من يتزوج مطلقة فإنه يزني)، ولكنه يقف محايداً جداً من (الرجل المُطلق) بل هو متحيز جداً لمعياره الأخلاقي؟! أليس من الراجح أن تلك المرارة الواضحة من المرأة المطلقة دافعها تجربة شخصية ليسوع؟
أما فيما يخص (مريم المجدلية)، فاسمها يدل على أنه (في وقت لقائها بيسوع لم تكن متزوجة). فنسبة مريم إلى موطنها (مجدل) بدلاً من اسم الزوج يدل على أنها عزباء. فمن العادة في ذلك الزمان أن يتم نسبة المرأة إلى زوجها إذا كانت متزوجة، ونجد دليل ذلك في نصوص العهد الجديد ذاته. فمثلاً: (هيروديا امراة فيلبس) [مرقس 6: 17]، (يونا امراة خوزي وكيل هيرودس) [لوقا 8: 3]، (مريم زوجة كلوبا) [يوحنا 19: 25]، أو يتم نسبتها إلى أبنائها مثل (مريم أم يعقوب) [مرقس 16: 1]، إلا أن غياب تلك النسبة فيما يخص مريم المجدلية، ونسبتها إلى موطنها الأصلي يدل على أنها عزباء.
إذن، أمامنا امرأة عزباء، ذات ثراء، مسقط رأسها على الأرجح (مجدل تاريجيا) التي "دمرها الرب بسبب الزنى" كما تقول الكتابات اليهودية، ترافق (راباي) اسمه يسوع في حله وترحاله وتصرف عليه من أموالها، وتحتل (مركزاً متقدماً جداً حتى على تلامذة يسوع من الرجال) كما سوف نثبته، بالإضافة إلى ما سبق، في المقالة القادمة من خلال استعراض الكتابات المسيحية المبكرة غير المعترف بها.
... يتبع
هـــــــــــــــــــــوامـــــــــــش:
1- يسوع والمرأة السورية – 5
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أكره أن أودع أحداً
-
حتى نفهم التطرف السلفي المسلح
-
يسوع والمرأة السورية – 5
-
أنتم صنعتم داعش
-
يسوع والمرأة السورية – 4
-
يسوع والمرأة السورية – 3
-
يسوع والمرأة السورية – 2
-
يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي
-
السلفية المسيحية
-
مقدمة في مفهوم السلفية
-
لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9
-
في جريمة اختطاف الفتيات النيجيريات
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 7
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 6
-
لماذا سلسلة مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 4
-
ماذا يستطيع التطرف المسيحي أن يفعل
المزيد.....
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|