|
بين حزب البعث في العراق و-داعش- وبين الحقائق على الأرض والتضخيم الإعلامي ، أيّة سيناريوهات ممكنة في المستقبل ؟
عبدالله بنسعد
الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 02:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتسارع الأحداث منذ يوم 10 جوان حين وقع الإعلان عن سقوط مدينة الموصل عاصمة محافظة "نينوى" ثمّ سقوط مدينة تكريت عاصمة محافظة "صلاح الدين" ومسقط رأس الرئيس الشهيد صدام حسين إضافة إلى عديد المدن الأخرى وكذلك تقدّم "المقاتلين" نحو العاصمة بغداد. طبعا هذه الهزائم المدوّية والمفاجئة للنظام العميل المنصّب من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بدأت خاصة بسقوط مدينة الفلوجة منذ أكثر من 6 أشهر والتي أصبحت تحت سيطرة "المقاتلين" منذ يوم السبت 4 جانفي 2014 وقد فشلت كل محاولات إسترجاعها من طرف جيش النظام العميل ومليشياته. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بكل إلحاح هو التالي : من يكون هؤلاء "المقاتلين" ؟ هل هم فعلا مقاتلي ما يسمّى بالدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" تحرّكوا ليبنوا الدولة التي يقاتلون من أجلها في سوريا والعراق ؟ أم هم مقاتلين يمثّلون المقاومة العراقية بمختلف فصائلها الوطنية والقومية والإسلامية (حسب تعبير قادة حزب البعث) التي تأسّست في سبتمبر 2007 تحت مسمّى "القيادة العليا للجهاد والتحرير" والتي يقودها حزب البعث ممثلا في شخص عزت إبراهيم الدوري ، لكنّ أجهزة الإعلام العالمية التي سمّاها الكاتب التونسي/الفرنسي "سارج حليمي" بـ "كلاب الحراسة الجدد" (Les nouveaux chiens de garde) تريد طمس الحقائق وتزويرها عبر نشر صور لتنظيم "داعش" وتضخيم دوره من أجل مغالطة الرأي العام وتبرير أي تدخّل أمريكي أو إيراني لضرب المقاومة. لكننا نقر منذ البداية بأنّ الإجابة عن هذا السؤال صعبة ومتشعّبة وتتطلّب خاصة التمحيص في صيرورة التطوّر العقائدي لحزب البعث في العراق وعلاقته بالتنظيمات الإسلامية خاصّة وأنّه تحوّل من حزب علماني ذو مرجعية إشتراكية على مستوى الأدبيات إلى حزب يميني ذو مرجعية دينية على مستوى الممارسة. -;---;-- حزب البعث العربي الاشتراكي عند التأسيس : حزب علماني يتبنى الاشتراكية إحتوى دستور حزب البعث العربي الاشتراكي الذي صادق عليه المؤتمر التأسيسي يوم 6 أفريل 1947 على 49 مادّة موزّعة على 9 مبادئ. وبتفحصنا لكل هذه المواد والمبادئ لم نسجّل ورود كلمة "الإسلام" ومشتقاتها ولو مرّة واحدة في أي سطر من سطور الدستور المذكور. والشيء الوحيد الذي يشير إلى "العنصر الحضاري" في الدستور نقرأه في المبدأ الثالث الذي يحمل عنوان "رسالة الأمة العربية" حيث ورد ما يلي : «حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر الانسانية مجموع متضامن في مصلحته ، مشترك في قيمه وحضارته ، فالعرب يتغذون من الحضارة العالمية ويغذونها ، ويمدون يد الأخاء الى الامم الاخرى ويتعاونون معها على ايجاد نظم عادلة تضمن لجميع الشعوب الرفاهية والسلام ، والسمو في الخلق والروح». فدستور حزب البعث كما نلاحظ يشير إلى الأمّة العربية دون أن يربطها بالإسلام مثلما نجده في أدبيات بقية الأحزاب القومية الأخرى (الناصريون ، العصمتيون ، اللجان الثورية). ثمّ نقرأ ، في تأكيد للبعد الاشتراكي الذي يتبناه الحزب ، في المادة 4 من المبادئ العامة ما يلي : «حزب (البعث العربي الاشتراكي) اشتراكي يؤمن بأن الاشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية لانها النظام الامثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق امكانياته وتفتح عبقريته على اكمل وجه فيضمن للامة نمواً مطرداً في انتاجها المعنوي والمادي وتآخياً وثيقاً بين افرادها». أمّا في المادة 6 فإنّ الحزب يؤكّد على رفضه للإصلاحات حيث نقرأ ما يلي : «حزب (البعث العربي الاشتراكي) انقلابي يؤمن بأن اهدافه الرئيسية في بعث القومية العربية وبناء الاشتراكية لا يمكن ان تتم الا عن طريق الانقلاب والنضال، وان الاعتماد على التطور البطيء والاكتفاء بالاصلاح الجزئي السطحي يهددان هذه الاهداف بالفشل والضياع». أمّا النظام الداخلي لحزب البعث العربي الاشتراكي فقد كان أكثر وضوحا في التعبير عن العقيدة الاشتراكية التي إنبنى عليها الحزب وقاعدته الطبقية فالمادة 2 تقول : «يعتمد الحزب على قاعدة من العمال والفلاحين وصغار الكسبة وكافة الثوريين ، عسكريين ومثقفين ، التي تمثل انعكاسا حيا لأهدافه القومية والاشتراكية ، وتؤثر تأثيرا واضحا في حماية وحدته واستعداده النضالي الثوري ، وتقوي الأسس التي يقوم عليها نظامه». وتضيف المادة 3 : «تنبثق أحكام هذا النظام من نظرية الحزب القومية الاشتراكية الديمقراطية الثورية في التنظيم والأخلاق والعمل وتطبيق مبادئه وتجسيد نظريته في السلوك اليومي لأعضائه، مع ضمان وحدة الحزب في النظرية والعمل، مع التأكيد على التمسك بالمركزية الديمقراطية والقيادة الجماعية والنقد، والنقد الذاتي، القائمة على احترام الحرية الحزبية الايجابية الخلاقة». لكن لنقل أيضا وبكل وضوح بأنّ ما ورد في الدستور والنظام الداخلي لم يقع تجسيده كليا على أرض الواقع وخاصة بعد الإنشقاق الذي حصل وأدّى إلى ظهور ما عرف بالبعث السوري والبعث العراقي. فقد كان العامل الديني حاضرا في سياسات حزب البعث في العراق وخاصة خلال حكم الرئيس صدام حسين الذي كانت إحدى آلياته التي إعتمدها لمقاومة المدّ الشيوعي (الذي مثّله تنامي الحزب الشيوعي العراقي الذي أسّسه الرفيق الشهيد فهد وتغلغله في الأوساط العمالية والثقافية) هي تحريك الواعز الديني لدى الجماهير الشعبية في العراق. إلاّ أنّ سنة 1991 مثّلت المنعرج الحاسم في تثبيت البعد الديني في سياسات حزب البعث. -;---;-- سنة 1991 : بداية ترسّخ البعد الديني في الخطاب السياسي وممارسة الحكم لدى حزب البعث بعد إجتياح الكويت في أوت 1991 وإندلاع ما سمّي بحرب الخليج الثانية قام صدام حسين بإضافة كلمة "الله أكبر" إلى علم العراق بخط يده بين الثلاث نجمات التي توشّح العلم وقد أراد صدام من وراء ذلك إستمالة الحركات الدينية التي بلغت أوج تطورها وتنظمها أثناء حرب أفغانستان بدعم مفضوح من المخابرات الأمريكية والغربية والصهيونية. لكنّ أحلام صدام حسين ذهبت أدراج الرياح فكل الحركات الإسلامية ، التي كانت تدعمها دول الخليج النفطية ، إختارت التخندق في معسكر "الأعداء" تماما مثل حزب الله في لبنان الذي إصطفّ إلى جانب النظام الإيراني والحركات الشيعية في العراق. لكنّ صدّام وأركان نظامه وإن فشلوا في إستمالة المتدينين من خارج العراق فإنهم واصلوا اللعب على الوتر الديني لإستمالة المتدينين داخل العراق من أجل شحذ هممهم في مواجهة الغزاة حتّى أنهم أصبحوا يسمّون العدوان الإمبريالي على العراق بالعدوان الصليبي. فالكل يعلم بأنّ الأحزاب الحاكمة تقلّ شعبيّتها كلّما طالت مدّة حكمها بل في أغلب الاحيان تنطفأ جذوة الحماس حتى لدى منتسبيها الذين يصبح إنتماؤهم صوريّا ويسارعون بالتنصّل من الإنتماء للحزب في أوّل أزمة تعترضه. وهذا العامل الذي كانت تعلمه قيادة حزب البعث في العراق جيدا دفعها للبحث عن مساند لها ومدافع عنها من خارج الحزب أي ممّا يعرف بالأغلبية الصامتة والتي كانت متدينة بإمتياز بحكم العوامل التاريخية التي عاشها العراق. -;---;-- بعد سقوط بغداد سنة 2003 : حزب البعث يتحوّل إلى حزب يميني ذو مرجعية دينية بعد سقوط بغداد يوم 9 أفريل 2003 وبعد فترة الفراغ التي تلت الصدمة التي عاشها حزب البعث على إثر السقوط الغير متوقّع بتلك السرعة وبدون مقاومة لعاصمة الرشيد ، قام حزب البعث بنشر ما عرف بـ "المنهاج السياسي والستراتيجي للمقاومة العراقية" يوم 9 سبتمبر 2003 والذي طبع بطابع ديني واضح وهذا المنهاج هو بمثابة الدستور الجديد للمجلس الوطني للمقاومة العراقية الذي وقع الإعلان عن تشكيله في شهر جوان 2003. ويبدو أنّ عزت إبراهيم الدوري هو من كتب ذلك النص حيث أصبح هو الفاعل الحقيقي داخل حزب البعث حتى قبل القبض على صدام حسين والذين يعرفون هذا الرجل يقرّون بأنّه أكثر رجال حزب البعث تديّنا منذ تأسيس الحزب. وبالتالي فإنّه يمكننا الجزم بأنّ عزت إبراهيم هو من أسّس للعقيدة الدينية الجديدة للحزب التي عوّضت العقيدة العلمانية التي نصّ عليها دستور سنة 1947 ودفع بالتالي بالحزب نحو اليمين الديني وهو ما تبرزه المحطات التالية التي نوردها للذكر لا الحصر : - من المجلس الوطني للمقاومة العراقية سنة 2003 إلى الجبهة الوطنية القومية والإسلامية سنة 2006 : تغيير إسم المجلس إلى جبهة هدفه إستقطاب الفصائل الإسلامية التي تشكلت بعد سقوط بغداد وأغلبها من بقايا الجيش العراقي المنحل. وتجد الإشارة إلى أنّ التقديم إلى هذه الجبهة قام به عزت إبراهيم الدوري عبر بيان صادر بتاريخ 2 أكتوبر 2005 تحت عنوان "مقدّمة البرنامج الإستراتيجي للبعث والمقاومة" والذي لم تخل فقرة منه من "آية قرآنية" أو من "حديث نبوي" لكنّ عزّت إبراهيم كان أوضح في خطابه عندما قال : «جاهدوا أيها الرفاق البواسل في سبيل الله دفاعا عن العقيدة أولا ولإعلاء كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله شعار الرسالة الخالدة رسالة العرب الكبرى شعار الدين الخالد الذي تنعم في ظله الوارف كل الأديان والطوائف والقوميات وتزدهر، ثم في سبيل الوطن العزيز والامة المجيدة ثم الحرمات والمقدسات». أي أنّ عزّت إبراهيم إعتبر أنّ أولويّة النضال ضدّ المستعمر هي ليست تحرير العراق وإنّما الدفاع عن الدين الإسلامي أولا وإعلاء كلمة "لا إلاه إلا الله" ثانيا أمّا تحرير العراق من الإستعمار فياتي في المرتبة الثالثة. فهل يختلف هذا الموقف عن مواقف قيادات الحركات الإسلامية في كل أصقاع الدنيا التي تعتبر أنّ الإسلام كدين هو المستهدف وليس الأوطان ؟ أي العمل على تحويل وجهة الصراع من صراع حقيقي ضدّ الإستعمار إلى صراع وهمي بين الإسلام من جهة والمسيحية واليهودية من جهة أخرى. - تأسيس القيادة العليا للجهاد والتحرير سنة 2007 (www.hcjl.ws/home) والتي تضمّ 22 فصيلا منهم 16 فصيلا إسلاميا وقد شكّلت 5 هيئات منها هيئة تحمل إسم "هيئة الإفتاء الشرعي" وقد عين الشيخ علي عبد الله العبيدي النائب الأول للقائد الأعلى رئيسا ً لها. فما هو دور "هيئة إفتاء" داخل فصيل عسكري من المفروض أن يعمل على "تحرير الوطن" من الإستعمار يا ترى ؟ وقد صدر بيان بتاريخ سبتمبر 2007 يحمل عنوان "المؤتمر التأسيسي للقيادة العليا للجهاد والتحرير" بخمس لغات إلى جانب العربية ولا يختلف مضمونه وصياغته الدينية في شيء عن "مقدّمة البرنامج الإستراتيجي للبعث والمقاومة" الذي تحثنا عنه آنفا. أمّا أهمّ فصيل إسلامي في هذه القيادة فهو الفصيل المعروف بإسم "جيش رجال الطريقة النقشبندية" (www.alnakshabandia.net/army) وبعد إعدام الرئيس صدام حسين يوم 30 ديسمبر 2006 أصبحت بصمة عزت إبراهيم الإسلامية أكثر وضوحا وأكثر تأثيرا في أدبيات الحزب ولم يعد الحديث عن "الأمّة العربية" وإنما عن "الأمة العربية الإسلامية" ويمكن أن نقرأ ذلك خاصة في البيان الصادر يوم إعدام الرئيس صدام حيث ورد ما يلي : «اليوم نفّذ الصفويون الجدد اوامر المجرم الصليبي جورج بوش باعدام رمز شرفكم وعزتكم وقائد الجمع المؤمن بالله والعروبة سيد شهداء العرب والمسلمين صدام حسين في العصر الحديث، والذي اذل امريكا في العراق الثائر، وسد ابواب شر المجوس الجدد الذين ارادوا حكم العرب والمسلمين بزعامة المجرم خميني وتابعه المجرم خامنئي. اليوم حقق صدام حسين اعز امانيه وهي دخول قافلة الشهداء العرب والمسلمين الخالدة وصار منذ لحظة اعدامه الرمز الاعظم لمبادئ الاسلام والمسلمين وهوية حملة رسالة الاسلام العرب. ان من يظن ان اعدام الرئيس صدام حسين نهاية له يرتكب خطأ وخطيئة العمر، فصدام اليوم لم يعد وجودا ماديا يمكن اغتياله بل اصبح قوة جبارة تحرك عشرات الملايين من العرب والمسلمين وشرفاء العالم لتعميق وتوسيع الجهاد المقدس ضد امريكا وحلفاءها وفي مقدمتهم ايران. وصدام حسين لم يعد اسيرا لدى العدو بل اصبح اسرا له ومحفزا لانخراط ملايين العرب والعراقيين في مسيرة الجهاد المقدس ضد الصليبيين والصفويين والصهاينة». هكذا إذا لم يعد الحديث عن صدام حسين رئيس جمهورية العراق وإنما عن سيد شهداء العرب والمسلمين والرمز الأعظم لمبادئ الإسلام والمسلمين ولم يعد الحديث عن تحرير العراق من الإستعمار بل أصبح الحديث عن الجهاد المقدّس ضدّ أمريكا والصليبيين. لكنّ التوجّه الديني لعزت إبراهيم لم يقتصر على الخطاب الذي يطبع بيانات حزب البعث وممارساته السياسية وإنما أصبح يعبّر بكل وضوح عن طبيعة الدولة التي أصبح يحلم بها ويعمل من أجلها الحزب حيث نقرأ في البيان الذي نعى فيه عزت إبراهيم "رفيق دربه صدام حسين" وأمضاه بإسم "المعتز بالله عزت إبراهيم خادم الجهاد والمجاهدين" ما يلي : «وليعلم العدو المحتل وعملاءه إن اغتيال القائد لن يزيد البعث وشعبه العظيم وأمته المجيده إلا عزما وتصميما وتصعيدا للجهاد والنضال حتى تدمير العدو وتحرير الوطن العزيز وإقامة دولة الإيمان والحرية والديمقراطية والحضارة». فدولة الإيمان تعني من منظور ديني تطبيق الشريعة الإسلامية وبالتالي بناء دولة إسلامية عوضا عن الدولة المدنية التي كانت قائمة طيلة تاريخ العراق وهو ما يتضح أكثر في آخر فقرة لهذا البيان/النعي حيث نقرأ : «سلام عليك أيها القائد يوم وقفت شامخا أمام أعاصير الشر والظلام وسلام عليك يوم أديت الأمانة وقد دفعت لها أهلك ومالك ونفسك ثمنا عهدا لله القوي العزيز ولك ولكل شهداء الأمة وقادتها العظام سنبقى حراسا أمينين على رسالة السماء الخالدة حتى يأذن الله جلت قدرته بنصره المؤزر». إذا يتّضح من خلال هذه القراءة للصيرورة التاريخية لتطوّر عقيدة حزب البعث (رغم أننا لا نشكّ في وجود جناح أقلّي يتمسّك بعلمانية الحزب) أنّه لا يمكن أن يحصل أي تعارض أو صراع مع التنظيمات السلفية التي إنتشرت في العراق كالفقاقيع. كما أنّنا نعتقد بأنّ العديد من قيادات "داعش" وبقية الفصائل الإسلامية هي سليلة حزب البعث أو الجيش العراقي الذي كان يظمّ آلاف الضباط ومئات الآلاف من العسكريين المتمرّسين على القتال من ناحية والذين أذلّتهم القوات الأمريكية وعملائها من مختلف الحكومات العميلة التي تعاقبت على العراق من إياد علاوي إلى المالكي مرورا بالجلبي وغيره. وهذه العوامل تجعل من هؤلاء العسكريين يبحثون عن كل السبل (ولو الإنتماء إلى الحركات الإسلامية) للإقتصاص ممن عذّبهم وشرّدهم وقتل منهم الكثير. وربما هذا العامل هو الذي دفع بعزت إبراهيم العارف بخبايا الجيش العراقي إلى إختيار هذا الطريق ، طريق التوجّه الإسلامي للحزب. -;---;-- حزب البعث يتنصّل من "داعش" والحركات الإسلامية في العلن ؟ أوّل بيان صدر عن حزب البعث – قطر العراق بعد سقوط مدينة الموصل كان بتاريخ 14 جوان 2014 وحمل عنوان "بيان حول معطيات وإتجاهات ثورة شعبنا الظافرة : الثورة ثورة كل الشعب والبعث مع الشعب كلّه". (http://www.dhiqar.net/Art.php?id =39544#.U51zbpR5N20). أهمّ ما يلفت الإنتباه فيه هو عدم ذكر إسم "داعش" بصفة صريحة كطرف في المعركة ضدّ الحكومة العميلة. لكنّ الصياغة التي أعتمدت في كتابة البيان تلمّح إلى مشاركة التنظيم المذكور وكل التنظيمات الأخرى في ما يحدث في العراق اليوم فبداية من العنوان الذي يقول بأنّ "الثورة هي ثورة كل الشعب والبعث مع الشعب كلّه" إلى محتوى البيان الذي نقرأ فيه ما يلي : «وفي ذلك كله نحى الحزب منحى الإرتقاء إلى المعاني السامية لرسالته الخالدة الرسالة العربية الإسلامية للإنسانية جمعاء وقد إلتحم مجاهدو البعث مع مجاهدي المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية بفصائلها كافة وحققوا النصر التاريخي للعراق والأمة والمسلمين والإنسانية جمعاء في الحادي والثلاثين من كانون الأول عام 2011 بإيقاع الهزيمة المنكرة بالمحتلين الأمريكان وحلفائهم الفرس والصهاينة» نفهم بما لا يدع مجالا للشك بأنّ حزب البعث يريد أن يظهر بمظهر الموحّد لكل الفصائل "وطنية وقومية وإسلامية" كما ورد في البيان. ويتّضح ذلك أكثر من خلال الأسطر التالية : «وقد تراكم السخط الجماهيري لأبناء شعبنا كله بقومياته وطوائفه كافة ليتفجّر في ثورة شعبية عارمة إتّقدت في الفلوجة والرمادي وإتسعت إلى الموصل وصلاح الدين وأجزاء من كركوك وديالى والتي ستتسّع لتشمل العراق كله الشمال والوسط والفرات الأوسط والجنوب. والبعث جزء من الشعب وثورته ويتساند مع شرائح الشعب كلها دونما أي تفريق أو تمييز». غير أنّ حزب البعث الذي يجد نفسه تحت مطرقة الرأي العام العراقي والعربي والعالمي الرافض للحركات الإرهابية أجبر في هذا البيان على التصريح بموقفه "العلني" قائلا : «وهو ضدّ كل النزعات الطائفية المنحرفة والتكفيرية والإرهابية من كل صنف ولون والبعث يقاوم الإرهاب أيا كان مصدره ومهما تكن القوى التي تقف خلفه. ذلك أنّ مبادئ البعث الوطنية والقومية والإنسانية ضدّ الإرهاب ولذلك فإنّه شجب ويشجب شجبا مطلقا الإرهاب والحركات التكفيرية المتطرفة كلها». صحيح إنّ هذا الموقف هو موقف واضح ولا لبس فيه من الحركات التكفيرية لكنّنا نعتقد أنّه موقف موجّه للرأي العام أكثر ممّا هو موجّه لداعش أو للتنظيمات الإسلامية المتحالفة مع حزب البعث والتي تمثّل أغلبية تركيبة "القيادة العليا للجهاد والتحرير" التي يرأسها عزت إبراهيم الدوري مثلما أكّدنا ذلك آنفا (جيش رجال الطريقة النقشبندية ، جيش الصحابة ، جيش الرسالة ، جيش المرابطين ، جيش الحمزة ، جيش المصطفى ، جيش الصابرين ، جيش حنين ، جيش إبن الوليد ...). هناك عامل آخر نعتقد بأنّه لا يقلّ أهمية عن العوامل الاخرى المذكورة آنفا ساهم بالدفع بحزب البعث نحو اليمين الديني ويتمثّل في "تمويل عمليات المقاومة". فالمعروف أنّه بعد سقوط بغداد وبعد إلقاء القبض على قيادات الصفوف الأمامية لحزب البعث وإعدام البعض منها وتخفي البعض الآخر ودخولهم للسرّية وهروب المتبقين خارج العراق وبعد إصدار قانون إجتثاث البعث قضي تقريبا على آليات تمويل الحزب العادية فلا مداخيل الإنخراط ولا إعانات الدولة بقيت موجودة بل الأكثر من ذلك وقعت مصادرة أموال الحزب وقياداته وفي ظل الفقر المدقع الذي أصبح يميّز العراق بعد الإحتلال أجبرت قيادات الحزب وعلى رأسها عزت إبراهيم الدوري على التحالف مع الحركات الإسلامية التي تملك ميزانيات ضخمة بحكم إرتباطها بشبكات دعم عالمية متمرّسة في تحويل الاموال من بلد إلى آخر بعيدا عن أعين الرقباء إضافة إلى أنّ التنظيمات الإسلامية إعتمدت آلية إختطاف الرهائن والمطالبة بالفدية لإطلاق سراحهم أو المتاجرة في الممنوعات عبر السيطرة على طرق التهريب (تجارة المخدرات ، تجارة الكحول والسجائر ، تجارة الجنس ...) وهو ما وفّر لهم أموال طائلة مكّنتهم من "التمدّد" وقرّبت حزب البعث منهم. لكن هنالك فارق هام لا يمكن أن نتغافل عنه عند الحديث عن حزب البعث من ناحية والحركات الإسلامية من ناحية أخرى وهي أنّ هذه الأخيرة مرتبطة بالدول الإمبريالية والرجعية بشكل او بآخر بل هنالك تنظيمات إسلامية تقوم بحروب بالوكالة عن تلك البلدان (أنظر ما يحصل في سوريا واليمن وليبيا) لكنّ حزب البعث هو حزب ، في الوقت الراهن ، لا إرتباط له لا مع البلدان الإمبريالية ولا مع البلدان العربية الرجعية. فهو حزب يناضل من أجل تحرير بلده العراق الذي ساهمت في إحتلاله وتدميره كل تلك البلدان. وهذا عامل هام يمكن أن يحسم تحالفات الحزب عند حصول تدخّلات أو تغييرات ميدانية مفتعلة. نعود الآن للسيناريوهات المحتملة لنقول بأنّه وإعتمادا على المعطيات المتوفرة يمكن الحديث عن ثلاث سيناريوهات نوردها دون إمكاينة ترتيب من الأقوى إلى الأضعف. فالوضع الجيوستراتيجي "للمسألة العراقية" والتحالفات الممكنة والمتغيرات التي يمكن أن تحصل على الأرض تجعل من المستحيل تقديم سيناريو على آخر رغم أنّ السيناريو الثالث يعتبر الأضعف فيهم حسبما سنبينه لاحقا. -;---;-- السيناريو الأوّل: أمريكا تنصب فخّا للتنظيمات الإرهابية والمقاومة العراقية للقضاء عليها بعد تنفيذ الجزء الأوّل من مخططها المتمثّل في إستيعاب الإنتفاضات الشعبية في الأقطار العربية وتوضيفها لصالحها ثمّ توجيهها نحو الوجهة التي تريدها والمتمثلة في دعم الحركات الإسلامية حتى تصل إلى السلطة لكن بنية تعريتها أمام الجماهير وإظهارها في مظهر العاجز عن الحكم (مصر وتونس كمثال) حتى تعيدها إلى لعب دورها التاريخي كإحطياتي لها كلما لزم الأمر وتعويضها حاليا ، كما تقتضيه مرحلة الأزمة الرأسمالية الحالية ، بالحركات الليبرالية القادرة على التعامل مع تلك الأزمة ، تقوم الإمبريالية الأمريكية حاليا بتنفيذ الجزء الثاني من مخطّطها والمتمثّل في القضاء على الحركات الإرهابية أو على الأقل تقليص وجودها إلى الحد الأقصى لأنّها لم تعد في حاجة لها من ناحية كما أنّ المرحلة تقتضي ، في الاقطار العربية التي حصلت فيها إنتفاضات (ما يسمّى بدول الربيع العربي) ، خلق مناخ من الامن والإستقرار في تلك الأقطار حتى يتمكّن الرأس مال العالمي عبر الشركات متعددة الجنسيات من الإنتصاب في تلك البلدان أو العودة لها لمزيد نهب ثرواتها من ناحية أخرى (بعد حرب مالي التي قادتها فرنسا ضدّ التنظيمات الإرهابية ها هو يظهر الجنرال خليفة حفتر في ليبيا بقدرة قادر هي أمريكا). لذلك من غير المستبعد أن يكون هذا التمدّد لتنظيم "داعش" وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى المتحالفة مع حزب البعث هدفه تدمير تلك التنظيمات وكذلك المقاومة العراقية اي تدمير وافناء الجماعات التكفيرية في الدول العربية (أنظر الإقتتال الدامي الجاري في سوريا بين "داعش" وجبهة النصرة" وكذلك ما تعرّضت له من خسائر كبيرة من قبل النظام السوري دون أي تدخّل من الدول التي تدعمها) بدل مواجهتها في الولايات المتحدة الامريكية أو أوروبا. أمّا هذا الموقف الجديد للإمبريالية الامريكية فقد املاه فشل مخطّط إسقاط النظام السوري الذي إستطاع بدعم عسكري إيراني مباشر عبر حزب الله ودعم سياسي من روسيا خاصة حسم المواجهة المسلحة لصالحه وإلحاق هزيمة كبيرة بالتنظيمات المسلحة رغم الدعم اللامحدود الذي تلقته من دول الخليج وتركيا وأمريكا والإتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى من مصلحة الإمبريالية الأمريكية التي تعمل منذ سقوط مدينة الموصل على تحميل المسؤولية إلى المالكي (وهو ما يعني بداية تخليهم عنه) أن تقلّم أظافر حزب البعث والفصائل المتحالفة معه في ما يسمّى "بالقيادة العليا للجهاد والتحرير". بل ذهب باراك أوبوما إلى ابعد من ذلك عندما قال بأنّ المشكل في العراق هو مشكل سياسي وليس عسكري وهو ما يعني التحضير لإقامة نظام أكثر تمثيلية لمختلف الطوائف (تشارك فيه الأحزاب التي قبلت بالوضع الحالي) يقطع مع حكم النوري المالكي ويحدّ من التدخّل الإيراني في العراق الذي يرفضه السنة بكل فصائلهم السياسية ويضمن المصالح الأمركية فيه. -;---;-- السيناريو الثاني : تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات السهولة التي سقطت بها مدينة الموصل ثمّ بقية المدن الأخرى شمال وشرق العراق تدعو إلى طرح تساؤلات مشروعة حول سكوت الولايات المتحدة عن ذلك. فهل عدم تدخّلها في المعارك (رغم إمتلاكها لكل الإمكانيات العسكرية واللوجستية) وحسم الموقف لصالح حكومة العمالة التي نصّبتها يدخل في باب تنفيذ المخطّط الصهيوني في تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات : واحدة في الشمال للأكراد وثانية في الوسط للسنّة وثالثة في الجنوب للشيعة ؟ أيضا نفس التساؤلات يمكن أن نطرحها حول السكوت المريب للنظام التركي الذي يتدخّل بصفة مباشرة ومفضوحة في سوريا لكنّه لم يحرّك ساكنا لما يجري على حدوده مع العراق بل سكت حتّى على إختطاف قنصله في مدينة الموصل مع عشرات المواطنين الأتراك الآخرين وإكتفى ببيان شجب لا يختلف عن بيانات الجامعة العربية. وإضافة إلى ذلك يمكن ذكر عنصر هام آخر يتمثّل في الزيارة الفجئية التي أدّاها رئيس إيران إلى تركيا يوم واحد قبل سقوط الموصل في يد "المقاتلين" أي يوم 9 جوان الفارط. فهل قامت القوى الإقليمية بترتيب ما يحصل الآن في شمال العراق ؟ عديد المؤشرات تدعم هذا الإحتمال : -;---;-- صمود مدينة الفلوجة "المحرّرة" منذ أكثر من 6 أشهر في وجه المحاولات المتكررة لحكومة المالكي العميلة لإستعادتها هي المؤشر الأوّل. فعدم تدخّل أمريكا بأي شكل من الأشكال طيلة هذه الأشهر رغم أنّ هذه المدينة كان يمكن أن تمثّل فرصة للجيش الأمريكي للقصاص من المقاومة العراقية التي مرّغت أنفه في التارب في تلك المدينة (التي أطلقت عليها شخصيا إسم مدينة "هيو" الفيتنامية) حيث تكبّد فيها خسائر كبيرة جدا تعدّت 4 آلاف جندي قتيل وأكثر من 15 ألف جريح خلال معركتين (الفلوجة الأولى سنة 2003 والفلوجة الثانية سنة 2004) وهو ما يطرح أكثر من سؤال. -;---;-- دخول قوات "البشمركة" لأوّل مرّة إلى مدينة كركوك (التي تضمّ قوميات مختلفة من الأكراد والعرب والتركمان) والتي يطالب بها الأكراد منذ عقود لضمّها إلى إقليمهم لكنّ الدستور العراقي حسم المسألة بجعلها تحت السلطة المركزية يمثّل المؤشّر الثاني. وبالعودة إلى التاريخ يمكن أن نورد ما جاء بما يعرف بـ "وثيقة كيفونيم" التي تعتبر أهمّ خطّة إستراتيجية صهيونية لمزيد تجزئة وتفتيت الوطن العربي لتأبيد السيطرة عليه تطبيقا لشعار : "فرّق تسد" (Diviser pour régner) والتي قام بترجمتها داعية السلام اليهودي (غير صهيوني) "إسرائيل شاحاك" بتاريخ 13 جوان 1982. وقد بدأ فعلا بتطبيق هذه الخطّة الإستراتيجية بتقسيم السودان إلى دولتين (واحدة في الشمال للعرب وثانية في الجنوب للزنوج) بعد أن ربط الكيان الصهيوني علاقة كبيرة جدّا بحركة التمرّد في جنوب السودان منذ عهد "جون قرينق" والمساعي متواصلة لفصل إقليم دارفور في الشرق الغني بالموارد الطبيعية وإقامة دويلة أخرى هناك. ففي النقطة السادسة التي خصّصت للحديث عن العراق نقرأ ما يلي : «1- إن العراق لايختلف كثيراً عن جارتها ولكن الأغلبية فيها من الشيعة والأقلية من السنة ، إن 65 % من السكان ليس لهم أي تأثير على الدولة التى تشكل الفئة الحاكمة فيها 20 % إلى جانب الأقلية الكردية الكبيرة فى الشمال. 2- ولولا القوة العسكرية للنظام الحاكم وأموال البترول ، لما كان بالإمكان أن يختلف مستقبل العراق عن ماضي لبنان وحاضر سوريا. 3- إن بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح فيها اليوم ، خاصة بعد تولي الخمينى الحكم ، والذى يعتبر فى نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقى وليس صدام حسين. 4- إن العراق الغنية بالبترول والتي تكثر فيها الفرقة والعداء الداخلي هى المرشح التالي لتحقيق أهداف اسرائيل . 5- إن تفتيت العراق هو أهم بكثير من تفتيت سوريا وذلك لأن العراق أقوى من سوريا. 6- إن في قوة العراق خطورة على اسرائيل فى المدى القريب أكبر من الخطورة النابعة من قوة أية دولة أخرى. وسوف يصبح بالإمكان تقسيم العراق الى مقاطعات اقليمية طائفية كما حدث فى سوريا فى العصر العثماني. وبذلك يمكن إقامة ثلاث دويلات ( أو أكثر ) حول المدن العراقية. دولة فى البصرة، ودولة فى بغداد، ودولة فى الموصل». خطورة هذا المخطّط الصهيوني يتمثّل أيضا في أنّ حلّ مشكل "اللاجئين الفلسطنيين" حسب منظور قيادات الكيان الصهيوني التي تعاقبت على السلطة منذ بداية الثمانينات وخاصة بعد ملحمة بيروت يتمثّل في توطينهم في "الدويلة السنّية" في وسط العراق أي بإبعادهم جغرافيا عن فلسطين عبر تفكيك المخيمات الموجودة في لبنان وسوريا والأردن بنية وأد كلّ حلم بالعودة لديهم. -;---;-- السيناريو الثالث : إنتصار المقاومة العراقية وتحرير العراق في الأمد القريب رغم أنّنا نحلم كلّنا بتحرير العراق من الإستعمار والقضاء على العصابات الصفوية المدعومة من نظام الملالي في إيران ، اليوم قبل الغد ، ورغم أنّنا نؤمن بأنّ إرادة الشعوب لا تقهر ورغم أنّنا لازلنا نرفع شعار "كل العروش تهتز لو أرادت سواعد العمال الجبارة" ورغم أنّنا متأكّدون بأنّه سيأتي اليوم الذي ستتحرّر فيه العراق وفلسطين من الإستعمار لكنّنا نقرّ بأنّ الظروف الذاتية والموضوعية للمقاومة الوطنية في العراق (ولو أنّها إنطلقت منذ يوم 10 أفريل 2003 أي أنّ لها تجربة 11 سنة) من جهة وإستحالة قبول الإمبريالية العالمية عامة والأمريكية خاصّة بعودة العراق إلى ما قبل 9 أفريل 2003 من جهة أخرى تجعلنا نعتبر هذا الإحتمال ضعيف في الفترة الحالية. فالحرب الإمبريالية ضدّ العراق كانت لها أهداف إستراتيجية أهمّها : * هدف إقتصادي : وضع اليد على منابع النفط في إطار الحرب بين الإمبرياليات * هدف سياسي : السيطرة على العالم وفرض المخطط الإمبريالي-الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط (الشرق الأوسط الكبير). ففي خصوص النفط وبعد أن وضعت يدها على منابع النفط في الخليج بعد حرب 1991 حيث أصبحت لها قواعد عسكرية هامة ودائمة في مختلف بلدان الخليج ، كان لا بد للصناعة البترولية الأمريكية أن تحرّك الآلة العسكرية نحو العراق الذي يحتفظ بثاني أكبر إحتياطي نفط في العالم بعد السعودية (10.5 للعراق مقابل 24 % للسعودية) من ناحية ولجودة البترول العراقي وخاصة للإنخفاظ الكبير لكلفة إنتاجه مقارنة ببقية الدول من ناحية أخرى. فإستخراج برميل نفط عراقي لا يتجاوز ثمنه دولارا واحدا مقابل 6 دولارات لإستخراج برميل نفط سعودي ، كما أنه على كل 5 آبار في العراق 4 تنتج النفط مقابل 1 فقط على 5 في السعودية. إظافة إلى كل ذلك فإن حوالي 90 % من الأراضي العراقية لم يقع إستكشافها بعد أي أن البترول العراقي الحالي لا يهم إلا 10 % من الأراضي. كل هذه المؤشرات جعلت الإمبريالية الأمريكية تسعى بكل الطرق لوضع يدها على النفط العراقي وقد عبّر عن هذه الأطماع أحد أباطرة النفط في أمريكا المدعو "مايكل تيلينق" الذي قال «ليس من المعقول أن نهدر أموالا طائلة للبحث عن النفط هنا وهناك ونحفر مئات الأمتار في البحار والمحيطات بينما نعرف أن هناك مخزونا نفطيا يساوي 40 مليار برميل في العراق وعلى عمق قليل جدا». لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل أمريكا في حاجة إلى كل هذا النفط والغاز لتشغيل وتسيير منشآتها ومركباتها ؟ الإجابة تكون طبعا بلا لأن منابع النفط والغاز لا تمثّل سوى سلاحا تستعمله الإمبريالية الأمريكية في صراعها مع بقية الإمبرياليات وكما قال "ميشال كولون" : « من يريد السيطرة على العالم عليه السيطرة على منابع النفط أينما كانت ». أمّا في الجانب السياسي فإنّه لا يمكن أن يخفى على أي متتبع لمجريات الأحداث أن إحدى أهداف الحرب الإمبريالية على العراق هي حماية الكيان الصهيوني رأس حربتها في الشرق الأوسط وتوسيع نفوذه في المنطقة. فهذا الكيان يمثّل المثال الساطع لجوهر العولمة التي تريد الإمبريالية فرضها على الشعوب والأمم المظطهدة. فالكيان الصهيوني يبيح لنفسه الإستحواذ على الأراضي الفلسطينية ، سرقة المياه ، الإعتداء على أبسط حقوق الإنسان ، الإحتفاظ بأسلحة الدمار الشامل ، الدوس على قرارات الأمم المتحدة ومستعملا كل أنواع الجرائم والإرهاب والتقتيل والتشريد دون رادع. فما يعيشه شعبنا العربي في فلسطين هو حرب إبادة بكل ما في هذه الكلمة من معنى دون أن تحرّك الدول التي ترفع شعار حقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب وعلى رأسها أمريكا أي ساكن وحتى المنظمة الأممية إنخرطت في هذه السياسة حيث إعتبر التقرير الصادر عنها أن ما إرتكبه الجيش الصهيوني في مخيم جنين (على سبيل الذكر لا الحصر) لا يدخل في خانة جرائم الحرب رغم الصور التلفزية الفاضحة التي تبيّن كيف وقع تهديم المنازل على ساكنيها. فالظروف الآن مواتية أكثر من أي وقت مضى لفرض ما سمّي "بمشروع الشرق الأوسط القديم/المتجدّد" الذي لا يعني في الحقيقة إلا التطبيع مع الكيان الصهيوني كمقدّمة لدمجه في الدورة الإقتصادية والسياسية والثقافية العربية ويصبح بالتالي المحور الذي يرتكز عليه النظام العالمي الجديد في المنطقة حسب المنظور الأمبريالي (أنظر رفض حركة النهضة وحلفائها في الحكم في تونس تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في الدستور تطبيقا لأوامر أسيادهم الإمبرياليين والصهاينة). وحيث أنّ البلدان الإمبريالية لا زالت تعيش تبعات الأزمة الرأسمالية العالمية التي لم يسبق لها مثيل وحيث أنّ الإمبريالية الأمريكية لازالت بصدد تثبيت هذه الاهداف على أرض الواقع فإنّنا نعتقد بأنّها لن تقبل بأي شكل من الأشكال القبول بعودة حزب البعث أو أي تنظيم آخر يعادي مصالحها في العراق وبالتالي ستعمل على التصدّي لكل إمكانية إنفلات في العراق في الظرف الراهن وكل ما يمكن أن تفعله في هذا الخصوص هو تغيير تركيبة النظام الرجعي العميل في العراق في إتجاه تشريك بعض الأطراف السياسية التي لا تعادي أمريكا ومن بينها بعض القيادات السابقة لحزب البعث التي تعيش في المهجر والتي تنصّلت من تاريخ حزب البعث وقياداته. -;---;-- هل تتكسّر أهداف ومشاريع الإمبريالية والصهيونية على صخرة المقاومة ؟ إن حجم الآلة العسكرية التي تحرّكها الإمبريالية العالمية وخاصة منها الأمريكية وحجم الهجمة التي بدأتها منذ سقوط جدار برلين على عديد الأقطار والشعوب نذكر منها خاصة يوغسلافيا وأفغانستان وألبانيا والصومال وخاصة العراق وقوة "أسلحة" الإعلام عبر أبواق الدعاية والتحريض التي تملكها وتوظيفها للمؤسسات المالية والإقتصادية العالمية ومن بينها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة تدفع كلها نحو إمكانية تحقيق الإمبريالية لأهدافها التي أتينا على ذكرها وهي تدفع بالتالي نحو نفق مظلم لا آخر له ، تدفع نحو البربريّة. لكنّ مقاومة الشعوب والأمم المضطهدة لبربرية رأس المال المنفلت من تحت عقاله بعد سقوط تجربة دولة الإتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الشرقية ودعمه لمختلف الحركات الظلامية والفاشية في العالم خدمة لمشروعه المتمثّل في مزيد إستغلال وإضطهاد الشعوب ، تتجذّر يوما بعد يوم وتؤسّس لحالة نهوض جديدة (إجتماعية تارة وثورية تارة أخرى). فالحركة العالمية لمناهضة العولمة هي شكل جديد من أشكال عولمة النضال ضدّ الإستغلال الرأسمالي. وصول اليسار إلى السلطة في أغلب بلدان امريكا اللاتينية يعتبر أيصا شكلا من أشكال الردّ على السياسات الأمريكية المعادية لتلك الشعوب والتي كانت تعتبر بلدان أمريكا اللاتينية هي قاعدتها الخلفية. أيضا البطولة النادرة التي أبداها أبناء شعبنا العربي المقاتل في فلسطين وتصدّيه لآلة الحرب والدمار الصهيونية المدعومة من الإمبريالية مثّلت البرهان الساطع على قدرة الشعوب المستعمرة على المقاومة والصمود وبالتالي كسر شوكة الصهيونية. ومثلما سقط نظام الأبارتايد منذ سنوات في جنوب إفريقيا فسيسقط الكيان الصهيوني رأس حربة الإمبريالية في المنطقة العربية عن طريق حرب الشعب طويلة الأمد وليس عن طريق إتفاقيات الإستسلام أو المراهنة على الشرعية الدولية. فالشرعية والمواثيق الدولية ليست سوى تقنينا حقوقيا يعبّر عن رؤى وبرامج ومصالح الإمبريالية فلا شرعية إلا لما كان إفرازا واعيا لإرادة الشعوب مكرّسا لمصالحها ومعبّرا عن طموحاتها من منطلقات التساوي في بناء حضارة الإنسانية التقدّميّة والإنسان الحر من كل إستغلال وإضطهاد. لذلك نقول بأنّ مقاومة شعبنا العربي البطل في العراق للإحتلال وتصدّيه لأعتى آلة عسكرية إبتدعتها المصانع الحربية الإمبريالية طيلة أكثر من عشر سنين ، هي ليست سوى ملحمة أخرى من ملاحم حركة التحرّر الوطني العربية ستسجّلها كتب التاريخ ولن تمحى من ذاكرة المناضلين ضدّ الإمبريالية مهما طال الزمن. فالسيناريوهات التي تحدّثنا عنها آنفا لن تتحقّق بين ليلة وضحاها. ففي خصوص السيناريو الأوّل والمتمثّل في الفخ الذي يمكن أن تكون الإمبريالية قد نصبته للمقاومة العراقية ولحركة "داعش" بالقضاء عليهما في شمال العراق ، لا يمكن تحقيقه في زمن وجيز بل سيكلّف كثيرا من الدماء والخسائر الماديّة وربّما تتحوّل المعركة حتّى داخل البلدان الأوروبية وأمريكا ذاتها رغم الإحتياطات التي إتخذتها تلك البلدان. السيناريو الثاني والمتمثّل في تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات هو أيضا سيمثّل أكبر "وجع دماغ" (Casse-tête) يمكن أن يواجه إدارة أوباما وربما حتى الإدارة التي ستخلفه. لأنّه وخلافا للسهولة التي مرّت بها عملية تقسيم السودان على أسس عرقيّة بين العرب في الشمال والزنوج في الجنوب (وخاصة السكوت المريب للفصائل القومية التي تدّعي الوحدة العربية وترفض التجزئة والتقسيم) ، فإنّ مؤامرة تقسيم العراق لن تمرّ بتلك السهولة لأنّها ليست مبنية فقط على أسس عرقية (عرب وأكراد) وإنّما مبنية أيضا على أسباب طائفية (شيعة وسنة) إضافة إلى أنّ عديد القوى الإقليمية معنيّة بهذه المسألة (الكيان الصهيوني ، إيران ، تركيا والأقطار العربية المجاورة وخاصة منها سوريا التي بدأت تلوح بوادر إنتصارها على المخطط الإمبريالي الصهيوني الرجعي الذي إستهدفها ممّا يجعلها أكثر إنتباها لما سيحدث في العراق). كل ذلك يضاف إلى ما راكمته المقاومة طيلة أكثر من عشر سنين لا فقط في أساليب القتال وإنّما في التعامل مع التدخّل الأجنبي وخاصة منه الصفوي الإيراني ممّا يجعلها قادرة على إسقاط مثل هذا المشروع. وفي الختام ورغم أنّنا قلنا بأنّ تحقيق السيناريو الثالث في المدى القريب ضعيف جدّا لكن ذلك لا يمنعنا من أن نحلم برؤية العراق حرّا مستقلا وديمقراطيا في أقرب وقت ممكن.
#عبدالله_بنسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دستور 2014 : خدعة جديدة للعمّال وعموم الشعب وإنقلاب على مطال
...
-
العولمة والتعليم في تونس : سلعنة المدرسة خدمة لرأس المال ، م
...
-
في الذكرى 56 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية بتونس : المطلوب مسا
...
-
ميزانية 2012 : ميزانية تفقير المفقّرين والتخلي عن -السيادة ا
...
-
على هامش الإنتخابات الرئاسية الفرنسية : لا علاقة لفرنسوا هول
...
-
المشروع الفلاحي السويسري بالصحراء التونسية : هل هو حقا لإنتا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
غرّة ماي مابين سنتي 1886 و1889 من إنتفاضة العمّال بشيكاغو إل
...
-
الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب
-
الأهداف الإستراتيجية للحرب الإمبرياليّة على العراق (الجزء ال
...
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|