|
أنتم صنعتم داعش
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4481 - 2014 / 6 / 13 - 14:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تصرفت أغلبية دول العالم، مع شعوبها بمختلف مشاربهم وأديانهم وانتماءاتهم، خلال الأيام القليلة الماضية وكأنهم قد "تفاجأوا" بسقوط الموصل وبتقدم المليشيات الإسلامية الجهادية (داعش) إلى الوسط والشمال العراقي. ثم لتنهال على البقية الباقية الصامتة من تلك الشعوب، مِن خلال وسائل الإعلام والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، سلسلة لا تنتهي من: التحذيرات، والتحليلات السياسية والعسكرية، وتهديدات الدول العظمى، وخوف الدول الصغرى، وسيل لا ينتهي من "شتائم" الذين ينظرون لأنفسهم على انهم (منفصلون) مِن جذورهم الشرق أوسطية والشمالية الأفريقية إما بسبب الدين أو الأصل أو الهجرة، مع كمية هائلة جداً إلى حدود الغرق من الفذلكات والادعاءات والتذاكي وإلى آخر عقد النقص التي يحملها كل مَنْ له جذور في بلادنا المنكوبة بشعوبها قبل أنظمتها. مصدر الغرابة في كل هذا البؤس العربي بامتياز، أن الجميع، وتقريباً بلا استثناء قد ساهم بطريقة أو بأخرى في (صناعة) داعش والقاعدة وجماعات التطرف. فلم يسأل أحد إطلاقاً، ولم يقده تفكيره إطلاقاً مع تحليله وفذلكاته وادعاءاته وأحياناً كثيرة شتائمه إلى السؤال البديهي المباشر: من أين أتت كل تلك الأسلحة والذخائر والتمويل والدعم اللوجستي على الأرض ليمتد نفوذ تلك الجماعات المتطرفة من غرب سوريا إلى شمال العراق ووسطها؟ كيف أتى التمويل والسلاح وأحياناً؟ مِنْ مَنْ؟ وبرضى مَنْ وبسكوت مَنْ حتى وصلت الحالة إلى ما هي عليه اليوم؟
فمثلاً، عندنا في الخليج العربي، أو الفارسي، سمه ما شئت، نفس الدول التي أعلنت تخوفها اليوم والتزامها بالتصدي لتلك الجماعة التي سموها منذ قليل "إرهابية"، هي نفسها الدول التي جمعت الأموال والتبرعات، بمئات الملايين من الدولارات، لدعم الحركات الجهادية، تحت مسمى "المعارضة السورية المسلحة"، وأرسلتها إلى هناك لتستلمها (أيدي أمينة) كما قيل لنا. ولم نرى بعدها إلا تكاثر الجوع والتهجير والمصائب على الشعب السوري يرافقها، في نفس الوقت، زيادة العتاد والأفراد لتلك الجماعات المتطرفة. وهي الدول نفسها التي غضت النظر عن تحركات (دعاة الجهاد) داخل دولهم، وموّلت بعض قنواتهم الفضائية أو تجاهلت عن ممويلها في الداخل، وسمحت لهم بتجنيد الشباب وسهّلت سفرهم، ومدّتهم بالسلاح والعتاد والذخيرة. بل إن لدينا في الكويت نائب برلماني سابق، وليد الطبطبائي، قد سافر إلى تلك الجماعات داخل سوريا، وشارك في عملياتها، ووثقها بالصوت والصورة، ثم عاد إلى البلاد ليجلس مرة أخرى على كرسيه البرلماني الأخضر وكأن شيئاً لم يكن. فمن ماذا تتفاجؤن؟ أنتم صنعتم تلك الجماعات، تماماً كما صنعتم (القاعدة) قبلها.
أما الجماعات ذات اللسان العربي التي تعيش في المهجر وخصوصاً في أوروبا الوسطى والغربية والأمريكتين، مِن كل دين وعقيدة ومذهب ومِلّة، (دولهم التي يعيشون فيها الآن) هي ذاتها التي غضت النظر، وأحياناً ساهمت في (تدريب وتمويل وتسليح) تلك الجماعات، (وهي شجعت وخططت وسهّلت خطوط النقل لكل مَنْ وما أتى لتلك الجماعات مِن الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها إلى أندونيسيا وكل دولة بينهما)، على فترات وحقب لا أول لها ولا آخر. بل إن آخرها ما كان يحدث على الحدود التركية منذ أكثر بقليل من سنة واحدة، كما حدث أولها مع جماعة (القاعدة) في باكستان وأفغانستان مِنْ قبل. (تلك حقيقة يغض هؤلاء النظر عنها لأسباب كثيرة منها بذرة البؤس الطائفي – الديني الذي يحملها كل مَنْ أتى مِن بلادنا)، فاهتمامات هؤلاء تنصب (فقط وحصراً) في مهاجمة الإسلام بالتحديد وفقط، ولا يهمهم في الحقيقة (إطلاقاً) تلك الشعوب ومصائبها التي يحيون بها ويموتون في الداخل. تلك (حقيقة) يجب أن يستوعبها كل مَنْ في الداخل. فهم يصمتون عن الكارثية التي تسببت بها دولهم التي تستضيفهم لسبب آخر أيضاً وهو أنهم يحملون في أنفسهم ما يحمله كل (عربي) بطبعه وبثقافته وفي اللاوعي الكامن داخل نفسه (أو نفسها)، وهو (هاجس الدولة والخوف مِن الآخر). أي حالة من حالات انعدام الأمان الداخلي النفسي التي تتوهم أن (الدولة)، كذا، (تراقب)، بصورة أو بأخرى، كل ما يقول وما يفعل حتى وهو يفتخر على (مساكين الداخل العربي) بأنه يعيش في "بلاد الحريات". هو (أو هي) لا يستطيع إلا أن يظهر بمظهر "الليبرالي" الذي (يتبنى) كره كل شيء، وأنا أعني كل شيء، يخص الشرق الأوسط والشمال الأفريقي، فيما عدا دينه إذا كان مخالفاً لدين الأغلبية العربية، حتى لا يتسبب بـ (مشكلة مع الدولة) كما يتوهم ويتخيل. كذا هي الحقيقة وبكل بساطة. والحقيقة الأخرى هي أنكم أنتم، ودولكم التي تعيشون بها الآن، صنعتم (داعش) كما صنعتم (القاعدة) مِن قبل، فمن ماذا تتذمرون وعلى ماذا تعترضون؟ اذهبوا، لو كنتم صادقين، واعترضوا على دولكم التي تستضيفكم أولاً، و (قولوا في حقها، بالضبط، ما تقولونه عن دولنا وشعوبنا وسياساتها ومناهجها) حتى تكتسبوا مصداقية تؤهلكم لأن تتلوا الموضوع بالتحليل والنقد.
جميعنا صنعنا (داعش)، تماماً كما صنعنا (القاعدة) قبلها. فرجاءاً، رجاءً، كفّوا عنا تذاكيكم وفذلكاتكم و (تذمركم)، فقد أصبح (الأمر مكرراً إلى حدود السخافة المملة)، ودعوا مَن يستطيع أن يفعل شيئاً أن يعمل في صمت.
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسوع والمرأة السورية – 4
-
يسوع والمرأة السورية – 3
-
يسوع والمرأة السورية – 2
-
يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي
-
السلفية المسيحية
-
مقدمة في مفهوم السلفية
-
لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9
-
في جريمة اختطاف الفتيات النيجيريات
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 7
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 6
-
لماذا سلسلة مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 4
-
ماذا يستطيع التطرف المسيحي أن يفعل
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 3
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 2
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
كتابي في نقد النص المسيحي المقدس
المزيد.....
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|