معز الراجحي
الحوار المتمدن-العدد: 4474 - 2014 / 6 / 6 - 21:13
المحور:
الارشيف الماركسي
من داخل الإتحاد السوفياتي و من خارجه تتدفق البرقيات التي تحمل إلى ستالين عديد التهاني بمناسبة عيد ميلاده الخمسون. لا يوجد مجلس عمالي واحد مهما كانت أهميته لا يحيي هذا التاريخ . منظمات الحزب في ثورنج (ساكسونيا السفلى)، في هامبورغ ، في الراور يشيدون بستالين زعيم الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و الأممية الشيوعية . اطلق الحزب الشيوعي الألماني ، و هو من أفضل فروع الأممية الشيوعية ، بعد الجزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي ، ندائا باسم ستالين . من سجون بولونيا ، و هنغاريا ، و إيطاليا تخرج سرا و بألف حيطة شهادات مكتوبة من تهاني و تعاطف قوي نحو تلميذ لينين الأكثر وفاءا و رفيقه في النضال ، و الأفضل على الإطلاق من الفوج الحديدي للحرس البلشفي . هل في ذلك ضرب من عبادة الشخصيات قد يكون إخترق صفوف الأحزاب الشيوعية التي طالما نادينا في صفوفها بأولوية الجماهير على الشخصيات حتى و لو كانت الأكثر عظمة و الأكثر بروزا ؟ هل يكون في ذلك ضرب من التحريف للمفهوم الماركسي حول دور الشخصية في التاريخ و عودة إلى مفهوم المؤرخ الإنجليزي كارليل الذي يعتبر تاريخ الأحداث الكبرى هو تاريخ "الشخصيات العظيمة " ؟ كلا ، بل يتمثل ذلك في أحد أعظم علامات ثقة البروليتاريا العالمية و بروليتاريا الإتحاد السوفياتي تجاه حزب لينين العظيم الذي ، منذ ثلاثة عشرة سنة مضت ، يؤمن بانتصار دكتاتورية البروليتاريا ؛ إنه تعبير عن تفاني ملايين العمال كل بلدان العالم لقضية الثورة البروليتارية . وجد تيار التضامن العالمي لجماهير البروليتاريين تجاه بروليتاريا الإتحاد السوفياتي الذي يبني الإشتراكية على سدس المعمورة ، في هذا التاريخ , الفرصة في ان يتظاهر ، في أن يحيّ لأجلهم شخص ستالين ، إن العمال من خارج روسيا يحيّون الطبقة العاملة للإتحاد السوفياتي و حزبها اللينيني ، لأن ستالين ، يجمع بكمالها ، كل المزايا الخاصة للحزب كما لبروليتاريا الإتحاد السوفياتي و كذلك لطليعة الطبقة العاملة العالمية. يجسد ستالين كل ما هو أفضل في الطبقة العاملة من اجل تغيير العالم : حماسة متقدة مصهورة بإرادة حديدية ؛ ثقة لا تهتز في الإنتصار، مبنية على تحليل ماركسي ثوري عميق ، شجاعة البروليتاري في مجابهة الموت في الحرب الاهلية ، حزم الشيوعيين اليوغسلافيين الذين , وهم معرضون لأبشع الآلام ، بقوا صامتين كالقبر؛ يقظة القائد الواعي بمسؤولياته تجاه القضية التي آمنته عليها طبقته ، بعد نظرلدى المنظر الماركسي-اللينيني ، الذي ، هو أشبه بمصباح ، ينير المستقبل. هنا تكمن أهمية ستالين ، و أهمية الذكرى الخمسون من حياته التي سخرها لخدمة الطبقة العاملة . مازلنا سنكتب الكثير عن حياة ستالين .
هذه الحياة لا يمكن فصلها عن تاريخ الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي ، خلال كل مراحل تطوره. إن الجوانب المثيرة للإهتمام من هذه الحياة الغنية بالعبر للأجيال الشابة هي تلك الخاصة بنضال البلاشفة البطولي في ظل القيصرية , و بناء الحزب المتواصل خلال السنين الطويلة ، جنبا إلى جنب مع لينين ؛ و التحضير الذي لا يعرف الكلل لثورة أكتوبر ؛ و القيادة الواثقة لانتفاضة اكتوبر . هذه الحياة، هي تاريخ الحرب الاهلية الذي لم يسبق لها نظير ، و جبهاتها التي لا تحصى و لا تعد و التي كانت تطوق الدولة البروليتارية كالشبكة ؛ هي الليالي بلا نوم متمعنا بخريطة العمليات العسكرية ؛ هي الإرادة المنصهرة التي أدت إلى إنتصار سرايا الجيش الأحمر ؛ هي المرور إلى بناء الإشتراكية المحاط بشبكة البلدان الرأسمالية المعادية. بعد ذلك, حصلت وفاة لينين، و تم تقبلها بألم من قبل ملايين البشر ، كان السؤال الذي بقي يتردد على شفاه الحزب بعد أن أصبح يتيما : هل سيكون من دون لينين ، دون قائد عظيم ، في مستوى مهامه الجسيمة ؛ هل سيستطيع دون مخاطر إدارة الأزمات المفاجئة ؟ بعد ذلك ، و من جديد ، على جبهة البناء الإقتصادي ، و جهود قوى الحزب على أشدها ، يظهر دفع قوي من حماسة الطبقة العاملة كإجابة على الصعوبات الجديدة و صوت ستالين الهادئ و الثابت :" سوف نتغلب على الصعوبات ، نحن لا نهاب الصعوبات " .
فقد الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي لينين بعد إقرار السياسه الاقتصاديه بقليل. بعد فترة المد الثوري للحركة العمالية في البلدان الرأسمالية , خلال السنوات 1918 - 1919 و 1923 ، و بعد إمتحانات الحرب الاهلية الصعبة ، توجب على ديكتاتورية البروليتاريا أن تطلق النضال من أجل توطيدها ، في حين كان يزداد إستقرار الرأسمالية الجزئي و النسبي. بعد عبور الجيش الأحمر لفرسوفيا ، توجب على الحركة الشيوعية أن تقوم بتراجع مؤقت . في البلدان الرأسمالية ، و بحكم الوضع الجديد , توجب على الأحزاب الشيوعية إعادة تنظيم نفسها ، تماشيا مع حزب ديكتاتورية البروليتاريا في الإتحاد السوفياتي. كانت أكثر المخاطر شدة تهدد كل من الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و الأممية الشيوعية .
إنتقلت البورجوازية العالمية إلى الهجوم ضد الطبقة العاملة . لم يسمح فقط المخطط الإقتصادي الجديد لبروليتاريا الإتحاد السوفياتي بالشروع في بناء الإشتراكية , بل سلح أيضا وقتيا العناصر الرأسمالية للإقتصاد . كان تواتر "المعارضات " التي لم تنقطع داخل الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي تعبيرا عن إحتداد الصراع الطبقي ، و عن إنزلاق المجموعات الأكثر ضعفا بعيدا عن المواقف البلشفية ، تحت ضغط الطبقات الخارجية . في تلك الوضعية المعقدة للغاية ، التي ليست أقل تعقيدا عن تلك في زمن الحرب الأهلية ، كانت خطوة خاطئة واحد قادرة على القضاء على إنجاز اكتوبر . كانت المسؤولية الملقاة على عاتق الحزب الشيوعي للحزب البلشفي و قائده ستالين ، مسؤولية أمام تاريخ ثورة أكتوبر ، و مرتبطة بشكل لا ينفصم بالثورة البروليتارية العالمية ، مسؤولية ضخمة . في تلك الفترة بالذات و التي تتطلب أكثر ما يمكن من رباطة الجأش ، و الموقف الأكثر ثباتا ، و "قبضة بلشفية " و الحزم في تطبيق الخط المرسوم ، في تلك الفترة بالذات تعاظم دور ستالين كخلف للينين . أثبت ستالين حينها أنه ليس فقط الأفضل و التلميذ الاكثر وفاءا ، و لكن كذلك المنظّر و القائد البارز لزمن بأكمله بين موجتين من الثورة البروليتارية ، لزمن الإشتراكية تحت البناء في البلاد .
رفاق النضال الاكثر قربا ، و أصدقاء ستالين و تلامذته بإمكانهم أن يشهدوا على ذلك و نفس الشيء بالنسبة للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي ، لأن نهج ستالين هو نهج الحزب ، نهج الطبقة العاملة للإتحاد السوفياتي . كنا نود أن نقف على هذه الخاصية في نشاط ستالين ، و الأقل إطلاعا عنه لدى الجماهير الواسعة ، أي حول دوره القيادي في الحركة الشيوعية العالمية. تفضل الصحافة الرأسمالية لكل البلدان الرأسمالية أن تقدم ستالين على أنه "وجه قومي " ولدت من رحم الظروف الخاصة لبلد زراعي و الذي إنطلق قبل غيره على درب الثورة البروليتارية . في نفس الوقت تحاول الإشتراكية –الديمقراطية ان تظهر تعاليم لينين على أنها نتاج " الوضع المتخلف لروسيا " ، و الذي تقابله بالإشتراكية الأوروبية " المتحضرة" .بالضبط ففي الأهمية العالمية للينينية بالذات تكمن قوة ستالين الإيديولوجية كقائد للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي ، و أيضا كقوة جذب هائلة للينينية لدى عمال البلدان الرأسمالية. يعرف ستالين اللينينية على أنها ماركسية زمن الإمبريالية و الثورة البروليتارية . يحتوي هذا التعريف المقتضب ، لكن المتقن في نفس الوقت ، علاوة على الروح اللينينية ، على موقعه داخل النظرية و التطبيق لدى الطبقة العاملة العالمية ؛ إنه قبل كل شيء محدد من أجل فهم دور ستالين كقائد للأممية الشيوعية . بالنسبة للأحزاب الشيوعية للبلدان الرأسمالية ، يعتبر ستالين " عصارة" التجربة الثورية الرائعة للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي منقولة على النطاق الشيوعي العالمي. تكمن قيمة هذه التجربة بالنسبة للبروليتاريا العالمية، بما هي مثبتة في النظرية اللينينية ، في أنها ليست نتاج للخصوصيات القومية لتطور الثورة الروسية ، بل و ليست أيضا ثمينة فقط بالنسبة للبلدان التي ، من خلال بنيتها الإجتماعية و الإقتصادية تقترب من روسيا ؛ لكن تكمن قيمة هذه التجربة في حقيقة أن العمال المنتفضون في مزارع الصوف البعيدة في كولومبيا كما أيضا البروليتاري في شانغاي الذي يئن تحت النير الثلاثي , و الرفيق في حوض الرور ، المسحوق تحت وطأة مخطط يونغ ، و الجماهير العمالية للإتحاد السوفياتي و هي تبني الإشتراكية ، يستلهمون منها مذهبهم و يقينهم بالنصر . يتوهم الحمقى السياسيون من نوع أوتو باور و "مستقلو" اليسار الإنجليز مثل بروكواي أنه بالإمكان تسميم الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية من خلال إفتراءات الإشتراكية الديمقراطية العالمية ضد الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و الإتحاد السوفياتي نفسه ، في أنه بالإمكان إيقاف تغلغل الأفكار اللينينية بحاجز من أسلاك الحديد الشائكة ، و أنه بالإمكان أن نجعل عمال أوروبا الغربية يعتقدون بأن طريق تحررهم يتبع إتجاها آخر غير الذي تنتهجه بروليتاريا الإتحاد السوفياتي .
روسيا هي عقدة التناقضات الإمبريالية , يقول ستالين . لقد و جدت على الحدود بين الشرق و الغرب و تربط بين نظامين إجتماعيين خاصين بالبلدان الرأسمالية المتطورة جدا كما بالمستعمرات . لقد كانت الإرتكاز الرئيسي للإمبريالية الغربية الذي يربط الرأسمال المالي الغربي بمستعمرات الشرق ؛ لأجل ذلك فإن الثورة في روسيا هي الجسر الذي يربط الثورات البروليتارية في البلدان الرأسمالية الأكثر تطورا بالثورات الإستعمارية ( الكولونيالية م.الم) . لأجل ذلك فإن تجربتها , تجربة الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي تكتسي أهمية عالمية .
لم يحل بعد الوقت الذي سيكون فيه بإمكاننا التحديد بطريقة مفصلة كيف أن قيادة ستالين حفظت عديد الأحزاب الشيوعية من أخطاء سياسية خطيرة . يزخر أرشيف الاممية الشيوعية بتاريخ عمل ستالين بأكمله ؛ لا تصدر عن الكومنترن وثيقة مهمة واحدة و ذات مضمون عالمي دون ان تكون مساهمة ستالين فيها هي الاكثر نشاطا في إعدادها. تبين ملاحظات ستالين الهامشية على تلك الوثائق بأي سرعة و بأي أنتباه يمسك بالجوانب الضعيفة في تلك أو تلك الأطروحة ؛ كيف يعرف تركيز إنتباهه على عقدة كل مسألة ؛ كيف علمنا جميعنا فن عدم الضياع في التفاصيل ، و لكن صياغة الأفكار بدقة و وضوح . كل ذلك يعود الى ذلك العمل اليومي الذي لا يمكن أن نمجده كما يستحق في مقال واحد . أردنا فقط ان نتوقف هنا على دور ستالين في المسائل الحاسمة لنظرية الإستراتيجية و التكتيك الثوريين ، اللتان أصبحتا جزأين مكونين من بلشفة فروع الأممية الشيوعية .
أولا ، المسألة القومية. يعلم الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي درو ستالين في صياغة المسألة القومية. لقد تلقنت كل النواة الناشطه للحزب بفضل قراءة مقالاته التي نشرت خلال السنوات التي سبقت الثورة في صحيفة بروسفشتشنيي . تحت تأثيره بالذات نما الجيل الجديد للحزب في الجمهوريات القومية. إن فروع الاممية الشيوعية مدينة بالفضل للينين و ستالين بالذات حول الطريقة الصحيحة في معالجة هذه المسالة و التي أخذت ، بعد الحرب العالمية 1914-1918 و بعد معاهدة فرساي التي قلبت الخريطة العالمية ، أهمية عظمى . لقد حملت فروع الاممية الشيوعية المنسحبة من الاممية الثانية معها ، و هذه حقيقة ، أغلب الاحكام المسبقة حول المسألة القومية. كذلك كانت الامم تصنف بين أمم ذات تاريخ و أخرى دونه كما فعل ماركس سابقا في زمن ما إختلفت فيه جذريا عن فترة الرأسمالية الاحتكارية الحالية. لقد ربط الإشتراكيون الشوفينيون المسألة القومية بمسألة " الدفاع القومي" ، و "الدفاع عن الوطن " ، يعني الدفاع عن الدولة الامبريالية الحالية . من وقت لآخر كانت تتم إعادة تسخين بقايا قيم كونية إنسانية و ساذجة , قيم كونية مزينة بجمل بورجوازية-صغيرة ، راديكالية الى اقصى حدود و التي تعطي الطبقات المسيطرة في البلدان ذات القوميات المتعددة إمكانية نفي وجود حتى المسألة القومية ذاتها . هذه المسألة كما قدمها لينين و ستالين جلبت نوعا من التيار الهوائي المنعش و كنست التصورات القديمة و قضت على بقايا ايديولوجية الاممية الثانية في صفوف الاممية الشيوعية . اصبحت تجربة حل المسالة القومية عبر ديكتاتورية البروليتاريا ، و التي تحققت بمساهمة ستالين المباشرة ، وسيلة قوية للتحريض بين ايادي الاحزاب الشيوعية في صفوف الجماهير العمالية المظطهدة من قبل الامبريالية في الدول القومية ذات القوميات المتعددة و في المستعمرات . إضافة الى ذلك فإن تنظيم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية الذي يجب ان يسند الفضل فيه لستالين هو بالنسبة للأحزاب الشيوعية في العالم بأكمله ، نموذج للعلاقات المتبادلة بين الدول ، كما ستطبق بين الشعوب بعد انتصار الطبقة العاملة . هذا ما لن تستطيع اية قوة في العالم ان تمحيه من وعي مئات الملايين من الشيوعيين المتراصين داخل الاممية الشيوعية .
وجدت الاممية الشيوعية نفسها ، تحت قيادة ستالين ، امام ضرورة تطبيق أطروحات الاممية الثانية اللينينية حول المسالة الاستعمارية و قضايا الثورة الصينية . بالنسبة للبلدان المستعمرة ، فإن اهمية الثورة الصينية هائلة . فهي لا تقل اهمية عن الثورة الروسية بالنسبة للبروليتاريا العالمية . لا يوجد شيوعي واحد في أي بلد كان يستطيع ان ينكر التجربة الملموسة للبروليتاريا الصينية و للحزب الشيوعي الصيني الشاب . سوف تتعلم الاجيال الثورية في المستعمرات و سوف يتبلشفون عبر الاستلهام من انتصارات الحزب الشيوعي الصيني و من أخطائه . يمثل تدخل ستالين لدى اللجنة الصينية في الهيئة التنفيذية للأممية الشيوعية في 30 نوفمبر 1926 ، بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني وثيقة تعادل برنامجا . في ذلك الخطاب , شرح ستالين بالدقة التي يتمتع بها ، طابع الثورة الصينية ، و دور الامبريالية العالمية ، و مسالة هيمنة البروليتاريا الصينية ، و اهمية المسالة الزراعية ، و امكانات تطور الثورة الديمقراطية في الصين نحو النهج الاشتراكي . في ذلك الخطاب كان ستالين قد حذر الشيوعيين الصينيين ، في 1926 ، ضد الاستهانة بالدور المستقل للطبقة العاملة في الثورة البورجوازية الديمقراطية في الصين ، لقد حذرهم ضد خوفهم من اطلاق الثورة الزراعية بحجة انها يمكن ان تضعف الجبهة المناهضة للامبريالية .
ستكون الجبهة المناهضة للامبريالية أكثر حزما و أكثر قوة , يقول ستالين , كلما أصبحت طبقة الفلاحين الصينية بنسق أسرع و بأكثر عمق منخرطة في الثورة .
لقد حث الشيوعيين على العمل بنشاط في الجيش , و على تحييد جنرالات الكيومنتاغ الذين يؤكدون ولائهم تجاه الثورة , و على شغل المناصب القيادية في الجيش لمنع الجيش الثوري في ريف الشمال من أن يتحول الى جيش معاد لمصالح العمال و الفلاحين. كل هذه التحذيرات كانت مبررة و قد اكدتها الاحداث التي لحقتها . ينبغي على شيوعيي البلدان المستعمرة الاخرى , حيث الثورة بصدد النضوج , ان لا يتجاهلوها .
تتمثل المسالة الثانية في دور ستالين في النضال ضد التروتسكية , و خصوصا ضد نظرية الثورة الدائمة .
عديد الرفاق , و من بينهم زينوفياف و بوخارين , وقفوا ضد نظرية الثورة الدائمة لتروتسكي . بالاجماع استنتج الحزب ان خطأ الثورة الدائمة لا يكمن في ديمومتها التي تحدث عنها أيضا ماركس و لينين , لكن تكمن في الاستهانة بدور طبقة الفلاحين . على الرغم من ذلك فإن خطأ تروتسكي- الإستهانة بدور طبقة الفلاحين في الثورة – لا ينفي الخطأ الآخر , خطأ بوخارين , المتمثل في إضعاف و الاستهانة بالدور القيادي للبروليتاريا في الثورة تجاه ملايين الفلاحين. أن الذي يعتبر المسألة الزراعية اساس اللينينية عليه حتما ان يبتعد عن النهج اللينيني في نضاله ضد التروتسكية .
يكفي أن نجعل من المسالة الزراعية محور اللينينية لكي نقلل من شأنها الى درجة ان تصبح عقيدة " السمات الخاصة" للثورة الروسية ، لتنزع عنها قيمتها العالمية و ننخرط في النهج الذي خطه أوتو باور. هكذا بالتحديد وقع طرح المسالة من قبل زينوفياف الذي يخون فهمه للينينية كل علامات الانغلاق القومي . وحده ذلك الذي يرى في ديكتاتورية البروليتاريا مبدأ محددا ، و أساسي في اللينينية بامكانه ان يعتبرها العقيدة العالمية للبروليتاريا .
إن المسالة الجوهرية في اللينينية , يقول ستالين, و نقطة البداية ليست مسالة الفلاحين , لكن مسالة ديكتاتورية البروليتاريا , مسالة شروط انتصارها و شروط المحاظة عليها .مسالة طبقة الفلاحين بما هي حليف للبروليتاريا في نضالها من اجل السلطة هي مسالة مشتقة .
إنه بفضل ستالين بالذات و في المقام الاول قد عرف الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي ان يطرح بشكل صحيح مسالة النضال ضد الاستهانة التروتسكية بدور طبقة الفلاحين في الثورة ، لان ستالين اخضع مسالة طبقة الفلاحين لفكرة ديكتاتورية البروليتاريا . لهذا السبب ، بفضل طريقته في طرح المسالة الخاصة بنظرية الثورة الدائمة ، حافظ ستالين عن الحزب و عن الاممية الشيوعية من تذبذبات زينوفياف و بوخارين و التي مصدرها فهمهما المغلوط لماهية اللينينية . تثبت كامل التجربة النضالية للاحزاب الشيوعية ، خاصة في البلدان ذات الكثافة السكانية الريفية المرتفعة ، الى أي مدى هي هائلة بالنسبة لفروع الاممية الشيوعية ، تلك الأهمية العملية لهذا الاستنتاج حول المسالة ،كما وضحها ستالين . فأخطاء فروع الاممية الشيوعية إما تقترب من الخطأ الذي تم ارتكابه من قبل الحزب البلغاري في 1923 ، خطأ يرفض تأثير التصور التروتسكي لمسالة الفلاحين ، او العكس ، ناتج عن المبالغة في تقدير طبقة الفلاحين ، بذلك تقترب من وجهة نظر بوخارين ، على سبيل المثال خطأ رينو جان .
المسالة الثالثة ، ذات الاهمية الاسترتيجية العالمية الاكثر اهمية هي المتعلقة ببناء الاشتراكية في بلد واحد . تركزت كل نيران معارضة تروتسكي و زينوفياف على هذا الموقف لستالين . هنا بالذات حيث تدخلت المعارضة بالشكل الاكثر دغمائية مدعية ان ستالين بصدد زرع نظرية متسمة " بضيق الافق القومي" . من وجهة نظر ستالين فإن التروتسكيين قد حددوا هدفهم ، مستهدفين بذلك الحزب ؛ كانوا يأملون ؛ في هذا الصدد ، خلق البلبلة بين الرفاق الاجنبيين و هدم ثقتهم في قيادة الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي و داخل الاممية الشيوعية . اليوم و قد تكبدت المعارضة التروتسكية هزيمة مخزية و انكشف طابعها المعادي-للثورة بكل فظاظة ، اليوم و الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي يرفع حماسة بروليتاريا العالم ببناء الاشتراكية ، من الجدير ان نذكر ما قاله ستالين في هذا الصدد :
ان تتم الإطاحة بسلطة البورجوازية و تركز سلطة البروليتاريا في بلد ما , ذلك لا يعني ابدا إظافة لذلك ضمان الانتصار الكامل للاشتراكية . عندما تعزز بروليتاريا البلد المنتصر سلطتها و تكون قد كسبت الى جانبها طبقة الفلاحين , فانها تستطيع و يجب عليها بناء المجتمع الاشتراكي. هل يعني ذلك انها قد حقت بالفعل ، من خلال ذلك ، الانتصار الكامل للاشتراكية ، هل يعني ذلك انه بقدرات بلد واحد يمكن ضمان الاشتراكية النهائي و حماية ذلك البلد من التدخل الخارجي و استعادة الوضع السابق الذي يمكن ان يترتب عن ذلك ؟ لا . لذلك فان انتصار الثورة في بعض البدان هو على الاقل ضروري. لاجل ذلك فان تطوير و دعم الثورة في البلدان الاخرى هو مهمة اساسية للثورة المنتصرة .لاجل ذلك لا يمكن اعتبار الثورة المنتصرة للبلاد كشيء عظيم ذي صلابة , و لكن كنقطة ارتكاز ، و وسيلة من اجل تسريع انتصار البروليتاريا في البلدان الاخرى. .
ظهر الطابع الاشتراكي-الديمقراطي بشكل اكثر وضوح في هجمات التروتسكيين الشرسة ضد وجهة نظر ستالين حول بناء الاشتراكية في بلد واحد . هاجمت التروتسكية رأي ستالين لأنها ، الى جانب كل الاشتراكية-الديمقراطية العالمية ، كانت تشك في الطابع الاشتراكي للبناء في الاتحاد السوفياتي ، الى جانب كل المنشفية العالمية الكذبة و فاقدة الامل ، لقد كانت توازي الاقتصاد الراسمالي تحت ديكتاتورية البورجوازية بالبنية الاقتصادية للاشتراكية في طريق البناء تحت ديكتاتورية البروليتاريا . مثل الاشتراكية-الديمقراطية ، كانت التروتسكية عميلة البورجوازية في صفوف الحركة العمالية ، عامل لحط الروح المعنوية للطبقة العاملة ، و محاولة لهدم الثقة في الاتحاد السوفياتي ، و افقاده مصداقيته ، و بالتالي كذلك ، عامل تحضير للحرب ضد الاتحاد السوفياتي . ليس إذا مصادفة في أن جسدت وجهة نظر ستالين لدى الاممية الشيوعية النشاط النضالي ، و الاممية الثورية الحقيقية ، و تعبئة القوى من أجل الهجوم ، ضد العناصر الراسمالية في الاتحاد السوفياتي كما ضد البورجوازية في البلدان الراسمالية على حد سواء . كانت وجهة نظر ستالين بشأن بناء الاشتراكية في بلد واحد نداء حرب أطلقه منذ السطر الأول الى بروليتاريا البلدان الراسمالية : " اسقطوا بورجوازيتكم الخاصة بكم و إتبعوا نهج أكتوبر الذي أثبته التاريخ " ، ثم نداء حرب الى الاتحاد السوفياتي :" عززوا مواقع ديكتاتورية البروليتاريا ، إعملوا بكل حماس من اجل تشييد الاشتراكية و اخدموا بذلك مصالح الثورة البروليتارية في العالم أجمع ". خلال فترة الاستقرار الجزئي و النسبي للرأسمالية ، عندما بدأ الاتباع في الاهتزاز و مغادرة صفوف الاممية الشيوعية ، كانت وجهة نظر ستالين اللافتة التي تكاتف تحتها الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي و كل الاممية الشيوعية من اجل تحقيق البرنامج الخماسي ، و برنامج ستالين العظيم لإعادة بناء الفلاحة على اساس التجميع . من لا يرى تلك العلاقة الحميمة و التي لا تنفصم بين البرنامج الخماسي ، و تحويل الفلاحة على اساس سياسة التجميع و وجهة نظر ستالين حول مسالة تشييد الاشتراكية في بلد واحد ، لا يمسك بما هو جوهري و لن يفهم ابدا النهج الذي إتخذه الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي خلال السنوات الاخيرة تحت قيادة لجنته المركزية اللينينية . عديد التروتسكيين التائبين مازالوا الى اليوم على قناعة بأن الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي , قد اقترب منهم ، و انهم لم يكونوا مخطئين على الاطلاق ، و انهم كانوا قد نبهوا الحزب اللا شيء ما ، الخ . سوف ندرك كامل عدم دقة هذا الرأي إذا اعتبرنا المسار الذي اتبعه الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي ، تحت قيادة ستالين ، ليس بطريقة مجزأة ، على أقساط , لكن ككل عضوي ، كنظام مفاهيم متكامل و مصمم بإتقان .
سمح الخلاف الدائر حول بناء الاشتراكية في بلد واحد للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي بتعرية طابع نظرية تروتسكي المعادي-للثورة ، مؤكدا أن الاقتصاد الاشتراكي في طريق البناء هو في استقلالية مطلقة تجاه الاقتصاد العالمي الرأسمالي . لقد اثبت ذلك الخلاف الاتفاق بين وجهة نظر تروتسكي و هيلفردينغ ، الناتج عن المبالغة في تقدير قوى الرأسمالية ، و قضى نهائيا على النظرية التي تزعم تقهقر الاقتصاد السوفياتي نحو الرأسمالية تحت ضغط الرأسمالية العالمية و القوانين المحددة لذلك .
أعطى النضال ضد تروتسكي في نفس الوقت الفرصة لستالين في ان يعمق القانون الماركسي-اللينيني الخاص بالتطور اللامتكافئ للرأسمالية ، هو غير متكافئ بشكل مضاعف في المرحلة الإمبريالية و أن يجعل من هذا القانون نقطة انطلاق لبرنامج الاممية الشيوعية ، نقطة ذات اهمية حاسمة لاستراتيجيا تكتيك الحزب الشيوعي و تكتيك .
المسالة الرابعة هي النضال ضد انحراف اليمين داخل الاممية الشيوعية . ففي ما يخص طابع ترشيد الرأسمالية خلال الجلسة العامة للهيئة التنفيذية او في ما يخص " المرحلة الثالثة " في المؤتمر العالمي السادس ، صحح ستالين صيغ بوخارين التي تحتوي على بذور الخلافات و التي ، في وقت لاحق ، أفرزت المعارضة. من طرف ستالين بالذات أطلقت مبادرة أن تدرج في جدول اعمال المؤتمر السادس ضرورة النضال ليس فقط ضد انحراف اليمين ، و لكن ايضا ضد النزعات التوفيقية تجاهها . قبل الجميع كلهم (مع نهاية 1927 بالفعل , في المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي ) ، رأى من خلال مستجدات النضالات اليومية للطبقة العاملة الانطلاقة الجديدة للحركة الثورية . تحت قيادته بالذات و بمشاركته النشيطة يستمر التغيير في تكتيك فروع الاممية الشيوعية . في كل مكان ، و في كل الفروع ، جيل ثوري جديد يكبر سياسيا و يتخلص من العناصر التي بقيت غارقة في التقاليد الاشتراكية-الديمقراطية. انطلاق الموجة الثورية ، التكتلات داخل الاحزاب الشيوعية ، تكتيك الاممية الشيوعية ، كل هذا لا يمكن ان يتم دون ألم , لكن ينجر عن ذلك سلسلة من الإقصاءات للعناصر الانتهازية ؛ في ألمانيا، رحيل البرانديليين ، في تشيكوسلفاكيا ، إنقسام أنصار هاييس ؛ في الولايات المتحدة نفس الشيء في مجموعة لافستون ؛ في السويد الامر نفسه لدى كيلبوم و اتباعه. إنه مسار تنقية للأممية الشيوعية لا مفر منه داخل كل الاحزاب الشيوعية ، مسار تطهير ضد الانتهازية التي تعيق تطورها .
كل العناصر البورجوازية-الصغيرة ، يقول ستالين ، يخترقون الحزب بطريقة أو بأخرى ؛ يجلبون معهم الروح المترددة و الانتهازية , روح الانقسام و الريبة ... ان تناضل ضد الامبريالية و من وراءك "حلفاء" كهؤلاء ، هو بالتأكيد ان تجد نفسك في موقع ألائك الذين تتم مهاجمتهم من الجانبين : من الامام و من الخلف .
إن الانتهازية دائما خطيرة ؛ و تكون كذلك بشكل مضاعف في مرحلة انطلاق الحركة الثورية. في وقت ما ، كما تبين ذلك كل كامل تجربة الحركة العمالية العالمية و الاممية الشيوعية ، بإمكانها أن تحطم كل شيء ، أن تذهب بالثورة نحو الدمار بسبب تردداتها و ريبتها ؛ من ذلك ضرورة النضال الذي لا ترجع فيه و لا هوادة ضد الانتهازية . في هذا النضال ، كان ستالين في الصف الأمامي .
خامسا سوف نتحدث في النهاية حول مساهمة ستالين المباشرة و دوره الحاسم في إعداد برنامج الأممية الشيوعية . بعد مضي عشر سنوات على وجودها ، و بعد إنتصار الثورة البروليتارية في الاتحاد السوفياتي ، و بعد سلسلة من الحركات الثورية في أوروبا الوسطى ، و بعد تجربة النضالات الطبقية للعقد الماضي ، تحصلت الاممية الشيوعية للمرة الاولى على وثيقة تكثف التجربة الشيوعية , و التي تشرح , بشكل علمي ,القضايا الجوهرية للحركة الشيوعية و السبل الأساسية لحلها . يكفي أن نطلع على البرنامج لكي نتعرف فيه على دقة ستالين و وضوحه حول كل من سمات الرأسمالية الإحتكارية كما في مسائل التفاوت في تطور الرأسمالية العالمية ، و إمكانية إنتصار الإشتراكية في بلدان معزولة ، و إتحاد الجمهوريات السوفياتية التي تنفصل خلال الثورة من النظام الإقتصادي الإمبريالي ، إلخ. إن الدقة النظرية التي صاغ بها ستالين برنامج الاممية الشيوعية تستبعد تقريبا كل إمكانية لمن ينحرف من وجهة النظر الماركسية-اللينينية ، أن يستعمل هذه الصيغة "العامة " أو تلك ليدخل بشكل مزور مفاهيمه المغلوطة داخل فروع الاممية الشيوعية. بذلك ، فنظرية " الرأسمالية المنظمة " لبوخارين ، على سبيل المثال ، هي تناقض مفضوح مع الطريقة التي يعالج وفقها البرنامج مسالة الإحتكارات و المنافسة .
في عدد 20 ديسمبرمن البرافدا تذكر سلسلة ديميان بيادني بحلقة من حياة ستالين . في يوم الفصح عام 1909 ، عندما قامت السرية الأولى للفوج العسكري في سىلوفيانسك بقمع المعتقلين " السياسيين ، مشى ستالين تحت ضربات أخماص السلاح ، حاملا كتابا في يده و دون أن يطأطئ رأسه .
اليوم ، و بعد عشرين سنة , يتقدم ستالين على رأس الحركة البروليتارية ، حاملا راية اللينينية و تحرر الطبقة العاملة في يده ، بين الحواجز الساخطة لبورجوازيي العالم بأسره . طيلة الثلاثين سنة من خدمته المعطاءة من أجل الطبقة العاملة ، و خلال إتمامه المتفاني لواجبه الثوري ، ستالين لم ينحن ، و يده لم ترتعش ابدا . سواء تعلق الأمر بالدفاع النظري عن الماركسية الثورية و عن اللينينية ضد التشويهات الإنتهازية ، أو بالنضالات الثورية للبروليتاريا في الحرب الأهلية ، كان باستمرار المناضل المثابر الذي يتبع فعله قوله ، الذي لا يعرف أي ضرب من رقة العاطفة تجاه الناس ، و الذي بالنسبة إليه القضية الثورية هي فوق كل إعتبار. مع لينين تعلم بإتقان فن المنعطفات المفاجئة في قيادة الحزب و الأممية الشيوعية ؛ يمتلك دون نظير تلك الملكات كمخطط إستراتيجي و خبير تكتيكي ثوري . هذه الملكات ذاتها ضمنت له الثقة العميقة لدى الجماهير البروليتارية ، ليس فقط من الإتحاد السوفياتي ، و لكن أيضا من البلدان الاخرى .إنها أحد أهم الضمانات الأكيدة من أجل قيادة حازمة للأممية الشيوعية في نضالاتها وشيكة الحسم للطبقة العاملة العالمية .
دميتري مانويلسكي
ترجمة معز الراجحي
المصدر : ستالين مجموعة نصوص حول الذكرى الخمسون لميلاد ستالين تقديم مارسال كاشان
نشر لأول مرة في البرافدا سنة 1930 في عدد خاص بنفس المناسبة
#معز_الراجحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟