|
بناء الحزب الثوري في علاقته بالنضال الثوري
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 17:04
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إذا كانت الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية فإن المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل الدياليكتيك الماركسي باعتباره نتاج الثورة الإشتراكية/عشية الإمبريالية، ولا يمكن تجاوز المذهب الماركسي اللينيني إلا بتجاوز المرحلة الإنتقالية بين الإمبريالية والشيوعية أي الإشتراكية وبالتالي تجاوز الدولة "نتاج ومظهر استعصاء التناقضات الطبقية"، لهذا أكد لينين على أهمية بناء دولة ديكتاتورية البروليتاريا في علاقتها بالثورة والديمقراطية الثورية والديمقراطية البروليتارية نقيض الديمقراطية البورجوازية.
بناء الحزب الثوري في علاقته بالنضال الثوري
عمل لينين على دحض ادعاءات زعماء الأمية الثانية وعلى رأسهم كاوتسكي، الماركسي المرتد قائد الإنتهازيين الذي قام بتحريف مفهوم الثورة لتعويضها بالإصلاحية البرلمانية، حين كانت أحزاب الأممية الثانية هي السائدة في خدمة الدعاية للبرلمانية ضد الثورة، واعتبر كاوتسكي الأحزاب أدوات للسلم، والأحزاب الإصلاحية في نظر لينين لا تصلح لخدمة البروليتاريا، لكونها تعمل لخدمة مصالح البورجوازية، وهي تقوم بالدعاية المفرطة للبرلمانية، وهي أجهزة انتخابية يشكل أعضاؤها كتلا داخل البرلمان، مما جعل هذه الأحزاب ذيلية لهذه الكتل عاجزة عن خدمة مصالح البروليتاريا. يقول ستالين عن الأحزاب الإصلاحية:"المنظمة السياسية الأساسية للبروليتاريا، في المرحلة التي ساد فيها انتهازيو الأممية الثانية، لم تكن الحزب بل الكتلة البرلمانية. فمن المعروف أن الحزب، في ذلك العهد، كان ذيلاً للكتلة البرلمانية وعنصراً معداً لخدمتها. وغني عن البيان، في أحوال كهذه، أن مجرد البحث في تهيئة البروليتاريا للثورة، لم يكن له مجال، مع وجود مثل هذا الحزب على رأسها."(1)
وفي مرحلة المد الثوري التي شكل فيها القضاء على الإستعمار والسيطرة على الحكم من طرف البروليتاريا المهمتين الأساسيتين، أصبح الحزب الماركسي اللينيني هو المنظمة الأساسية في الصراع الطبقي، يعمل على تثقيف البروليتاريا وإعدادها للسيطرة على الحكم، وأصبح من الضروري بناء حزب ثوري باستطاعته إنجاز المهمات الجديدة، في ظل شروط جديدة، في ظل تهييء البروليتاريا لخوض معركة الثورة، من أجل بناء دولة ديكتاتورية البروليتاريا.
و حدد لينين مهام الحزب الماركسي اللينيني فيما يلي:
– الحزب من حيث هو فصيلة الطليعة من الطبقة العاملة. – الحزب من حيث هو فصيلة منظمة من الطبقة العاملة. – الحزب من حيث هو أعلى أشكال تنظيم البروليتاريا الطبقي. – الحزب من حيث هو أداة ديكتاتورية البروليتاريا. – الحزب من حيث هو وحدة في الإرادة لا تقبل وجود التكتلات الانقسامية. – الحزب يقوى بتطهير نفسه من العناصر الانتهازية.
وأكد لينين على أهمية قيادة الحزب البروليتاري للثورة الديمقراطية البروليتارية دفاعا عن مصالح الطبقة الربروليتارية خاصة في حالة الحرب، حينما يكون تنظيما للطبقة برمتها ضد الأعداء الطبقيين، ضد الرأسماليين الإمبرياليين، يقول لينين:"نحن حزب الطبقة، ولذلك فالطبقة كلها على وجه التقريب (أما في وقت الحرب، أي في عهد الحرب الأهلية، فالطبقة كلها على الإطلاق) يجب أن تعمل تحت قيادة حزبنا وأن تتراص حوله أكثر ما يمكن. أما أن تصبح الطبقة كلها تقريباً، أو الطبقة بأسرها يوماً ما، وفي عهد الرأسمالية، في حالة تستطيع معها أن ترتفع حتى تبلغ درجة من الوعي والنشاط، مثل فصيلتها الطليعية، أي مثل حزبها الاشتراكي الديمقراطي، فإن التفكير في مثل ذلك هو ضرب من المانيلوفيه، وشكل من السير في ذيل الحركة. وأن المنظمة النقابية نفسها (وهي منظمة ابتدائية أكثر من الحزب، وأقرب تناولاً إلى أدراك الجماعات غير المتقدمة) لا تستطيع في عهد الرأسمالية أن تشمل الطبقة العاملة كلها تقريباً، أو الطبقة العاملة بأسرها تماماً. وليس هناك اشتراكي ديمقراطي واحد سليم التفكير، داخله الشك يوماً في ذلك. فنحن إنما نخدع أنفسنا ونغمض عيوننا عن أعظم مهماتنا وواجباتنا، بل إننا نضيق نطاق هذه المهمات والواجبات، إذا نسينا الفرق بين فصيلة الطليعة وبين كل الجماهير التي تلتف حولها، وإذا نسينا أن على فصيلة الطليعة واجباً دائماً هو رفع جماعات أوسع فأوسع إلى هذا المستوى المتقدم الراقي".(2)
وهذا الحزب هو الحزب الماركسي اللينيني وهو فصيلة الطليعة الثورية للبروليتاريا متسلح بالنظرية الثورية، ملم بقوانين الحركة الثورية، يستطيع قيادة الطبقة العاملة، لا يكون تابعا للحركة العفوية للجماهير، بل يكون قادرا على الرفع من مستوى الجماهير لمعرفة مصالحها. ولا يمكن للحزب أن يقوم بهذا الدور إلا عندما يكون فصيلة الطليعة، و أكثر من ذلك فصيلة من الطبقة، جزءا من الطبقة ، باستطاعته توطيد العلاقة مع باقي الجماهير غير الحزبيين ، وأن تقبل الجماهير القيادة الحزبية. يقول ستالين:"وتضع هذه المرحلة(مرحلة المد الثوري) مهمات جديدة أمام البروليتاريا، هي: إعادة تنظيم كل عمل الحزب وفق أسلوب جديد، ثوري، لتثقيف العمال بروح النضال الثوري في سبيل الحكم، إعداد القوى الاحتياطية وحشدها؛ التحالف مع عمال الأقطار المجاورة؛ إقامة روابط متينة مع حركة التحرر في المستعمرات والبلدان التابعة، الخ... الخ... ولا يستطيع أن يصرف الطبقة العاملة عن طريق الترادنيونية، ويحولها إلى قوة سياسية مستقلة، سوى حزب ينظر إلى نفسه كفصيلة الطليعة للبروليتاريا، ويستطيع رفع الجماهير إلى المستوى الذي تدرك فيه المصالح الطبقية للبروليتاريا." (3)
ولا بد للحزب الثوري من إستراتيجية منسجمة وتكتيك مدروستين في علاقتهما بالحركة الثورية. وبالرجوع إلى أعمال ماركس وإنجلس قام لينين بكشف أهم ما أنجزته الماركسية في هذا المجال، والتي تم طمسها من طرف انتهازية الأممية الثانية، وطور مفهوم الحزب، ودفع به إلى الأمام وصاغ المباديء الأساسية للحزب الثوري، التي يجب اتباعها من أجل السيطرة على الحكم من طرف البروليتاريا، وأسس بذلك علم قيادة نضال البروليتاريا الثوري، الذي استفاد منه ستالين في قيادة الحزب للبناء الديمقراطي البروليتاري في الإتحاد السوفييتي. يقول ستالين: "الإستراتيجية هي تحديد اتجاه الضربة الرئيسية للبروليتاريا على أساس مرحلة معينة من الثورة، ووضع برنامج مناسب لترتيب القوى الثورية (الاحتياطات الرئيسية والثانوية)، والنضال في سبيل تحقيق هذا البرنامج طوال تلك المرحلة المعينة... إن الإستراتيجية تهتم بالقوى الأساسية للثورة وباحتياطياتها. وهي تتغير كلما مرت الثورة من مرحلة إلى أخرى، مع بقائها هي دون تغيير، من حيث الأساس، طوال مرحلة معينة. والتكتيك هو تعيين خطة سلوك البروليتاريا خلال مرحلة قصيرة نسبياً، مرحلة مد الحركة أو جزرها، نهوض الثورة أو هبوطها، والنضال من أجل تطبيق هذه الخطة بإبدال أشكال النضال والتنظيم القديمة بأشكال جديدة، والشعارات القديمة بشعارات جديدة، وبالتوفيق بين هذه الأشكال، الخ... فإذا كان هدف الإستراتيجية كسب الحرب، مثلاً، ضد القيصرية أو البرجوازية، والقيام إلى النهاية بالنضال ضد القيصرية أو البرجوازية، فإن التكتيك يأخذ على عاتقه أهدافاً أقل شأناً، إذ أنه يسعى لا لكسب الحرب بمجموعها، بل كسب هذه أو تلك من المناوشات، هذه أو تلك من المعارك، يسعى لتحقيق هذه أو تلك من الحملات، هذه أو تلك من الأعمال الملائمة للوضع الواقعي الملموس خلال فترة معينة من نهوض الثورة أو هبوطها. أن التكتيك هو جزء من الإستراتيجية، جزء خاضع لها، ووظيفته أن يخدمها." (4)
ولا بد من القيادة الإستراتيجية التي تقود الثورة و ذلك ب:
ـ ضبط القوى الرئيسية والقوى الإحتياطية لإنجاح الثورة. ـ تحديد نقط ضعف العدو عندما تكون الثورة قد نضجت. ـ إختيار اللحظة المناسبة للثورة المسلحة.
ولتعميق بعد التناقض في التعاطي مع المهام الثورية في علاقتها بتطور الحزب البروليتاري، تناول لينين مسألتي الإستراتيجية والتاكتيك كأسلوبي العمل في الحرب في علاقتهما بالإصلاحية والثورة، في علاقتهما بدور الحزب في قيادة الثورة، وصاغ أسس القيادة الثورية في ارتباطها بالشروط الأساسية لخوض معركة الثورة، من خلال العلاقة بين القيادة الإستراتيجية والقيادة التاكتيكية في كل مرحلة من مراحل الثورة.
و حدد لينين شروط استخدام قوى الثورة إستراتيجياً كما يلي:
– ينبغي عدم اللعب أبداً بالثورة المسلحة، وعند البدء بها، ينبغي العلم بقوة ووضوح أن من الواجب السير بها إلى النهاية. – من الضروري حشد قوى متفوقة كثيراً على قوى العدو، في المكان الحاسم وفي اللحظة الحاسمة، وإلا فإن العدو، وهو أحسن استعداداً وتنظيماً، يبيد الثائرين. –حين تبدأ الثورة المسلحة ينبغي العمل بأعظم عزيمة وحزم، والإنتقال من كل بد، وبصورة مطلقة، إلى الهجوم. الدفاع هو موت الثورة المسلحة . – ينبغي السعي لأخذ العدو على حين غرة، واختيار اللحظة التي تكون فيها جيوشه مبعثرة. – ينبغي الحصول على نجاحات، حتى ولو كانت صغيرة، كل يوم (ويمكن القول كل ساعة، إذا كانت القضية تتعلق بمدينة واحدة)، والاحتفاظ، مهما كان الثمن، بـ التفوق المعنوي. (5) ويمكن اعتبار اللحظة قد حانت للمعركة الحاسمة إذا: ـ كانت القوى الطبقية المعادية لنا قد غرقت بصورة كافية في الصعوبات، ومزق بعضها بعضاً إلى حد كاف، وأضعفت نفسها إلى درجة كافية، بنضال هو فوق طاقتها. ـ كانت جميع العناصر المتوسطة، المترددة، المتخاذلة، المترجرجة ـ أي البرجوازية الصغيرة، الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، بوصفها مختلفة عن البرجوازية ـ قد انفضحت بصورة كافية أمام الشعب، واكتسبت الخزي والعار بإفلاسها العملي. ـ بدأت في صفوف البروليتاريا، وأخذت ترتفع بقوة، حالة فكرية جماهيرية لتأييد أشد الأعمال حزماً وعزماً وجرأة ثورية، ضد البرجوازية. عندها تكون الثورة قد نظجت.
وعندها، إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع الشروط المذكورة أعلاه... وإذا اخترنا للحظة اختياراً صحيحاً. يكون انتصارنا مضموناً. (6) ولا بد للحركة الثورية من القيادة التكتيكية التي تعتبر ضرورية لإنجاز مهما القيادة الإستراتيجية، وهي التي تعمل لا تيسير عمل البروليتاريا في كل مرحلة من مراحل الثورة، من حيث هي أداة لضبط السير النضالي والتنظيمي للطبقة العاملة وضبط أشكالها ومهماتها. يقول ستالين:"القيادة التكتيكية هي جزء من القيادة الإستراتيجية، خاضع لمهماتها ومقتضياتها. إن مهمة القيادة التكتيكية هي هضم جميع أشكال نضال البروليتاريا وأشكال تنظيمها وتأمين استخدامها الصحيح للحصول، ضمن نسبة معينة بين القوى، على الحد الأقصى من النتائج، الضروري لتهيئة النجاح الإستراتيجي."نفس المرجع.
وحدد عمل القيادة التكتيكية و مهامها في نقطتين أساسيتين:
ـ أولاً: أن توضع، في المقام الأول، أشكال النضال والتنظيم التي من شأنها، لكونها ملائمة أحسن من غيرها لشروط المد أو الجزر في الحركة، أن تسهل وتؤمن تسيير الجماهير نحو المواقف الثورية، تسيير الجماهير الغفيرة نحو جبهة الثورة، وتوزيعها على جبهة الثورة.(ستالين، أسس اللينينية). يقول لينين:"لا يمكن الظفر بواسطة الطليعة وحدها. فإلقاء الطليعة في المعركة الحاسمة، بينما الطبقة بأسرها، بينما الجماهير الغفيرة لم تتخذ موقف تأييد مباشر للطليعة، أو على الأقل موقف حياد مشوب بالعطف.. لا يكون حماقة فقط، بل جريمة. ولكي تصل الطبقة بأسرها، لكي تصل جماهير الشغيلة والمضطهدين الغفيرة، فعلاً إلى اتخاذ مثل هذا الموقف، لا تكفي الدعاية وحدها، ولا يكفي التحريض وحده. لا بد لذلك من التجربة السياسية الخاصة لهذه الجماهير. ذلك هو القانون الأساسي لجميع الثورات، قانون تؤكده اليوم بقوة وبروز رائعين، لا روسيا فقط، بل ألمانيا أيضاً. فليست فقط جماهير روسيا غير المتعلمة، والأمية غالباً، بل كذلك جماهير ألمانيا، المثقفة إلى حد رفيع، والتي ليس بينها أمي واحد، كان لا بد لها من أن تعاني بنفسها وعلى حسابها، كل ما في حكومة أشقياء الأممية الثانية، من جبن، وعجز، وتبلبل، وسفالة، وخنوع أمام البرجوازية. كان لا بد لها من أن تعاني حتمية ديكتاتورية طغاة الرجعية (من كورنيلوف في روسيا، وكاب وزمرته في ألمانيا)، من حيث هي المخرج الوحيد الآخر تجاه ديكتاتورية البروليتاريا، لكي تندار هذه الجماهير بحزم نحو الشيوعية." (7)
ـ ثانياً: في كل لحظة معينة، العثور في سلسلة التطورات، على الحلقة الخاصة التي يسمح الإمساك بها، بالتمكن من كل السلسلة وتهيئة الشروط للنجاح الستراتيجي. (ستالين ، أسس اللينينية). يقول لينين:"لا يكفي أن يكون المرء ثورياً ومناصراً للاشتراكية. أو شيوعياً بصورة عامة.. من الواجب أن نعرف، في كل لحظة معينة، العثور على تلك الحلقة الخاصة التي ينبغي الإمساك بها بكل قوة، للتمكن من كل السلسلة وتهيئة الانتقال إلى الحلقة التالية تهيئة متينة.. وهذه الحلقة، في الساعة الحالية، هي إنعاش التجارة الداخلية مع تنظيمها (قيادتها) بشكل صحيح من قبل الدولة. التجارة تلك هي الحلقة في سلسلة الحوادث التاريخية، في الأشكال الانتقالية لبنائنا الاشتراكي في عامي 1921 – 1922، التي يجب علينا الإمساك بها بكل قوانا ." (8) وميز لينين بين التكتيك الإصلاحي والتكتيك الثوري بحيث الأول يخدم مصالح الإنتهازية التي تسخر الإصلاحات خدمة لمصالحها الإنتهازية، أما التكتيك الثوري فهو ليس ضد الإصلاحات ولكن شريطة أن تخدم مصلحة الثورة والطبقة العاملة، فالإنتهازية تضع الإصلاحية في المقام الأول، تستعيض به عن الثورة، تسخره ضد الثورة خدمة للبورجوازية، والحزب الماركسي اللينيني يضع الثورة في المقام الأول باعتبارها مسألة إستراتيجية، والتكتيك الثوري يضع الإصلاحية في خدمة الثورة. يقول لينين:"إن الماركسية وحدها، تحدد، بشكل دقيق وصحيح، العلاقة بين الإصلاحات والثورة. ولم يستطع ماركس أن يرى هذه العلاقة إلا من جانب واحد أي في الظروف السابقة لانتصار البروليتاريا انتصارا وطيداً إلى حد ما، ودائماً إلى حد ما، في بلد واحد على الأقل، ففي تلك الظروف، كانت هذه العلاقة الصحيحة ترتكز على المبدأ التالي وهو: إن الإصلاحات هي النتاج الثانوي لنضال البروليتاريا الطبقي الثوري. أما بعد انتصار البروليتاريا في بلد واحد على الأقل، فيبرز شيء جديد في العلاقة بين الإصلاحات والثورة. ومن حيث المبدأ، يبقى كل شيء كما كان سابقاً. ولكن يحدث تغيير في الشكل ما كان ماركس ليستطيع التنبؤ به، ولكن لا يمكن إدراك هذا التغيير إلا على أساس فلسفة الماركسية وسياستها... فهي (أي الإصلاحات – ملاحظة من ي. ستالين). بعد الانتصار (مع بقائها ذلك النتاج الثانوي نفسه من وجهة النظر العالمية) تؤلف فوق ذلك، بالنسبة للبلد الذي تم فيه الانتصار، هدنة لا بد منها، هدنة مشروعة عندما تصبح القوى، عقيب توتر شديد إلى الحد الأقصى، غير كافية، بصورة جلية، لتحقيق هذا الانعطاف أو ذاك، بالطريق الثوري. إن الانتصار يعطي ذخراً في القوى يسمح بالثبات حتى خلال تراجع اضطراري – الثبات سواء بمعناه المادي أو بمعناه المعنوي." (9)
واستفاد ستالين من دروس علم الإستراتيجية والتكتيك الذي وضعه لينين وقاد البناء الثوري في الإتحاد السوفييتي بكل حزم الإنضباط والطاعة الحديديين للحزب البروليتاري الثوري، وبذلك استطاع سحق قوات الفاشية والنازية الإستعماريتين خلال الحرب الإمبريالية الثانية، واستطاع صدها ومنعها من التغلغل في اتجاه الشرق الذي نمت فيه شروط الثورة الديمقراطية البروليتارية. ونجح ستالين في بلورة مفهوم العلاقة الجدلية بين قيادة الحرب وبناء الحزب الثورة الذي يقود الإنتصارات ضد الإمبريالية. وعمل ماو على تطبيق خلاصات لينين حول الدياليكتيك الماركسي على مجريات الثورة الصينية، خاصة في أحلك مراحلها وهي أثناء المعركة المسلحة، مستفيدا من خلاصات لينين حول الحزب والحرب، والتي حدد فيها لينين شروط النجاح لكسب المعركة خاصة في أعلى مراحلها وهي المعركة المسلحة "شروط استخدام قوى الثورة إستراتيجياً" كما سماها لينين، وطبق ماو هذه الشروط في العلاقة بين الحرب النظامية وحرب العصابات، واستطاع كسب الثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني لمعركة حرب التحرير الشعبية، ضد الإمبريالية والإنتهازية، مستعينا في ذلك بالعلاقة بين الإستراتيجية والتكتيك، التي أعطاها ستالين بعدا أدق وأشمل في قيادته للحرب ضد الفاشية والنازية. يقول ماو:"إن الحرب النظامية تلعب الدور الرئيسي في حرب المقاومة ضد اليابان، أما حرب العصابات فهي تلعب فيها دورا مساعدا. ولقد توصلنا إلى فهم صحيح حول هذه المسألة. وما دام الأمر كذلك فإننا لن نجابه في حرب العصابات إلا قضايا تكتيكية، فلماذا نطرح إذن قضايا الإستراتيجية؟". (10)
وتناول ماو ظروف الحرب في علاقاتها بالتناقضات الذاتية والموضوعية، في علاقاتها بالإستراتيجية والتكتيك، مؤكدا على دور الحزب في قيادة معركة حرب التحرير الشعبية، ووضع الأهداف الأساسية لحرب العصابات استراتيجيا وتكتيكيا، في بلد شاسع جغرافيا ومتخلف تكنولوجيا ضد دولة إمبريالية صغيرة جغرافيا ومتقدمة تكنولوجيا، في علاقاتها بين المعركة في الداخل والخارج، في علاقتها بين الحرب النظامية وحرب العصابات. يقول ماو:"إن القضايا الإستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان هي بطبيعتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقضايا الإستراتيجية في حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها، بسبب أن هناك نقاطا مشتركة كثيرة تجمع بينهما. ولكن حرب العصابات من جهة أخرى تختلف عن الحرب النظامية ولها خصائصها المميزة، وبالتالي فإن قضاياها الإستراتيجية تتميز كذلك بكثير من الخصائص، ولذلك لا يجوز لنا أبدا أن نطبق المبادئ الإستراتيجية العامة لحرب المقاومة ضد اليابان، بدون تعديل، على حرب العصابات التي تتميز بخصائصها المحددة." (11)
وانطلاقا من الدياليكتيك الماركسي في علاقته بين النظرية والممارسة بالإستفادة من علم الإستراتيجية والتاكتيك الذي وضعه لينين استنتج، انطلاقا من استنتاجاته خلال الحرب الأهلية في علاقتها ببناء الحزب البروليتاري الثوري وتعميق هذا العلم من طرف ستالين خلال الحرب الإمبريالية الثانية، استنتج ماو الشروط الأساسية لحرب العصابات تكتيكيا، في علاقاتها بالشروط الإستراتيجية في الحرب التي صاغها لينين حول المعركة في ظروف الثورة، في العلاقة بين الهجوم والتراجع، في العلاقة بين الخطوط الداخلية والخارجية، في العلاقة بين الحرب الإمبريالية وحرب التحرير الشعبية، في العلاقة بين الثورة الديمقراطية البروليتارية والثورة الديمقراطية البورجوازية. يقول ماو:"ما هي السياسات أو المبادئ التي ينبغي تطبيقها في حرب العصابات حتى نستطيع بلوغ الغاية المنشودة التي هي المحافظة على قواتنا أو توسيعها وإفناء العدو؟
إن السياسات الرئيسية تنحصر على العموم في النقاط التالية:
ـ المبادرة والمرونة والتخطيط في القيام بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية، وفي القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة الأمد، وفي خوض القتال في الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي. ـ تنسيق عمليات حرب العصابات مع عمليات الحرب النظامية. ـ إنشاء القواعد. ـ الدفاع الاستراتيجي والهجوم الاستراتيجي. ـ تطوير حرب العصابات إلى حرب متحركة. ـ إنشاء علاقة صحيحة بين القيادات.
إن هذه النقاط الست تشكل مجمل البرنامج الاستراتيجي لحرب العصابات المناهضة لليابان وتدلنا على السبيل الذي يجب أن نسلكه من أجل المحافظة على قوات العصابات وتوسيعها وإفناء العدو وطرده وتنسيق عملياتها مع عمليات الحرب النظامية وكسب النصر النهائي". (12)
لقد عمل ستالين وماو على بلورة خلاصات الدياليكتيك الماركسي الأعلى على مستوى المعرفة لدى لينين، في الواقع الموضوعي للثورتين السوفييتية والصينية، في الواقع الموضوعي للثورتين الديمقراطية البروليتارية والديمقراطية البورجوازية، في الحرب ضد الإمبريالية وحرب التحرير الشعبية، واستطاعا معا بلورة العلاقة بين النظرية الماركسية اللينينية الثورية والممارسة العملية للماركسيين اللينينيين الثوريين في ظل القيادة التاريخية للحزب الماركسي اللينيني، من خلال تحقيق نتائج باهرة في حربيهما ضد الإمبريالية والإنتهازية على مستوى أعلى وهو المعركة المسلحة، وشكلت الثورتين السوفييتية والصينية تكاملا، في ظل الوحدة بين التناقضات التي تشكل جوهر الدياليكتيك الماركسي، في ظل التناقض بين الحرب النظامية بالإتحاد السوفييتي وحرب العصابات بالصين ضد الإمبريالية والإنتهازية. ـــــــــــــــــــــ (1) أسس اللينينية. (2) (لينين خطوة إلى أمام، خطوتان إلى وراء، المجلد 6، الصفحة 205 – 206). (3) نفس المرجع. (4) نفس المرجع. (5) (لينين: نصائح غائب ، المجلد 21 من المؤلفات الكاملة، ص 319 – 320، الطبعة الروسية). (6) (لينين: مرض الطفولة، المجلد 25، المؤلفات الكاملة، ص 229، الطبعة الروسية). (7) (مرض الطفولة، المؤلفات الكاملة، المجلد 25، ص 228). (8) (لينين: حول أهمية الذهب ، المؤلفات الكاملة، المجلد 27، ص 82). (9) (لينين: حول أهمية الذهب – المؤلفات الكاملة – المجلد 27، ص 84 – 85). (10) قضايا الإستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان-( مايو أيار 1938). (11) نفس المرجع. (12) نفس المرجع.
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في العلاقة بين الحزب والحرب وانتصار الثورة الديمقراطية البرو
...
-
في التناقض بين الإصلاحية والثورة
-
المذهب الماركسي اللينيني باعتباره جوهر الدياليكتيك الماركسي
-
اللاعرفانية في علاقتها بالتحريفية الإنتهازية الحديثة
-
نقد اللاعرفانية باعتبارها فلسفة التحريفية الإنتهازية
-
دياليكتيك الجوهر والظواهر بين المادة والنظر
-
ما معنى القول بثنائية القطب عالميا ؟
-
الحرب الإمبريالية وسقوط الديكتاتوريات الإنقلابية العسكرية ال
...
-
الوضع الثوري بتونس ومصر ومهام الماركسيين اللينينيين المغاربة
-
الإتفاضة الجماهيرية الشعبية المصرية الثانية : ثورة أم انقلاب
...
-
الوعي السياسي الطبقي والوعي القومي في الحركة الإجتماعية المغ
...
-
الأسس المادية و الأيديولوجية للصراع الطبقي بالمغرب ومعيقات ا
...
-
الأسس المادية و الأيديولوجية للصراع الطبقي بالمغرب ومعيقات ا
...
-
رجلان بالمدينة وآخرون ... -كيف تم تقديم المدينة لمفترسين من
...
-
رسالة مفتوحة لمراسل فرنسي شاب في مواجهة الظلامية العالمية :
...
-
رسالة مفتوحة لمراسل فرنسي شاب في مواجهة الظلامية العالمية :
...
-
ورقة تقديمية للمؤتمر الأول لفلاحي أولوز دورة شهيد حركة الفل
...
-
المسألة الزراعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة الجزء 4
-
المسألة الزاعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة الجزء 3
-
المسألة الراعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة الجزء 2
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|