|
دستور 2014 : خدعة جديدة للعمّال وعموم الشعب وإنقلاب على مطالب إنتفاضة 17 ديسمبر/14 جانفي
عبدالله بنسعد
الحوار المتمدن-العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 01:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تصدير : « هناك حديث عن الحرية وعن التمثيل الشعبى ، كما يخطب البعض عن الجمعية التأسيسية ، غير ان ما لا يرونه على الدوام فى كل ساعة بل وفى كل دقيقة ، أنّه بدون ضمانات جادة لكل هذه الاشياء الجيدة فانها تبقى مجرد جمل خاوية. أمّا الضمانة الجادة فلا يمكن ان تأتينا بها الا الانتفاضة الشعبية الظافرة ، الا بالهيمنة التامة للبروليتاريا والفلاحين المسلحين على ممثلى السلطة القيصرية الذين تراجعوا خطوة للوراء ولكنهم أبعد من أن يكونوا قد استسلموا للشعب وأبعد من أن يكونوا قد أطيح بهم بواسطة الشعب. والى أن يتحقق هذا الهدف لايمكن أن تكون هناك حرية حقيقية ولاتمثيل شعبى حقيقى ولاجمعية تأسيسية حقيقية لها سلطة أن تقيم نظاما جديدا فى روسيا. ماهو الدستور ؟ صحيفة من الورق سطرت عليها حقوق الشعب. ولكن ما هو الضمان الذى لدينا بأن هذه الحقوق سيعترف بها فعلا ؟ يكمن الضمان فى قوة طبقات الشعب التى باتت واعية بهذه الحقوق بعد ان استطاعت كسبها . دعونا لانسمح اذن بأن تضللنا الكلمات – التى تليق بثرثارى الديموقراطية البورجوازية فحسب – دعونا الا ننسى للحظة ان القوة يبرهن عليها بالانتصار فى خضم النضال وأننا لازلنا حتى الآن بعيدون عن ان نكون قد حققنا انتصارا كاملا بعد. دعونا لانصدق الكلمات الجميلة ، لأننا نعيش فى ازمنة لازال الصراع المكشوف فيها جاريا وتختبر فيها كل الكلمات والوعود على الفور فى تحققها العملى ، بينما توظف الكلمات والبيانات والوعود عن الدستور لخداع الشعب ولاضعاف قوته وبعثرة صفوفه وإغواءه بأن يتخلى عن سلاحه. ما من شئ يمكن ان يكون اكثر زيفا من هذه الوعود والكلمات ولنا كل الفخر فى ان نقول ان بروليتاريا روسيا قد نضجت من اجل الصراع ضد كل من القوة الوحشية وضد الانحراف الليبرالى الدستوري». ـ لينين مقدّمــــــــــــــــــــــــــــــة مافتئت القوى الاستعمارية الأوروبية منها والأمريكية ووكلائها المحليين منذ 14 جانفي بالخصوص تحيك المؤامرة تلو الأخرى ضد الجماهير الشعبية الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة من أجل القضاء على انتفاضة شعبنا في محاولة منها لإحكام السيطرة على تونس وإخضاعها لمصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وفي هذا الصدد سارعت هذه القوى إلى تنصيب حكومة الغنوشي وبعدها حكومة الباجي قايد السبسي، ثم عملت بكل ما في وسعها لتحويل اهتمامات الجماهير المنتفضة عن الشرعية الثورية ووجهتها نحو ما يسمى بالشرعية الانتخابية فكانت محطة 23 أكتوبر 2011 التي خضعت منذ البداية لتأثير المال السياسي ولعزوف الناخبين مما أوصل حركة النهضة وحلفائها إلى السلطة. وتواصل المسار التآمري بعد ذلك تحت غطاء ما يسمى بشرعية السلطة المتمثلة أساسا في حكومة النهضة ومجلسها التأسيسي ودولتها الخاضعين جميعا لنفوذ القوى الخارجية ولعملائها من البرجوازيين المحليين وكبار الملاكين العقاريين. ولقد تعرت معزوفة الشرعية هذه بفشل الائتلاف الحاكم بقيادة النهضة التام وعجزه الكلي حكومة ومجلسا تأسيسيا ومؤسسة الرئاسة عن إدارة الشأن العام فانكشف زيف وعوده الانتخابية وافتضحت طبيعته المعادية للكادحين والمهمشين والمعطلين عن العمل ولشهداء الانتفاضة وجرحاها، وتجسد كل هذا في : 1. مزيد رهن البلاد الى الدول الاستعمارية وصناديقها المالية العالمية النهابة وبعض دول الخليج المرتبطة بها عضويا (ديون تونس منذ سنة 2011 قاربت 17 ألف مليار) 2. تردي مستوى معيشة الجماهير الشعبية بشكل كبير نتيجة لإرتفاع الأسعار والتضخم المالي وكثرة الأداءات (تدهور المقدرة الشرائية خلال 3 سنوات بنسبة فاقت 20 %) 3. تعمق التمييز الطبقي والجهوى وانتشار الفقر والتهميش (25 % من التونسيين مصنّفين كفقراء) 4. تفاقم ظاهرة البطالة جراء سياسة الخوصصة ومواصلة التفويت في القطاع العام وغلق أبواب التشغيل وعدم بعث مشاريع مشغلة (مليون معطّل عن العمل منهم حوالي النصف من حاملي الشهائد الجامعية). 5. كما حلّ الخراب بالفلاحين الفقراء وحتى المتوسطين من جراء سياسة فلاحية لا تخدم إلاّ كبار الملاكين والسماسرة ، سياسة مرتكزة على التشجيع على التصدير (تصدير المحلّيّات والمفتحات مقابل توريد الغذاء الأساسي) والتفويت في الأراضي الدولية لشركات أجنبية كبرى (40 ألف هك وضعت على ذمّة قطر للذكر لا الحصر) أو للبرجوازية الكمبرادورية (سليم الرياحي ومعز إدريس كمثال). 6. إتّساع السوق الموازية والسوداء التي يتحكم فيها كبار السماسرة وتنامي ظاهرة تهريب البضائع والأموال وتطور الاحتكار والمضاربة (يبلغ حجم الإقتصاد الغير مهيكل حوالي 40 % ويسيطر عليه "الطرابلسية الجدد" أي المرتبطين بحركة النهضة وحلفائها). 7. قمع التحركات الشعبية وحرية الرأي والتعبير ومواجهتها بالحديد والنار ممّا أدّى إلى إغتيال الشهيدين محمد بالمفتي بقفصة ومجدي العجلاني بالقصرين وإستعمال الرشّ ضدّ أهالينا في سليانة ومحاكمة المعارضين لسياسة النهضة من سياسيين وصحفيين وفنانين وغيرهم (للذكر لا الحصر نذكر الرفيق زهير السبوعي الذي حكم عليه بسبع سنوات سجن في الإستئناف بعد السجن الإبتدائي بسنة واحدة فقط في قضية كيدية مفبركة من عناصر نهضاوية ودستورية في سوسة) واستهداف الاعلام والقضاء من أجل التحكم فيهما وتوظيفهما سياسيا لمواجهة الإحتجاجات الشعبية. 8. تأزم الوضع الأمني في كافة أنحاء البلاد وتفاقم العمليات الإرهابية بفعل تكدّس الأسلحة بمختلف أشكالها ممّا أدّى إلى ذبح عشرات الجنود والأمنيين والتنكيل بجثثهم. 9. التنكر لشهداء الانتفاضة ورفض تلبية مطالب جرحاها وتسويفهم والاعتداء عليهم وعدم محاسبة القتلة ورموز الفساد الذين أجرموا في حق الشعب بل وقع إطلاق سراح الأغلبية الساحقة من رموز نظام بن علي الرجعي العميل الذين أجرموا في حق الشعب الكادح (محمد الغرياني ، عبدالله القلال ، عبدالعزيز بن ضياء ، رضا قريرة ...) 10- تطور ظاهرة الدعارة والمتاجرة ببنات تونس تحت غطاء ما عرف بجهاد النكاح كما وقع الزج بشباب تونس في محرقة الحرب في سوريا باسم "الجهاد في سبيل الله" ممّا أدّى إلى وفاة المئات منهم بمباركة وتشجيع قيادات نهضوية معروفة وتحت رعاية الشرطة الموازية المندسّة داخل وزارة الداخلية. 11- سعي حركة "النهضة" بكل الوسائل إلى السيطرة على مختلف دواليب الدولة تمهيدا لبقائها حقبة طويلة في الحكم وذلك عبر تسمية آلاف الموظفين السامين للدولة (9872 إطار) الموالين لها خلال سنتين فقط من حكمها. ومحاولة للخروج من هذا المأزق ، الذي لم يزد إلاّ في إصرار الجماهير المنتفضة على تحقيق أهداف الإنتفاضة ، ها هي القوى الاستعمارية الأوروبية منها والأمريكية ووكلائها المحليين منذ 14 جانفي بالخصوص تواصل حياكة المؤامرة تلو الأخرى حيث يتواصل هذا المسار التآمري (بعد أن كان تحت غطاء ما يسمى بشرعية السلطة التي أفرزتها إنتخابات 23 أكتوبر 2011) في إطار جديد "توافقي" سمّي "بالحوار الوطني" الذي يقوده رباعي متكون من الإتحاد العام التونسي للشغل (منظمة العمال) والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ليفرز حكومة جديدة هي الخامسة منذ 14 جانفي 2011 أختير المهدي جمعة كرئيس لها ، هذا "المهدي المنتظر" متخرّج هو والأغلبية الساحقة من وزرائه من الجامعات الأمريكية والفرنسية الأكثر ليبرالية في العالم وهم أيضا تلامذة نجباء لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي. فهذه المؤامرة الجديدة التي تريد الإمبريالية ووكلائها المحليين الترويج لها على أنّها مثال لنجاح "التجربة التونسية" بين تجارب ما يسمّى "بالربيع العربي" هي ليست سوى دليل آخر على فشل الائتلاف الحاكم بقيادة النهضة عن إدارة الشأن العام وهي أيضا محاولة أخرى من أجل القضاء على انتفاضة شعبنا في محاولة من القوى الإمبريالية للسيطرة على تونس وإخضاعها لمصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وها هي الدول الإمبريالية والمؤسسات المالية العالمية ترضى كل الرضى على الائتلاف الحاكم بقيادة النهضة وتوسّمه بإسناده لقب "الحكم المثالي لدول الربيع العربي" وقد تجسّد ذلك خاصة في دعم هذه الحكومة سياسيا وماليا (وقع صرف القسط الثاني من القرض الإئتماني أي 507 مليار دولار وهو ما يساوي حوالي 800 مليار من المليمات من صندوق النقد الدولي يوم واحد فقط بعد الإعلان عن حكومة جمعة). المؤامرة الثانية تتمثّل في الترويج لدستور قيل أنّه يكرّس الديمقراطية وحقوق الإنسان لكنّه في الحقيقة دستور لا يخدم إلاّ الطبقات الرجعية الحاكمة (البرجوازية الكمبرادورية والإقطاع). دستور قال عنه مصطفى بن جعفر رئيس ما يسمّى بالمجلس التأسيسي أنّه "أحسن دستور في العالم" كما قال عنه حمّة الهمّامي الناطق الرسمي بإسم الجبهة الشعبية بأنّه "دستور يلبّي طموحات التونسيين والتونسيات". لكن الحقيقة غير ذلك تماما وهو ما سنعمل على تبيانه فيما يلي من السطور. 1. حول ختم الدستور ونشره : حركة النهضة تعاقب منصف المرزوقي وتجازي مصطفى بن جعفر : المجلس التأسيسي الذي تسيطر عليه حركة النهضة وتتحكّم فيه كيفما تريد جمع بين يديه كل السلط : التأسيسية والتشريعية وحتّى التنفيذية بل أصبح المجلس التأسيسي خارج كلّ رقابة وكلّ مساءلة عبر القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرّخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلّق بالتنظيم المؤقّت للسلط العمومية والذي خاطه المشرّع على قياس حركة النهضة حتى تفعل ما تشاء لكن الأخطر أنّها تجاوزت ذلك القانون كلما أرادت ذلك. فعلى سبيل الذكر لا الحصر يمكن للمجلس التأسيسي إقالة رئيس الجمهورية (الفصل 13 من القانون المذكور) بينما لا يحق لرئيس الجمهورية حل المجلس التأسيسي. هذا القانون التأسيسي الذي وضعته حركة النهضة "المنتصرة" في إنتخابات 23 اكتوبر 2011 لم تحترمه بعد المصادقة على الدستور في مسألة الختم والنشر. فقد قامت حركة النهضة بمعاقبة الرئيس المؤقّت منصف المرزوقي (رغم ما قام به من محاولات التقرّب من الحركة : دعم روابط حماية الثورة والسلفيين وإستقبالهم في قصر قرطاج ، قطع العلاقات مع النظام السوري قبل أي دولة أخرى في العالم ، سبّ المعارضة وتهديدها بنصب المشانق ...) عبر حرمانه من شرف ختم ونشر الدستور لوحده مثلما فعل بورقيبة مع دستور 1959 ومثلما ينصّ عليه الفصل 11 من القانون التأسيسي المذكور أعلاه "يختصّ رئيس الجمهورية بـ : ختم ونشر القوانين التي يصدرها المجلس الوطني التأسيسي في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الإيداع لدى مصالحه". بالمقابل وقعت مكافأة مصطفى بن جعفر (رغم ما قام به من تعليق نشاط المجلس التأسيسي في وقت ما دون موافقة حركة النهضة) بالمشاركة في ختم الدستور والإذن بنشره (قرار من رئيس المجلس الوطني التأسيسي مؤرخ في 31 جانفي 2014 يتعلّق بالإذن بنشر دستور الجمهورية التونسية) في مخالفة تامة للفصل 11 المذكور أعلاه. دون أن ننسى بأنّ الحركة سجّلت إسمها في التاريخ عبر ختم الدستور من طرف رئيس حكومتها السابق علي العريّض دون أيّ إرتكاز قانوني مهما كان نوعه. ونعتقد بأنّ ما حصل هو رسالة واضحة للمرزوقي بأنّ دوره ينتهي نهائيا بإنتهاء هذه الفترة الإنتقالية بينما ينصب شركا لمصطفى بن جعفر بضرورة التحالف في المستقبل مع الحركة. 2. المجلس التأسيسي : من كتابة الدستور إلى تمرير المشاريع اللاوطنية واللاشعبية والقوانين التي تؤسّس للدولة الدينية : إنّ المجلس التأسيسي المزعوم لم يمثّل منذ نشأته الشعب الكادح ولم يدافع في يوم من الأيام عن مصالحه ولم يحقق له مطالبه وطموحاته بل كان الإطار الأمثل لتمثيل مصالح كبار السماسرة والملاكين العقارين في تونس ، انه مجلس يعيد إنتاج نظام عميل فاسد يمتص دماء الشعب ويؤمّن رغد العيش لأعضائه (أصرّ أعضاء المجلس على عدم إتمام الدستور قبل إنقضاء سنتين إثنتين وهي المدّة اللازمة ليحصلوا على جراية دائمة من المجلس). فالكل يعلم بأنّ الدور الرئيسي الذي كان منوطا بعهدته هو كتابة الدستور لا غير في حيّز زمني أقصاه سنة واحدة (الفصل 6 من الأمر عدد 582 المؤرخ في 20 ماي 2011 يقول :" يجتمع المجلس الوطني التأسيسي يومين بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولى إعداد دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه" وبالتالي لم يذكر ايّ اختصاص آخر غير الاختصاص التأسيسي) لكنّ حركة النهضة كفرع لحركة الإخوان المسلمين بتونس لم تنقلب على القانون فقط بل إنقلبت أيضا على ما سمّيي بـ "إعلان المسار الانتقالي" الموقّع عليه في 15 سبتمبر 2011 والذي أمضاه 11 حزبا والذي تنصّ إحدى بنوده على "ضرورة تقليص مدة الفترة الانتقالية التي ستلي يوم 23 أكتوبر من أجل وضع المؤسسات الديمقراطية النهائية والاتفاق على أن لا تتعدى هذه الفترة مدة السنة على أقصى تقدير". وبذلك إستغلّت حركة النهضة المجلس سيّء الذكر ، الذي تحوّل من "مجلس تأسيسي" حسب النصّ إلى "مجلس تشريعي" حسب الرغبة بل أصبح سلطة لا يقيّدها قيد ولا يحدّدها زمن ، لتمرير مشاريع الدول الإمبريالية وصناديقها الماليّة النهابة حيث تحوّلت مهمّته الرئيسيّة إلى المصادقة على الإتفاقيات والقوانين اللاوطنية واللاشعبية بل وقع تمرير مشاريع لم يقدر نظام بن علي في أعتى فترات قوّته أن يمرّرها مثل إتفاقية "الشريك المميّز" والقرض الإئتماني وإتفاقية السماوات المفتوحة وخاصة البرنامج الجديد للإصلاح الهيكلي الذي وقع إمضاؤه في شكل إتفاقية سرّية صاحبت إمضاء القرض الإئتماني يوم 7 جوان 2013 والذي سيقضي نهائيا على آخر المؤسسات العمومية التي لم يعدد عددها يفوق 26 مؤسسة (بنوك ، شركة الطيران ، شركة المياه ، شركة الكهرباء والغاز خاصة). غير أنّ حركة النهضة لم تترك فرصة وصولها إلى السلطة (التي لم تكن تحلم بها بالمرّة) تمرّ دون محاولة أسلمة المجتمع من خلال طرح حزمة من القوانين التي تعمل على تثبيت "الدولة الدينية" التي طالما حلم بها حسن البنّا مؤسس حركة الإخوان المسلمين وعمل من أجلها شيوخ الحركات الظلامية في العالم من المودودي إلى السيّد قطب مرورا بالشيخ كشك ووصولا إلى صاحب الفتاوي مدفوعة الأجر يوسف القرضاوي ورفيقه في العمالة للإمبريالية والصهيونية راشد الغنوشي. مشاريع مستخرجة من داخل مخزون فكرها الموغل في الرجعيّة ومن عمق إيديولوجيتها الراسخة في دهاليز الظلامية القروسطية ومن باطن مشروعها السياسي الذي تنادي به "الإسلام هو الحلّ" (تقنين المالية الإسلامية منذ ميزانية 2012، فتح الباب أمام الصكوك الإسلامية ورهن المؤسسات العمومية من أجل خلاصها ، التشجيع على بعث البنوك الإسلامية ، تقنين التأمين الإسلامي عبر ما يسمّى بقانون التكافل ، تعزيز التعليم الزيتوني في شكله التقليدي ، إدراج علامة "حلال" ضمن العلامات المتوفّرة لدى المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية ، بعث صندوق للزكاة يضرب منظومة الجباية في القطر ، محاولة تمرير قانون الأوقاف ، محاولة تمرير قانون المساجد الذي سيؤسّس لدولة دينية داخل الدولة المدنيّة ...). 1.2. الدستور يكتب في شهرين فقط لقد أثبتت الأحداث التي جدّت في أواخر سنة 2013 وبداية 2014 بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ "المجلس التأسيسي" لم يكن سوى آليّة لتكريس وجهة نظر الطبقات الرجعية الحاكمة مثلما أكّدنا ذلك آنفا. فكتابة الدستور التي قيل لنا في البداية أنّها عملية صعبة ومعقدّة ويمكن أن تستغرق سنوات لم تستغرق في نهاية الأمر إلاّ شهران إثنان فقط (من نصف نوفمبر إلى نصف جانفي) ليقع نشر دستور نهائي صادق عليه "المجلس التأسيسي" يوم 26 جانفي 2014 وختمه ما يسمّى بالرؤساء الثلاث (رئيس الجمهورية ورئيس المجلس التأسيسي ورئيس الحكومة) يوم 27 من نفس الشهر في إحتفال أرادت الإمبريالية أن يكون إحتفالا لافتا للأنظار حيث أستدعيت له شخصيات دولية وعربية للترويج لنجاح تجربة تونس التي إفتتحت ما يسمّى بـ "الربيع العربي". فما الذّي حصل حتّى تتنازل حركة النهضة عن مشروع دستورها في مسودّته الرابعة الذي وقع نشره يوم غرة جوان 2013 وتسرّع بكتابة دستور جديد في وقت وجيز جدّا ؟ فالكل يعلم بأنّ ممثلي حركة النهضة في المجلس التأسيسي إستماتوا لكتابة ذلك الدستور ممّا أدّى بالعديد من أعضاء المجلس التأسيسي الآخرين ومنهم من يرأس لجانا تأسيسية معينة ، بإتهام هيئة التنسيق والصياغة ، وخاصة مقررها العام الحبيب خضر ، بالإنقلاب على الخيارات التي تم إقرارها من قبل أعضاء اللّجان التأسيسية وكتابة دستور من وراء ظهورهم وفي ذلك خرق واضح للنظام الداخلي للمجلس ، إذ لم تعتمد هذه الهيئة عند صياغة نص المشروع على تقارير اللجان كما ينص على ذلك الفصل 104 من النظام الداخلي ممّا أدّى بأكثر من 70 عضوا من المجلس على تعليق نشاطهم به لعدّة أشهر. والكل يتذكّر أنّ ذلك الدستور وقع ختمه من طريف رئيس المجلس مصطفى بن جعفر ومقرّر الدستور الحبيب خضر يوم غرّة جوان 2013 في صاحبته دعاية صحفية غير مسبوقة. الجواب نراه في إنخراط ما يسمّى بالمعارضة في هذا المشروع الإمبريالي عبر آليّة جديدة إبتدعتها الإمبريالية وهي ما سمّي بالحوار الوطني الذي قادته أساسا منظّمتان لا شيء يجمع بينهما من الناحية النظرية وهما منظمتا العمال والأعراف. ولقد مهد الطريق لكلّ ذلك التنازل تلو الأخر الذي قامت به قوى اليمين الليبيرالي وخاصة نداء تونس والحزب الجمهوري والأطراف الانتهازية السائرة في نهجه ممّن تبقّى من الجبهة الشعبية التي تخلت عن العصيان المدني وعن حل المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة وأصبحت تتآمر على الشعب سرا وعلنا من أجل السلطة ببحثها عن التوافق مع النهضة بعد أن رفعت شعار إسقاطها ، توافق حول حلول مغشوشة لم ولن تخدم في نهاية المطاف سوى أعداء الشعب المحليين والأجانب. ففي هذا الاطار إندرج ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني المخادع للشعب ، حوار بين قوى تسير أغلبها في ركاب القوى الامبريالية وتدافع عن مصالحها الأنانية الضيقة ، الذي إنطلق بصفة فعلية في تطبيق خارطة الطريق التي طرحها ما يسمّى بـ "الرباعي الراعي للحوار" في بداية شهر نوفمبر 2013 ليقع الإنتهاء من كتابة الدستور في أواخر شهر جانفي 2014 مثلما ذكرنا آنفا ويقع أيضا تنصيب حكومة المهدي جمعة "المستقلّة جدّا" يوم 28 جانفي 2014 وهكذا إكتمل الجزء الأوّل من المشروع الإمبريالي وحقّق الأهداف التي سعى إليها وهي : * إرغام حركة النهضة على التنازل عن البعض من مشاريعها في كتابة الدستور (وخاصة إعتماد الشريعة كمصدر أساسي لذلك) من أجل ترويض "المعارضة" على المشاركة في مشروعها مهدّدا إياها بإمكانية تعرّضها لما تعرّضت له الحركة الإخوانية في مصر * تشريك "المعارضة" في هذا المشروع الإمبريالي عبر قبولها بالجلوس مع حركة النهضة والتخلي عن شعار "إسقاط النظام" الذي نادت به الجماهير الشعبية * دفع منظمتي الأعراف والعمّال على المساهمة في هذا المشروع الإمبريالي وهو ما يعتبر مقدّمة لإمضاء سلم إجتماعية (وقع التنصيص عليها في الإتفاقية السرّية للقرض الإئتماني التي وقع إمضاؤها مع صندوق النقد الدولي) وهو ما وافقت عليه البيروقراطية النقابية ومارسته بكل وعي من وراء ظهر العمال ودون إستشارتهم وقد بدأ التأسيس لذلك بإمضاء العقد الإجتماعي يوم غرة جانفي 2013.
مسألة أخرى تجب الإشارة إليها عند الحديث عن كتابة الدستور وهي تتمثّل في الطريقة التي إعتمدها "المجلس التأسيسي" لصياغة الدستور وهي طريقة معكوسة لما هو معمول به في كل بلدان العالم. فالمعروف في كل البلدان التي كتبت دساتيرها ، ومنها مصر أخيرا ، هي أنّ النسخة الأولى للدستور تعدّها لجنة خبراء (سمّيت بلجنة الخمسين في مصر) ثمّ تعرض فيما بعد إمّا على نوّاب الشعب (التأسيسي عندنا) لمناقشتها والمصادقة عليها أو تعرض مباشرة على الشعب ليصادق للإستفتاء حولها مثلما حصل في مصر. لكن بما أن كلّ شيء هو إستثنائي في تونس فإنّ طريقة كتابة الدستور كانت إستثناية أيضا بعيدة عن كلّ منهجيّة علميّة إذ قام "المجلس التأسيسي" (الذي يضمّ من بين من يضمّ الصادق شورو والحبيب اللوز وإبراهيم القصاص وسنية بن تومية وغيرهم من "جهابذة" القانون) بكتابة الدستور ثمّ اعطي للجنة خبراء تضمّ 5 من المختصين في القانوني الدستوري وأعطيت لهم مهلة بأسبوع (نعم أسبوع واحد فقط لمناقشة 147 فصلا زائد التوطئة والأحكام الإنتقالية). فكيف لهيئة خبراء مهما كانت كفاءة مكوّناتها أن تقوم بدراسة دستور في هذا الحيّز القليل من الزمن ؟ إنّها مناورة أخرى من مناورات حركة النهضة الرجعية العميلة والأحزاب المشاركة معها في "المجلس التأسيسي" بفرض وجهة نظرهم على لجنة الخبراء. فهذه الأخيرة ومهما إجتهدت لا يمكن أن تغيّر أو تمسّ من الثوابت الأساسية التي بنيت عليها صياغة المشروع بل لقد ألزمت بعدم الخروج عن الأبواب العشرة التي إحتواها المشروع وهو ما حدى ببعض اعضاء لجنة الخبراء إلى الإنسحاب منها. هكذا إذا إستطاعت حركة النهضة تمرير مشروعها بتواطئ كامل مع بقية الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي بمن فيها الأحزاب المنتمية لما تبقّى من الجبهة الشعبية ولن ينسى شعبنا الكادح مهما طال الزمن كيف عانق المنجي الرحوي بكل حرارة (الذي يقدّم نفسه كأحد أشرس المناهضين لحركة النهضة) المجرم الكبير وصاحب فتاوي القتل الحبيب اللوز. 3. الدستور الذي أرادوه : تكريس لوجهة نظر الطبقات الرجعية الحاكمة وتخصيص للتوجهات العامة للإمبريالية قراءتنا للدستور لن تتناول كل فصوله الـ 149 لكننا سنركّز على أهمّ الأبواب والأحكام والمبادئ الواردة فيه لنبيّن التناقضات المسجّلة والإخلالات المقصودة والنواقص الموجودة حتّى يتبيّن أبناء شعبنا الكادح أنّ هذا الدستور لم يجعل لهم ولن يغيّر شيئا في واقعهم الإقتصادي والسياسي والإجتماعي وعليهم مزيد العمل والنضال من أجل إسقاط النظام وتركيز حكومة ثورية مؤقتة قادرة على إرساء الديكتاتورية الثورية الديمقراطية للعمال والفلاحين الفقراء كخطوة أولى في اتجاه ديكتاتورية البروليتاريا ، حكومة تسهر على كتابة دستور جديد يلغي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ويرسخ العمل المؤسساتي الفعلي ويضبط الحقوق والواجبات للكادحين على أساس المساواة الحقيقية في الحياة الاجتماعية وأمام القانون دون تفرقة لا على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الدين ويفرض احترام سلطة الدولة والمؤسسات والقوانين. أ. على مستوى الصياغة : أسلوب إنشائي وصيغ مبهمة وغير ملزمة حول الأسلوب المعتمد في كتابة الدستور يمكننا أن نجزم بدون أن نسقط في الخطأ على عدم إحترام قواعد الصياغة المستعملة في كل دساتير العالم إذ أنّ الأسلوب المعتمد هو أسلوب إنشائي/أدبي أكثر منه أسلوب قانوني وهو ما أكّده أغلب أساتذة القانون الدستوري الذي قدّموا قراءاتهم في الغرض. وهذا طبعا ناتج عن ثلاثة أسباب : أوّلهما ما قلناه في عدم إعتماد منهجية علمية في كتابة هذا الدستور (تكوين لجنة خبراء لتقديم مشروع دستور يعرض فيما بعد على "المجلس التأسيسي" وليس العكس) ، ثانيهما سيطرة حركة النهضة على هذا المجلس وإصرار نوابها ، الفاقدين لكلّ كفاءة في هذا المجال ، على كتابة الدستور (نذكّر بما قلناه آنفا حول نسخة دستور غرة جوان 2013) وثالثهما إعتماد الوفاق كطريقة لاتخاذ القرارات بين الفرقاء السياسيين ، إلا أنّ ذلك كان مع الأسف الشديد على حساب نوعية المنتوج القانوني حيث وقع الجمع بين المتناقضات جنبا إلى جنب. وكما قال أستاذ القانون أمين محفوظ "فقد نجح هذا المشروع في تحقيق ما عجزت عنه الطبيعة ، إذ جمع في نفس التوقيت بين النهار والليل ، وهو ما نستشفه سواء على مستوى هوية الدولة أو على مستوى الحقوق والحريات أو على مستوى تنظيم السلطات أو على مستوى الأحكام الإنتقالية". أمّا الخطورة الأكبر فتتمثّل في غياب التدقيق في الصيغ المستعملة وهو ما يفتح الباب واسعا أمام تنصّل الدولة من مسؤولياتها وخاصة منها الإقتصادية والإجتماعية والدليل على ذلك هو الإصرار على إعتماد ألفاظ مبهمة وصيغ غير ملزمة من نوع : تسعى ، تعمل ، تراعي ، تحرص إلخ ، عوضا عن صيغ ملزمة مثل تلتزم ، تضمن ، تنفّذ ، تحجّر إلخ. بل من المضحك أن نقرأ بعض الصيغ المبتورة مثل "الصحّة حقّ لكل إنسان" (الفصل 38) و"الحق في الثقافة مضمون" (الفصل 42) و"الحق في الماء مضمون" (الفصل 44) وربّما نسي أعضاء المجلس التأسيسي أن يقولوا لنا "الحق في التنفّس مضمون". هذه الصياغة المبهمة تفتح الباب واسعا أمام التأويلات التي يمكن أن تؤدّي لا فقط إلى دكتاتورية جديدة مقنّنة وإنّما أيضا إلى المسّ من مدنيّة الدولة ومن المكاسب التي حقّقها شعبنا الكادح عبر نضالاته الطويلة وهو ما سنبيّنه لاحقا. ب. توطئة أريد لها أن تكون غامضة ولا تحمل أهمّ المبادئ الكونيّة ولا تجرّم التطبيع من المسلّم به أنّ التوطئة ، في كل دساتير العالم ، تعكس ثوابت مجتمع معيّن وتضبط الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها ذلك الدستور. فهي المرآة التي تعكس مرجعية كل دولة أو شعب على المستوى الحضاري والثقافي والسياسي والإجتماعي والإقتصادي. فالتوطئة لها نفس القيمة القانونية لباقي الفصول ويمكن اللجوء إليها لتأويل أحد فصول الدستور من طرف المشرّع وخاصة من طرف المحكمة الدستورية عند كل رقابة دستورية للقوانين التي تشمل "رقابة المطابقة" وأيضا "رقابة الملائمة". فالتوطئة كان من المفروض أن تتماهى مع مطالب الإنتفاضة وشعارها المركزي "شغل ، حرية ، كرامة وطنية" وأن تقطع مع الإستبداد والحيف الإجتماعي وعدم التوازن بين الجهات. وهذا ما يقتضي وضوح الصياغة والإشارة بكل وضوح إلى المرجعية الكونية لحقوق الإنسان والقيم الإنسانية المشاعة بين الجميع والمعبّر عنها في عديد المواثيق والمعاهدات الدولية. فهل كرّست صياغة التوطئة الواردة بدستور 2014 كلّ هذه الأفكار ؟ قطعا لا لأنّ دستورا كتبه ممثلّوا الطبقات الرجعية الحاكمة لا يمكن إلاّ أن يكون دستورا قابلا للتأويل بما يخدم تلك الطبقات ويمنحها أكثر هامش لتمرير ما تريد عبر قوانين لا تخدم إلاّ سلطة رأس المال. فقد جاءت التوطئة خلافا لسابقتها في دستور 1959 طويلة في حجمها ومقلقة في قراءتها (287 كلمة مقابل 127 كلمة فقط في دستور 1959) وبها كثير من التكرار للعديد من الأفكار والمفاهيم المبهمة ولم تخرج عن مفهوم التوطئة في دساتير أشباه المستعمرات في الأقطار العربية (سوريا ، العراق ، اليمن ، الأردن ...). وقد إمتازت بثلاث مسائل هامّة : 1. الإشارات المتكررة (5 مرّات) إلى مفاهيم دينية (تعاليم الإسلام ، الهوية العربية الإسلامية ، الأمة العربية الإسلامية ...) دون مبرّر وبشكل مسقط في أغلب الأحيان وهو ما يصبغ هذا الدستور بصبغة دينية خلافا لما يروّجه البعض. 2. الإصرار على عدم الإشارة بكل وضوح إلى المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي حول الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإعلان حول التقدّم والإنماء في الميدان الإجتماعي وإعلان الحق في التنمية والإتفاقيات والتوصيات الصادرة عن منظّمة العمل الدوليّة والعربيّة. إنّ الإصرار على عدم التنصيص صراحة على الأجيال الثلاث لحقوق الإنسان (الجيل الأول أو ما يسمى بالحقوق "الزرقاء" تهتم بشكل رئيسي بقضايا الحرية والمشاركة السياسية ، الجيل الثاني أو ما يسمّى بالحقوق "الحمراء" وتشمل حق الحصول على عمل وحق الحصول على الرعاية الصحية والسكن بالإضافة للضمان الاجتماعي وإعانات العاطلين وأخيرا الجيل الثالث أو ما يسمّى بالحقوق "الخضراء" وتشمل البيئة والتنمية والإستدامة) ضمن توطئة الدستور والإقتصار فقط على ذكر جملة واحدة مبهمة "تمسّك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتّسمة بالتفتّح والإعتدال وبالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية" ، ممّا يؤمّن صياغتها بتشريعات قابلة للتنفيذ وتجعل منها حقّا يمكن الإحتجاج به تجاه السلط العمومية هو إصرار واع الهدف منه أيضا خدمة رأس المال أيضا عبر عدم دسترة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية خاصّة ممّا يسمح الباب واسعا أمام تشريعات تكرّس مرونة التشغيل وتجعل من هشاشة التشغيل القاعدة وليس الإستثناء وتضرب مطلب العمال في عمل لائق ذو أجر محترم وفي ظروف عمل صحّية وغيرها وهو ما تنادي به الدوائر المالية الإمبريالية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي). لذلك فإنّ توطئة دستور 2014 تنزع عن الدولة كل الإلتزامات الواقعة على كاهلها لتكريس الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وهي الإلتزام بإحترام تلك الحقوق والإلتزام بحماية تلك الحقوق والإلتزام بالتكريس الفعلي لتلك الحقوق وهو ما يعتبر تنكّرا لدماء الشهداء وإستهتارا بتضحيات جرحى الإنتفاضة وكلّ الجماهير الشعبية التي إنتفضت ضدّ الخيارات اللاوطنية واللاشعبية واللاديمقراطية. 3. الإصرار الغير مبرّر على عدم تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في الدستور وهو ما فضح الإرتباط الكامل لحركة النهضة وحلفائها بالإمبريالية والصهيونية ، بينما كان تجريم التطبيع أحد المطالب الرئيسية للجماهير الشعبية. فقد وقع الإكتفاء بجملة يتيمة في توطئة الدستور تقول "مناهضة كل أشكال الإحتلال والعنصرية". وكأنّ الإستعمار الإستيطاني في فلسطين هو مجرّد إحتلال وكأنّ المجازر المرتكبة من طرف الصهاينة في حق شعبنا العربي في فلسطين والتي لم يسبق لها مثيل في التاريخ هي ناتجة عن ممارسات عنصرية فقط. ت. في هوية الدولة : دولة دينية أم دولة مدنية ، تناقض صارخ بين الفصلين 1 و2 ؟ إنّ القراءة الموضوعيّة لأسباب إنطلاقة الإنتفاضة وصيرورة تطوّرها يؤكّدان بما لا يدع مجالا للشكّ بأنّ الإنتفاضة في القطر لم تنطلق البتّة من أجل مطالب دينية تتعلّق بحريّة اللباس أو لترسيخ القيم الإسلامية داخل المجتمع بل هي إنتفاضة قام بها في البداية المعطّلون عن العمل في المناطق الداخلية ثمّ إنخرطت فيها كلّ طبقات المجتمع وشرائحه المسحوقة بتأطير واضح وصريح من النقابيين والأطراف اليسارية ، تماما كما حصل خلال إنتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 ، ولم تكن للحركات الدينية بجميع تفرّعاتها من حركة النهضة إلى السلفيين مرورا بما يسمّى بحزب التحرير أيّ دور يذكر بل الكلّ يتذكّر بأنّ أغلب قيادات لتلك التنظيمات كانت تعيش خارج القطر ولم تعد إلى تونس إلاّ بعد 14 جانفي. فالإنتفاضة كانت إذا إنتفاضة مدنيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى ولم ترفع خلالها أيّة شعارات يمينية ذات صبغة دينية وكان من المفروض أن يأخذ كتبة الدستور هذا المعطى الهام ويضمّنون مسألة فصل الدين عن الدولة في الدستور ويؤسّسون لدولة لائكيّة مثلما حصل في تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية. أي أنّ تغيير الدساتير نحو الأفضل يكون عادة ناتج عن تغيير كبير في هيكلة الدولة يقطع مع الماضي وهو شيء لم يحصل في تونس بعد 14 جانفي. إذ أنّه وقعت المحافظة على الفصل الأول من دستور 1959 ، بنفس الصياغة ، في دستور 2014 الذي يقول "تونس دولة حرّة مستقلّة ذات سيادة ، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهوريّة نظامها" وكأنّه لم يحصل أي تغيير في القطر ولم تقع إنتفاضة عظيمة أطاحت برأس النظام وشارك فيها شباب متعلّم ومثقّف رفض التهميش والإضطهاد وقرّر أن يثور على واقعه المعاش ؟ لكنّ المفارقة في الدستور الجديد تتمثّل في التنصيص على هويتين متناقضتين للدولة. دولة دينية وقع التنصيص عليها في الفصل الأوّل من الدستور الذي ذكرناه آنفا "تونس دولة حرّة (...) الإسلام دينها" (وللتذكير فإنّ نفس الفصل نصّ على أنّه "لا يجوز تعديل هذا الفصل" ؟؟؟) بينما وردت عبارة "الدولة المدنيّة" في الفقرة الثالثة من التوطئة "تأسيسا لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي في إطار دولة مدنيّة السيادة فيها للشعب". لكن بنفس صياغة الفصل الأول يبدأ الفصل الثاني "تونس دولة مدنيّة تقوم على المواطنة وإرادة الشعب (...). أمّا خطورة هذا التنصيص فيتمثّل في أنّ مفهوم "دين الدولة" هو مفهوم يمكن تأويله بسهوله وهذا ما عبّر عنه أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد عشيّة المصادقة على الدستور حيث قال "إنّ الدستور المصادق عليه كلّه ألغام". فالقوانين التي ستنظّم الحياة العامّة يمكن أن يؤوّلها المشرّع ، في صورة فوز الإسلاميين مرّة أخرى في الإنتخابات ، حسب رغباته ويمكن أن يكون التأويل مناقضا تماما لمدنيّة الدولة أي أحكام مستخرجة مباشرة من الشريعة كما يفهمها البعض من المتزّمتين من أمثال الصادق شورو والحبيب اللوز وغيرهما. فلا شيء يمنع ، حسب نصّ الدستور ، من إلغاء مجلة الأحوال الشخصية وفرض عقوبة إعدام المرتدّ وتطبيق الحدود من رجم وصلب وجلد وقطع والرجوع إلى نظام أهل الذمة وتجزئة النظام التشريعي التونسي إلى نظم ملّية طائفية ، تتبع دين كل فئة دينية ، على غرار الدستور المصري الصادر في عهد مرسي إلخ. هكذا إذا يتّضح بأنّ التنازلات المقدّمة من طرف حركة النهضة وحلفائها هي تنازلات لفظية لا أكثر ولا أقل حيث أنّ الشريعة كمصدر أساسي للتشريع سحبت من السطور وعادت من بين السطور وبالتالي فإنّ التنصيص على مدنيّة الدولة هو مفهوم أفرغ من محتواه بصريح نص الفصل الأوّل. ث. دستور قابل للتعديل في أي وقت بأقلية مجلس نواب الشعب ينصّ الفصل 143 على ما يلي : «لرئيس الجمهورية أو لثل أعضاء مجلس نواب الشعب حق المبادرة بإقتراح تعديل الدستور ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر». فالدستور الحالي نصّ فقط على عدم إمكانية تعديل الفصلين 1 و2 فقط بالتنصيص صراحة على ذلك "لا يجوز تعديل هذا الفصل". فهل يمكن التهليل والتطبيل لدستور قابل للتعديل في أي وقت بطلب من رئيس الجمهورية أو بثلث النواب فقط ؟ وهل من ضامن بأنّ حركة النهضة التي من غير المستبعد أن تعود للحكم مرّة أخرى أن لا تعدّل الفصول التي قبلت بها الآن تحت الضغوط أو للمناورة ؟ ج. تناقض صارخ بين "الإسلام دين الدولة" و"حرّية المعتقد" حريّة المعتقد الواردة بالفصل 6 تعني فيما تعنيه "التعدّدية الدينية" وعدم التمييز بين الأديان أمام القانون لكنّ الفصل الأوّل يؤكّد على أنّ الإسلام هو دين الدولة أي أنّ الدولة ستقوم برعاية الدين الإسلامي دون غيره مثلما ورد بصريح العبارة في الفصل 6 أيضا "الدولة راعية للدين" (وردت في صيغة المفرد : الدين وليس في صيغة الجمع : الأديان) أي لدين واحد هو الدين الإسلامي. فالديمقراطية التي يتحدّثون عنها تقتضي أن تراعي الدولة كل الحساسيات الدينية وترعاها دون أن يكون ذلك حكرا على دين معيّن ولو كان دين الأغلبية. فماذا سيفعل المشرّع مستقبلا أمام حالة إعتداء على أحد المقدّسات الغير إسلامية ؟ هل يطبّق الفصل واحد الذي يقول بأنّ الإسلام هو دين الدولة أم يطبّق الفصل 6 الذي يحمل كلّ التناقضات داخله (الدولة راعىة للدين – كافلة لحرية المعتقد) ؟ ح. حرية التفكير أم حرّية الضمير ؟ عندما تلعب حركة النهضة على المصطلحات لتمرير دستورها المفخّخ نقرأ بالفقرة الأولى من الفصل 6 الذي أسال كثيرا من الحبر ما يلي "الدولة راعية للدين ، كافلة لحرّية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية ، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي". أي أنّه وقع التنصيص على حرّية المعتقد والضمير دون التنصيص على حرّية التفكير. فحرّية الضمير تعني حسب الأستاذ عياض بن عاشور "أن يؤمن الشخص أو يعتقد ما يمليه عليه اقتناعه الشخصي حسب تأمّله في الأشياء. و تتعلّق هذه الحريّة بالقناعات الكبرى التي تستوجب اختيارا بين أضداد في مجالات خلافيّة من مجالات النظر الفلسفي و الأخلاق والمعتقد الديني". ويضيف " تمكّننا حريّة الضمير من أن نكون متديّنين أو لا دينيّين، و أن نقرّر من بين الأديان ما هو الأصح لنعتنقه، وأن نقتدي بدين أصولنا أو أن نخرج عنه لاعتناق غيره من الأديان أو من الرؤى اللادينيّة". أي أنّ حرّية الضمير مرتبطة أساسا بالمسألة الدينية (أكون متدينا أو ملحدا أو أختار هذا الدين أو ذاك دون أن أكون خاضعا للعائلة أو المجتمع). أمّا حرّية التفكير فهي عبارة عن تفعيل الفكر واستخدامه في كل مجالات الحياة دون علاقة ضروريّة بالمسائل الخلافيّة التي تستوجب اختيارا شخصيّا. فحريّة التفكير يمكن أن تعني اختيارات العلماء التي تكون أقرب إلى اليقين العلمي و هي تعني إبداعات وابتكارات الأدباء و الشعراء ومختلف أصناف الفنانين كما تعني أيضا إختيارات الباحثين في مجال التكنلوجيا وغيرها من المجالات التي تسدعي إعمالا للفكر والإجتهاد كما لا يمكن التغافل عن أهمّية حرّية التفكير في إختيار نظام إجتماعي مناقض للنظام القائم. وهكذا يتّضح بأنّ حريّة التفكير هي أكثر شموليّة من حريّة الضمير بإعتبار وأنّها غير مرتبطة بذات المفكّر (أي أنّها أقل شخصنة من حريّة الضمير). إنّ التصويت على الفصل 6 للدستور في صيغته الحالية بيّن القدرة الكبيرة لحركة النهضة على المناورة وعلى جرّ "المعارضة" إلى المربّع الذي تريده هي ومن ورائها الدول الإمبريالية فقد قدّمت لها طعما بالموافقة على "حرّية الضمير" لكنّها أسقطت "حرّية التفكير" المنصوص عليه بالفصل 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك الفصل 18 من العهد الدولي للحقوق المدنيّة والسياسية الذي ينصّ على أنّه "لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والدين". وهو ما يعني اقترانا واضحا بين هذه الحريات الثلاث لم تنتبه له "المعارضة" أو لم تتمسّك به ربّما فرحا بتضمين "حريّة الضمير" وقبلت بتجزئة هذه الحريات الثلاث. بل قبلت "المعارضة" بتضمين هذه الحرّية في الفصل 31 الذي ينصّ على أنّ "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة". أي أنّ هذا الفصل يختزل حرّية الفكر (وليس التفكير) في مجرّد الإصداع برأي أو موقف في أجهزة الإعلام. إذا لو عندنا للتساؤل حول غياب التنصيص على حرية التفكير نفهم جيّدا أنّ هناك نيّة واضحة للمشرّع لمحاصرة النشاط السياسي في المستقبل عبر فتح الباب ، وإعتمادا على هذه الصياغة الواردة في الدستور ، لقوانين تحدّ من "حريّة التفكير" وبالتالي أعادت النهضة بيدها اليسرى ما قدّمته بيدها اليمنى. خ. أخطر الفصول الفصل 82 : تهديد جادّ للحقوق والحريات والأحوال الشخصيّة تنصّ الفقرة الأولى من الفصل 82 على ما يلي : «لرئيس الجمهورية إستثنائيا ، خلال أجل الردّ ، أن يقرّر العرض على الإستفتاء مشاريع القوانين المتعلّقة بالموافقة على المعاهدات أو بالحريات وحقوق الإنسان ، أو بالأحوال الشخصية والمصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب». وهنا نسأل المطبّلين لهذا الدستور والمزمرين له والذين رأيناهم يتعانقون مع أعضاء حركة النهضة داخل المجلس التأسيسي أو ينظمون الندوات للترويج لهذا الدستور ، هل قرأتم جيّدا هذا الفصل ؟ وهل إنتبهتم إلى الخطورة التي يحملها في طياته ؟ بل إننا نجزم بدون أن نكون قد سقطنا في الخطأ بأنّ التنصيص على حقوق الإنسان والأحوال الشخصية في هذا الفصل هو مقصود إذ تريد من ورائه النهضة أن تقول : «"ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه" (أي سياسة التدرّج أو سياسة المراحل) وذلك فيما يخصّ تطبيق "الشريعة" أو أسلمة المجتمع». فأربطوا أحزمتكم أيّها التونسيون وإستعدّوا للمعركة. لقد قلنا في البداية بأنّ حركت النهضة ناورت كما شاءت ومرّرت ما أرادت أمام "معارضة" فاشلة وفاقدة للبوصلة. ونحن نعتقد بأنّ أخطر فصل على الإطلاق هو هذا الفصل الذي يمكن من خلاله التراجع عن كل المكاسب التي حققتها الجماهير الشعبية من خلال نضالاتها منذ سنة 1956. فلو عادت تركيبة "مجلس نواب الشعب" بعد الإنتخابات القادمة تقريبا كما هي الآن (أي بأغلبية لليمين الديني وحلفائه من الأحزاب القريبة منه : المؤتمر ، حركة وفاء ، العريضة ...) وهو شيء غير مستبعد بالمرة ، وأرادت طرح تنقيح مجلة الأحوال الشخصية بتضمينها مسألة تعدّد الزوجات مثلا عبر الإستفتاء ، فهل تقدر المعارضة على تحريك الناخبين بنفس القوة وبنفس الإمكانيات التي تملكها الحركات الدينية الرجعية وحلفائها ؟ ألم تتّعض المعارضة من دروس إنتخابات 23 أكتوبر التي أبرزت مسألتين هامتين : الدور الرئيسي للمال السياسي القذر وعزوف أكثر من نصف الناخبين عن التصويت ؟ فهل تملك "المعارضة" المال الكافي "لشراء" أصوات الناخبين ؟ أم هل هي قادرة على إقناع ملايين الناخبين الذين قاطعوا الإنتخابات السابقة وهم في الأغلبية الساحقة منهم غير متحزّبين أو رافضين للإنتخابات من المشاركة ؟ أم هي أي "المعارضة" ستراهن على حركة نداء تونس وبالتالي على التجمعيين الذين يقودهم المجرم القذر محمد الغرياني داخل الحركة ، على التصدّي للمشاريع الظلامية ؟ نسأل ونمرّ. د. حول نظام الحكم رئاسي أم برلماني : "الثنائية" الشكلية و"الأحاديّة" الفعلية لن نركّز كثيرا على هذه المسألة لأنّه لا يهمّنا النظام السياسي الذي وقع إختياره بإعتبار وأنّه لا يهمّنا من سيكون الحاكم الفعلي هل هو رئيس الحكومة أم رئيس الجمهورية بحكم موقفنا المبدئي من طبيعة النظام القائم فنحن نرفضه لأنّه نظام رجعي عميل لكننا سنبيّن فقط كيف أصرّت حركة النهضة على تمرير مشروعها المتمثّل في علويّة سلطة رئيس الحكومة على سلطة رئيس الجمهورية أي فرض النظام البرلماني وهو ما يؤسّس إلى دكتاتورية حزب أو تحالف حزبي. فحركة النهضة التي تعتقد بأنّه من اليسير عليها الحصول على أغلبية برلمانية بالتحالف مع عديد الأحزاب التي تدور في فلكها ممّا يمكنّها من تشكيل حكومة بينما بالمقابل من غير المضمون نجاح مرشحها للرءاسة بإعتبار وأنّ التونسيات والتونسيين ربّما يميلون إلى عدم رمي كل بيضاتهم في سلّة النهضة وبالتالي إختيار شخصية سياسية أخرى ، قامت بدسترة كلّ ما يجب من الأحكام لكي يكون رئيس الحكومة هو الآمر الناهي في النظام السياسي المقترح. فرئيس الحكومة هو الذي يضبط السياسة العامة للدولة (الفصل 91) ويضبط إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وإقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة وإحداث أو تعديل أو حذف المؤسسات والمنشآت العمومية ويتصرّف رئيس الحكومة في الإدارة ويبرم الإتفاقيات الدولية ذات الصبغة الفنية ... (الفصل 92). أمّا رئيس الجمهورية فالصلاحيات القليلة التي عهدت له ، عدى تعيين مفتي الجمهورية وموظّفي الرئاسة والمؤسسات التابعة لها (الفصل 78) ، يجب ان يستشير فيها رئيس الحكومة : ضبط السياسات العامة للدفاع والأمن والخارجية وإعلان الحرب وإبرام السلم (الفصل 77) ، التعيينات والإعفاءات في الوظائف العسكرية ، تعيين وإعفاء محافظ البنك المركزي (الفصل 78) ، فرض حالة الطوارئ (الفصل 80). ذ. الفصل 99 يكرّس دكتاتوريّة "مجلس نواب الشعب" من المعروف أنّ الدكتاتورية يمكن أن تكرّس من خلال نظام رئاسي لكن يمكن أن تكرّس أيضا من خلال نظام برلماني من طرف حزب حاكم أو تحالف حزبي. فالدستور التونسي إحتوى على فصل يجسّد قمّة سيطرة المجلس النيابي على مؤسّسة الرئاسة ووضع هذه الأخيرة تحت رحمة المجلس فتتمثّل في إقالة رئيس الجمهورية نتيجة أحداث ليس مسؤولا عنها بالمرّة مثلما ينصّ عليه الفصل 99. فهذا الفصل يقول : «لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها مرّتين على الأكثر خلال كامل المدّة الرئاسيّة (...) وفي حالة تجديد المجلس الثقة في الحكومة في المرتين ، يعتبر رئيس الجمهورية مستقيلا ». هكذا وبكل بساطة يصبح رئيس الجمهورية مسؤولا عن إستقالة حكومة لم يكن له في تعيينها أيّ دخل !!! لكنّ الأخطر من ذلك يمكن أن يصبح هذا الفصل وبكل سهولة آليّة يستعملها الحزب الأغلبي في "مجلس نواب الشعب" لإقالة أي رئيس لا يرضى عنه رغم أنّه إنتخبه الشعب مباشرة. ولنأخذ مثالا على ذلك : لنفترض أنّ الشعب إنتخب رئيسا إسمه "علي شورّب" (لا ترتاح له حركة النهضة) يوم 1 جانفي 2015 وفي نفس اليوم وقع إنتخاب "مجلس نواب الشعب" تسيطر عليه حركة النهضة وحلفائها ثمّ وقع تشكيل حكومة من طرف الأغلبية (أي حركة النهضة وحلفائها) بعد شهر واحد أي يوم 1 فيفري 2015. لكنّ حركة النهضة يمكن لها أن تخطّط إعتمادا على هذا الفصل لإقالة الرئيس بطريقة دستوريّة لمجرّد أن توعز لحكومتها بتقديم إستقالتها لمرتين إثنتين. فبعد شهر فقط أي يوم 1 مارس توعز حركة النهضة لحكومتها بتقديم إستقالتها لرئيس الجمهورية الذي يكون مجبرا حسب الفصل 99 من مطالبة مجلس النواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. فيصوّت مجلس النواب بالأغلبية المطلقة (50 + 1) على إعطاء الثقة حسب المخطّط المرسوم وتعود الحكومة لمزاولة نشاطها لكن بعد شهر آخر أي لنقل يوم 5 أفريل 2015 توعز الحركة من جديد لرئيس حكومتها بإعادة تقديم إستقالته لرئيس الجمهورية ويجبر هذا الأخير على إعادة نفس العمليّة وعند مصادقة مجلس نواب الشعب على التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها يوم 7 أفريل مثلا يعتبر رئيس الجمهورية مستقيلا منذ ذلك التاريخ. أي أنّ الفترة النيابية لرئيس الجمهورية "علي شورّب" لم تدم إلاّ 3 أشهر و 7 أيّام فقط. هكذا وبهذه الطريقة التي لا يمكن تسميتها إلاّ بدكتاتورية "مجلس نواب الشعب". ويصبح الوضع السياسي ، كما هو حاصل في إيطاليا ، غير مستقرّ بالمرة. ر. التعليم هو السلاح الذي ستعتمده حركة النهضة لتمرير وفرض مشروعها المجتمعي لا يمكن الحديث عن المدرسة (المقصود هو المؤسّسة التعليميّة من الروضة إلى الجامعة) بمعزل عن نمط الإنتاج السّائد (إقطاعيّة ، رأسماليّة أو إشتراكيّة). فالمدرسة ، إلى جانب مؤٍسّسات أخرى ، تقوم بإعادة إنتاج وشرعنة نمط الإنتاج السّائد. وهي بالتّالي سلاح من أسلحة الدولة بل هو أخطر سلاح لديها. وليست الدولة البرجوازية إلا أداة سيطرة الطبقة البرجوازية وتأبيد تلك السيطرة على الطبقة العاملة وباقي الكادحين وهي تقوم بوظيفتها تلك عبر العديد من الأجهزة والمؤسّسات (البرلمان، الجيش، الشرطة، المحاكم، المؤسسة الدينية، الإعلام ، المدرسة...). وإذا كان دور بعض تلك الأجهزة مثل الجيش والشرطة والمحاكم والسّجون وغيرها يتمثّل في استخدام القمع المادي المباشر، فان دور بقيّة الأجهزة مثل البرلمان والإعلام والمؤسسة الدينية وخاصة المدرسة هو القمع الإيديولوجي المقنع (تبرير السيطرة الطبقية وتأبيدها ، محاربة الفكر الثوري ، الترويج للثّقافة الرجعيّة التي تعمل على تكريس التخلّف وتبليد الفكر وتعطيل ملكة النقد والإبداع لدى الجماهير الشعبية...). لذلك ركّزت الحركات الدينية منذ وجودها على إستهداف المدرسة "العلمانية" حسب وجهة نظرها والكل يتذكّر الحملة الشرسة التي قادتها حركة الإتجاه الإسلامي على محمد الشرفي وزير التربية السابق (رغم أنّه لا يمثّل مرجعا بالنسبة لنا) بتعلّة أنّه جاء لتجفيف المنابع وضرب كلّ نفس إسلامي في البرامج التربوية. هذه المعركة عادت إلى السطح وإشتدّت كثيرا بعد 14 جانفي للأسباب التي ذكرناها آنفا. فالسلفيون ، الذين إفتكّوا المبادرة في عديد المجالات خاصة داخل الأحياء الشعبية الفقيرة في تونس العاصمة وفي كل المدن الأخرى في غياب واضح وغير مفهوم للقوى اليسارية ، إعتمدوا على الإعانات الإجتماعية والعيادات الطبية والقروض الصغرى وغيرها للإستقطاب العاجل للجماهير لكنّ الإستقطاب الآجال ركّزوا فيه على الروضات والمدارس القرآنية لخلق جيل من الناشئة يأتمر بأوامرهم ويكون جيش الإحتياط الذي يستعملونه لتمرير برامجهم ورؤاهم ومخططاتهم الرجعية. أمّا حركة النهضة (التي ترى في السلفيين جناحها الثاني الذي سيمكّنها من الطيران عاليا لذلك دعّمتهم وحمتهم ولازالت) فقد إعتمدت على المؤسسات القائمة لتطويعها لبرامجها الظلامية إذ قامت بإعادة تقنين التعليم الزيتوني في شكله التقليدي الرافض لكل العلوم الإنسانية من خلال إتفاقية غريبة لاقانونية ولا دميقراطية بين الأئمّة الوهابيين الذين سيطروا على جامع الزيتونة بعد 14 جانفي ووزارتي التعليم العالي والتربية. لكنّ ما حقّقه الظلاميون أعداء العلم والتقدّم على الأرض يعتبرونه غير كاف ، لذلك تحايلوا في دسترة مشروعهم الظلامي عبر الصياغة التي مرّروها في الفصل 39 الذي ينصّ على ما يلي : «التعليم إلزامي إلى سن السادسة عشرة (...) كما تعمل على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية...». فما معنى "تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية" ؟ ألا يعني ذلك فتح الطريق أمام الداعين للتعليم الديني لـ : • الفصل بين الذكور والإناث داخل الفضاءات المدرسية وفي وسائل نقل التلاميذ والطلبة مثلما هو معمول به داخل أغلب دول الخليج • فرض الزي الطائفي الذي يعتبره الوهابيون هو "الزي الشرعي" للمرأة المسلمة • تكريس الإنغلاق الثقافي والحضاري عبر الإقتصار على تدريس ما له علاقة بما يسمّى بـ "العلوم الشرعية" والتخلي خاصة عن العلوم الإنسانية والفنون (الفلسفة ، التاريخ والجغرافيا ، الموسيقى ، الفنون التشكيلية ...) من أجل وضع حدّ لإعمال العقل والإجتهاد والإبداع وإجتثاث كل فكر نقدي وعقلاني يمكن أن يتصدّى للمشروع الظلامي • منع أبناء غير المسلمين من التسجيل في المدارس التونسية وهو ما يفتح الباب واسعا امام المدارس الطائفية والدينية إنّ هذا الوضع من شأنه أن يجعل التعليم في تونس منقسما إلى مدرستين: مدرسة عموميّة منغلقة على ذاتها هي مدرسة أبناء الشعب ومدرسة خاصّة متفتحة لا يستفيد منها إلاّ أبناء البورجوازية وما يترتّب على ذلك من تمييز بين أبناء الشعب الواحد وهو ما يقلّص من حظوظ الأغلبيّة في النجاح ويزيد في الرفع من نسب الإنقطاع عن التعليم. كما أنّ هذا الفصل يضرب في العمق ديمقراطية التعليم ومجانيته التي ناضلت من أجلها أجيال من التونسيين. ز. قضاء غير مستقل ومحكمة دستورية تحت رحمة السلطة التنفيذية من المعروف أنّ الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) حسبما نظّر له لأوّل مرّة لوك دو منتسكيو (Luc De Montesquieu) في كتابه الشهير الذي أصدره سنة 1748 تحت عنوان "روح القوانين" هو جوهر النظام الديمقراطي البورجوازي وعدم الفصل بين تلك السلطات هو دليل على دكتاتورية النظام وهذا بالضبط ما يؤسّس له دستور سنة 2014 تماما مثل دستور 1959. ومن المعروف أيضا أنّ العدل والإنصاف لا يتحققان إلاّ بإرساء نظام قضائي مستقل وناجع قادر على تطبيق القانون بين المواطنين وتنفيذ العقوبات ومراقبة التصرف المالي والإداري والسياسي للدولة والمؤسسات العمومية. لكنّ النظام الدكتاتوري لا يقبل البتّة بأن تكون هناك رقابة عليه وخاصة من طرف القضاء لذلك يعمل دائما على سلب هذه السلطة إستقلاليتها عبر العديد من الآليات وأهمّها جعل النيابة العمومية تابعة له. ورغم أنّ الفصل 102 من دستور 2014 ينصّ صراحة على أنّ "القضاء سلطة مستقلّة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات. القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون" فإنّ الفصل 106 يسحب بكل وضوح تلك الإستقلالية إذ ينصّ على أنّ "تسمية القضاة تقع بأمر رئاسي بالتشاور مع رئيس الحكومة". لكنّ تدخّل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية لا يقف عند هذا الحدّ بل يتجاوزه إلى التدخّل في تركيبة "المجلس الأعلى للقضاء" الذي يقع إنتخابه من طرف القضاة في أغلب الأنظمة الديمقراطية غير أنّ المشرّع التونسي سواء سنة 1959 أو سنة 2014 رأى عكس ذلك حيث تتدخّل السلطة التنفيذية في إختيار ثلث الهياكل الأربعة المكوّنة للمجلس الأعلى للقضاء مثلما ينصّ عليه الفصل 112 حيث نقرأ ما يلي : «يتكوّن المجلس الأعلى للقضاء من أربعة هياكل هي مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي والجلسة العامة للمجالس الثلاثة. يتركّب كلّ هيكل من هذه الهياكل في ثلثيه من قضاة منتخبون وبقيتهم معيّنون بالصّفة وفي الثلث المتبقّي من غير القضاة من المستقلين من ذوي الإختصاص». فالثلث المعيّن من طرف السلطة التنفيذية يكون دائما خاضعا ووفيا لها ليحافظ على إمتيازاته إذا كان من أهل الإختصاص أي من رجال القانون (أستاذ جامعي في القانون أو محامي أو غيرهما) لكنّ الأخطر من كلّ ذلك هو تعيين رجال دين بتعلّة إختصاصهم في الشريعة الإسلامية بهذه الهياكل الأربعة القضائية مثلما هو حاصل في عديد البلدان العربية التي تعتمد الدساتير الوضعية مثل الأردن واليمن والسودان وموريتانيا. وخطورة ذلك تتمثّل في صبغ القوانين بصبغة دينية هو ما سعت وتسعى له حركة النهضة وحلفائها من الأحزاب الرجعية. أمّا فيما يخصّ المحكمة الدستورية التي تعتبر هي الضامن لممارسة الحقوق والحريات الواردة بالدستور عبر مراقبة كل مشاريع القوانين والمعاهدات قبل ختمها والتثبّت من ملائمتها للدستور فقد نصّ الفصل 118 على ما يلي : «المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلّة تتركّب من إثني عشر عضوا من ذوي الكفاءة ، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون الذين لا تقلّ خبرتهم عن عشرين سنة. يعيّن كل من رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء أربعة أعضاء على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون ويكون التعيين لفترة واحدة مدّتها تسع سنوات. يجدّد ثلث أعضاء المحكمة الدستورية كل ثلاث سنوات». فعن أيّة إستقلالية يتحدّث المشرّع والسلطة التنفيذية والتشريعية تعيّن ثلثهم ؟ وهل يعقل أن تكون تركيبة محكمة دستورية مختصّة في مراقبة مشاريع القوانين والسهر على إحترام الدستور متكوّنة من إختصاصات غير قانونيّة ؟ ألا يفتح ذلك الباب واسعا أمام رجال الدين (كما أسلفنا الذكر بالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء) للتواجد فيها أو كذلك تواجد السياسيين أيضا بحكم انّ النصّ لم يحدّد ما هي الإختصاصات الأخرى ؟ أمّا أخطر ما يمسّ من إستقلالية المحكمة الدستورية فهو تجديد ثلث اعضاء المحكمة كل ثلاث سنوات. فهذه الوضعية تجعل كل أعضاء المحكمة الدستورية خائفين على مناصبهم وفلا أحد منهم يعرف من سيشمله التغيير لذلك يدخل كل منهم في لعبة تقديم الولاء للسلطة التنفيذية مثلما كان يحصل للمحكمة الدستورية في عهد نظام بن علي والتي صادقت على كل القوانين اللادستورية. الخاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة : هكذا إذا نعيش بالتجربة الملموسة النتائج الكارثية لانتخابات 23 أكتوبر ، التي هلّل لها الكثيرون ، والتي أنجزت في ظل نظام رجعي تقوده دولة عميلة والتي خضعت بكل وضوح لتأثير المال السياسي وشابتها شوائب عديدة مثل التدليس ، حيث أعلن رئيس لجنة الإنتخابات السابق كمال الجندوبي أنّه وقع تدليس نصف مليون صوت ، وهو ما أفرز قيادة سياسية لا تمثّل إلاّ مصالح القوى الاستعمارية والائتلاف الطبقي الحاكم في تونس خادمها الأمين والتي عملت على المحافظة على النظام السائد وعلى إعادة إنتاجه عبر ما سمّي بـ "المجلس التأسيسي" الذي مثّل رأس حربة النظام الحاكم في تمرير كل برامجه ومخططاته ورؤاه. وما دستور جانفي 2014 إلاّ دليل على ما نقول بحكم ما ورد فيه من تناقضات وفخاخ عديدة ستكون المدخل الدستوري للطبقات الرجعية الحاكمة من أجل تمرير رؤاها وبرامجها اللاوطنية واللاديمقراطية واللاشعبية. طبعا هذا الكلام لا يجب أن يفهم على أنّه رفض في المطلق للعمل في البرلمانات الرجعية (فمرشدنا هي الإشتراكية العلمية وملهمنا في هذه المسألة بالذات معلم البروليتاريا فلاديمير إيليتش لينين الذي تحدّث وكتب بإطناب عن دور البرلمانات الرجعية وموقف الثوريين منها وشروط العمل بداخلها) لكنّنا لا نعتبرها المحطة الرئيسية التي يجب أن تصبّ فيها كلّ جهودنا وتوجّه لها كلّ قوانا وبالتالي نجعلها على رأس جدول أعمالنا فذاك منتهى الإصلاحية والإنتهازية ولا يمكن إلاّ أن يضلّل الجماهير ويجرّها إلى طريق مسدود. نحن فقط نرفض التخلّي عن الشرعيّة الثورية والجري وراء ما يسمّى بالشرعية البرلمانية و"التنافس الديمقراطي" من أجل التداول السلمي على السلطة ، هاته المقولة الليبرالية التي تريد طمس التناقضات التي تشقّ المجتمع. نحن نرفض تمييع الوعي السياسي الثوري للجماهير الشعبية وبالتالي التخلّي عن حركة الصراع الطبقي والنضال الوطني. نحن نرفض الدفاع عن السياسات الإصلاحية التي هي تمرير ممنهج لسياسة الإمبريالية والبورجوازية في صفوف العمال والكادحين في القطر. لكلّ ذلك نحن نعمل وسنواصل العمل من اجل ان تبقى المسالة الوطنية على راس جدول أعمال القوى الثورية من أجل تحرير تونس من الإستعمار والرجعية المحلّية. يقول لينين في نصّ بعنوان "لمحة عن المفهوم الماركسي للدستور" : « حرية انتخابية تامة وسلطة كاملة لجمعية تأسيسية يمكن ضمانهما فقط من خلال الانتصار التام للانتفاضة والاطاحة بالحكم القيصرى على ان تحل محله حكومة ثورية مؤقتة. وعلى كل جهودنا ان تتوجه لتحقيق هذا الهدف يجب ان يتصدر تنظيم واعداد الانتفاضة كل المهام على نحو مطلق. وبقدر ماتكون الهبة منتصرة فحسب وبقدر مايقود النصر الى التدمير الحقيقى للعدو – بقدر ذلك فحسب سوف تكون جمعية ممثلى الشعب شعبية ليس على الورق فحسب وكذلك تأسيسية بالفعل لا بالاسم فقط». - إنتهــــــــــــــــى د. عبدالله بنسعد ، تونس
#عبدالله_بنسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العولمة والتعليم في تونس : سلعنة المدرسة خدمة لرأس المال ، م
...
-
في الذكرى 56 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية بتونس : المطلوب مسا
...
-
ميزانية 2012 : ميزانية تفقير المفقّرين والتخلي عن -السيادة ا
...
-
على هامش الإنتخابات الرئاسية الفرنسية : لا علاقة لفرنسوا هول
...
-
المشروع الفلاحي السويسري بالصحراء التونسية : هل هو حقا لإنتا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا
...
-
غرّة ماي مابين سنتي 1886 و1889 من إنتفاضة العمّال بشيكاغو إل
...
-
الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب
-
الأهداف الإستراتيجية للحرب الإمبرياليّة على العراق (الجزء ال
...
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|