رد على مقال الدكتور عبد الحسين شعبان -ضوء على رسالة جاسم الحلوائي-
جاسم الحلوائي
2014 / 5 / 12 - 00:34
رد على مقال الدكتور عبد الحسين شعبان
"ضوء على رسالة جاسم الحلوائي"
وصلني من الدكتور عبد الحسين شعبان مقال تحت عنوان "ضوء على رسالة جاسم الحلوائي، شبح عامر عبد الله ومكر التاريخ !" وكنت قد اطلعت عليه في موقع الحوار المتمدن.
لم تكن لدي النية في كتابة مقال حول كتاب الدكتور شعبان عن عامر عبد الله. ولكن بعد الانتهاء من قراءتي للكتاب في حينه، تأسفت على مواصلة كاتب الكتاب نزعته المعادية للحزب الشيوعي العراقي، والسعي إلى إضعافه بمختلف السبل، بما في ذلك تشويه التاريخ وتزويره تحت راية حرية النقد. إن الدكتور شعبان يعيد ويصقل أخطاء معينة مخلوطة بأخرى غير صحيحة وخطيرة. ويبدو بأن شعبان يرى بأن وجود الحزب الشيوعي يتعارض مع ادعائه بأنه "ماركسي مستقل" ويهمّه إلغاءه! وما معنى هذه الصفة التي يدعيها ويكررها في كتابه "ماركسي مستقل" وعن أي شيء هو "مستقل"!!. فإذا كان المقصود استقلاله عن الحزب الشيوعي وعن أي تنظيم سياسي، فهو بعيد كل البعد عن فهم ماركس الذي انخرط بنشاط في الأممية الأولى، وأسس مع زميله أنجلز الأممية الثانية ورعى ووجه الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في كل مكان . وعندما يشير ماركس في موضوعاته عن فورباخ: بأن" الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة ولكن المهمة تتقوم في تغييره"، فلم يعني ماركس بأن التغيير يتم بواسطة المستقلين. وإذا كان شعبان قد فهمها هكذا فهو على وهم. ويردد شعبان كثيراً فهمه للماركسية على أنها: "تعني الحقيقة والجمال والعدالة والمساواة بين البشر والرجال والنساء والقضاء على الاستغلال(أي استغلال، وضح؟ج)، ونسي أنها كل ذلك ولكنها، أولاً وقبل كل شيء، هي نشاط سياسي منظم لطليعة الطبقة العاملة وشغيلة اليد والفكر من أجل تحقيق أهدافها.
فالطبقة العاملة لن تتمكن أن تحقق أهدافها،حسب ماركس، إلا بعد أن تتحول من طبقة بذاتها إلى طبقة لذاتها، ولن تتحول لذاتها بدون حزب سياسي.
إن أفكار ماركس ليست حكراً لجهة معينة وهي مشاعة، ولكن الاستفادة من منهج ماركس وأفكاره بهذا القدر أو ذاك شيء، وادعاء الانتماء الفكري له، ولكن مخالفته فيما هو مبدأي في التطبيق، شيء آخر.
وبعد أن تأسفت من محتوى الكتاب ، كما ذكرت، وضعت الكتاب في المكتبة، ولم أكن أنوي الكتابة عنه. إلا أن رسالة وصلتني من شعبان ورد فيها "... آمل أن أسمع ملاحظاتك بعد الانتهاء من قراءة كتاب عامر عبد الله"، ويقصد كتابه عن عامر عبد الله. فوعدته بكتابة ملاحظاتي وإرسالها له، ولكنني عدلت عن ذلك و قررت نشر الملاحظات طالما أن الكتاب أصبح في متناول القراء، كما ذكرت ذلك في مقدمة مقالي السابق. فأرجو أن يطمئن الدكتور بأنه لا توجد "جهة تقف خلف جاسم الحلوائي"، كما جاء في مقاله أما إشارته إلى أبي سيفان، فأطمئنه بأن الرفيق أبو سيفان يدقق كل مقالاتي طباعياً وبعض الأحيان إملائيا. ويمكن للدكتور التأكد من ذلك بمقارنة النص المرسل اليه خطأ للتصحيح وبين النص المنشور، فسيجد أربعة أخطاء مطبعية صححها الرفيق أبو سيفان مشكوراً. فالأخطاء المطبعية لا يخلو منها أي مطبوع بما في ذلك كتاب شعبان عن عامر عبد الله. إن أبا سيفان جندي مجهول فهو يصحح لعشرات الكتاب. وأنا لست خجلا من تصحيحات أبي سيفان فقد سبق وأن شكرته على هذا الجهد في مقدمة كتابي "الحقيقة كما عشتها". فشكوك شعبان بأن جهة ما تقف خلف الحلوائي هي في غير محلها، ولولا طلبه الملاحظات، لما كتبت ذلك المقال أصلاً. وجنت على نفسها براقش، كما يقول المثل.
بودي أن أبدي أسفي على استخدام الدكتور شعبان عبارات غير لائقة في الحوار مثل سؤاله" أحقاً إن مستوى التفكير انحدر إلى هذا القدر من السطحية والسذاجة؟" في معرض إشارته لأحد المواضيع.
إذا كان تناول الحلوائي للموضوع الذي أشار إليه أو أي موضوع آخر سطحي وساذج إلى هذا القدر، فلم كلف الدكتور نفسه وكتب حوالي 50 صفحة للرد عليه؟ فالقراء ليسوا سذج أو سطحيين، وكانوا سيهملون مقال الحلوائي. في حين لم يجر استحسان أي مقال من مقالاتي من قبل القراء مثل ما جرى أزاء هذا المقال إطلاقاً. فهل أن القراء أيضاً سذج وسطحيون؟
إن ما كتبته في مقالي، ليس بقراءة كلاسيكية للكتاب، بل إنها مجرد ملاحظات، كما ذكرت ذلك في مقدمة مقالي السابق. وقد علقت على أحد التعليقات في الحوار المتمدن بما يلي:
"أعتقد لكي يكون الحوار مفيداً يتطلب الإجابة على الأسئلة التالية:
1- هل يتحمل الحزب الشيوعي العراقي مسؤولية في أحداث كركوك في تموز 1959؟ إذا كان الجواب بنعم المطلوب أدلة موثقة.
2- هل إن الفقيد عامر عبد الله كان يوجه سلام عادل في السنوات 1956-1958؟ إذا كان الجواب بنعم المطلوب أدلة موثقة.
3- هل صاغ عامر عبد الله لنحو ثلاثة عقود أهم وثائق الحزب الشيوعي العراقي النظرية وتقاريره السياسية؟ إذا كان الجواب بنعم المطلوب أدلة موثقة.
4- هل كان سلوك الذين خرجوا أو اخرجوا من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الرابع عام 1985 ونشطوا ﻠ "تصحيح مساره" من خارج أطره التنظيمية كان صحيحاً، أم سلوك الذين نشطوا داخل إطاره وساهموا في تجديد الحزب ودمقرطته؟ الجواب يتطلب أدلة موثقة.
لا تغرك الإجابة بنعم على هذه الأسئلة أو أي منها، بدون أدلة موثقة، ففي هذه الحالة لا يمكن اعتبارها جرأة وإنما تشويه وتزوير متعمد للتاريخ.
على أي حال أشكرك على مرورك".
وقد أرسلت هذا التعليق ( الأسئلة)إلى الدكتور شعبان.
وكان بودي أن يركز الدكتور على هذه النقاط ويرد بأمانة وبروحية نقدية عليها، وأن لا يضيّع الإجابة عنها في مقال طويل عريض يذكر الكثير مما جاء في كتابه ولم يُطرح في الحوار. فراح يعيد ويصقل في مقاله أخطاء الحزب والحركة الشيوعية وينبش في المقابر وذهب بنا حتى إلى عهد ستالين، وبطرح أمور كثيرة مختلف عليها لتعجيز المحاور عن مواصلة الحوار، وهذا أسلوب مكشوف، وهو غير صحيح في حوار يراد منه أن يكون مبدئياً وراقياً. وإنني غير مستعد للانجرار إليه . إذاً لندخل الآن في صلب الموضوع. وسأركز على إجاباته المنثورة في مقاله على الأسئلة المطروحة.
السؤال رقم 1 كان ما يلي: هل يتحمل الحزب الشيوعي العراقي مسؤولية في أحداث كركوك في تموز 1959؟ إذا كان الجواب بنعم، المطلوب أدلة موثقة.
إن المؤرخين المهنيين يبحثون عن المسؤولية السياسية في مثل هذه الأحداث التاريخية. كما إنهم يبحثون عن وثائق تؤكد وجود قرارات أو توجيهات صادرة عن الحزب أو منظمته المحلية أو شهادات شهود عيان يؤكدون مثل هذه القرارات أو التوجيهات. لقد أوردت ثلاث شهادات لمؤرخين مهنيين وغير شيوعيين واثنين منهما أجانب، وجميعهم يبرئون ساحة الحزب من المسؤولية. أما عن وجود عناصر تصرفت بما يتعارض مع توجيهات الحزب، فلم ننكر ذلك ولكن ذلك شيء والمسؤولية السياسية شيء آخر. ولم يأت الدكتور بدليل يؤكد مسؤولية الحزب السياسية، بل أهمل تلك الشهادات لمجرد أنها لصالح الحزب!. فقد التقط الدكتور ما يناسبه فقط من الأستاذ عزيز سباهي، وأهمل ما يلي:"واضح مما يؤكده عزيز محمد، تهافت التهم التي كيلت للحزب الشيوعي العراقي، أو للجنته المحلية في كركوك بشأن ما قيل عن تدبيره للأحداث".
السؤال رقم 2 هو: هل إن الفقيد عامر عبد الله كان يوّجه سلام عادل في السنوات 1956-1958؟ إذا كان الجواب بنعم، المطلوب أدلة موثقة. وطرحت السؤال بناءً على هذا النص الوارد في الكتاب والمكرر في المقال وهو:
" ولعلّ انطباعاتي الشخصية بأن عامر عبد الله لا يريد أن يكون الشخص الأول، وإنما يريد توجيه الشخص الأول، على أن يترك له كامل الحرية للتصرف، وبذلك يكون أكثر انسجاماً وأظن أن فترة 1956-1958 سارت بهذا الاتجاه، لاسيّما في ظروف العمل السري". يؤكد الدكتور شعبان بصريح العبارة: " وأظن أن فترة 1956-1958 سارت بهذا الاتجاه". بأي اتجاه؟.... باتجاه توجيه الشخص الأول والذي هو سلام عادل".
وبدلا من تقديم نقد ذاتي على ظنه الخاطئ هذا، فانه يعقب على ذلك بما يلي: " وهذه رغبة عامر عبد الله وقد تتحقق وقد لا تتحقق، وقد يرتضي بشيء منها وقد لا يرتضي، ولذلك حدث الاختلاف مع سلام عادل، بل والافتراق، بسبب عدم الانسجام وعدم تحقق رغبات عبد الله". الكلام يدور على ظنك أنت بالذات يا دكتور وليس رغبة عامر. هل كان ظنك في محله؟ أجب على هذا السؤال بصراحة. وهل يجوز لشخص أكاديمي أن يصدر أحكام على أمور تاريخية خطيرة على أساس الظن"؟!
الشيء الايجابي هو أن الدكتور يقيّم سلام عادل تقييما صحيحا في المقال وهذه التقييمات لم تكن موجودة لا في الكتاب الذي يحمل عنوان "فصل ساخن من فصول الحركة الشيوعية، وكان دور سلام عادل في أهم هذه الفصول محورياً، ولا في كتبه السابقة. وما أورده شعبان من كتابه عن سلام عادل ليس فيه ما يتعارض مع ظنه الآثم "فبعض الظن أثم". أما الذي وجده ونقله من كتبه السابقة فلا علاقة لها بسمات سلام عادل القيادية بل تتعلق بأخلاقه الاجتماعية، أو بدور زوجته الرفيقة ثمينة ناجي يوسف.
وأدناه تقييمات جديدة لم يذكرها شعبان في الكتاب لأنها تتعارض مع ظنه!: جمعتها متناثرة في المقال.
-ونلاحظ هنا مؤهلات سلام عادل القيادية وقدرته التنظيمية الهائلة، ثم استشرافاته المستقبلية، فضلاً عن تجرّده وهو في موقع المسؤولية.
-لقد ساهم الكونفرنس الثاني 1956 في استعادة هوّية الحزب بعد توحيده، وكان التقرير الذي كتبه عامر عبد الله وبإشراف سلام عادل". (خط التشديد تحت كلمة إشراف مني، فهي جديدة. ج)
-ومزايا سلام عادل تتعدى كونه شهيداً وبطلاً، فهذا أمرٌ مفروغ منه، لكن قيمته الحقيقية هي في مواهبه ومبادراته التنظيمية وعقله الستراتيجي في التقاط الجوهري من الأشياء وقدرته في الاستفادة من الكفاءات التي حوله، ولاسيّما قبل ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، كما حاول بعد الثورة ضم وإشراك الكثير من القيادات " التاريخية" و"الشابة" لاحقاً إلى قوام اللجنة المركزية وهيئات الحزب، لتوسيع دائرة اتخاذ القرار على الرغم من بعض تناقضاتها وذلك يتجلّى بعمله الدؤوب في استعادة وحدة الحزب دون إقصاء أو إلغاء أو تهميش، بل بمشاركة واعية، وكذلك في إعداد الكونفرنس الثاني العام 1956، والذي أعتبر شخصياً وثائقه من أهم وثائق الحزب وأنضجها حتى الآن، آخذاً بنظر الاعتبار سياقها التاريخي، وهي الوثائق التي لم يتم الحديث عنها منذ نصف قرن وكأنها أصبحت نسياً منسياً، ثم في التحضير لجبهة الاتحاد الوطني العام 1957 وإقامة علاقة مع شبكة الضباط والجنود والأشراف على التنظيم العسكري، والإعداد للثورة بالعلاقة مع الضباط الأحرار العام 1958.
-وحتى بعد الثورة فقد كان الترويج لأهم شعارات الحزب من صنع ومشاركة سلام عادل وقيادة الحزب، بحيث أصبحت قوة مادية في الشارع وهي الخروج من حلف بغداد الاستعماري والتحلّل من الاتفاقيات والمعاهدات الاسترقاقية المذلّة، والانسحاب من نظام الكتلة الاسترلينية والدعوة للإصلاح الزراعي، والتوجه لاستعادة حقوقنا من شركات النفط الاحتكارية، والانعطاف نحو المعسكر الاشتراكي، والمطالبة بالحريات وإبراز أهمية حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، لاسيّما في العام الأول من عمر الثورة. ولهذا لا يمكن اختزال سلام عادل إلى مجرد إرسال برقية أو إصدار بيان أو إشراف على الجريدة.
إن هذا الذي تذكره هنا عن سلام عادل يا دكتور غير موجود في كتابك، فهل يرضى ضميرك ان يباع الكتاب بدون إضافة هذه الحقائق الكبيرة اليه لمجرد تعارضها مع ظنك؟ وإذا ما كنت حريصاً على عدم تشويه التاريخ فيجب عليك تدارك ذلك وإلا فالتاريخ سيلاحقك بلعناته، كما لاحقك وسيبقى يلاحقك للقائك مع الدكتاتور العفن معمر القذافي. أقترح عليك سحب الكتاب وتضمينه هذه الإضافات، إنصافاً للتاريخ، وخدمة للأجيال الجديدة والوطن والحقيقة.
وقبل الانتقال إلى سؤال آخر أود أن أوضح للدكتور بأنني لم أختزل دور سلام عادل بتلك المبادرات، وإنما أوردتها وذكرت بأنه يعرفها ويعرف بأن عامر لم يكن موجوداً في الوطن لأشير إلى عدم موضوعيته، ليس إلا.
لننتقل إلى السؤال رقم 3 وهو: - هل صاغ عامر عبد الله لنحو ثلاثة عقود أهم وثائق الحزب الشيوعي العراقي النظرية وتقاريره السياسية؟ إذا كان الجواب بنعم المطلوب أدلة موثقة.
لقد طرحت هذا السؤال لورود هذه العبارة نصاً في كتاب الدكتور شعبان"... حيث صاغ عامر عبد الله لنحو ثلاثة عقود أهم وثائقه ( الحزب الشيوعي العراقي) النظرية وتقاريره السياسية...". لقد قمت بتخطئة هذا الادعاء وذكرت ما يلي: " إذا عرفنا بأن عامر عبد الله أصبح خارج اللجنة المركزية في المؤتمر الرابع المنعقد عام 1985، فالثلاثة عقود تبدأ من عام 1956. لقد عقد الحزب خلال هذه الفترة كونفرنسين الثاني والثالث، وعقد ثلاثة مؤتمرات الثاني والثالث والرابع. ومن المعروف أن وثائق الحزب الأساسية النظرية والسياسية والتنظيمية أي برامج الحزب وتعديلات أو تجديد النظام الداخلي أو تقييماته لفترات تاريخية مهمة تُقر في هذه الاجتماعات. فباستثناء الكونفرنس الثاني الذي كان لعامر عبد الله دوراً مهماً في صياغة وثيقته، وهذا ما سأتطرق اليه لاحقاً، فان عامر عبد الله ليست له أي مساهمة في كتابة وثائق الحزب الصادرة عن الكونفرنس الثالث والمؤتمرات الثلاثة المذكورة، ولا بجملة واحدة وأتحدى من يثبت العكس.
أجاب الدكتور شعبان على هذا السؤال بتغيير تلك الصيغة بما يلي "فقد مثّل عامر عبد الله "عقل" الحزب وثقله السياسي في علاقاته العراقية والعربية والأممية، إضافة إلى ما كتبه طيلة نحو ثلاثة عقود من الزمان وما تركه من أثر فكري وسياسي". لا اعتراض لدي على هذا التغيير، ولكن ألا يدرك الدكتور شعبان إن هذه الصيغة تختلف عن الصيغة التي وردت في كتابه نوعياً، فإذا يدرك ذلك فيجب إدراجها في الطبعة المعدلة المقترحة للكتاب؟
أما السؤال رقم 4 فهو ما يلي: هل كان سلوك الذين خرجوا أو اخرجوا من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الرابع عام 1985 ونشطوا ﻠ "تصحيح مساره" من خارج أطره التنظيمية كان صحيحاً، أم سلوك الذين نشطوا داخل إطاره وساهموا في تجديد الحزب ودمقرطته؟ الجواب يتطلب أدلة موثقة.
يذكر عبد الحسين شعبان ما يلي "صحيح أننا شيوعيون، الحلوائي ما يزال يحمل البطاقة ويعتبرها هوّية الدخول إلى "الجنة"، وأنا شخصياً منذ أن تركت العمل التنظيمي والمسلكي الروتيني ما يزيد عن ربع قرن، لم أعد أكترث سوى ببطاقتي الوجدانية، فالشيوعية بالنسبة لي تعني الحقيقة والجمال إلى آخر النص الذي استشهدت به سابقاّ. أنا أفهم أن يدّعي أي شخص بأنه شيوعي إذا كان في تنظيم، بصرف النظر عن موقف تنظيمه من الحزب. أما أن لا يكون الشخص في تنظيم ويدّعي بأنه شيوعي، فغير ممكن، فهذا تشويه لمفهوم الشيوعي.
أما أنني أعتبر عضويتي في الحزب هوية الدخول إلى "الجنة" فهذا غير صحيح، لأنني موجود الآن في الجنة. وأنا سعيد بهذا الوجود، فالسعادة في النضال والتعاسة في الخنوع.
أما الآخرون فلم يدخر الحزب جهداً في سبيل احتضانهم، ووصل الأمر بكبيرهم أن يطرد رفاق من قيادة الحزب، زاروه للتفاهم معه، ويتلفظ عليهم الفاظ نابية. فلماذا التباكي على كرامة الآخرين، واستكثار ذلك على قيادة الحزب؟. هل أنت مستعد لمواجهة أحد وتتوقع منه إهانتك؟
إنك تحشر ناصر عبود وعبد الوهاب طاهر، ظلماً، مع حسين سلطان وماجد عبد الرضا. فالاخيران ذهبا للتعاون مع السلطة الدكتاتورية وبقيت أنت والآخرين تنتظرون النتائج. أما ناصر عبود وعبد الوهاب طاهر فلم يذهبا لنفس الهدف، ولم يتعاونا مع الحزب الحاكم ولم يوقعا المذكرة التي رفعت لحزب البعث وسلطته الدكتاتورية. ورجع الاثنان بعلم الحزب. ناصر عبود بالتفاهم المباشر مع الرفيق كريم أحمد وعبد الوهاب طاهر بالتفاهم مع كاتب هذه السطور.
يطرح شعبان أمور واتهامات كثيرة،بعضها تحتاج تحقيق مع ذوي الشأن وبعضها تتطلب لجان تحقيق، وهو يعرف ذلك جيداً ويستهدف بهذ الأسلوب تمييع القضايا الأساسية المطروحة للنقاش.
وبقدر ما يتعلق الأمر بسياسة الحزب ألاحظ أن شعبان يتحدث وكأننا نعيش في زمن الحرب الباردة عندما يطالب الحزب باتخاذ موقف تجاه الاتفاقية مع أمريكا مطابق لمواقف الحزب من الاتفاقيات مع الدول الاستعمارية في العهد الملكي المباد، متجاهلا الظروف الدولية والإقليمية والداخلية الملموسة والمختلفة، وذلك في محاولة بائسة للمزايدة على وطنية الحزب. ويحسب شعبان اشتراك الحزب في مجلس الحكم تأييداً للاحتلال والحزب أعتبره، وهو على صواب، ميدان آخر للتسريع في إنهاء الاحتلال. ولكن لم أعرف لماذا يعيد ويكرر عبد الحسين شعبان هذه الفرية: "حتى أن أمين عام الحزب دخل مجلس الحكم الانتقالي بصفته شيعياً". أقول فرية لأن شعبان يعرف وقبل أيام أوضح عضو المكتب السياسي جاسم الحلفي أيضاً، بأن المرشح كان الرفيق عزيز محمد الذي قابله بريمر أولاً، وأخبر عزيز بريمر بأنه السكرتير السابق للحزب وأن السكرتير الحالي هو حميد مجيد موسى ودخل الأخير مجلس الحكم باعتباره سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. وليس لأنه شيعي (حسبالك قحط شيعة)! ومن المعيب تكرار هذه الفرية المفضوحة.
حاول شعبان الإساءة إليّ والتجاوز علىّ في محاولة استفزازي لجري بعيداً عن المواضيع الأساسية في الحوار. فتحاشيت وترفعت عن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، يذكر ما يلي: "...فما بالك لو كانت الرواية التاريخية خارج نطاق مثل هذا الاستقطاب المهيمن، فلا أستبعد عندئذ أن تكون كتابة جاسم الحلوائي أو غيره مختلفة، طبقاً لمعياره هو، أي من يمسك الإدارة سينصاع له باعتباره مديراً بغض النظر عن كيف أمسك بالإدارة وهو منطق خال من أي اعتبار سياسي ومبدئي". سوف لا أعلق على ذلك وأترك الحكم للقارئ لكي يحكم من هو المبدأي عبد الحسين شعبان أم كاتب هذه السطور.
رغم النكد في هذا الحوار فإنني أعتبر نتيجته ايجابية على صعيد الانترنيت والصحف. فانا سعيد بذلك وسعادتي ستتضاعف عندما أقرأ كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان معدلاً وفقا لما جاء في مقاله عن سلام عادل، وأن يشذبه من نزعة العداء للحزب الشيوعي العراقي، لوضع الأمور في نصابها.