أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟















المزيد.....

ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 16:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كل ’تجمع‘ مهما كان صغيراً أو كبيراً، بدائياً أو متقدماً، سواء من البشر أو من أشياء أخرى هو بالضرورة ’واقع‘ قائم. ومجرد وجود البشر أو الأشياء في صورة واقع قائم لا يعني بالضرورة أن تكون هي أكفأ أو أجمل أو أفيد تنظيم ممكن. في الحقيقة، جميع صور الوجود، سواء في البشر أو الأشياء الأخرى، لا تخلو من تناقض وتوتر واضطراب وفوضى وصراع، ولا تخلو في الوقت نفسه من درجة ما مهما صغرت من الانسجام والتماسك الداخلي التي لولاها ما كان ’التجمع‘ تجمعاً من الأصل. دون هذا الحد الأدنى الضروري من ’النسق‘ والتلاحم الداخلي، تنفرط مكونات التجمع مثل العقد المنفرطة حباته وينتهي من الوجود.

تلتقي مهمة كل من الفقيه والفيلسوف معاً في محاولة التعرف على الهيكل الأساسي لمثل هذا النسق العقدي غير الكامل سواء البشري أو الأشيائي، ثم السعي في معرفة وتثبيت أو تعديل مواقع الحبات الفرعية العديدة المكونة لهذا العقد الاجتماعي. هكذا أي وكل مجتمع بشري على الإطلاق لابد أن يقوم على نسق تنظيمي ما، مهما كان بدائياً وعشوائياً ومضطرباً ومتصارعاً وبعيداً عن الكمال؛ والمهمة الأولية لكل من الفقيه والفيلسوف على حد سواء هي محاولة وضع أيديهما أولاً على طبيعة هذا النسق التنظيمي الأساسي بالتعرف عليه وفهمه بدرجة معقولة من الصواب، صغرت أو كبرت. من دون هذه الخطوة المعرفية الأولى، لا يمكن أن يكون ثمة ’فقه‘ أو ’فلسفة‘ منشودة على الإطلاق. المعرفة هي شرط مسبق ضروري لكل من الفقه والفلسفة. في ذلك يتساوى الفقه مع الفلسفة ومن ثم لا يزال من غير الممكن بعد تمييز الفقيه من الفيلسوف، أو العكس.

هذا التمايز بين الفقه والفلسفة يبدأ من الخطوة التالية لدراسة ومحاولة علم وفهم الواقع- النسق التنظيمي- القائم، ومرجعيته هي ’نظره‘ كل من الفقيه والفيلسوف لهذا الواقع القائم. الفقيه ينظر إلى الواقع القائم كما لو كان ’النهاية‘ المتوجة لمقدمات قد سبقتها وتحققت في الماضي، ومن ثم يعمل على ’التأصيل‘ لهذا الواقع ’النهائي‘ الجديد عبر اجترار ’أسانيد‘ من الماضي. لهذا توصف طريقة التفكير الفقهية بـ’الماضوية‘، أو تلك التي تسعى دائماً إلى تبرير وتسويغ وتأصيل الواقع ’الحاضر‘ عبر استدعاء- وتلفيق واختلاق- وقائع ماضية محددة. من دون سند شرعي ومقبول في الماضي، لا يستطيع الفقيه أن يجيز واقعاً جديداً كلياً في الحاضر مهما قد تكون حقيقة وكفاءة وفائدة هذا الأخير جلية له خلافاً لذلك. الفقيه يقلد، ولا يبتكر.

في المقابل، الفيلسوف مثل الفقيه يعلم ويفقه الواقع القائم جيداً لكنه يفترق الطريق مع الفقيه عند هذه النقطة تحديداً. عكس الفقيه، الفيلسوف لا ينظر إلى الواقع القائم كنهاية طريق لكن ’بداية‘ لغاية أبعد لا تزال قيد الدراسة والبحث. وعند الوصول إلى هذه الغاية الأبعد يتطلع ببحثه صوب أخرى أكثر بعداً، في نسق تراكمي مسلسل ’لا منتهي‘ من الغايات التي لا تعرف الكمال ولا تقر بإمكانية وجوده في أي لحظة، لأن الإقرار بالكمال هو إقرار بالانتهاء. الفكر الفلسفي، عكس الفقهي، غير منتهي، له بداية معلومة لكن ليست له نهاية معلومة سلفاً. على هذا الأساس، يكون الفكر الفلسفي بطبيعته ’مستقبلياً‘، من خلال تحليل وتفكيك الواقع القائم الحاضر وإعادة تركيبه في نسق تنظيمي جديد متوقع بدرجة معقولة أن يتحقق في المستقبل رغم عدم وجوده بشكله النهائي ماضياً أو حاضراً. فبينما الفقيه يعود بالحاضر إلى الماضي ليبرره ويشرعنه هناك الفيلسوف، على العكس، يحلق بالحاضر إلى مستقبل متوقع ومن هناك يصنع، أو على الأقل يحاول أن يصنع، حاضراً جديداً لم يوجد من قبل. بينما الفقيه يصنع من الحاضر ’ماضياً‘، الفيلسوف يصنع من الحاضر ’مستقبلاً‘.

كمثال توضيحي، في حين يسعى الفقيه إلى شرعنة واقع حديث مثل السيارة عبر العودة به إلى الماضي والإتيان بما يعادل "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" كتقليد لواقع قد تحقق في الماضي، ومعتبراً هذا الاختراع الحديث بمثابة النهاية و’الكمال‘ في هذا الصدد، الفيلسوف لا يرى السيارة ’نهاية‘ للجهد البشري في هذا المجال وإنما ’نقطة بداية‘ جديدة نحو اختراع الطائرة ومكوك الفضاء والشبكة العنكبوتية...الخ في المستقبل، ويأخذ جميع تلك الابتكارات المستقبلية فور تحققها كنقاط بداية جديدة لابتكارات أخرى لا تزال أكثر بعداً في المستقبل، في خط غير مستقيم وغير منتهي. كذلك، بينما قد يعتقد الفقيه أن منتج بشري آخر حديث مثل الديمقراطية أو المواطنة أو حقوق الإنسان أو سيادة القانون أو الدولة الوطنية أو مكافحة الأمراض والأوبئة...الخ هو ’انتهاء‘ واكتمال للجهد البشري في هذا السياق، الفيلسوف يرى في تلك المنتجات الحديثة مجرد خطوة معقولة ومقبولة فقط في ظل الشروط القائمة على طريق بلا نهاية أو كمال صوب المزيد والمزيد من التحسين والتطوير والتقدم صوب آفاق أكثر علواً وحلول أكثر فاعلية.

أعود إلى ابن رشد وأتساءل: هل هو، في ضوء ما سبق، فيلسوف أصيل أم مجرد فقيه مستنير؟

موضوع الدراسة والبحث لابن رشد تمثل في المجتمع العربي الإسلامي كما كان أثناء عصره. وكان النسق التنظيمي الأساسي لهذا المجتمع واضحاً بدرجة كافية، أو كان ينبغي أن يكون كذلك بدرجة معقولة لشخص يزعم كونه فيلسوفاً مثل ابن رشد. في ذلك الزمان، كان المجتمع العربي الإسلامي عبارة عن موزاييك تراكمي من بقايا حضارات قديمة مندثرة مثل البابلية والآشورية والفرعونية واليونانية والفينيقية...الخ، ومعاصرة حية ومتفاعل معها مثل الرومانية والفارسية والصينية والهندية...الخ، وثقافات وأديان متعددة مثل الوثنية العربية والبوذية والزرادشتية واليهودية والمسيحية...الخ. هذا الخليط التراكمي قد ذاب وتماسك بدرجة أو بأخرى داخل ما أصبحت فيما بعد ’الثقافة العربية الإسلامية‘ كما قد عاصرت ابن رشد. في النهاية، النص التأسيسي الأعلى للمجتمع العربي الإسلامي- الوحي والسنة- يعكس بوضوح مثل هذه الخلطة التراكمية.

هذه الحبات التكوينية التاريخية المبعثرة، والمتناقضة في معظم الأحيان، لا يكفي وجودها في واقع قائم بحد ذاته لكي يشكل منها نسقاً تنظيمياً- عقداً اجتماعياً- مميزاً يلبى الحد الأدنى المعقول من الانسجام والتماسك الداخلي بين مكوناته المختلفة والمتنافرة بطبيعتها. هذا الخيط الناظم قد وفره الإسلام- المقصود به هنا نسق فكري وتنظيمي معين يحقق الحد الأدنى من الانسجام والتماسك الداخلي فيما بين حباته التكوينية المبعثرة خلافاً لذلك، وليس ’الإسلام‘ بمفهومه الديني الضيق- الذي تكفل صهر كل هذه البقايا التاريخية المتناقضة داخل نسق تنظيمي أساسي معقول ومقبول: الثقافة العربية الإسلامية.

هذه الثقافة العربية الإسلامية، أو الحضارة الإسلامية كمرادف معادل، هي أيضاً عبارة عن نسق تنظيمي محدد من حبات تكوينية رغم تناقضاتها إلا أنه يوفر حداً أدنى معقولاً ومقبولاً من التوافق والوحدة الداخلية، والمعنى والغاية العليا المستساغة من الوجود البشري والكوني. في بناءه النهائي، يمكن القول بدرجة معقولة من الصواب أن المجتمع العربي الإسلامي في عهد ابن رشد كان في شكل تنظيم هرمي مركزي صارم قمته ممتدة نحو السماء، الله وكلماته، وأوسطه الوحي النبوي وسنته وصحابته، وفي القاع كل البشرية وجميع ما قد أنجزته عبر تاريخها الطويل من تراث.

هنا يجب أن نسأل عن طبيعة عمل ابن رشد داخل هذا المعمار الإسلامي الثابت والواضح. هل كانت سباحته الفكرية-الفلسفية- بداخل هذا الهيكل الحضاري المحدد تسير باتجاه الماضي، أم المستقبل؟ من أي منبع كان يشرعن ويؤصل استنتاجاته الفكرية العديدة، من ’أصول‘ قد تحققت بالفعل في الماضي أم من ’توقعات‘ مرجحة ومنظورة في المستقبل؟

الإسلام، ومن ثم الثقافة العربية والإسلامية كلها، يقوم على قواعد أساسية جلية كل الجلاء حتى للشخص المسلم العادي ناهيك عن مفكر محترف مثل ابن رشد. هل جرؤ ابن رشد على محاولة تفكيك أي من تلك القواعد المعلومة جيداً ثم إعادة تركيبها في نسق تنظيمي جديد مبتكر؟ الفقيه يأخذ الواقع القائم كما هو قائم ليعود به إلى الماضي لتأويله وتهذيبه وشرعنته هناك. لكن الفيلسوف يحلق بالواقع الحاضر، بعد تفكيكه، إلى مستقبل متوقع ويحاول إعادة تركيبه هناك في ظل شروط جديدة ومتغيرة متوقع بدرجة معقولة أن تتحقق في المستقبل، رغم عدم تحققها بعد. هل ابن رشد فعل ذلك؟ هل جرؤ ابن رشد على أن ’يهدم‘ أي ركن من أركان الإسلام أو الثقافة العربية الإسلامية ويحاول إعادة بنائه في ظل شروط مستقبلية متغيرة؟

بينما قد نجح فلاسفة آخرون حول العالم في قلب ’الهرم الفكري‘ لثقافاتهم أكثر من مرة إلى حد توقيفه حالياً مقلوباً على رأسه ليرتقي الإنسان من القاع إلى القمة، فلسفة ابن رشد وغيره من الفلاسفة المسلمين المزعومين قد خلفت الهرم الفكري الإسلامي القديم أشد متانة وصلابة من أي وقت مضى، حيث بقي الإنسان العربي المسلم مسحوقاً وبلا قيمة أسفل قاعدته.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (3)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (2)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)
- العدل الأعمى في اليوتوبيا الإسلامية
- الإسلام السياسي سكين مسموم في الجسم العربي
- إسرائيل العدو، الند، إلى الحليف
- المملكة والله والبترول
- إصلاح مراوغ تحت عباءة الدين
- تطور الدين مع الانسان
- المملكة المحافظة في واقع متغير
- لماذا انهزمت السعودية أمام إيران
- هزيمة الجهاد المسلح في سورية
- الأكثرية والأقلية في ديمقراطية الإسلام السياسي
- الله الاجتماعي والله الفلسفي
- حين يمسي اليسار يميناً
- مقاربة الذيب في تفنيد الدين
- مُعلق تحت الأرض
- حين تتحول المساجد إلى سجون
- ما بين العنصرية العربية والمساواة الديمقراطية
- الإسلاميون بين التقية والتمكين


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟