أحمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4420 - 2014 / 4 / 10 - 10:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:............
قال الامام الصادق:( ان بني امية اطلقوا للناس تعلم التوحيد ولم يطلقوا لهم تعلم الشرك لكي اذا حملوهم عليه لم يعرفوه) –الكافي ج4 ص199- ونسب هذا الحديث الى الامام زين العابدين.
اقول: هذا الحديث من روائع الاحاديث الواردة عن اهل البيت, وللاسف فان المشايخ لا يذكرونه اطلاقا اما لجهلهم بمضمونه او للتعتيم عليه, ونفهم من هذا الحديث ان تعلم الشرك اهم واولى من تعلم التوحيد لانه لا يكون الانسان مؤمنا ويعرف الطريق الى الله الا بعد ان يعلم بطرق الضلالة ويختار الطريق الى الله من بين عدة طرق لا ان يكون امامه طريق واحد فقط وهو طريق الايمان فيختاره لانه سوف لا يكون معنى للحرية والاختيار حينئذ وبالتالي سوف لا يكون للايمان قيمة اخلاقية.. ونفهم ايضا ان بني امية وبني العباس وجميع حكام الجور والضلالة يخشون من معرفة الناس لطرق الشرك والضلالة لانه سوف تنكشف لهم الحقيقة وان هؤلاء السلاطين والحكام ساقوهم في طريق الباطل والشرك تحت عباءة الدين وبحجة ان السلطان ظل الله في الارض.. ونفهم كذلك في هذا السياق خوف المشايخ من انفتاح الشباب على العقلانية والافكار الحديثة والسر في تحريمهم كتب الضلال كما يسمونها لئلا ينكشف دجلهم وخواء فكرهم وخرافة معارفهم الدينية فيخسروا بذلك هيمنتهم على قلوب العوام ويفقدوا امتيازاتهم الكثيرة وقداستهم الزائفة في انظار الناس.
بداية لا حاجة لبيان ان المفهوم من الشرك في الذهنية العامة هو عبادة الاوثان كما كان متداولا في الجاهلية, ولكن هذا المعنى غير مقصود من كلام الامام قطعا لان الناس كانوا يعرفونه ولا حاجة لتعلمه بل ان الحكام لا يهمهم هذا المعنى للشرك فلم يكن الناس يعبدونها في عهد بني امية, اذن هناك معنى آخر للشرك اعمق من هذا المعنى الظاهري وهو ما كان هؤلاء الحكام ومعهم وعاظ السلاطين يخشونه ويمنعون الناس من تعلمه والاطلاع عليه, وهو المعنى العرفاني للشرك.
وقبل بيان معنى الشرك لدى العرفاء لابد من بيان معنى التوحيد عندهم, فالتوحيد عند علماء الاسلام هو ان تعتقد بأن الله الذي يستحق العبادة واحد وهو معنى (لا إله الا الله) اي لا شئ يستحق العبادة الا الله, ولكن معنى هذه العبارة يختلف عند العرفاء ويقولون ان معناها: لا وجود الا الله, فاذا قلت بأن هذا الشئ موجود وان الله موجود فانت مشرك, فكيف يكون الله موجود وانت موجود؟ ولهذا عندما قيل للجنيد: كان الله ولم يكن معه شئ. فقال: والآن كما كان. اي لايوجد معه شئ الآن ايضا..
وبهذا نعرف مفهوم الشرك الحقيقي وان البداية للتوحيد والشرك تكون من الانسان نفسه, ففي نفس الانسان يوجد توحيد وشرك, التوحيد متمثل بالروح الالهية والوجدان في اعماق الانسان, والشرك متمثل في الانا او النفس القشرية التي تخشى ان ينتبه الانسان من غفلته ويهتم بذاته الحقيقية ويسلك طريق الخير والايمان, وفي ذلك خطر على وجودها لان كل انا تنصب نفسها بديلا عن الله الحقيقي وتدعو صاحبها لاطاعتها بدل اطاعة الوجدان, ولما كانت قشرية ووهمية, وكذلك هي من خلق المجتمع, فهذا يعني ان المجتمع هو ربها والهها, ومن الطبيعي ان تطيع الناس وتخاف من العرف والحاكم وتسير مع القطيع وقد تنصب لصاحبها آلهة خارجية على شكل اوثان حجرية او سلاطين جور او مراجع دين وتفرض عليه اطاعتهم والولاء لهم فتصرف انظاره واهتمامه وولاءه لآلهة مزيفة بدلا من الله الحقيقي الذي يمثل وجوده وذاته الالهية في داخله.. وهذا يعني ان الانا اساس الشرك كما ان الذات الانسانية اساس التوحيد, وان الشرك الباطني مقدمة واساس للشرك الظاهري المتمثل باطاعة الحكام ورجال الدين وكل من يفرض نفسه ناطقا باسم الله كما يقول القرآن (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله).. واذا تخلص الانسان من الشرك الداخلي واصغى لكلام الله في وجدانه فسوف يتحول الى ابي ذر الغفاري ويدعو الناس الى التوحيد الوجداني ونبذ الشرك المتمثل باطاعة حكام الجور كما صنع ابو ذر في حياته, وهذا هو مايخيف الحكام والفقهاء.
وقد تبين في مقالة كيف نعرف التوحيد ان الانسان هو الحامل للروح الالهية وان وجوده هو الوجود الحقيقي وان الموجودات الاخرى تابعة لوجوده, وهذا يعني ان الانسان شريك لله في عالم الوجود.. وهنا ينبغي التمييز بين (الشرك ) و(الشراكة). فما تدعو له الانا هو الشرك لانها وجود اعتباري لا وجود حقيقي كما اسلفنا, ولكن الذات الحقيقية في الانسان او الروح الالهية هي بنفسها اشراقة ربانية من الله المطلق, فلا مانع من ان تكون شريكة لله في صناعة هذا العالم, وقد ثبت في فلسفة كانت ان الانسان هو الذي يصنع عالمه الخارجي اي صورته بينما يخلق الله مادته, وهذه هي الشراكة لا الشرك, ومنه نعرف معنى خلافة الانسان لله كما يفهمها العرفاء.. وهذا يبين عظمة الانسان في عالم الوجود وان الله لشدة حبه لنفسه خلق له شريك مثله ولم يخلق شيئا آخر بعد ان كنا نتصور ان الله لا يستطيع ان يخلق له شريك, وهذا هو مايقرره الفلاسفة من وجوب السنخية بين العلة والمعلول وان العقل اول ما صدر عن الله, ومايقرره العرفاء من ان الصادر الاول هو الروح الالهية في الانسان.. المشكلة تكمن في ان الناس يعيشون المرحلة الاولى من الحياة وهي مرحلة (اليرقة) اي مرحلة تسلط الانا القشرية على افكارهم وعواطفهم وبذلك يعيشون عالم الكثرة في الموجودات, والقليل منهم يرتفع الى مرحلة (الشرنقة) ويهتم بداخله وينقطع عن المؤثرات الخارجية فيرى عالم الوحدة, ثم يصل الى المرحلة الاخيرة وهي مرحلة (الحقيقة), فيجد نفسه شريكا لله او ابن الله او هو الله..
فياعزيزي القارئ اعلم انك مركز هذا العالم وان هذا العالم هو عالمك وان وجودك الحقيقي هو وجود الله وانك شريكه في صنع عالمك وقد اعطاك الحرية التامة والامكانات اللازمة لصنع عالمك باحسن صورة, فلا تحرق امكاناتك وعالمك باطاعتك للانا التي تريد ان تكون هي الاله في حياتك( ارأيت من اتخذ الهه هواه), بل عد الى ذاتك الانسانية ووجدانك وكن شريكا لله في صناعة عالمك وساعده لبناء حياتك باحسن صورة من خلال الحب والفضيلة والجمال والقيم الانسانية....
تحياتي لكم..
#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟