وائل زمو
الحوار المتمدن-العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 19:18
المحور:
المجتمع المدني
هل تعتبر الجنسية مفهوما مطابقا لمفهوم المواطنة ؟ الجنسية تحدد انتماء شخص الى مكان جغرافي محدد يحمل اسما معينا. أي انها تفرق بين المواطن والأجنبي في الحقوق والواجبات حسب الحدود الجغرافية للدول. اما المواطنة فهي مجموعة الحقوق والواجبات التي تعطيها الجنسية الى الشخص. من هنا يبدو أن هناك تطابقا ظاهرا بين المفهومين. اذ من المفروض ان تعطي الجنسية الشخص كامل حقوق المواطنة. الا ان الواقع في تطبيق مفهوم المواطنة يختلف بين دولة وأخرى. ويبدو هذا الاختلاف واضحا بين الدول الديمقراطية والدول الدكتاتورية. ففي حين تتحدث الدول الديمقراطية عن حقوق سياسية وهو ما يدور حوله بالأساس مفهوم المواطنة، يزداد الحديث أيضا عن مواطنة اجتماعية, وأعني بذلك حقوق اجتماعية تعطى لجميع الافراد الذين يتواجدون على الأرض الجغرافية للدولة. فعل سبيل المثال لا الحصر يمنح الشخص المقيم حق التعليم والضمان الاجتماعي و الصحي،و بغض النظر عن جنسية هذا الشخص. فالتواجد على أرض الدول كفيل باكتساب هذه الحقوق. اما فيما يخص المواطنة السياسية، أي حق الحديث في الشأن العام من خلال الترشح او ممارسة الانتخاب واختيار مرشحاً ما، فيقتصر هذا الحق على حاملي جنسية البلد بالرغم من أن هناك دول وخاصة دول الاتحاد الأوربي بدأت بالحديث وتطبيق حق انتخاب اعضاء البلديات والادارات المحلية (أي حقوق سياسية) لجميع المقيمين على ارض الدولة. اما في الدول الدكتاتورية فالبرغم من اقتصار مفهوم الجنسية على مفهوم الحقوق السياسية والمدنية في ظل غياب الضمان الاجتماعي والصحي أي المواطنة الاجتماعية حتى لمن يحمل الجنسية فان مفهوم المواطنة السياسية لا يعدو كونه السير في قطيع التصفيق والتضحية بالروح والدم لراعي القطيع. ففي هذه الدول التي تحرم مواطنيها من الحقوق السياسية تنتهك ابسط الحقوق المدنية المفترض ان يتمتع بها أي مواطن. لذلك هي اقرب الى ما يسمى "بمواطنة القطيع"، وليس أي قطيع بل قطيع الأغنام التي تعتبر من بين أولى الحيوانات التي استطاع الانسان تدجينها. بل, أيضا, لان الخروف يرمز في ثقافة كثير من الشعوب إلى الذل والخنوع وسهولة الانقياد وبكونه حيوان الاضحية او التضحية. ويبدو ان سياسة تربية الخراف و التضحية بها " بالمواطنين" هي أساس الدول الدكتاتورية.
ليس غريبا في بلد مثل سوريا ان تروج ثقافة المنحبكجية والشبيحة لسحب الجنسية من المعارضين. فالجنسية لهؤلاء لا تعدو كونها مواطنة قطيع. مواطنة السير في قطيع للتعبير عن تاييد "القرارات الحكيمة" و" السياسة الشجاعة". لقد كانت ردات فعل الشبيحة والمنحبكجية غريبة جدا بعد اتخاذ النظام لقرارات مصيرية تبدو انها تقود الى الهاوية. بل بلغت تلك الحماقة حد إلغاء التفكير والعقل، وذلك عندما كان يردد المنحكبجية - في اعقاب استهزاء المعارضة بهم بصدد قضايا مثل تسليم سلاح "الردع" الكيماوي و مفاوضات النظام ومبادلة اسرى إيرانيين ولبنانيين وتجاهل أقاربهم لدى جماعات الجيش الحر - عبارة "القيادة افهم منا" أو "نحن لا نعلم ما وراء هذا التصرف" ؟ هل هناك من شك في ان القيادة تعمل لصالحنا؟ تبدو الإجابة على مجمل هذه الأسئلة واضحة في غياب ثقافة النقد والتفكير النقدي بل غياب كل ما هو ذاتي, كل ما هو "انا" لتندرج هذه "الانا" في روح القطيع, في روح الانقياد, في "نحن" القطيع. " نحن " ليس لدينا القدرة على التفكير ،"نحن "سلمنا امرنا لقيادة حكيمة ، "نحن " يجب علينا اطاعة امر القائد...الخ. في الحقيقة هذا هو هدف الدول الدكتاتورية التي تسخر كل مؤسساتها لخلق ثقافة ال "نحن" الغنمية, ثقافة عدم الحديث في الشأن العام, ثقافة الاستسلام لامر القيادة, ثقافة التضحية بالروح والدم تماما كالخراف لا تملك القدرة على التفكير، بل خلقت لتذبح على كرسي الحكم فداء للراعي. من هنا ليس غريبا ما نشاهدها في جميع الدول الدكتاتورية من ثقافة وعبارات تتردد دائماً مثل راعي الرياضة والرياضين, راعي العلم والعلماء, راعي مصالح الشعب والمواطنين.... الخ.
لذلك, لا يجب الاقتصار في الحديث عن المواطنة بمقارنتها بالجنسية، وانما يجب الحديث عن الثقافة او ما يسمى "بالمواطنة الثقافية" او "روح المجتمع". ثقافة القطيع او روح القطيع التي تميز الدول الدكتاتورية هي ما يفسر ظاهرة غياب الابداع و الابتكار في هذه الدول. وصدق المثل الذي يقول بان الفنان هو شخص قرر الخروج من روح القطيع. هذه الثقافة هي ما تميز الدول بعضها عن بعض... في الدول الديمقراطية تسعى الدول الى خلق ما يسمى بالاستقلالية في اطار من التعاون من خلال ما يسمى بالتكافل. فكل شخص يتميز عن الاخر بامكاناته وقدراته التي تعطيه مركزأ يقوم من خلاله بممارسة دوره الذي يحتاجه الاخرون في المجتمع. لذلك كان بديهيا ان نقول ان التربية على التعاون تولد روح الاستقلالية. هذه الروح تعطي للدولة قوة كقوة الجسد. كل عضو متميز عن الاخر بوظيفته وشكله و مجمل وظائف هذه الأعضاء تعطي الحياة للكائن الحي. واي خلل في جزء من هذه المنظومة او في عضو يؤثر على عمل المنظومة ككل. كل ما يجب على الثورة ان تقوم به وتبني عليه سورية المستقبل هي ثقافة الاستقلال الذاتي التي تقوم على روح المبادرة والتفكير النقدي وان تتجسد روح التعاون او "مصلحة نحن" ضمن "الانا" التي تؤدي بالضرورة الى مصلحة الانا من خلال غرس ثقافة تكامل وظائف الجسد الواحد بالتعاون والتكافل في مقابل وعلى النقيض من ثقافة القطيع التي بنيت عليها الدكتاتورية الاسدية. الأساس الذي تبنى عليه هذه الثقافة هو الحرية, الحرية التي تقوم على سحب سلطة الانقياد الاعمى وباستبدالها بسلطة التفكير والتحليل أي على أساس سلطة العقل لدى الشخص.
#وائل_زمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟