سهير المصادفة الجمال اللغوي

ياسر المحمدي

الحوار المتمدن-العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 16:53
المحور: الادب والفن
    

"الـ ض ب ا ع" تعْبُر هذه الحروف ــ بوصفها علامة تدل علي شيء غائب كان من الممكن أن يكون أي شيء آخر غير الضباع هذه النوع من الحيوانات المعروف لنا ــ عبرَ مُخيلة "سهير المصادفة" لتخرج للوجود الورقي متمثلة في (جماعات سياسية، رجال، نساء، بشرية) تتلاقى هذه المخلوقات الجديدة في هزيمتها، منها ما هزمه دناءته وخسته ومنها ما هزمته الحياة، فكان الجميع ضباعًا تلعق حسرتها ألما في رحلة أهم ما يسمُها هو نفي الآخر، تقدم "سهير المصادفة" الضباعَ من الحركات السياسية في التاريخ الإسلامي ــ هناك بالطبع سباع ــ وما نتج عن خلافات الفتنة الكبرى من انقسام يمتد أثره حتى يومنا، الضباعَ من الرجال الذين يحومون حول المرأة بصفتها فريستهم الأزلية، الضباعَ من النساء اللاتي مسختْ ممارساتُ الحياة وجودهن فأصبح الحب والرجل بالنسبة لهن كابوس الوجود، الضباع بصفتها معادل للبشرية في صراعها المحموم تجاه سؤالها عن دواعي الرحلة وعن المصير.
"إن النص في كليته يشبه صفحة السماء، فهي منبسطة وناعمة وعميقة في نفس الوقت، من دون حواف أو علامات كالعراف الذي يرسم عليها بطرف عصاه مربعًا وهميًّا يستطيع أن يستقريء منه حسب قواعد معينة، حركة طيران الطيور، يتتبع المعلق في النص مناطق معينة للقراءة لكي يستطيع أن يرصد فيها هجرة المعاني ونشوء الثغرات وانتقال المقطفات" "رولان بارت".
اللغة الروائية
تتعدد أشكال اللغة الروائية في رحلة الضباع وتتداخل فيما بينها لتمثل المكان والزمان الذي يتلاقى فيه المؤلف والقارئ، فلغة "سهير المصادفة" تتميز ببراعة المزج المدروس الذي يُراعى فيه رقة الذوق، فتأتى لغة النسج السردي وهى ما يمكن أن نعرِّفه بأنه الشكل الأولى لتلقي اللغة بصفتها رسالة من المؤلف إلى القارئ، تأتى هذه اللغة في فصحى جزلة تتوافق مع السياق الزمني المفترض للحكي ومع الشخصيات والمواقف، ففي الأجزاء الأولى والأخيرة تأتى لغة "جمال" شخصية الراوي متسقة مع مجريات الحياة اليومية والواقع المعيش، أما في الجزء المعنون بـ "رحلة الضباع" والذي تقوم فيه الجدة بالحكى لحفيدتها عن الحكاية السِّرية التي تخص جنس النساء، هذه الحكاية التي اتفق الزمن الروائي على أن تبدأ من حكاية مصرية قديمة تتواصل أصداؤها داخل ربوع صحراء شبه الجزيرة والعراق حيث الصراع الأموي العلوي، نجد اللغة في هذا الجزء تتسم بحضور لغوى يناسب أجواء السير الشعبية لينقل لنا سيرة السوداء والتى نسجتها "سهير المصادفة" صانعة سيرة خاصة بشخصيتها الروائية، اللغة الحوارية وهى اللغة المعترضة التي تقع بين المناجاة والسرد، وقد جاءت اللغة في مستواها الحواري عامية في أغلب الحوارات التي تخللت النسيج السردي في الأجزاء الأولى والأخيرة، أما في الجزء المعنون بـ "رحلة الضباع" وهو لكونه حكاية تراثية مُتخيلة حافظتْ "سهير المصادفة" على تفصيح الحوار فيها.
اتسم استخدام الحوار بالتكثيف والوظيفية، فقام بدور هام على مستوى نقلات الزمن الروائي والتحليل الفكري الذى تقوم به الشخصيات داخل الرواية، لغة المناجاة وهي الرباط الخفي الذي يجعل من لغة النص جَدِيلَةً لغوية يسير فيها الماضي والمضارع والمستقبل في تماهٍ واضح، ففعلُ الكتابة الذي قام به المؤلف أو فعل القراءة الذي يقوم به القارئ يعد مناجاة بشكل أو آخر، كذلك ما تقوم به الشخصيات الروائية من استباق أو استرجاع للحكاية ــ تقوم الجملة الفعلية بصيغة المستقبل بمهمة هذا الاستباق والاسترجاع ـــ يعد شكلاً من أشكال المناجاة، المناجاة عند "سهير المصادفة" لغة تتخلُ اللغة العامة المشتركة بين الشخصيات والسارد مما يضفى جمالاً وصدقًا وبوحًا شديد الحميمية على رحلة الضباع. تستخدم "سهير المصادفة" لغتها في مجمل روايتها بشكل دال يسهم في البناء الروائي خاصة الشكل الروائي الذي تعتمده.





الشكل الروائي
تتجاور في رحلة الضباع أشكال الفن، والتي تعتمد "سهير المصادفة" على طبيعة كل منها في خدمة عملها الروائى، تأتى "رحلة الضباع" في سبعة فصول متوالدة لا تعتمد أحداثها ترتيبًا منطقيًا لكنها تتبع خطى الفكرة في تداعيها الحر ملبسة إياها الشكل الذي يتوافق معها، تُسبق هذه الفصول بمقاطع نثرية مكثفة فيما نعرفه نحن بالقصة الومضة، يختزل فيها المقطع أحداث الفصل التابع له مباشرة، كما أن هذه الفصول التى تتقاطع دوائر الحكى فيها تأخذ شكل القصة القصيرة في بعض الأحيان وهو ما يتجلى بوضوح في الجزء الذي تعنونه بـــ "في انسحاب المحبة" وهو جزء من الفصل السادس، يحضر شكل النوفيللا والذي يمثل على صعيد الطرح الزمنى الدائرة التاريخية حيث تدور أحداث هذه النوفيللا على لسان الجدة التى تحكى حكايتها لحفيدتها في شكل ينتمى في طبيعته الحكائية إلى السيرة الشعبية والحكاية التراثية، توظف "سهير المصادفة" هذه الأشكال الفنية معتمدة في الأساس على الطبيعة اللغوية، فهي تطوى الأحداث في استباق زمني لها وتضغطها محملة المفردة دلالات الزمان والمكان والمحتوى الفكري المراد (العناصر المكونة للحدث الروائي)، تنتقل المكونات الروائية من شكل إلى آخر تارة بالضغط والتكثيف وأخرى بالتمدد وسرد التفاصيل، ما يمكن أن نعتبره شكلًا مخروطيًا لضوء كشاف تتسع فيه دائرة الضوء كلما ابتعدنا عن المركز، كما أن هذا الشكل المخروطي لا نعين نقطة انطلاق ثابتة له، فكل لحظة في زمن السرد يمكن أن تكون هي المركز، تنفتح لغة كل نص عن الشكل الذي تخرج به، ففى "رحلة الضباع" تتعانق اللغة مع شكلها لتنهض بمهمات متعددة، بنائية ودلالية تسمح بتوليد الأسئلة المستمر عبر ما تحدثه من مفارقات، منتجة للجماليات التي يقع عليها عبء جذب القارئ لمواصلة القراءة وطرح أسئلته الخاصة في اللحظة التي يصبح فيها جزءًا من عالم النص الذى يقرأه.

#ياسر_المحمدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات