أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الحارثي - تراكم اللاءات















المزيد.....



تراكم اللاءات


أحمد الحارثي

الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تراكم
الــلاءات (*)

أحمد الحارثي

1. اللاديمقراطية
نترك للقارئ حرية تأويل مضامين هكذا عنوان، كيفما يشاء، دون قيود، دون محددات. وقع اختيارنا عليه وفق ما تمليه علينا المسؤولية الاجتماعية إزاء الواقع الذي تجتازه البلاد على مختلف الأصعدة.
لم نكن نتحاشى أبدا الخوض في صلب الإشكاليات والتحديات الكبرى التي يواجهها المجتمع المغربي، والدولة المغربية، بفكر نقدي وجدلي منفتح، عقلاني ومساير لروح العصر؛ لم يصبنا الوهن في حمل المعاول لسبر أغوار تربة الواقع الملموس، وأسلحة النقد الكفيلة بإخضاعه للتحليل العلمي وتفكيكه وتعرية تشوهاته. قصد المساهمة في الدفع نحو تجاوز انحرافاته، ومعالجة إخفاقاته، والعمل على إرساء بدائل له؛ بدائل سامية قوامها التقدم والرقي، العدل والمساواة، الحرية... ولم نكن نتردد في قول كلمة "لا".
لا شك في أن بلادنا ما زالت تعاني من تأخر تاريخي يلقي بظلاله على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية، بما في ذلك الأبعاد الروحانية؛ ويتجسد في مجموع بنيات الدولة والمجتمع: في الاقتصادي، في السياسي، في الثقافي، في الديني، الخ. ليس هناك سبيل آخر لتجاوز حالة التخلف هذه سوى النهوض بالذات؛ من أجل تحقيق التحديث الشامل، وفي قلبه التنمية السياسية.
على امتداد أكثر من نصف قرن من الزمن، ظلت اللاديمقراطية تشكل المعضلة والإعاقة المركزية التي تحول دون تمكن المغرب من الخروج من حالة التخلف الهيكلي العام الذي يشكو منه. خلال الحقبة التاريخية التي تلت "الاستقلال"، احتد الصراع من أجل السلطة ونتج عنه تكريس واقع غياب وتغييب الديمقراطية، وإنعاش التقليدانية السياسية؛ رغم ما تم تشييده من مؤسسات سياسية ودستورية، ظلت هشة، هجينة وسجينة، شخصانية. مر على فتح حقبة "المسلسل الديمقراطي" ثلاثة عقود ونصف، وعمرت مرحلة "الانتقال الديمقراطي" طويلا، قرابة عقدين من الزمن، ولم تنته بعد؛ دون أن يتم تدشين فعلي لذلك الانتقال المنشود.
يتسم المغرب السياسي اليوم بانبعاث طغيان التقليدانية السياسية وعدم الاحتكام إلى المؤسسات، بل لفظ المأسسة السياسية والدستورية. يظهر ذلك من خلال معاينة الحقل السياسي الذي يرزح تحت نار التضخم في العروض السياسة، وانهيار قيمة العمل الحزبي، واتساع دائرة الفساد السياسي، وتفاقم مظاهر تسخير القضاء، واشتداد تدفق المال في الانتخابات، الخ. لذا، بات من الواجب التنديد بكل فعل يعدم الديمقراطية.
تتستر اللاديمقرطية وراء رموز وإيديولوجيات فارغة، هجينة، توظفها طلائع النظام السائد وبعض الأدوات الحزبية المتهالكة. وبفضل الأزمة المؤسساتية الكامنة، أضحت الصبيانية السياسية تشكل نسقا يقتدى به في مختلف المحافل والممارسات والخطابات التي يعج بها الحقل الحزبي والسياسي، المجتمع المدني والمجتمع السياسي. طالت الصبيانية أيضا معقل التقنقراط، تتمظهر سمتها البارزة في سلوكهم الإداري والسياسي. وأضحى تأسيس الأحزاب -أو حلها-، ودخول معترك اللعبة السياسية، بل صنع الزعماء -"زعماء من ورق"-، في منتهى السهولة؛ باستعمال وسائل متنوعة: قنوات سلطة الدولة، النفوذ، المال، الجاه، القرابة العائلية، وكل ما يحيل إلى الرمزي...
2. "لا" للحصار
لا يستطيع الضجيج الإعلامي أن يحجب واقع الحصار اليومي المضروب على الفكر الحر، الفكر النقدي؛ وعلى القناعات السياسية والمذهبية لشرائح واسعة ومتنوعة من المجتمع المغربي، تبدو معارضة للنظام القائم، أو غير منضبطة للسائد والرسمي، أو خارجة عن إجماعه السحري. بتعليل واه، موهوم، يشار إليه بتلميح مستور، مفاده "عدم الولاء". ليس للدولة بمفهومها الحديث، ليس للمؤسسة المعنوية، ولا حتى للمخزن بمعناه الضيق، بل لأشخاص عينيين متنفذين: مجموعة هجينة ومستهجنة من الخاصة، غارقة في الرجعية، متشبعة حتى النخاع بالفكر الإقطاعي. هكذا يتم نحر كل ممكنات انبلاج قوة نقدية عقلانية متحررة من أسر الماضويات على مذبح التنفذ المشخصن.
باسم الحفاظ على ثوابت نظام بال يسكن ثنايا التاريخ، تتخيل بعثه القلة، يمارس الحصار تارة باستعمال أجهزة الدولة، وأخرى بتشغيل آليات وأساليب أخرى غير حكومية. فإلى جانب الإعلام الرسمي، يتم توظيف الصحافة المكتوبة، واللوبيات الاقتصادية والثقافية، وخليط من النخب الإدارية والحضرية وبعض الفعاليات المدنية والسياسية الانتفاعية، الخ. بل يستعان أيضا بوسائل دنيئة لتكسير عزيمة "الخصوم"، عبر ممارسة الإرهاب الفكري، والتدخل في الحياة الخاصة - العائلية والمهنية - وزعزعة الاستقرار الاجتماعي للأفراد، وتلفيق التهم والجنح الباطلة، الخ.
تتواطأ بدورها الأحزاب الوطنية بمختلف تلاوينها في محاصرة الفكر الحر، وبخاصة منها القوى المحسوبة على اليسار، والمفترض فيها تبني الحداثة ودعم القيم الكونية، بحكم التشبث الأعمى بالمنطق الإلحاقي التقليدي، وطغيان الإيديولوجيا الوطنية والسلفية، وغلو الدغمائية والطهرانية المذهبية.
تستهدف سياسة الحصار في جوهرها اجتثاث منابع الفكر الغيري، وبالذات منه العقلاني والحداثي. وليس محاربة الفكر الغيبي أو الظلامي كما يروج لذلك. وتكمن غايتها السياسية المباشرة في تطويع الفاعل الحزبي المنافس أو المعارض أو المتمرد، وتسييج الحقل السياسي. وخلفها، هندسة، تقف حفنة من المتسلطين، عبَّاد التسلطية، أعداء الديمقراطية الألداء. وازعهم المشترك - فضلا عن التمسك الشاذ بأذيال التقليدانية السياسية ولفظ التحديث والمأسسة - تخصيص الفضاء العمومي؛ ونهب ممتلكاته وخيراته وخدماته، والتصرف فيه باعتباره إقطاعات ومعاقل (Fiefs) إقطاعية وسياسية.
تشديد الخناق على حرية الفكر والتعبير إلى الحد الذي يجعل الدولة مرتعبة من الحضور الهادئ للرأي الآخر، بل حتى من مجرد وجود مؤسسة ثقافية حرة ونقدية، راشدة، يدفع إلى التساؤل عن ماهية وطبيعة المغاربة المرغوب فيهم. فمع من يريد هؤلاء أن تتحاور الدولة؟
ما علينا والحالة هذه إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا في انتظار الأسوأ... ربما هو إحياء مشوه للزمن الغابر، لقانون "كل ما من شأنه"، حيث كل عقل غير مدجن هو بالضرورة عدو مفترض، مذنب...
صدق لينين حين كان يعتبر كل فعل يدفع في اتجاه تشجيع وتصاعد الاستبداد ممارسة ثورية.
يكفي التنديد. لذا نقول "لا" للحصار...، ونتحداه...، بقلم الرصاص...
3. "لا" للفساد
استقر الفساد السياسي والمالي والإداري كبنية في مغرب "الاستقلال"، وشهد توسعا وتعاظما لا نظير له في السابق، كما وكيفا. بعدما كان يتغذى في البداية أساسا من الريع العقاري لأراضي الدولة ومن الميزانية العامة، وينتج المعمرين الجدد و"الكومبرادور"، أضحى يتسع ليشمل أيضا مداخيل الخوصصة والمساعدات الخارجية ورخص الصيد البحري والتهريب والرشوة والاتجار في المخدرات ومختلف أنواع النهب والنصب والاحتيال. وشهد تحولا في النوع، إذ لم تعد بؤره معزولة عن بعضها البعض، بل متشابكة في شكل "مافيا" حقيقية.
هكذا، استفحل الفساد بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة. ليس فقط بسبب هرولة فئات جديدة لولوج مراكز القرار الإداري، والديمومة في مناصب السلطة، وتزايد نفوذ العائلة والقرابة إلى حد "التوريث"، الخ، بل أيضا وأساسا بفضل غياب وتغييب المراقبة الفعلية وتعميم سياسة التسامحية وعدم المحاسبة والإفلات من العقاب، فضلا عن انعدام وجود قضاء مستقل ونزيه...
بادية هي رموز الفساد في البلاد، لكنها تشعر بالحصانة التي يؤمنها لها نظام الاستبداد. لائحة بعضها تنشر يوميا على أعمدة الصحف، التي تنتقيها وفق حساباتها الخاصة؛ في حين يختبئ البعض الآخر وراء الصحافة الحرة (Privée) التي يمولها؛ أو خلف تشكيلات سياسية إدارية وأخرى مستحدثة لهذا الغرض؛ والمتبقي يحتمي بالسلطة المركزية ذاتها. أما أحزاب الحركة الوطنية، الانهزامية والانتظارية أصلا، فقد طالت هذه الآفة عدد من قيادييها، ما جعلها تركن إلى الصمت ولا تتجرأ وتقوم ولو بوقفة احتجاجية واحدة ضدها.
وفي الوقت الذي تشتعل فيه نيران الثورة وتتسع دائرة الاحتجاج والرفض من المحيط إلى المحيط، بدءا من تونس، ثم بمصر، وحاليا ليبيا واليمن، وفي الطريق البحرين والعراق وإيران...، يستمر الفساد بشكل جنوني في نخر جسم المجتمع المغربي وتوسيع الهوة بين الخطاب الرسمي والفعل على أرض الواقع. ذروة التحدي أنه عوض أن يتوارى رموزه عن الأنظار، يثبتون في مناصبهم أو تتم ترقيتهم إلى أعلى. والحال أن شرارة الثورة في اليباب اندلعت في البدء ضد الفساد والظلم، قبل أن تتحول إلى موجة عارمة للإطاحة بالطاغية والمستبد، رأس نظام الفساد.
نكتفي من جانبنا بالتنديد وقول "لا" للفساد.
وإذ نعبر بالمناسبة عن إجلالنا لأرواح من سقطوا من الشهداء وعن دعمنا الكامل للشعوب المنتفضة من هول ضيم البطش واستئساد الغبن الذي لحقها، لنأمل ألا تسرق أحلامها وتضحياتها من قبل أزلام الثورات المضادة... جذور الفساد المعشش في ثنايا التاريخ والقابع في موروثاته الذهنية...
كما لا يسعنا، والمناسبة شرط، إلا أن نحيي شباب المغرب على ما أبان عنه من حس وطني ومن انخراط في قضايا شأنه العام، وهو العزوف عن صناديق انتخابية أفقدها الفساد المبنى والمعنى، وعن أحزاب ترهلت فما عادت، لفرط تخمتها الريعية، بقادرة على صياغة والمدافعة عن أحلام الأجيال الناهضة واحتضانها، إن لم تكن لا تتقن غير قرصنتها وتحويلها لكوابيس يقظة...
نترك الكلمة الفصل للشعب، ولهذا الشباب الجموح في التعبير عن مطالبه المشروعة: عن غضبه أو رضاه على الوضع القائم، عن رغبته في إصلاح النظام، أم عن إرادته في إحداث تغيير جذري له؛ وفي رسم معالم سقفها المطلوب... وكلنا ثقة في وعيه السياسي وحسه الوطني كما في قدرته على اجتراح التغيير الذي يوائم تطلعاته... وعلى قدر العزم تأتي العزائم.
4. "لا" للحكم الفردي
في العقود السابقة، توفرت لدى جزء من النخبة المغربية النزاهة الفكرية والسياسية الكافية كي تتجرأ على قول الحق في وجه النظام، والتنديد بما كانت تسميه صراحة "الحكم الفردي"، والاضطلاع بموقف الريادة في كشف مظاهره وتبيان مخاطره على المصائر الوطنية، والسعي لصد مفاعيله التخريبية بغير قليل من الكفاحية وكثير من التضحيات.
واليوم، وإن بهدوء وتبصر، ليس من الجسارة بمكان الصدح تعبيرا، عما هو قائم ومترسخ في واقع الحال، مكنون في العقول ومختلج في الصدور، قول "لا" لوضع السلطة في يد واحدة، "لا" للحكم المطلق، فذلكم "أضعف الإيمان وأبسط الالتزام".
في الشرط التاريخي الراهن، وأكثر من أي وقت مضى، ما أحوج المغرب إلى سياسة الحقيقة، وإلى سياسة حقيقية؛ إلى تخليق وعقلنة السياسة، في الخطاب والممارسة. ذلك أنه في الآن، تتيح وسائل الاتصال الحديثة إمكانيات هائلة تجعل الواقع السياسي سهل المنال، صعب المسخ، لا يحجب، مما يعفي المتلقي ذو الحد الأدنى من النباهة، من لت وعجن الخطاب (شبه-) الرسمي، وما يلوكه المثقف -"صوت سيده". كما لا يتطلب منه الكشف عن خبايا وطبيعة العلاقة السياسية السائدة الكثير من الوقت والجهد كما كان عليه الشأن في السابق، إذ أضحت نوافذها مشرعة وشفافة، ودهاليز السلطة أقل دهمة، بل تكاد تكون عارية وفضائحية.
من الواجب إذن على كل ضمير حي مخاطبة الدولة بصراحة ووضوح وصرامة أيضا، لوضعها أمام مسؤوليتها التاريخية بالتشديد على وجوب الانخراط الفعلي في صيرورة التحديث السياسي، وحتمية الخروج من دوامة الوعود العرقوبية، والتطمينات التنويمية/التمويهية، ومن حيل "الماركوتينغ" وأحابيل إدارة وتدبير العلاقات العامة، فالدولة كما المجتمع ليسا لا سوقا ولا مقاولة... فلا مندوحة إذن من تحرير المجتمع من قيود الاستبداد والظلم الاجتماعي، وتمكينه من التمتع بالديمقراطية الحق والعدالة الاجتماعية.
بادية هي للعيان حقيقة احتكار السلطة وعدم الاحتكام للشعب كمصدر وحيد للشرعية، وما يترتب على ذلك من تفاقم للحيف الاجتماعي. الأخطر في الأمر يكمن في تصدير نموذج التسلط والشخصنة والانفراد بالقرار إلى الأسفل، وتعميمه نموذجا أمثل إلى الإدارة، وبثه بمختلف أوصال طبقات وجزئيات البنيان الدولتي، وعلى رأسها القطاعات المنتجة واقتصاديات الريع؛ ومن ثم تعميم النسق الميراثي في تدبير الخيرات وتراكم الثروة في يد الأقلية. ولا تنضبط هنا السلط المخولة - من المركز- إلى معايير قانونية ولا تخضع إلى تراتبية مؤسساتية، بل تتم شخصنتها بشكل مصغر في الأطراف والمستويات الدنيا بتوازيات وازدواجيات عديدة متحللة من كل روح أو ضابط مسطري أو مؤسساتي.
هو الولاء وحده معيارا، يطلق يد الإقطاع السياسي والإداري على عواهنه ورعونته، لتحريك تلك الآلة الجهنمية من الفساد المعمم، المحصن بالحماية الدولتية، الذي ينتصب كبنية فوقية وآلية سياسية لإعادة إنتاج النخب الموالية والقاعدة الاجتماعية للنظام.
ينسحب الأمر ذاته، تعميما في مسخ كل الابتكار الإنساني الديمقراطي وتجويفه ليستحيل لمجرد "ريع سياسي" يفوت تفضيلا لشلل بقايا القيداوية القروية ومواريث سلالات وأعيان العائلات المخزنية وأصفياءها وزبناءها الحضريين، وإن شذ "الاستثناء" فللمؤلفة قلوبهم.
لا يساورنا أي شك في استماتة النخب المخزنية الجديدة في الدفاع عن مصالحها الضيقة، باسم صيانة الثوابت والتقاليد المرعية، وبالتالي مناهضة أي تطلع إلى الحرية والانعتاق من براثن الاستبداد. لكن ما يثير القلق هو تمادي قطبها في الشطط والضلالة وإثارة الضغائن، ونجاحه في بسط نفوذية الصبيانية السياسية.
يسترعي الانتباه في هذا السياق ما يحدث الآن من هجوم شرس على حركة الشباب الاحتجاجية، وما يشكله من خطورة، ليس بالنظر إلى تداعياته المحتملة، بل أساسا بالنسبة لدوافعه المبطنة. فقد استبد الشره بنخبة المخزن الجديد إلى حد فقدان البصيرة والاستخفاف بالعقول، وركب بها الزلل إلى درجة اقتراف الحماقات والمقامرة بمصداقية النظام بجعل الشباب كبش المحرقة الذي يجب أن تعلق عليه مشاكل البلاد في ظل الحركية التي يشهدها الشارع. إذ جعلها تشبثها الأعمى بمواقعها توظف احتكارها للبوابة التي ينفذ منها صدى الخارج إلى أعلى سلطة في البلاد، لتدفع - بأسلوبها المداح المعتاد - في اتجاه خلق جو من الذعر والهلع، يستشف منه أن المؤسسة الملكية في خطر، مستهدفة؛ وإحداث شرخ وسط المجتمع، يراد له أن يقوم على هذه الخلفية: من مع ومن ضد الملك؟ حتى يتسنى لها عزل واستئصال حركة الشباب، قبل أن تتمكن من التقاط أنفاسها، ثم استئناف مشروعها الرامي إلى إحكام القبضة الحديدية على المشهد السياسي برمته. لا يهمها الانطباع الذي قد تحدثه ممارستها في النفوس، كزعزعة الثقة في هيبة الدولة، ودعم الاعتقاد في هشاشة النظام، واستفزاز مشاعر الناس...
والحال أن الحركة الشبابية تبقى متواضعة في حجمها ومطالبها، ولا تشكل خطورة بالنسبة لاستقرار الدولة والمجتمع. ذنبها الوحيد استهداف منابع التسلطية وبؤر الفساد.
وإذا كانت النزعة الحزبية الإلحاقية قد تسببت في حجز وتدمير التطور الطبيعي للحركة الشبابية إياها، فإن ما يثير الاشمئزاز حقا هو اصطفاف معظم الأحزاب المحسوبة على اليسار في الخندق المناوئ لها، كأنها جرثومة خبيثة، عوض احتضانها وتمنيع قدراتها الاستقلالية تجاه "عقبان الماضوية"؛ وكذا تفاقم ظاهرة استشراء النخب الحضرية الانتهازية.
أما أهل الثقافة والفكر ـ إلا قلة القلة، فلهم الهرولة المحمومة وراء المنافع والمناصب الإدارية العابرة، دون مراعاة المصلحة العليا للبلاد.
يجب أن يشعر مجموع هؤلاء بالخزي والعار وهم يتكالبون على شباب المغرب لمجرد تطلعه نحو المستقبل، وطموحه إلى الانخراط في الحداثة الكونية، والتعبير عن رغبته في خوض معركة الحرية والكرامة والتصالح مع الذات التاريخية، دون تهديد حقيقي للنظام العام وللدولة.
هكذا، في معركة غير متكافئة، يجد الشباب نفسه في مواجهة الصبيانية السياسية التي تطغى على سلوك النخبة المخزنية الجديدة، والشيخوخة الفكرية التي تدب في جسم النخب الوطنية التقليدية؛ وهكذا يفوت على المغرب، وبصبيانية واستخفاف لامسؤول أيضا، لحظة استجماع قواه للجواب على أسئلة تدق أبوابه منذ قرن خلا... هو الاستهتار عينه إذن.
5. "لا" لجمع السلطة والمال في يد واحدة
في مغرب اليوم، أضحى من اللازم على كل ضمير حي التنديد بجمع السلطة والمال في يد واحدة، وما يترب عن ذلك من تسلطية مركبة ومتعددة الأبعاد، يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي وتشمل مختلف الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، الخ.
على النقيض من أنساق الحكم البالية والاستبدادية، تتمتع الأنظمة السياسية الحداثية والديمقراطية بميزة فصل الثروة عن السلطة، المقاولة عن الدولة، السوق الاقتصادية عن المجال السياسي. تتبلر العلاقة السياسية في الدول الراقية حصرا في المؤسسة وليس في الأشخاص، ويخضع الرأسمال باعتباره علاقة اجتماعية -قبل أن يكون ملكية، إلى قوانين الاقتصاد؛ بل وتفصل ملكيته عن إدارة تدبيره حتى. والبورجوازية الحقيقية تسود ولا تحكم، تبسط هيمنتها الإيديولوجية على المجتمع وتترك السياسي يدبر الشأن العام، اعترافا بالدولة -ذلك الرأسمالي الجماعي بالفكرة- كـ"عقل" عام لا حكرا طبقيا، "عقل" منظم وخاضع في آن لقوانين التدافع الاجتماعي في إطـار "المصلحة العامـة" لا مصالـح أفـراد واحتكـارات و"لوبيـات" أو "مافيـا" بعينها.
في ظل الظروف التاريخية الراهنة، المطبوعة بحراك ثوري لتراكمات الضيم الاجتماعي وإخفاقات وأعطاب العولمة المتوحشة، إقليميا ودوليا، لم يعد من المقبول في المغرب السكوت عن تركيز الملك والخيرات في نفس الجسم، عن اختلاط السلطة السياسية بالسلطة الاقتصادية. إذ لا يمكن الاستمرار في غض الطرف عن الدمار الذي تحدثه تلك الدورة الجحيمية من استغلال النفوذ من أجل الثراء واستعمال المال لبسط السيطرة السياسية، وما تلحقه من ضرر بالاقتصاد الوطني وبالحقل السياسي، علاوة على عواقبها الوخيمة على صعيد التماسك الاجتماعي. تعكس هذه الظاهرة بالفعل هيمنة الإقطاع في صورته البدائية الأكثر همجية - إذ حتى الفيودالية كانت تعاقدية لا استعبادية فجة - والكومبرادور على دواليب الإدارة، وعجز أية بورجوازية وطنية عن التبلور وعن القيام بمهمتها التاريخية التحررية - المتمثلة في إنجاز التنمية الاقتصادية والسياسية، إلا أن أهمية الوقوف عندها في الراهن تمليه ضرورة التصدي بحزم لمعاقل الرجعية والفساد النتنة التي يتعاظم دورها التخريبي في الميدان السياسي والمؤسساتي، ويزداد توغلها في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، بفضل الريع الذي تجنيه تحديدا من احتكار السلطة وشبكياتها الزبونية والعائلية، وتستثمره في إعادة إنتاج ذاتها وتوسيع نفوذها.
حينما تضع الدولة نفسها رهن إشارة رابطة تجارية أو تكتل مالي من القطاع الخاص المحلي، بامتداداته وتحالفاته الاستراتيجية الخارج وطنية، وتسمح بتوظيف أجهزتها لتحقيق مآرب أنانية، فإنها تتسبب في شل حركية تراكم الرأسمال الوطني وإعدام قوانين السوق والتنافسية الشريفة، وكذا في تبديد الموارد العمومية.
هكذا، بمنأى عن الأنظار، يستغل أشخاص عينيون مجرد قربهم الفردي من مركز القرار الدولتي لتشييد ممالكهم الخاصة، عبر النهب الممنهج للأموال العامة والاستحواذ على خيرات البلاد. بل إنه قد أضحى في مستطاعهم نشر تسلطهم اللاشكلي - ولكن الفعلي - على الحكم وعلى الإدارة الترابية، إلى حد التطاول على ممتلكات الغير ورمي الأبرياء في السجون، مع ما يترتب عن ذلك من شحن لمشاعر الغيض وإذكاء للضغينة في النفوس وتهديد للسلم والتماسك الاجتماعي والأمن القومي وتخريب للحس الوطني والمواطني المدني.
لذا، نقول "لا" لمزج ووضع الثروة والحكم في يد واحدة...
6. "لا" للصبيانية
قد يبعث على اليأس رؤية المغرب السياسي يضيع في المزيد من المتاهات التي تبعده عن ضفاف الحرية والعدالة، وتتركه يتخبط في ظلمات الاستبداد وقهر الحيف الاجتماعي.

إلا أن ما يثير القلق هو الانحرافات السياسية المستحدثة في مغرب اليوم، وفي قلبها تفشي مرض الصبيانية الذي استبد بالنخبة السياسية "الحاكمة" حاليا، والذي تتم إشاعته على نطاق واسع في الأوساط الحزبية والجمعوية والإعلامية ، الخ.
منذ عقود طويلة، ظلت السياسة تمارس بدون رهان، ولا تخضع لأية عقلانية؛ ليس فقط بسبب التسلطية شديدة الوطأة، بل جوهريا بحكم ارتماء النخب في أحضان الانتهازية وما يترتب عن ذلك من مظاهر الانهزامية والانتظارية والجمودية. أودى هذا الوضع إلى تدني لا نظير له في وعي وسلوك هذه النخب، وإلى انحدار أدائها في مختلف مواقعها وميادين تواجدها، إلى الحد الذي افتقدت فيه السياسة المعنى وانغمست في التفاهة؛ تحت ضغط أو طغيان الشعبوية والطفولية.
ترعرعت الصبيانية السياسية هذه المرة في أحضان الدولة، توَّ تربُع نخبة "العهد الجديد" على الحكم. فقد انتعشت في دهاليز السلطة قبل أن تنتشر عدواها وتلتهب حماستها شرائح عريضة من النخب، الموالية منها أو المعارضة للنظام. ثم صارت نهجا يقتدى به من طرف ("الحكومة الممنوحة") "حكومة الإسلام السياسي".
مثله مثل سلفه -"الوافد الجديد"- المتحكم فعليا في السلطة الإدارية، لم يعد رجل السياسة (شبه) الرسمي -الأصولي المخزني- يبالي في سلوكه اليومي بالجمهور، ولا بالمحيط الموضوعي، ولا بالواقع الملموس؛ وذلك مباشرة بعد تسلمه مقاليد الإدارة. ما يشد الانتباه هو عجزه عن التجرد من الحاضر قبل الماضي، عن إرادة توفير الوسائل لبلوغ الغايات التي يسعى إليها، وكذا عن الاهتمام بالنتائج الحقيقية أو البعيدة لأفعاله. لا يكتفي برفض النظر إلى الأمور وأخذها كما هي في الواقع، بل يتمادى في غيه إلى درجة استبلاد العقول واحتقار وعي الناس وشتم ذكائهم. إذ، بتقليد مكشوف لعجرفة سابقه، يتعامل باستخفاف كبير مع قدرات الذاكرة الشعبية والرأي العام على استرجاع كما على التقاط الأحداث، والتمييز بين الحقيقة والوهم، بين الصواب والخطأ، بين الكذب والصدق، بين الجد والهزء، الخ.
هكذا تحول المشهد السياسي إلى مهزلة، وأضحى مسرحا يتنافس فيه "الحكام" الجدد والقدامى على إتقان الشعبوية، واللعب بمصائر الناس، غير مبالين بمستقبل البلاد. يستقوي بعضهم بالدولة، والبعض الآخر بالجهاز الإداري لحماية أنفسهم من أية محاسبة أو مراقبة، محصنين جميعا بواقع الاستبداد الذي يعملون على شرعنته وتوفير شروط إعادة إنتاجه، كي يتفرغوا لشن حملات غوغائية لتعويض والتغطية على عجزهم التام عن تحمل المسؤولية أو القيام بالمهام المنوطة بهم أو حتى تحقيق الحد الأدنى من الوعود التي تقدموا بها في شكل برنامج سياسي أمام العموم.
لم يسلم اليسار من آفة الشعبوية والطفولية، لكنه لم ينزل إلى هذا الحضيض الذي بلغه الفعل السياسي مع فلول المحافظة والرجعية. كانت لشعبوية وصبيانية اليسار حقا ميولات هادمة إلى هذا الحد أو ذاك، خاصة على المستويين السياسي والنقابي؛ غير أن هذا التيار السياسي كان يمتلك مرجعيات فكرية واضحة وتصورات سياسية صائبة، مكنته من تحديد مكمن الخلل في اشتغال النظام السياسي والبناء الاجتماعي، ثم من تحريك المياه الراكدة وتغذية الدينامية الاجتماعية عبر إثارة موجات عنيفة من النقد والرفض والاحتجاج ضد الأوضاع القائمة. أما الآن فإننا بصدد شعبوية دولتية ماضوية، قوامها الإجماع حول تثبيث ركائز التقليدانية السياسية؛ وتقويم السلفية الأصولية التي تسبح في أجواء عكرة من التواطؤ والعدوانية ضد الآخر...
عبر تصرفهم الصبياني اللعوب الذي تمتزج فيه السخافة بالمراهقة، ينشط زعماء وحلفاء حكومة "الإسلام السياسي" في تبرير الأمر الواقع بدعم من جيوب المحافظة داخل وخارج النظام؛ وبالتالي في تحصين معاقل الرجعية والفكر الإقطاعي. يحاول الفاعل السياسي الأصولي، المخزني، تغليط الناس فيما يخص القضايا المطروحة وكيفية تدبيرها كشأن عام؛ يتخذ رغباته كحقائق ويريد إقناعهم بها، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع الملموس، ولا يمليها سوى سعيه الدؤوب إلى طمس طبيعة العلاقات السياسية السائدة والبنيات الافتصادية والاجتماعية والثقافية المتفرعة عنها. فهو يراهن لهذا الغرض على سهو المتلقي للخطاب، إن لم يكن على بلادة العامة، كي يتفنن في نسج خطاب سياسي إطنابي، فارغ، قوامه تركيب الجمل الطنانة، وفي إحداث الزعاق، متعاطيا بحماس وطني وذهني إلى اللعب ومعالجا في نفس الآن القضايا الجدية كأنها ألعاب.
يجب التصدي بحزم لهذا النوع من الطفولية التي تحتقر وعي الجماهير وتعادي قيم المواطنة الحق، والتي تهدد ظلماتها تطور ومستقبل المغرب السياسي.
لذا نقول "لا" للصبيانية...
7. "لا" لتسييس الدين و"لا" لتديين السياسة
منذ بروز بوادره الأولى في أواخر سنوات 1920، ما فتئ الإسلام السياسي الراديكالي يثير الجدل. وفي ظل التطورات التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين، تضخم كثيرا حضوره، وتعددت غزواته لمختلف حقول المعرفة والسياسة والإعلام، وأيضا الاقتصاد. لكن ما يجب أن يشد الانتباه هو أن الأمر يتعلق بظاهرة حديثة، لا تختلف في شيء عن الظواهر المعاصرة المماثلة لها. تتراءى كأنها شكل من أشكال التقليد أو مفارقة تاريخية أو بقايا من الماضي وانبعاث له في الحاضر. إلا أنها تنتمي في جوهرها إلى فضاء الرأسمال وكيفية اشتغاله، في المركز كما في المحيط.
لم تستطع الرأسمالية التاريخية التمدد والترسخ في رحاب الكون بدون أزمات، أكثرها حدة تلك التي يتسبب فيها سلب الإنسان من قوة عمله وإنسانيته، والغير من أراضيه ومقوماته الثقافية والروحانية؛ وإخضاع الكل لقوانين وقيم السوق. وإذا كانت القسمة المشتركة هي توسع الفوارق الطبقية بشكل مهول في كل مكان، فإن التمييز الرئيس يخص تفاقم الهوة في التنمية الشاملة، وبخاصة منها السياسية، بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب. ينعم الغرب بالخيرات المادية، وتتلازم في بلدانه الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية. في فضائه، يوازي عدم المساواة الواقعية بين الأفراد أمام التبادل، مساواتهم الشكلية أمام صناديق الاقتراع. في حين يظل الشرق يرزح تحت ثقل التخلف والاستبداد والفكر الإقطاعي.
تلقى العالم العربي الإسلامي صدمة الحداثة إثر اصطدامه بالاستعمار الغربي، ثم انهيار الدولة العثمانية وسقوط الخلافة الإسلامية. على قاعدة حركة اليقظة العربية قامت بعض مبادرات الإصلاح، التي تلمَست سبل تجاوز التخلف المستوطن بالدعوة إلى الاقتداء بالسلف الصالح. إلا أن إخفاق المحاولات الإصلاحية دفع ببعض أعلام السلفية إلى الارتداد عن أساتذتهم وعن الرواد الأوائل، وتمهيد الطريق لميلاد الإسلام السياسي الراديكالي.
في حالة المغرب، نشأت الحركة الوطنية السلفية على خلفية انقضاء حرب الريف سنة 1926، وإنهاء فترة "التهدئة" سنة 1934. وانحصر دورها في مطالبة دولة الاستعمار بالإصلاح، قبل رفعها لشعار الاستقلال والتفافها حول السلطان. لكنها لم تفرز أبدا الإسلام السياسي. فقد تأسس أول تنظيم ينتمي إلى هذا النوع من التشكيلات السياسية سنة 1970، بتواز مع نشأة الحركة الماركسية اللينينية المغربية. وشاع دويه كأداة بيد السلطة، استخذمته لاغتيال الزعيم "الاتحادي" عمر بنجلون؛ قبل أن تتفرع عنه باقي تيارات الإسلام السياسي في البلاد، مع ما رافق ذلك من انتشار للوهابية...
إذا كانت الأصولية الدينية تمثل ظاهرة حديثة العهد جدا في المغرب، فإنها تنفرد ببعض الخصوصيات، أكثرها إثارة للفضول أن ظروف النشأة والتطور أودت إلى فرز إسلام سياسي مخزني خرج من رحم الدولة وترعرع في أحضانها، إلى جانب آخر راديكالي يعارض بشدة المخزن. الأهم من ذلك أن فعل تقديس السياسي وتوظيف الدين لأغراض سياسية لا يُنسب إلى الإسلاموية وحدها، ولا يستساع اختزاله فيها. يعود أصل هذا الفعل إلى الدولة/المخزن التي كانت سباقة في تدشين وترسيم عملية تسييس الإسلام وأسلمة السياسي، والتي دسترت البيعة المقدسة وإمارة المُؤمنين مباشرة بعد رحيل الاستعمار، وذلك نزولا عند رغبة رموز الإقطاع المحلي في تحصين النظام بالدين قصد التصدي لليسار الجموح. وعلى امتداد نصف قرن تقريبا، استقرت الظاهرة كمعطى بنيوي في اشتغال النسق السياسي، وآلية مركزية لشرعنة الاستبداد وتشديد عوده، ومورد مهم من موارد الريع الاقتصادي.
ثمة حقا غياب جدل عمومي حقيقي حول هذه المسألة. وما يشوه الرؤية ويفسد الحقيقة هو مُداراة الخطاب السياسي الرائج، المثخن بالنفاق والتناقض. في نفس اللحظة، ثمة شبه إجماع حول نظرية/مبدء إمارة المؤمنين كما هي في واقع الحال، أي قبول احتكار الشأن الديني وإقحام الدين في السياسي؛ وحول فكرة فصل الدين عن السياسة مثلما يطرحها المشرع وينادي بها دعاة الحداثة. فما معنى تحريم الحزب الديني، وإحلال الدولة الدينية؟ أليس الحزب دولة جنينية بالتعريف؟
يتحاشى معظم الفرقاء السياسيين ورجال الفكر والإعلام الخوض في موضوع شائك مثل هذا، تحت مبررات واهية، قاسمها المشترك الدفاع عن الذات بالتحصن وراء المحافظة، والاحتماء بظل الحكم الفردي، بحثا عن الجاه والاستفادة من اقتصاد الريع قدر المستطاع. يمجدون دور الوساطة والتحكيم الذي يقوم به النظام في شؤون الدين والدنيا، في حفظ الاستقرار والأمن والتوازنات السياسية القائمة. يختفي مظهر التعسف والاعتباطية وراء هذه الوظيفة السديمة، السحرية، التي يُفترض أنها مفتاح الحل الوحيد، وأنه في وسعها على الدوام إنقاد البلاد من الآفات كيفما كانت طبيعتها. في الراهن، يسود الاعتقاد بمحورية دورها في سد خطر المد الإسلاموي والتطرف الديني الجارفين، كما في صد العلمانية؛ ضمان بقاء الدولة الدينية واسترشادها بتعاليم الإسلام ومنح الأصولية مكانة ما في صنع القرار السياسي وتسيير الشأن العام، وفي نفس الآن الدفاع عن بعض مكاسب التحديث...
إننا بصدد دعم صريح للدولة الدينية، وتوافق ضمني على شرعية استعمال الدين في السياسة. يقود هذا التصادق مع الأمر الواقع إلى توطيد الاستبداد واحتضان دولة شمولية أدنى؛ إلى تثبيت أقدام سلطة إلهية (Théocratie) عتيدة، درعها الواقي التقليد وسلاحها المناورة والترهيب، بتوظيف الدين.
لذا نقول "لا" لتسييس الدين، و"لا" لتديين السياسي...



#أحمد_الحارثي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -لا- لتسييس الدين و-لا- لتديين السياسة
- رهانات الثورة وأخطبوطات الثورة المضادة في المحيط العربي
- افتتاحية اللاءات: -لا- للشعبوية، -لا- للصبيانية
- انحرافات المغرب السياسي: من الصبيانية السياسية إلى الصبيانية ...
- المغرب في زمن الثورة الضائع
- -الربيع العربي--: حالة المغرب
- الربيع العربي
- العالم الجديد بين طوبا الأمس وواقع اليوم: الصين-عالم


المزيد.....




- مكتب نتنياهو يعلن فقدان إسرائيلي في الإمارات
- نتنياهو يتهم الكابينيت بالتسريبات الأمنية ويؤكد أنها -خطر شد ...
- زاخاروفا: فرنسا تقضي على أوكرانيا عبر السماح لها بضرب العمق ...
- 2,700 يورو لكل شخص.. إقليم سويسري يوزع فائض الميزانية على ال ...
- تواصل الغارات في لبنان وأوستن يشدد على الالتزام بحل دبلوماسي ...
- زيلينسكي: 321 منشأة من مرافق البنية التحتية للموانئ تضررت من ...
- حرب غزة تجر نتنياهو وغالانت للمحاكمة
- رئيس كولومبيا: سنعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا البلاد
- كيف مزجت رومانيا بين الشرق والغرب في قصورها الملكية؟
- أكسيوس: ترامب فوجئ بوجود أسرى إسرائيليين أحياء


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الحارثي - تراكم اللاءات