كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 01:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أن أُلحقت ولاية الموصل, بعد أن كانت خاضعة للدولة العثمانية حتى العام 1918 إذ أصبحت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى تحت الاحتلال البريطاني, بالدولة العراقية الملكية الحديثة في العام 1926 على وفق قرار مجلس عصبة الأمم, واجه الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق سياسات قومية يمينية شوفينية وعمليات عسكرية أجهزت على أرواح الكثير من الكرد وخربت العديد من المنازل بفعل القصف الجوي, إضافة إلى التهميش وعدم الاستفادة من إيرادات الموارد الأولية المتوفرة في الإقليم ومنها النفط الخام المستخرج والمصدر والغاز المصاحب الذي كان يحرق دوماً, وكذلك تخريب بعض المناطق الكردية, وخاصة الأرياف والقرى الفلاحية والغابات, وكان المفروض على أساس الاتفاق الذي تم بين الملك فيصل الأول والحكومة من جهة ومجلس عصبة الأمم من جهة أخرى أن يمنح الشعب الكردي الكثير من الحقوق المشروعة والعادلة دون أن تتحقق له. لقد ناضل الشعب الكردي مع الشعب العربي ضد سياسات النظام الملكي وقامت الثورة ضد هذا النظام بسبب التمييز والتهميش وغياب الحريات الديمقراطية ومصادرة الحياة الحزبية ومنظمات المجتمع المدني واتساع البطالة والفقر وعدم المساواة ووجود كثرة من الحكومين سياسياً في السجون وكثرة من الموقوفين في المعتقلات..الخ.
وفي العهد الجمهوري الأول, ورغم الاعتراف بشراكة الكرد مع العرب في الوطن الواحد, ولكن بالممارسة العملية لم يمنح الشعب الكردي حقوقه القومية المشروعة التي ناضل من أجلها طويلا, كما تعرض لعمليات عسكرية واسعة في العام 1961 مما أدى إلى انطلاق ثورة أيلول في نفس العام. وبسبب عدم التحول صوب المجتمع المدني الديمقراطي والدولة الدستورية والبرلمانية والاستجابة لإرادة الشعب, تجمعت الكثير من العوامل السلبية ونشأت جبهة معادية لحكومة عبد الكريم قاسم ومضامين الثورة الوطنية التي قادت إلى سقوط الجمهورية الأولى بانقلاب قومي شوفيني واغتيال قادة الثورة ومنهم عبد الكريم قاسم في العام 1963. بعدها تعرض الكرد لمحنة جديدة على أيدي البعثيين والقومين العرب, بما في ذلك بدء القتال من جانب الحكومة ضد الشعب الكردي. ثم جاءت الجمهورية الثالثة ذات الوجهة القومية اليمينية الشوفينية التي شنت الحرب ضد الشعب الكردي لإيقاف نضاله المشروع والعادل من أجل حقوقه القومية في العام 1965 و1966.
وإذ تحمل الشعب الكردي الكثير من التضحيات البشرية والمادية خلال نضالاته لأكثر من أربعة عقود في ظل الملكية والعهد الجمهوري بسبب السياسات الشوفينية والرجعية للحكومات المركزية ببغداد, فإن القوات النظامية خسرت الكثير من الجنود والموارد المالية دون أن تعي تلك الحكومات المتعاقبة أهمية حصول الشعب الكردي على حقوقه وإرساء دعائم الأخوة بين المكونات القومية للشعب العراقي والكف عن التفكير بالحرب ومصادرة الحقوق.
ولكن ما تعرض له الشعب الكردي في ظل البعث, الذي وصل إلى السلطة في انقلاب القصر الجمهوري في العام 1968 يفوق كل العذابات وألآلام والخسائر البشرية والمادية التي حصلت خلال العقود السابقة والمرارات التي ذاقها الشعب وسقوط عدد من الشهداء من أبناء هذا الشعب. لقد أجبر نضال الشعب الكردي بالتضامن مع القوى الديمقراطية العراقية حكومة البعث في العام 1970 على الاعتراف بوجود القومية الكردية وحقوق الشعب الكردي والموافقة على إقامة الحكم الذاتي على أرض كردستان العراق, والذي تجلى في بيان أذار 1970. ولم يك هذا الاعتراف صميمياً وأصيلاً, بل جاء نتيجة الخشية من تعرض نظام البعث إلى الاهتزاز والسقوط وهو في بداية وصوله الثاني إلى السلطة.
كانت الإيديولوجية القومية اليمينية والشوفينية التي ترتقي إلى مستوى العنصرية في الموقف من القوميات والشعوب الأخرى قد برزت وتكرست منذ التأسيس الأول في العام 1947/1948 في مبادئ وسياسات وممارسات وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي, ومن ثم في سياسات ومواقف وسلوك دولته الجديدة وسلطته السياسية وقادته. فالذهنية العسكرية والتطلع للهيمنة والتوسع على حساب الغير والتمسك بالعنف والحرب باعتبارهما الطريق لتأمين الأهداف كانت السياسة التي ميزت وجود البعث في السلطة طيلة نيف وثلاثة عقود من السنين.
لم يمض وقت طويل على البدء بتطبيق الحكم الذاتي في أغلب محافظات إقليم كردستان حتى بدأ البعث يتآمر على الشعب الكردي وعلى الحكم الذاتي وعلى الحركة التحررية الكردية بشكل عام والتي تجلت في البداية بمحاولة فاشلة لاغتيال الملا مصطفى البارزاني قائد الثورة الكردية والشعب الكردي بتاريخ 29/9/1971, ومن ثم في الهجوم على الشعب الكردي وخوض معارك دموية في العام 1974. وانتهى ذلك بعقد اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في العام 1975 برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل, التي قادت إلى انهيار سريع وشديد للحركة الكردية الوطنية المسلحة مؤقتاً. إذ سرعان ما نهضت وبدأت كفاحها الوطني والقومي المسلح وبقوى أكثر وأوسع واشد عزيمة على النضال.
لم تمض فترة طويلة على ذلك حتى بدأ النظام الدكتاتوري حربه العدوانية ضد الشعب الإيراني في العام 1980, وكان قبل ذاك قد بدأ بخوض المعارك ضد قوات الحركة الكردية المسلحة المتمثلة بقوات البيشمركة الكردية التابعة لعدد من الأحزاب الكردستانية, إضافة إلى تشكيل الحزب الشيوعي العراقي لقواته الأنصارية والتحاقها بالحركة الوطنية المسلحة بالإقليم أيضاً.
وبسبب الحرب مع إيران خسر الشعب العراقي والشعب الإيراني مئات ألوف القتلى والجرحى والمعوقين ومئات المليارات من الدولارات الأمريكية وتدمير البنية التحتية والكثير من المشاريع الاقتصادية, إذ استمرت الحرب طوال ثماني سنوات عجاف. وقبل نهاية هذه الحرب المجنونة لم يكف النظام الدكتاتوري عن شن هجماته العسكرية ضد قوات البيشمركة والأنصار ويخوض المعارك ضدها. وكان الهدف المحدد إيديولوجياً وسياسياً من تلك المعارك العدوانية ليس الحركة الكردية المسلحة فحسب, بل ومجمل الحركة الكردية التحررية والشعب الكردي. وقد بدأت أشرس تلك العمليات في ربيع العام 1987 حين وجه النظام أسلحته الكيماوية ضد قرى ونواحي كردستانية, كما حصل في الهجوم بالأسلحة الكيماوية على كل من سركلو وبركلو، وفي اليوم التالي, أي في 16/4/1987, قامت القومات النظامية الحكومية بقصف قرى باليسان, شيخ وسان, حيث استشهد الكثير من المواطنات والمواطنين الكرد وجرح عدد أكبر. وكانت هذه العمليات هي البداية لما حصل في شباط/فبراير من العام 1988 حيث بدأت عمليات الأنفال الإجرامية بأبشع صورها وأكثر فاشية وعنصرية ودموية. تضمنت العمليات الأنفالية في ثماني مراحل استمرت طوال تسعة شهور, وكانت على النحو التالي:
"* الأنفال الأولى: منطقة السليمانية، محاصرة منطقة (سركه لو) في 23 شباط لغاية 19 مارت/1988.
* الأنفال الثانية: منطقة قرداغ، بازيان ودربنديخان في 22 مارت لغاية 1 نيسان.
* الأنفال الثالثة: منطقة كرميان، كلار، باونور، كفري، دووز، سنكاو، قادر كرم، في 20 نيسان من نفس العام.
* الأنفال الرابعة: في حدود سهل (زيي بجوك) أي بمعنى منطقة كويه وطق طق وآغجلر وناوشوان، في 3 مايس الى 8 مايس.
* الأنفال الخامسة والسادسة والسابعة: محيط شقلاوة وراوندز في 15 مايس ولغاية 26 آب.
الأنفال الثامنة: المرحلة الأخيرة، منطقة بادينان، آميدي، آكري، زاخو، شيخان، دهوك، في 25 آب ولغاية 6 ايلول من نفس العام." (راجع: جريدة الاتحاد. "الأنفال.. مرحلة متقدمة من الإبادة الجماعية (الجينوسايد) التي تعرض لها شعب كردستان",
بقلم سالار محمود/ رئيس اللجنة القانونية في برلمان كردستان).
استخدم النظام البعثي في هذه الحملات الإبادية أغلب صنوف القوات المسلحة التي يمكن استخدامها في المنطقة, إضافة إلى قوات من الجيش الشعبي وأجهزة الأمن والشرطة والجواسيس وجمهرة من الجحوش الكرد الذين تعانوا مع النظام ضد إرادة وحقوق ومصالح وحياة بنات وأبناء شعبهم المقدام. ولكن بشاعة هذه العمليات تجلت في استخدام السلاح الكيمياوي الواسع لضرب مدينة حلبچة وقتل ما يزيد عن 5000 مواطنة ومواطن من مختلف الأعمار بتاريخ 16/3/1988, أي في نهاية المرحلة الأولى من هذه الحملات, بمن فيهم الشيوخ والمرضى والأطفال الرضع, إضافة إلى عدد أكبر من هذا بكثير من الجرحى والمعوقين. وتشير المعلومات إلى ما يقرب من 182000 إنسان قتل أو غيب أو دفن حياً, وهم كلهم من الكرد في ما عدا جمهرة صغيرة من المسيحيين من سكان المنطقة.
إن الإجراءات والسياسات والممارسات الفعلية لنظام البعث الدكتاتوري بقيادة صدام حسين وابن عمه علي حسن المجيد تؤكد بما لا يقبل الشك بإن هذه العمليات كانت منذ البدء تستهدف القيام بإنهاء حركة التحرر الوطني الكردية وتصفية فعلية للشعب الكردي من خلال ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية, إنها الجينوسايد بأبشع صورها وأعلى مستوياتها.
والسؤال الذي لا بد من الإجابة عنه هو: لماذا تدخل العمليات الأنفالية في إقليم كردستان العراق في العام 1988 من النواحي الفكرية والسياسية والعسكرية والثقافية ضمن المفهوم الدولي لجرائم الجينوسايد ضد الشعب الكردي؟
إن دراستي المستمرة لجرائم الأنفال تؤكد أنها تتطابق مع الأسس الدولية المحددة لمفهوم ومضامين الجينوسايد في القانون الصادر بهذا الصدد في العام 1948. ويمكن تلخيص الإجابة عن السؤال بالنقاط التالية:
1. إن القيادة التي خططت ونظمت ووجهت لتنفيذ جرائم الأنفال تحمل إيديولوجية شوفينية وعنصريًة مناهضةً للقوميات الأخرى وتؤمن بممارسة الأساليب الفاشية القمعية في الوصول إلى أهدافها وفي مناهضة القوى المناضلة في سبيل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق القومية العادلة.
2. وإن هذه القيادة قد خططت ووجهت ونفذت هذه الجرائم بوضوح إيديولوجي عنصري ممنهج وتصميم فاشي عنفي للوصول إلى أهداف محددة هي القضاء على الحيوية النضالية للشعب الكردي وعلى إصراره لتحقيق أرادته ومصالحه وحقوقه المشروعة والعادلة والمقرة دولياً على وفق لائحة الأمم المتحدة. فهي ليست عمليات عفوية بل مع سبق إصرار وتصميم حتى لو انتهت بإبادة جماعية. ويمكن لواحدة من الوثائق المهمة التالية في هذا الصدد أن تكشف حقيقة وجوهر ووجهة هذه الحملات الإبادية للشعب الكردي:
"قيادة مكتب تنظيم الشمال التاريخ 1987 /6
/6/1987 العدد
مكتب السكرتارية
من / قيادة مكتب تنظيم الشمال إلى/قيادة الفيلق الأول/قيادة الفيلق الثاني/قيادة الفيلق الخامس
الموضوع / “التعامل مع القرى المحذورة أمنياً"
بالنظر لانتهاء الفترة المعلنة رسمياً “لتجميع هذه القرى والتي ستنتهي موعدها يوم 21 حزيران 1987 قررنا العمل ابتداءً من يوم 22 حزيران 1987 بما يلي (1) نعتبر جميع القرى المحذورة أمنياً والتي لم تزل لحد الآن أماكن لتواجد المخربين عملاء إيران وسليلي الخيانة وأمثالهم من خونة العراق (.) (2) يحرم التواجد البشري والحيواني فيها نهائياً “وتعتبر منطقة عمليات محرمة ويكون الرمي فيها حراً “غير مقيد” بأية تعليمات ما لم تصدر من مقرنا (.) (3) يحرم السفر منها وإليها أو الزراعة والاستثمار الزراعي أو الصناعي والحيواني وعلى جميع الأجهزة المختصة متابعة هذا الموضوع بجدية كل ضمن اختصاصه (.) (4) تعد قيادات الفيالق ضربات خاصة بين فترة وأخرى بالمدفعية والسمتيات والطائرات لقتل أكبر عدد ممكن ممن يتواجد ضمن هذه المحرمات وخلال جميع الأوقات ليلاً ونهاراً وإعلامنا (.) (5) يحجز جميع من يلقى القبض لتواجده ضمن قرى هذه المنطقة وتحقق معه الأجهزة الأمنية وينفذ حكم الإعدام بمن يتجاوز عمره (15) سنة داخل صعوداً إلى عمر (70) سنة داخل بعد الاستفادة من معلوماته وإعلامنا(.) (6) تقوم الأجهزة المختصة بالتحقيق مع من يسلم نفسه إلى الأجهزة الحكومية أو الحزبية لمدة أقصاها ثلاثة أيام وإذا تطلب الأمر لحد عشرة أيام لا بد من إعلامنا عن مثل هذه الحالات وإذا استوجب التحقيق أكثر من هذه المدة عليهم أخذ موافقتنا هاتفياً أو برقياً وعن طريق الرفيق طاهر العاني (.)
(7) يعتبر كل ما يحصل عليه مستشارو أفواج الدفاع الوطني أو مقاتلوهم يؤول إليهم مجاناً ما عدا الأسلحة الثقيلة والساندة والمتوسطة أما الأسلحة الخفيفة فتبقى لديهم ويتم إعلامنا بأعداد هذه الأسلحة فقط وعلى قيادة الجحافل أن تنشط لتبليغ جميع المستشارين وأمراء السرايا والمفارز وإعلامنا بالتفصيل عن نشاطاتهم ضمن أفواج الدفاع الوطني (.) مكرر رئاسة المجلس التشريعي (.) رئاسة المجلس التنفيذي (.) جهاز المخابرات (.) رئاسة أركان الجيش (.) محافظو (رؤساء اللجان الأمنية) نينوى، التأميم، ديالى، صلاح الدين، السليمانية، أربيل، دهوك (.) أمناء سر فروع المحافظات أعلاه (.) مديرية الاستخبارات العسكرية العامة (.) مديرية الأمن العامة (.) مديرية أمن منطقة الحكم الذاتي (.) منظومة استخبارات المنطقة الشمالية (.) منظومة استخبارات المنطقة الشرقية (.) مدراء أمن محافظات - نينوى، التأميم، ديالى صلاح الدين، السليمانية، أربيل، دهوك (.) يرجى الإطلاع والتنفيذ كل ضمن اختصاصه (.) انبؤونا.
(التوقيع) الرفيق علي حسن المجيد
عضو القيادة القطرية - أمين سر مكتب تنظيم الشمال".
(11 راجع: شمال عادل سليم، الأنفال فرمان قراقوشي لإبادة الجنس البشري( 2 - 2 ) ، موقع الناس في 18/4/2006. راجع أيضاً: نصيف الناصري، لفصل السادس، مقدمات إبادة الأكراد وتهجيرهم وتهديم مدنهم وقراهم ..، معركة جبل { أحمد رومي } ليلة 15 / 1 / 1988. المقصود بالقرى المحذورة هنا بالقرى المحظورة التي يمنع وجود البشر فيها. ك. حبيب )
3. اطلق الدكتاتور صدام حسين على هذه العمليات اسم الأنفال, وهي سورة من سور القرآن للتغطية على العمليات الإجرامية لضمان ثلاثة أهداف:
أ. إعطاء الانطباع لمن يسمع بالعمليات الأنفالية بإنها مقدسة وضد مجموعة من الكفار الذين يستحقون الموت.
ب. وهي قادرة على إقناع الجهلة من الجنود المؤمنين والأميين والشوفينيين المتعصبين باستخدام الشدة وعدم الرحمة في محاربة الكرد.
ت. منح الجنود والشرطة ومن يشارك في القتال مع الجيش النظامي الحق في ممارسة القتل والسلب والنهب دون محاسبة كما كانت تجري في الحروب أثناء الفتوح الإسلامية والتي ترافق كل الحروب.
4. وقد سبق تنفيذ هذه الجرائم اتخاذ النظام الدكتاتوري مجموعة من الإجراءات العدوانية لتهيئة الأجواء ومستلزمات تنفيذها في مقدمتها:
أ. التهجير القسري لسكان كرد من مناطق سكناهم وقراهم ومدنهم الكردية إلى مناطق أخرى في جنوب ووسط العراق من أجل تعريبهم وإبعادهم عن النضال لإضعاف الشعب الكردي.
ب. إجراء التغيير الديمغرافي للمدن والنواحي والقرى الكردية بنقل سكانها الأصليين إلى مناطق عربية وإحلال عائلات عربية من الوسط والجنوب في المدن الكردستانية. ويمكن أن نتابع ذلك في كركوك وخانقين وبعض المدن في محافظة ديالى.
ت. تغيير التشكيلات الإدارية للمناطق الكردية وذلك باقتطاع الكثير من المدن والنواحي والقرى الكردية وإضافتها إلى المحافظات العربية, كما حصل في إدماج بعض مناطق محافظة كركوك بمحافظة صلاح الدين.
ث. عمليات تعريب الكرد في مناطق سكناهم واعتبارهم وتسجيلهم عربا بالقوة وفرض التنكر لهويتهم القومية, وقد حصل ذلك في كركوك وخانقين وغيرها من المدن الكردستانية.
ج. حشر جماهير واسعة من الكرد من قرى وأرياف ونواحي كردستانية في مجمعات سكنية قسرية يمكن الرقابة والسيطرة عليهم من قبل قوات الجيش والأجهزة الأمنية القمعية وعزلهم عن بقية الناس ومناطق سكناهم الأصلية ومجالات عملهم ونشاطهم الاقتصادي, إضافة إلى عزلهم عن المشاركة في نضال شعبهم بل وأحياناً قتل عدد غير قليل منهم لأسباب قرقوشية,
ح. زج أعداد غفيرة من الكرد في السجون والمعتقلات وتسليط التعذيب ضدهم وقتلهم أو دفعهم إلى الصفوف الأمامية في القتال ضد إيران وموت الكثير منهم في الحرب,
خ. تهجير جميع العائلات الكردية الفيلية من العراق إلى إيران أو زج شبابهم في السجون وقتلهم أو وضعهم في الجبهة الأمامية للقتال مع إيران وموت الكثير منهم في الحرب. وقد اعترف البرلمان العراقي بأن حملات التهجير والقتل ضد الكرد الفيلية تجسد فعلياً جرائم إبادة جماعية أيضاً.
5. تنظيم حملات إعلامية وتثقيفية للتلاميذ والطلبة والمجتمع وممارسة الدعاية الملفقة ذات المضامين العرقية والعدوانية ضد الشعب الكردي وحقوقه القومية المشروعة بين الجماهير الشعبية لتأليب الرأي العام العربي بالعراق وبالدول العربية ضد الشعب الكردي.
6. البدء بتنفيذ المخطط الموضوع من قبل قيادة النظام والهادف إلى تنفيذ حملات الإبادة الجماعية المناهضة للإنسان و حقوقه التي أدت إلى تغييب أكثر من 182000 إنسان كردي من سكان الإقليم باستخدام الأساليب التالية :
أ. هجوم أرتال من القوات المسلحة وأجهزة الأمن والشرطة على مدن ونواحي وقرى كردستانية وجمع الناس ووضعم في شاحنات كبيرة ونقلهم جميعاً إلى مناطق نائية وقتلهم جمياً بمن فيهم النساء والرجال والأطفال ثم استخدام جرافات لدفنهم في مقابر جماعية, أي في حفر واسعة معدة سلفاً لهذا الغرض.
ب. نقل أعداد كبيرة من الرجال من مختلف الأعمار بشاحنات إلى مناطق نائية ودفهم في حفر معدة سلفاً ودفنهم أحياءً بعد سلبهم ما يملكون من نقود وساعات وخواتم وغيرها.
ت. سلب النساء من حليهم وقتلهم ثم نقلهم ودفنهم مع أطفال رضع أو صغار السن سوية في مقابر جماعية.
ث. نقل الكثير من النساء الكرديات إلى مناطق نائية وهم أحياء وتركهم فترة طويلة ثم اللجوء إلى قتل الكثير منهم تدريجاً.
7. استخدام السلاح الكيماوي عبر صواريخ قذفت بواسطة الطائرات الحربية في العام 1987, ومن ثم في العام 1988. وهي الضربة الكيماوية الانتقامية المدمرة التي استهدفت مدينة حلبجة وأودت بحياة أكثر من 5000 آلاف إنسان كردي, إضافة إلى ألاف مماثلة من الجرحى والمعوقين الذين ما زال الكثير منهم يعاني من آثار السلاح الكيماوي رغم مرور ربع قرن على تلك الجريمة.
8. تم إشعال الحرائق في القرى الكردستانية وفي الغابات والمزارع في الإقليم عبر الطائرات الحربية التي أدت إلى تدمير حولي 4250 قرية في مختلف مناطق الإقليم. وفرضت على الفلاحين مغادرة قراهم ومزارعهم. وقد استشهد الكثير من المواطنات والمواطنين الكرد بسبب هذه العمليات الإجرامية ودمرت مزارعهم ومحاصيلهم.
9. جرى تنفيذ هذه العمليات من قبل القوات المسلحة وتوابعها في فترة اختارها النظام لأسباب كثيرة, إذ كان الجهد الدولي منصب على إيقاف الحرب بين العراق وإيران, وكان الموقف الدولي متحيز لصالح العراق ضد إيران. وقد توقفت الحرب فعلاً في خريف ذلك العام, التي غطت هذه الحرب على تلك الحملات الإبادية الإجرامية ولم تحرك شعور التضامن الدولي والرأي العام العالمي مع الشعب الكردي وضحاياه, بل حاولت بعض الدول الكبرى أن تشكك بالضربة الكيماوية مثلاً وتتهم إيران بها بالضد من الحقيقة التي كانت ناصعة ولا تقبل الشك.
10. أجبرت هذه الحملات الإجرامية عشرات ألوف الكرد ومن القوميات الأخرى القاطنة في الإقليم على الهجرة إلى خارج إقليم كردستان العراق والعيش في الشتات المجاور أو في الدول الغربية.
نجح الدكتاتور صدام حسين ونظامه السياسي الفاشي والعنصري في تنفيذ تلك الحملات الإجرامية دون ضجة دولية وإقليمة أو حتى عراقية أو عربية ودون احتجاج وإدانة لها.
كشفت محاكمات بعض أقطاب نظام البعث وصدام حسين عن العقلية التي كانت تسير الأمور وعن الرغبة الحقيقية لدى هؤلاء المجرمين لتحقيق أقصى ما يمكن من إبادة سكانية للكرد وتصفية قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة.
ومن المؤلم حقاً أن هناك غالبية شعوب الدول العربية وكذلك الكثير من عرب العراق الذين ما زالوا حتى الآن, ورغم الكثير من النشر حول هذا الموضوع والتعريف بهولوكوست الأنافا ضد الشعب الكردي, يرفضون الاعتراف بوقوع هذه الجرائم البغيضة ضد الشعب الكردي, تماماً كما يرفض النازيون الجدد الألمان حتى الآن الاعتراف بالجرائم البشعة (الهلوكوست) التي تعرض لها اليهود بألمانيا وأوربا في المعتقلات النازية وفي المحارق الهتلرية. فقد تراوح عدد اليهود الذين قتلوا في الهولوكوست ما بين خمسة وستة ملايين يهودي ويهودية من أصل تسعة ملايين من السكان اليهود الذين كانوا يعيشون حينذاك في أوروبا. (قارن: موقع الهولوكوست نداء الوجدان. أخذ المقطع بتاريخ 22/1/2013). وهذا يعبر إما عن جهل بأحداث التاريخ ووقائعه, وإما بسبب السقوط في مستنقع الشوفينية والعنصرية والحقد والكراهية ضد القوميات أو الشعوب الأخرى, وبسبب الدعايات التي مورست أو ما تزال تمارس بتشويه سمعة الشعب الكردي وحقوقه العادلة والمشروعة بالدول العربية وكذلك ما يمارسه البعض حتى الآن بالعراق.
لقد اعترف البرلمان العراقي وكذا الحكومة العراقية بأن تلك الحملات الأنفالية كانت حملات إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. ويترتب على هذا الاعتراف الرسمي مسؤولية كبيرة ورئيسية على الحكومة الاتحادية ببغداد, باعتبارها حكومة تسلمت المسؤولية والتبعات التي تقع على عاتق الحكومة المركزية البعثية ببغداد التي مارست تلك الجرائم.
وهذا لا يعني الاعتذار للشعب الكردي عن ذلك فحسب, بل والالتزام بتعويض الإقليم وذوي الضحايا وبالخسائر المادية بما يتم الاتفاق عليه من لجنة حيادية محلية أو دولية, إذ يفترض أن توزع تلك التعويضات على ذوي الضحايا من جهة وإعادة بناء ما خربته تلك الحملات من دمار وخراب من جهة أخرى.
ويمكن العودة إلى مقال لي تحت عنوان " حملات مجازر الأنفال ضد الشعب الكُردي ومواقف العرب منها "في الذكرى السنوية الرابعة والعشرين لمجازر الأنفال المشؤومة", نشر في مجلة "كه وانه" باللغة العربية التي تصدر في السليمانية. وقد تطرقت فيه إلى ما يفترض القيام به محلياً وعربياً ودولياً لصالح ذوي ضحايا الأنفال والمناطق التي دمرت في حينها.
أربيل في نيسان2014 د. كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟