مناف الحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 05:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بينما يرفض الكثير من رجالات المؤسسة الدينية الكلاسيكيين جرّ القرآن إلى العلوم الحديثة وهو ما شهدته بنفسي إبان تحصيلي للعلم الشرعي في دمشق في أواخر الثمانينيات ، يصرّ دعاة جدد على هذا الربط للتدليل على إعجاز القرآن ومصدره الإلهي ، وثمّة فريق ثالث يتّخذ موقفاً وسطا ً خوفاً من التعسّف في هذا المنحى .
يرفض الفريق الأول بتحريض من عقلية متشدّدة لا تجد كبير انسجام مع العلوم الحديثة ، وبدافع آخر هو الإيمان العميق بمصدر النص الإلهي بدون الحاجة للاستدلال على ذلك بأدلة من خارج النسق الكلاسيكي .
بينما يصرّ الفريق الثاني على موقفه لأنه يريد الظهور بمظهر المواكب للعصر وعلومه وبدافع آخر عند البعض يتمثّل بالشعور بالنقص ، وعدم الثقة بأصول المعتقد الديني والرغبة بسبب ذلك باستتباعه للعلوم الحديثة الغربية المنشأ .
رغم أن الفريق الثالث هو الأكثر اعتدالاً إلا أنه يغيب عن ذهنه كما يغيب عن تصوّر الفريقين السابقين أن وجود إشارات لظواهر طبيعية في نصّ ديني شيء ، ووجود نسق علميّ في هذا النص شيء آخر ، فالنسق يتضمن تركيباً ممنهجاً للمعلومات ذا بنية محدّدة وافتراضات تدعم بالأدلة ، ونتائج مستخلصة من كل هذا بطريق استقرائي على الأغلب أو استباطي فرضي في بعض الحالات .
لأجل ذلك فالدعوى كلها غير ذات موضوع ، والأكثر جدوى هو البحث في النصّ عن قواعد أخلاقية وتشريعية يمكن استثمارها في بناء مجتمع حديث يحقق العدالة بين المواطنين ، واستنزاف إمكانياته كلها للوصول إلى قواعد كلية تصلح للتموضع بدون تنافر مع مقتضيات العصر وظروفه ، لا إجبار المقتضيات على الخضوع للفهم الكلاسيكي للنص أو للفهم الذي يتوسل علوم الغرب لطمأنة نفس صاحب هذا الفهم وتسكين شكوكه .
هذا الكتاب العظيم الذي يمثّل كلام الله باعتقاد المسلمين يختزن كنزاً ثميناً من القواعد الأخلاقية والتشريعية القابلة للاستثمار في بناء مجتمع حديث وتعددي إذا تم التعامل معه بثقة كافية بالنفس ، وبفهم معاصر له ووفقاً لما تتطلبه ظروف المرحلة .
أما العمل معه كمتعال يرفض الاحتكاك بالواقع وقصر إمكانية فهمه على مفسريه القدامى أو المحدثين من الذين ذكرنا مشاكلهم فإنه يحرمنا من الاستفادة من إمكانياته وهو قبل ذلك يغفل عن حقيقة أن النص مطلق من حيث هو ولكن فهم قارئيه له بالضرورة فهم نسبي .
#مناف_الحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟