|
أن تعمل في بيئة غير قابلة للعمل: نحو تأصيل مفهوم وممارسة العمل الجماعي في فلسطين
بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي
(Bilal Awad Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 19:23
المحور:
المجتمع المدني
بالبداية قد يبدو عنوان المداخلة لوهلة لا علاقة له بما سأقوله، باعتبار أن سياق العرض ليس ميكانيكياً، وإن لم تخلق بعض من جنباته، إن استحضارنا لمفاهيم العمل المجتمعي والجماعي ما هو إلا تعبير طبيعي ومكثف عن غيابها، ولهذا استدعت بنا الحاجة لتناولنا له في لقاءنا اليوم.
وبالضرورة، إنها إفراز لحالة غياب شبه تام للوعي الجمعي الفلسطيني للعمل سوياً، حيث تم تجميده في المشهد الاجتماعي والثقافي الفلسطيني، نتيجة لتآكل وتراجع المرجعيات الاخلاقية الموجهة لأهداف الجماعات والأفراد، لقد تم تفريزها وضمورها، في خضم ذلك أطلق العنان للنزعات الفردية والفردانية الانانية التي تتناقض وتتعارض مع الحس العام والمصلحة العامة، كمشهد سلبي يوشي باستلاب دور الافراد وابداعهم خلال انضمامهم وعملهم مع الفريق/ الجماعة. وتم التأكيد عن الاخيرة عن حساب الافراد في مفاصل مهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني.
لقد تم تحريض هذه النزعات السلبية المفرطة لتتصاعد أبعد من حد الانانية، لأنها مرتبكة وغير قادرة ان تعود للدور الذي كانت به منتهكة ومهمشة، والآن السياق الفلسطيني/ النسق القيمي تداعى نتيجة هذه النزعات والعطب الذي اصاب المجتمع، حتى اضحى البعض قائلاً إن المجتمع الذين نعيش اصبح مؤامرة.
ولهذا تملي علينا الضرورة استدعاء نموذج للعمل الجماعي قادر على محاربة تلك النزعات، والعمل في بيئة تؤكد وتقدم مصلحة الفرد الآتية على حساب المجتمع/ الجماعة، لنؤكد على أهمية العمل الجماعي وفاعليته وقدرته على اشباع احتياجات المجتمع أولاً، والافراد ثانياً، لان صفقات التبادلات التي نقوم بها يومياً، لا يمكن اشباع مبتغاها بمعزل عن الآخرين، وحتى لا نكون مملين في مداخلتنا ، وحتى لا نستعرض العضلات الاكاديمية في السرد المفاهيمي الذي؛ يوضح مفهوم العمل الجماعي ومن ثم آليات تعريزه، فإننا نكتفي بتلخيصيها باعتبارها: " عملية مستمرة تعمل من خلالها الجماعة والأفراد في تنسيق تام وعالي للقيام بتحقيق شيء عام هدف عام / أو غاية محددة"
إن هذا الطرح وهذا التعريف ينطبق على أية مجموعة في اية بقعة في هذا العالم، ينطبق على موزمبيق / او زيمباوي/ أو حتى امريكا الاستعمارية. فما بالكم في بلد مستعَمر، استهدفت فيه الجماعة والعقل الجمعي لتفتيت هويته وتعبيراتها في الوجود وأهدافها بالاستقلال، والعيش بكرامة، في بيئة تقوم على انتهاك كيانية الشعب الفلسطيني الذي يطرح لتحقيق أهدافه في بناء دولة مدنية بمؤسساته التي تؤكد على أهمية الجماعات والافراد فيها.
ان حالة التنافس للنزعات الانانية في هكذا سياق تهدد العمل الجماعي، بل تستبعده، لأنه تهديد لأفراد استطاعوا النفاذ من بنية قمعية بصورة شكلية، ليتولوا مناصب في اتخاذ القرار، ليعيدوا انتاج الازمة وادارتها، هذا إذا لم يتم تعميقها داخل فريق العمل/ المؤسسة/ الجمعية.
أن تلك النوعية من الخامات لا تفهم الفرق والمساحة الفاصلة بين مفهومين أساسيين في العمل الجماعي، فالفرق شاسع بين مدير/ رئيس لفريق العمل في مؤسسة/شركة/دولة ، يدير الأزمات ولكنه غير قادر عن وضع حلول لها، لأنه استبعد الافراد المبتكرين من جماعته الذي يظن انهم تهديد له، فهو بمدير وليس بقائدة محنك قادر على الاستماع لفريقه أكثر من استخدام سطوة الكلام والمعلومة في فرضه لوجه نظره كما هو حال المدير للفريق.
هذا الواقع، وهذه الثقافة التي تهيمن على المشهد الاجتماعي/ او الاجتصاسي الفلسطيني، لنرى تعبيراتها في مقولة سياسة تردد سابقاً وحالياً " إن أردت ان تقتل فكرة فشكل لها لجنة" .
إن معالجتنا السريعة في هذه الورقة لموضوعة العمل الجماعي وآليات تعزيزه في المجتمع الفلسطيني ، لا بد لها ان تتحلى بمخيال سوسيولوجي من طراز اجتماعي وانساني بامتياز، فآليات العمل الجماعي وفهم البيئية الاجتماعي، التي تحتضنه مهمة في فهم صعوبات وأزمات وتحديات بناء فريق عمل جماعي صحي متماسك ومرن في ظل بيئة اقتصادية منهارة فقدت فيه الجماهير الحس العام والوعي العام والمصلحة العام.
فمهمة فريق العمل الجماعي/ المؤسسة/ والقائد أولاً وأخيراً استعادة الثقة للافراد بدورهم وفكرهم ومبادراتهم، والعمل على خلق شبكة من الطمأنينة الهادفة إلى خلق ولاء للمجتمع وليس للزعيم/ المدير وخلق مناخات قائمة على احقية اشباع احتياجات الافراد المادية والمعنوية في معركة تحقيق هدف فريق العمل، لأن المهمات والانجازات وتحقيق الاهداف يساهم بها الجميع لا الفرد، وان كان دوره مهماً.
إن هذه الثقة التي تشرذمت لاجتهادات النسق السياسي في ادارة الازمات السياسية التي يواجهها المجتمع الفلسطيني ، فتداعت وانسابت وتسللت إلى الاجتماعي، وتواطأت مع الاقتصادين وتماهت مع الثقافي والاخلاقي، فمهمة من يقرأ نصوص تشكيل العمل الجماعي ان يراعي الفواصل والنقاط والجمل المعترضة والتي تعمل كمعيق لتشكيله، لأن الثقة مفقودة، والأهداف غير محددة وواضحة لمن هم جزء من العمل الجماعي. فتأتي اهمية زرع الثقة في الاهداف والغايات للأعضاء العاملين في فريق العمل.
وبعد زرع الثقة واستنباتها، تكون مرحلة تأسيسية لخلق بيئة مشجعة لعمل الفريق فاعل جميع اعضائه في عملية اتخاذ القرار وصنعه لانهم جزء من الفريق والهدف، ولا يوجد من يستطيع أن يسلب عمل وابداع الافراد/ الاعضاء، والاشادة بها تكون بيئة مشجعة للأفكار وتوالدها- وتعمل على خلق الولاء والانتماء.هنا تكون مهمة العاملين والمختصين في الحقل الاجتماعي والانساني لإعطاء نماذج متقدمة وناجحة لا العكس. والبدء بتمرين ذهنيتنا على استيعاب الاختلاف وتحمل المسؤولية في النجاح والفشل معاً.
ووجود القائد الذي يعمل على توجيه الاعضاء للطرق الكفيلة لتحقيق الغايات لا يعني بالضرورة وقوف عمل ومهمات اعضاء العمل الجماعي/ فريق العمل على التخصص في مهمات محددة وعدم الالتفات او المشاركة في مهمات/اقتراحات قد تكون مبدعة ومبتكرة أكثر من ميسر العمل الجماعي ، فالتخصص كما يقول المختصون "يقتل المعرفة". من هنا تأتي أهمية المعلومة ومصداقتها في التأثير عن الاخرين واقناعهم بقوة المنطق لا بمنطق القوة، وتوزيعها وعدم احتكارها. وحتى نلخص، لابد من تقديم بعض الملاحظات التي تعيق العمل الجماعي، واخرى تحفزه. نبدأ بالمعيقات 1) تجنب المسار الاتوقراطي في اتخاذ القرار داخل المجموع. 2) عدم الاستعراض الزائد. 3) تجنب ما يطلق عليه علماء النفس " Butterfly" بمعنى تغيير المواضيع المطروحة والتنقل بها قبل أن يكونوا الاخرين مستعدين 4) تجنب النقد السلبي دون البحث عن حلول. المعززات 1) الاشادة بإنجازات والمجال الاعضاء امام الاخرين والاعتراف بها. 2) مشاركة الجميع في اتخاذ القرار. 3) العمل على اعلام العضو بشكل دائم. 4) ايجاد اماكن جيد للتفاعل المركز/ وغير المركز .
انتهى
#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)
Bilal_Awad_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استطلاع رأي بمناسبة الاحتفالية ب 40 سنة لتأسيس جامعة بيت لحم
-
الحركة الطلابية الفلسطينية ما بين الواقع والامكان *
-
الثقافة المدنية: حصار الثقافة وغياب المدينة في فلسطين
-
الحركة الطلابية في بيت لحم
-
تحليل نقدي للمجتمع الفلسطيني: البنية الثقافية والمجتمع المدن
...
-
مكونات وعناصر المجتمع المدني في الخليل (فلسطين)
-
الخطاب السياسي لدى الطفل الفلسطيني: أطفال مخيم الدهيشة بين ر
...
-
ثقافة المدن، مرآتها سكانها: دراسة مقارنة ما بين الخليل وبيت
...
-
المرأة والمشاركة السياسية
-
محاولة بحثية لموقع ومكانة المرأة في المؤسسات الاسلامية في فل
...
-
ملاحظات عامة في قضايا مرتبطة بالمدن العربية
-
القهر الاجتماعي والفراغ السياسي وأزمة الشباب: مخيم الدهيشة ا
...
-
قراءة نقدية للاعلام الفلسطيني: تشخيص ورؤية مستقبلية للإعلام
...
-
تكاد تتحول العمليات الاستشهادية إلى ايدلوجية فلسطينية1
-
لاجئو مخيم الدهيشة : حق العودة لا يسقط بالتقادم
-
اريتريا الافريقية : درس للفلسطينيين
-
ثقافة الغالب والمغلوب في فكر ابن خلدون: قراءة فلسطينية
-
العدوان على غزة : انها لحظة تصحيح الاعوجاج في سبيل الفعل الم
...
المزيد.....
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
-
المقررة الاممية البانيز: مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت غير كا
...
-
شاهد.. مواقف الدول المرحبة بقرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
لماذا لم تعقب الحكومات العربية على قرار اعتقال نتنياهو؟
-
تظاهرات بفرنسا تدعو لتطبيق قرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
صحيفتان بريطانيتان: قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نت
...
-
كاميرا العالم توثّق الوضع الإنساني الصعب بدير البلح وسط غزة
...
-
أول دولة أوروبية تدعو نتانياهو لزيارتها بعد مذكرة الاعتقال م
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|