|
البطولة... هل نحن في عصر الإنسان -العادي-!؟
حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)
الحوار المتمدن-العدد: 4397 - 2014 / 3 / 18 - 19:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
منذ طفولتي وإلى الآن، أتابع حلقات المسلسل الكارتوني "جرانديزر"، ومن بين الحلقات التي لا زلت أذكرها تلك التي التقى فيها البطل دايسكي بصديق طفولته هاروك الذي ينتمي لكوكب آخر غير كوكب فليد الذي ينتمي إليه دايسكي. كان الاثنان أثناء طفولتهما يلهوان مع الحمام في الزيارات المتبادلة بينهما عبر الكواكب. وتمر الأيام ويلتقيان، لكن اللقاء الثاني كان مختلفًا قليلًا؛ فبعد أن احتلت قوات التحالف بقيادة فيجا الكوكبين؛ فر دايسكي إلى كوكب الأرض، بينما فر هاروك إلى كوكب آخر غير معلوم. ولما كبر، تعرض لإغراء من فيجا بأن يعود أميرًا لكوكبه، إذا ما نجح في القضاء على دايسكي الذي يقف بالآلي جراندايزر كحجر عثرة في طريق احتلال قوات فيجا لكوكب الأرض، وهو ما يوافق عليه هاروك، ويقف بآلي في مواجهة دايسكي قائلًا إن المواجهة فُرِضَتْ عليه لكي ينجح في تحرير كوكبه ويصبح بطلًا، ويطلق النار على صديق طفولته فتحترق بعض الحمائم بنيران هاروك أثناء الصراع. وهنا، كان رد دايسكي بليغًا. فماذا قال؟! قال دايسكي: "قاتل الحمائم لا يمكن أن يصبح بطلًا". بالفعل، قاتل الحمائم لا يمكن أن يصبح بطلًا، ولكن هذا يطرح سؤالًا آخر: من الذي يمكن اعتباره بطلًا؟! هل يمكن القول إن عصر البطولات قد انتهى؟! أم أن عصر الأبطال هو ما انتهى، بينما صارت البطولات جماعية أكثر منها فردية؟!
بطولات... أبطال؟! هناك العديد من وجهات النظر في هذا السياق. فإذا نظرنا إلى الكيان الصهيوني على سبيل المثال، لوجدنا أنهم يرون رئيس الوزراء الأسبق "آرييل شارون" كأحد الأبطال الذين يماثلون في الإنجازات الأبطال التوراتيين الذين أسسوا مملكة إسرائيل في التاريخ القديم. ماذا فعل "شارون" لكي يُعْتَبر من الأبطال؟! لعب "شارون" دورًا كبيرًا في الحروب التي خاضها الكيان الصهيوني مع العرب؛ بل إن دوره بدأ مع حرب الـ48 التي قادت إلى تأسيس الكيان من الأساس. واستمر هذا الدور في حرب الـ1967، وتواصل في حرب 1973 التي كان الفاعل الرئيسي في الانقلاب الكبير في الحرب والمسمى بـ"الثغرة" حيث أحدث "ثغرة" في صفوف الجيش المصري لينفذ إلى وسط القوات المصرية، وذلك إلى جانب قيادته غزو لبنان دفاعًا عن "دولة إسرائيل". هناك من اليهود من يعتبر "شارون" بطل "فضيحة" الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة؛ باعتباره تنازل عن جزء من الأراضي اليهودية للأعداء من العرب بل الفلسطينيين تحديدًا. لكن "شارون" ينظر إليه على نطاق واسع داخل الكيان الصهيوني باعتباره من الأبطال. ربما يغضب كلامي هذا الكثير من العرب الذين ينظرون إلى "شارون" باعتباره مجرمًا دمويًّا. أقول لهم إنني أيضًا أنظر إليه النظرة نفسها، ولكنني أتكلم من زاوية بني جلدته الذين يرون في أفعاله أعمالًا بطولية ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني وحمايته من الأعداء. إلا أن "شارون" مات! فهل انتهى بوفاته عصر الأبطال في الكيان الصهيوني؟! كعربي، آمل ذلك!!
الشاذلي... والمجاهدون ربما لا يعرف الكثيرون من أبناء الجيل الحالي في العالم العربي البطولات التي قام بها الفريق "سعد الدين الشاذلي" خلال حربي 1967 و1973؛ حيث نجح في احتلال موقع داخل الكيان الصهيوني خلال حرب 1967 فرارًا من عمليات القصف التي تعرضت لها القوات المصرية خلال انسحابها غير المنظم في سيناء. نجح "الشاذلي" في الدخول إلى الكيان كملاذ آمن من عمليات القصف، ونجح كذلك في العودة بقواته من داخل الكيان إلى البر الغربي من قناة السويس دون أن يخسر إلا 20% فقط من القوات في أداء وصفته المصادر العسكرية المحايدة بأنه معجزة؛ حيث تشير التقديرات إلى أن الخسائر المتوقعة في مثل هذا النوع من العمليات يوازي 80% من حجم القوات التي يتم تحريكها. كذلك من بطولات "الشاذلي" اعتباره "صانع الفرح" في حرب رمضان أو حرب أكتوبر؛ حيث كان واضع خطة العبور وما تلاها إلى أن تمت إقالته أثناء الحرب من رئاسة أركان الجيش المصري بسبب رفضه إطاعة بعض الأوامر الصادرة من القيادة السياسية، وهو الرفض الذي جاء لرؤيته أن هذه القرارات سوف تكون في غير صالح سير الحرب، وهو ما حدث بالفعل، وتسببت تلك القرارات في "الثغرة"، التي كما قلنا ساهمت في صنع بطل آخر هو "شارون"، ولكن في الاتجاه المعاكس!! لماذا تم التعتيم على إنجازات "الشاذلي"؟! لأمرين؛ الأول منهما هو أنه كان على خلاف مع القيادة السياسية، وتمت محاكمته عسكريًّا بسبب تداعيات هذا الخلاف. لم تشأ القيادة السياسية في فترة السلام أن تلقي الضوء على شخصية عسكرية بارزة ساهمت في صنع الفرح للعرب والمصريين بانتصار أكتوبر (هو انتصار للعرب رغم الأقاويل بأنه هزيمة وما إلى ذلك من ترهات ترقى لمستوى الخرافات، وهذا ليس كلامًا مرسلًا ولكنه بالأدلة، إلا أنه موضوع آخر). هذا على المستوى الرسمي. الأمر الثاني الواقف في تقديري وراء عدم إلقاء الضوء على بطولات "الشاذلي" هي أنه جاء في عصر طغى فيه التيار الإسلامي على المستوى الشعبي؛ فتم طمس الكثير من الإنجازات التي تحققت خلال هذه الحرب وغيرها من الحروب بداعي أنها لم تجر تحت لواء الجهاد في سبيل الله تعالى. هذه حقيقة، وقد سمعتها من الكثير من المنتمين إلى التيار الإسلامي. هي إنجازات حقًا، ولكنها لم تتم تحت لواء الجهاد. إذن، اجتمعت النظم السياسية الخانعة مع التيار الإسلامي المتشدد في طمس بطولات الراحل الفريق "سعد الدين الشاذلي". ألم يكن بطلًا؟! كان بطلًا بالفعل، ولكنها السياسة. هناك الكثير من البطولات أيضًا قام بها المجاهدون في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي وكذلك الاحتلال الأمريكي. هي بطولات حقيقية قام بها مجاهدون حقيقيون، قبل أن يبدأ بالفعل ما يمكن تسميته بـ"الإرهاب"، وهو الإرهاب الذي لم يعد موجهًا للاستعمار والاحتلال، ولكنه بات موجهًا للمخالفين في الرأي، ولو كانوا حتى من أنصار التيار الإسلامي نفسه ولكن برؤية أخرى.
السيسي... البطل...؟! تبرز شخصية المشير "عبد الفتاح السيسي" كأحد الأبطال المحتملين في المرحلة الحالية؛ بالنظر إلى ما يشار إليه من نجاحه في القضاء على الإخوان المسلمين ومحاربة الإرهاب في أعقاب ما يرونه من "ثورة 30 يونيو". لكن هذه الرؤية تقتصر فقط على الأنصار؛ فهناك من يرى أنه من الجديرين بجهنم لما أمر به من قتل واعتقال للأبرياء من الرافضين لما قام به من "انقلاب 30 يونيو" كما يرون. إذن، الحال مع "السيسي" هو نفسه الحال مع "شارون"؛ هناك من يراه بطلًا، وهناك من يراه خائنًا مجرمًا. ولكن... يطرح هذا سؤالًا... هل اختفى مفهوم البطولة من العصر الحديث؟! أم أن البطولات باتت بطولات جماعية، وانتهى دور البطل المنفرد مثل "صلاح الدين الأيوبي" و"وليام تل" وما إلى ذلك؟! في تقديري الشخصي أن البطل هو من يحقق انتصارًا لقيم العدالة والحرية والإخاء والمساواة؛ تلك القيم الإنسانية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار أن أنظر إلى شخص على أنه بطل مهما فعل طالما تورط في قتل الأطفال في المخيمات مثلما فعل "شارون" أو تسبب في قتل أبرياء يدافعون عن فكرتهم كل ذنبهم أن قادتهم أساؤوا فهم المعادلة السياسية مثلما فعل "السيسي". "قاتل الحمائم لا يمكن أن يصبح بطلًا"... حقًا حتى لو صار من الأبطال التوراتيين أو حمل رتبة المشير.
#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)
Hussein_Mahmoud_Talawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هو لص... وهم كلاب... فماذا عنها؟!
-
العقل إذ يستقيل... ثم يحيل
-
عندما تتكلم شهرزاد... ليصمت أصحاب الشوارب!!
-
عزازيل... الشيطان يكمن في هيبا
-
العزلة سبيلًا للحرية... والحفاظ على الهوية!!
-
يسقط حكم العسكر... ما حكم العسكر؟!
-
المأزق الراهن... كيف صرنا إلى ما صرنا إليه؟!
-
بين كنفاني وموريس... التوثيق الروائي والزيف الوثائقي!!
-
جيل النكسة وإحباطات الشباب... الحل العكاشي!!
-
التاريخ... بين ابن خلدون وسان سيمون
-
بعد حبس الفتيات وإقرار مسودة الدستور... الشارع هو الحل!!
-
وسط البلد من جديد... حكايات المصريين
-
إلى مصر مع التحية... هل عاد المد الثوري؟!
-
أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!
-
محاكمة مرسي... مرسي فقط؟!
-
موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!
-
إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!
-
شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
-
ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
-
الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال
...
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|