مناف الحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 18:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رحيل الغزالي الصغير
كنا شباباً في سن المراهقة عندما تعرفنا على الشيخ البوطي وبتنا من مريديه والمداومين على دروسه في جامع دنكز وصرنا نتلقف كتبه التي كان يأتينا خبر صدورها قبل أن تنشر في الأسواق وكنا نعجب به وبغزارة علمه أيما إعجاب .
لم أكن مدركاً آنذاك أن الرجل يجرنا إلى التقوقع داخل المنظومة القروسطية التي كان يتحرك داخلها ففي كتابه "كبرى اليقينيات الكونية" اعتمد تعريفاً للحقيقة على أنها " معرفة الشيء على ما هو عليه في الواقع بدليل " مستخدماً معيار المطابقة والذي أصبح بالمعايير المعاصرة قاصراً ومتخلفاً .
اقترابه من السلطة في أوائل التسعينيات أربكنا وجعلنا نختلف في الرأي إلى حد الشجار والخصومة فبينما رأى فريق ان في سلوكه انتهازية كامنة أبت إلا أن تظهر رأى فريق آخر أن لدى الرجل غايات نبيلة لا سبيل لتحقيقها إلا باجتراح صيغية توفيقية بينه وبين السلطة .
كنت متردداً في البداية في الميل إلى أي من الرأيين ولكنني ما لبثت أن انضممت إلى الفريق الأول بعد فترة قصيرة .
وفي حادثة طريفة أصابتنا آنذاك بالاستياء عرضنا بعضاً من حجج البوطي التي يحاول من خلالها دحض الداروينية والمادية الجدلية على سائح غربي فكان جوابه " إن من السخافة أن تناقش هذه النظريات بهذه الطريقة ".
وهو الرأي الذي تبنيناه بعد سنوات .
كما أخفق الغزالي -الذي كان البوطي يحذو حذوه ويحاول أن يكون نموذجه العصري - في نقده للفلاسفة في "تهافته" أخفق البوطي في نقده للمادية الجدلية وكما أبدع الغزالي في مستصفاه أبدع البوطي في " ضوابط المصلحة " وهو الكتاب الذي عرض فيه نظرية المصلحة في الشريعةالاسلامية بأسلوب وتنظيم رائعين .
لا أدري لماذا عاودتني مشاعر التعاطف مع البوطي التي كن أكنها له وأنا شاب صغير بعد مقتله الطريقة الهمجية التي قتل بها .
كان رائد استقالة العقل في عصرنا سيقتل لوحده وبحكم سيرورة التطور وبدون سفك دمه فأي عقل مستقيل آخر لم يستطع أن يفهم هذا وقرر ارتكاب جريمة قتله ؟
لا بد انه عقل يثوي في تاريخ أكثر قدما ً ويحتكم إلى منظومة أكثر تخلفاً وفواتاً .
#مناف_الحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟