معز الراجحي
الحوار المتمدن-العدد: 4365 - 2014 / 2 / 14 - 23:18
المحور:
الارشيف الماركسي
تحتوي روسيا القديمة على عدد كبير من القوميات .
منذ بداية وجوده, بذل حزبنا قصارى جهده ليجمع في صلبه العمال و الكادحين من كل قوميات روسيا . لكن كان يعيقه كل من النفس الشوفيني الذي زرعته القيصرية و البورجوازية بين الكادحين الروس و نقص الثقة التي كان يوليها عمال و كادحي روسيا من القوميات المختلفة تجاه البروليتاريا الروسية التي تشكل أغلبية حزبنا .ترتب على ذلك إنقسام , حتى في ما بين العمال الثوريين من مختلف القوميات في روسيا . على سبيل المثال , خلال ثورة 1905 , فقد كان للعمال البولونيين و الليتوانيين حزبهم الإشتراكي-الديمقراطي الخاص بهم , و لم يكن عضوا في حزب العمال الإشتراكي-الديمقراطي في روسيا . نفس الشيء كان جزء من العمال العبريين ينتمي إلى البوند , الذي يحدد هدفه في توحيد العمال-اليهود فقط بشكل مستقل عن عمال القوميات الأخرى .
في نهاية ثورة 1905-1906 حقق الحزب بعض النجاحات بأن وحّد تحت رايته عمالا و كادحين من كل قوميات روسيا القيصرية. في المؤتمر الرابع بستوكهولم إنضم كل من الحزب البولوني , و الليتواني , و البوند إلى حزب العمال الإشتراكي-الديمقراطي في روسيا . في القوقاز ، كان الحزب قد نجح في أن يضمّ في منظمة مشتركة ، جماهيرا مهّمة من العمال و الفلاحين الجورجيين ،و الأرمينيين ، و الروس ، و حتى اولئك الأكثر تخلفا من بين الأتراك . لقد اثبت الحزب دائما أنه فقط بفضل تجميع قوى العمال و الكادحين من كل القوميات يمكن أن نصل إلى الإطاحة بالعدو المشترك – القيصرية - و أن نؤسس جمهورية ديمقراطية ، من خلال ذلك أيضا ، ضمان حق كل القوميات المضطهدة في ان تقرر مصيرها .
بعد هزيمة ثورة 1905 , و بينما كانت الحكومة القيصرية تصعِّد من سياسة قمع الاقليات القومية ، تنامى النفس الشوفيني و القومي بشكل ملحوظ في صفوف بورجوازية القوميات المضطهَدة و تحت تأثيرها ، وفقد جزء من الجماهير العمالية إيمانهم في إمكانية النضال بنجاح ضد القيصرية بشكل مشترك مع العمال الروس . لكن تلك العناصر الإنتهازية داخل الأحزاب الإشتراكية للأقليات المضطهَدة هي التي سقطت في هذا الخطأ ، خصوصا المناشفة القوقازيون ،و البونديون ، و الإشتراكيون-الديمقراطيون الأوكرانيون . و بتطويعهم ل"إشتراكيتهم" حسب الافكار القومية البورجوازية ، و إستعارتهم من الإنتهازيين النمساويين برنامجهم حول الإستقلال الثقافي القومي ، أي انه على كل قومية على حده تكوين منظمات قومية من أجل المدارس و الثقافة إلخ... أهداف لأجلها يجب على هذه المنظمات أن تجمع في صلبها كل الممثلين عن كل قومية ، من العامل إلى البورجوازي . لقد تمت المطالبة بالإستقلال الثقافي القومي على أساس أنها الشكل المثالي لحل المسالة القومية، و على هذا المنوال وقع ربط شعار تنظيم العمال حسب القوميات بهذا المطلب ، شعارا كان قد أطلقه البوند قبل ذلك بكثير . في الحقيقة , لم يكن الإستقلال الثقافي القومي عاجزا عن تجميع العمال من مختلف القوميات فحسب ، بل على العكس من ذلك ، تسبب في خلق أو تعميق الهوة التي تفصل بينهم .
لهذا السبب وقف الحزب البلشفي بكل قوة ضد الإستقلال القومي الثقافي . لكن النضال ضد هذا الشعار القومي-الشوفيني لم يكن كافيا . فالموجة الثورية الثانية المتصاعدة ضد النظام القيصري،استوجبت بشكل لا مفر منه أن تُطرح القضية القومية بشكل حاد للغاية و أن يُفرض حلّها الفوري.
بالطبع، و مع تنامي المد الثوري الجديد وضع الحزب ضمن جدول أعماله طرح برنامجٍ قومي ملموس و عميق قادر على إقناع جماهير العمال من القوميات المضطهَدة ،و من جهة أخرى، لا يعرقل بل على العكس، يسهل تجميعهم في نضال موحَّد و منظمات مشتركة ضد القيصرية و البورجوازية .
وقعت صياغة المبادئ الأساسية للبرنامج و تكتيك الحزب حول المسالة القومية ، في 1913 في مقالات للينين و لستالين و تم صياغتها في قرار خلال أحد اجتماعات الحزب في اب-اغسطس من نفس السنة . تم التنصيص فيها على أنه من حق كل القوميات التي تقطن في روسيا تقرير مصيرها وصولا إلى الإنفصال ؛اما بالنسبة إلى القوميات التي ترغب في البقاء في اطار الدوله ،تحصل على إستقلالية القرار ، و الغاء اللغة الحكومية الموحدة ، و إقرار حقوق أكثر شمولا لللغات المحلية (بما في ذلك لغات الأقليات القومية) و الإلغاء التشريعي للقهر القومي بكل أشكاله .
يرفض هذا البرنامج بشدة البرنامج البورجوازي-الصغير الرجعي حول الإستقلالية القومية الثقافية ، الذي سكون نتيجته الحتمية تعميق الإنقسام و توسيعه و نشر الكراهية داخل صفوف الطبقة العاملة. مرة أخرى يؤكد البرنامج على مبدأ المنظمات السياسية و النقابية الموحَّدة لعمّال كافه القوميات .
يجب أن نلاحظ أن حزبنا حتى ذلك الحين كان قد أولى إهتماما قليلا جدا لتلك المسالة. و نتيجة لذلك لم يتمكن دائما من أن ينجح في محاربة تأثير البورجوازية القومية التي تجذب بمطالبها القومية عمّال القوميات المضطهَدة و شغيلتها.
يرجع الفضل للينين و ستالين في أنهما هما اللذان طرحا في الوقت المناسب و بشكل واضح المسالة القومية أمام الحزب ،قبل الحرب العالمية و الثورة البروليتارية في روسيا ، و قبل تطور الحركة الوطنية في المستعمرات التي تئن تحت نير القوى الإمبريالية ...
أعطت ثورة 1917 (و قبل ذلك الحرب الإمبريالية ) لهذه المسالة طابعا آنيّا حارقا ، و كان ستالين هو الذي قدم التقرير حول هذه المسالة في اجتماع نيسان-ابريل الحزبية. سلسلة كاملة من الرفاق وقفوا عندها ضد حق القوميات في الإستقلال الذي يصل إلى حد الإنفصال . كان هذا موقف بوخارين .لقد فَسر هذا الموقف بالحجة "الثورية" جدا التي مفادها أن الحركة القومية التي تصل في ظروف الإمبريالية, إلى تحلل الدول الكبيرة ,هو رجعي ؛ في الحقيقة ,كان ذلك دعما صريحا للسياسة المركزية , البورجوازية , و للتقسيم بين العمال الروس و عمال بقية القوميات المضطهَدة .
تبنت الأغلبية خلال الاجتماع وجهة نظر لينين و ستالين . يتفق القرار مع ما وقع تبنيه خلال إجتماع الحزب في 1913 إلى حدٍ عالٍ جدا , مما برهن ان الحزب البلشفي هو الحزب الوحيد المناضل بشكل ثابت ضد الإضطهاد القومي ، بين صفوف الجماهير العمالية للقوميات المضطهَدة و الذين حاولت الحكومة المؤقتة بمساعدة المناشفة و الإشتراكيون-الثوريون ، أن تواصل السياسة القيصرية ضدّهم .
عندما إندلعت ثورة أكتوبر كانت مدعومة من قبل العمال و الجنود و الفلاحين الروس ، كذلك من قبل عمال القوميات الأخرى. للحقيقة في اوكرانيا و تتارستان ، في البداية حازت البورجوازية و المناشفة القوميون نوعا ما من التأثير . لكنهم سرعان ما فقدوه عندما ادلى حزبنا من خلال شعاراته : الأرض و رقابة العمال على الإنتاج ،و برنامجه الذي يلبي بشكل كلي مطالبهم . عندما حل بطريقة ملموسة مسالة الإستقلال القومي عبر انشاء الجمهوريات القومية المتمتعة بالحقوق الأكثر شمولا و الموحدة عسكريا و إقتصاديا . من بين أوائل التشريعات التي سنتها الحكومة السوفياتية كانت الإعلان الموجه لشعوب روسيا الذي تم إقراره بمشاركة نشيطة من قبل ستالين و الذي يعلن :
1. المساواة بين كل شعوب روسيا و سيادتها .
2. الحق في تقرير مصيرهم , و الذي يصل إلى حد الإنفصال و تكوين حكومة مستقلة.
3. إلغاء جميع القيود و كل الإمتيازات القومية و الدينية .
4. تطوير الاقليات القومية و المجموعات الإثنوغرافية الحر الموجودة على الأراضي الروسية.
هناك وثيقة أخرى اصدرتها السلطة السوفياتية .صدرت في 1917 بإمضاء لينين تتوجه فيها إلى كل العمال المسلمين في روسيا و الشرق . يشكل ملايين المسلمين من تركستان ,و الفولغا، و القوقاز و سيبيريا الجزء الأكثر إضطهادا ، و الأكثر تخلفا من السكان غير الروس في روسيا القديمة . في خطابها تحدثت الحكومة الروسية عن الإهتمام الخاص الذي يجب إيلائه لتلك الشعوب، التي كانت الأكثر إضطهادا و الأكثر تخلفا قبل تحقيق الثورة.
بعد إنتصار ثورة أكتوبر أصبح ستالين مباشرة و بشكل دائم ، بصفته عضو للجنة المركزية و مفوض الشعب لشؤون الاقليات ، قائدا لسياسة الحزب بخصوص القضية القومية . سمح تطبيق سياسته في جانب كبير منه بالقضاء عن الحكومات المضادة للثورة في أوكرانيا و تركستان إلخ . فالتدخل الإمبريالي فقط هو الذي سمح للثورةالمضادة بأن تتقوى و الذي أدى إلى سقوط السلطة السوفياتية في أوكرانيا ، فنلندا ، روسيا البيضاء و في بلدان البلطيق ، على الرغم من أنه في جزء مهم (في أوكرانيا و روسيا البيضاء) كان إنتصار الثورةالمضادة لوقت وجيز.
بعدئذ سمحت السياسة القومية للحزب ، تحت القيادة المباشرة لستالين ، للحكومة السوفياتية بأن تحرز خلال الحرب الأهلية إنتصارات متتالية على دينيكين و كولتشاك المعاديين للثورة ، اللذان كانا يجسدان أسوء اشكال النير القومي .
بعد طرد الحرس الابيض من الاراضي ذات السكان غير الروس ، تم تأسيس جمهوريات قومية باشراف مفوضية الشعب للأقليات القومية. في اغلب الحالات، كنّا بصدد جماهير متخلّفة جدا بها قوى شيوعية قليله أو معدومه. تنظيم الجمهوريات و قيادة عملها سواء الشّيوعي او السوفياتي يتطلب ، ليس فقط المعرفة بالمسألة القوميّة ، و لكن أيضا المعرفة بالإقتصاد المحلي ، و فهم النفسية الخاصة للشعوب المضطهَدة وأخلاقها ، كذلك الكياسة ، لكي يتم تقبّل ما يصدر من المركز بثقة.
من الصعب أن نتمثّل العمل الكبير و المعقد الذي يتطلبه الحل العملي للمسألة القومية على أراضي الإتحاد السوفياتي ؛ لقد سخّر ستالين نفسه لذلك و بالخصوص خلال السنوات الأولى للحكم السوفياتي .
إن تأسيس إتحاد الجمهوريات السوفياتية الإشتراكية مرتبط بشكل لا ينفصم بإسم ستالين و نفس الشيء بشأن دستورها ؛ هذا الاخير يعطي أمثلة عن أشكال العلاقة بين القوميات المتحررة من نير الرأسمالية و الإمبريالية ؛ فهو يطرح إتحادا إقتصاديا و عسكريا وثيقا و في الآن ذاته إستقلالا أوسع ، و حرية كاملة في تطوير الثقافات القومية ،و تحطيم منظم لبقايا اللامساواة القومية ، و دعم مستمر من قبل الشعوب الأقوى إقتصاديا لصالح الشعوب الأضعف.
بمساهمة ستالين النشيطة بالذات تمت صياغة كل قرارات الحزب حول المسألة القومية، إبتداءا من توصيات الحزب إلى قراراته المتعلقة بالمؤتمرين العاشر و الثاني عشر (الذي كان خلاله ستالين المقرر و صاحب الأطروحات).
تتكون السياسة القومية لروسيا السوفياتات من ثلاث نقاط أساسية ، و التي لا تتماشى فقط بشكل وثيق مع اهداف تشييد الإشتراكية ، و التطوير الإقتصادي للارياف ، و القضاء على اللامساواة القومية ، بل أيضا مع مصالح الثورة البروليتارية العالمية ، لأنها و هنا هو الجوهري ، تتناقض و مصالح الإمبريالية العالمية التي لا تكف بكل الوسائل عن التحضير للهجوم على الإتحاد السوفياتي .
نود أن نتحدث عن أوكرانيا و عن جورجيا و عن آسيا الوسطى . يعلم العالم بأسره دور أوكرانيا خلال الحرب الأهلية , على أراضي روسيا القديمة , مع بداية وجود السلطة السوفياتية. يكفي ان نتذكر نضال العمال و الفلاحين الاوكرانيين ضد ال رادا ، و نضال عمال ال دونباس ضد عصابات كالِيدِيِن؟؟ و الإحتلال الألماني لأوكرانيا كذلك الإطاحة بحكومة (المديرين) هيتمان باتليورا ، و تدخل التحالف على ضفاف البحر الاسود، إجتياح اوكرانيا من قبل دينيكين و أخيرا النضال ضد البولونيين البيض و فرانجل .
كانت النجاحات الحاسمة للسلطة السوفياتية في اوكرانيا نتيجه الشكل الذي قامت عليه السياسة القومية بشكل وثيق ؛ نفهم لماذا أولى ستالين ، كما من قبله لينين ، أوكرانيا أهمية قصوى إلى هذا الحد . منذ بداية ثورة أكتوبر وصولا إلى تنظيم أول حكومة سوفياتية أوكرانية تناضل ضد ال رادا و تطرد بعد ذلك الإحتلال الألماني . غداة إنطلاق نضال جديد من أجل إقامة السلطة السوفياتية في أوكرانيا نهاية 1918 ، كان قد تم إرسال ستالين إلى هناك من طرف اللجنة المركزية للحزب ليتكفل بالعمل الشيوعي و ايضا العسكري . ساهم ستالين بشكل نشيط في قيادة العمليات التي تمت في أوكرانيا نهاية 1919 و 1920 ضد دينيكين و البولونيين و فرانجل ، و كذلك بنفس القدر ساهم في العمل الشيوعي و الإقتصادي في تلك الفترة. في مارس 1920 كان ممثل اللجنة المركزية خلال الاجتماع التاسع للحزب في اوكرانيا . في 1923 خلال المؤتمرالوطني التاسع، بعد المؤتمر الثاني عشر للحزب . أكد ستالين بوضوح على الأهمية القصوى لسياسة قومية عادلة في أوكرانيا ليس من وجهة نظر داخلية فقط ، بل أيضا أممية .>> وعلى الضرورة ,تحت هذه المعادلة , من تحويل أوكرانيا إلى جمهورية يحتذى بها . حافظت هذه التوصية طيلة سنوات عديدة على طابعها الراهن لدى الشيوعيين الأوكرانيون > >يجب اعاده الصياغه غير مفهوم.
لعب ستالين دورا قياديا هائلا في النضال من أجل تأسيس السلطة السوفياتية في ما وراء جبال القوقاز , حيث كانت قد استفحلت في البداية , بفضل البنادق الالمانية و التركية ، الثورة المضادة القومية للمناشفة الجورجيين ، والطاشناق الأرمن و الموساواتيين الأتراك .
تحت قيادة ستالين الإيديولوجية طوّر شيوعيو ما وراء جبال القوقاز في السّرية عملا شاسعا في صفوف الجماهير العمالية . جعل التقدير الصحيح للوقت الذي يتوجب فيه إطلاق شعار تأسيس الجمهوريات السوفياتية في جورجيا , و أذربيجان و أرمينيا, نجاح الشيوعيين في جانب كبير منه ممكنا , و خاصة في باكو , حيث , في زمن وجيز , و حتى تحت حكم المساواتيين , نجح الشيوعيون في أن يجمعوا حولهم أغلبية البروليتاريا ليس غير الروسية فقط , بل التركية أيضا. هيأ هذا العمل الارضية لتأسيس السلطة السوفياتية في ما وراء جبال القوقاز في 1920-1921 ؛ حصل ذلك أيضا تحت قيادة ستالين الإيديولوجية و العملية و كان له أهمية إقتصادية (عبر باكو) و سياسية (عبر العلاقات مع الشرق , و جورجيا) للجمهورية السوفياتية , من أجل تعزيز الموقع الأممي للسلطة السوفياتية.
على الرغم من ذلك مثل تأسيس السلطة السوفياتية في أجزاء مختلفة من ما وراء جبال القوقاز فقط الخطوة الأولى لحلّ المسألة القومية. في هذا البلد حيث طيلة قرون إشتدت كراهية قومية لا رجاء منها , و مليئة بالمجازر الجماعية و المذابح المنظمة , حيث , في ظل السلطة البورجوازية , عديد الجمهوريات (التي على رأسها كان يوجد ال"إشتراكيون" ) كانت تحارب بعضها البعض, كانت الصعوبة الأكبر في خلق تعاون إقتصادي و سياسي بين الجمهوريات , و القضاء على اشكال الكراهية القومية , و ضمان حقوق الأقليات القومية داخل الجمهوريات. في ظل هذه الموازنة كان لتأسيس الفدرالية السوفياتية لما وراء جبال القوقاز أهمية عظيمة.
دامت فدرالية ما وراء جبال القوقاز التي تأسست في بداية 1918 من طرف المناشفة و الطاشناق و المساواتيين لوقت وجيز جدا . على العكس من ذلك فأن فيدرالية ما وراء جبال القوقاز السوفياتيه تقوت من سنة لأخرى. في وقت ما , كان هناك شيوعيون ، تحت تأثير المناشفة و البورجوازية قد ناضلوا ضد هذه الفيدرالية. صارع المؤتمر الثاني عشر بقوة هؤلاء المعارضين الذين إلتحقوا لاحقا بالتروتسكية و غادروا الحزب .و تأكدت ضرورة تأسيس فدرالية ما وراء جبال القوقاز بشكل صارخ. السلطة السوفياتية هي وحدها التي نجحت , بفضل سلسلة من القرارات الإقتصادية و السياسية , في أن تضع حدّا للصراعات القومية التي تعصف في ما وراء جبال القوقاز .
في آسيا الوسطى إرتكز الحكم السوفياتي في البداية بشكل شبه حصري على العمال الروس و الوحدات العسكرية . كان السكان المحليون يميلون بدرجة ضعيفة للغاية نحو تشييد الإشتراكية . تواجدت داخل الجهاز السوفياتي ميول إستعمارية قوية حتى أن جزءا من الشيوعيين كانوا تحت تأثير هذه الاخيرة.
لعب ستالين دورا قياديا مهما جدا في النضال الشرس ضد الإستعمار و الشوفينية الذي اطلقه الحزب ، بعد ضم تركستان السوفياتية النهائي إلى روسيا السوفياتية ، نضال سمح بتقوية المنظمات الشيوعية و السوفياتية المحلية و إجتذب الجماهير العمالية و العاملة من السكان الاصليين ، عن طريق قرارات إقتصادية مهمة ، إبتدا بالقضاء على تركستان كمستعمرة (الإصلاح الزراعي , الري , إلخ) , وصولا إلى الفصل القومي لجمهوريات آسيا الوسطى , ما يعبر عنه تأسيس عديد من الجمهوريات القومية (أوزباكستان , تركمانستان , تادجاكستان , كرغيز ) .
انا مازلت بعيدا على أن أكون قد قلت كل شيء حول حل المسالة القومية في الإتحاد السوفياتي ، حول حقيقة تحطيم اللامساواة بين العمال من مختلف القوميات في المجال الإقتصادي و الثقافي إلخ. بعيدا عن وضع المسألة في الدرجة الثانية من الأهمية ، يفرض نسق التصنيع الحالي و إعادة بناء الإقتصاد الزراعي دعما للعمل في هذا المجال.
بدوره ، فإن الوضع الأممي الحاضر للإتحاد السوفياتي يفرض مضاعفة الإهتمام بالسياسة القومية في أوكرانيا و روسيا البيضاء , و ما وراء جبال القوقاز و في آسيا الوسطى قبل كل شيء ، حيث سيبحث أعداؤنا عن شرخ من خلاله يستطيعون المساس بروسيا السوفياتية. و لهذا السبب بالضبط فإن إجتذاب اكثر ما يمكن من الجماهير العريضة نحو التشييد النشيط للإشتراكية, و الرقي بمستواها السياسي و الثقافي , يشكل عامل تثوير قوي للبلدان المجاورة , و الذي سيزدهر حتما مع تطور الفترة الثالثة من رأسمالية ما بعد الحرب نحو مرحلة ثورية بشكل مباشر .
و هنا نصل إلى النقطة الأخيرة من مقالنا , والتي لا يمكن تركها جانبا عندما نتحدث عن دور ستالين في السياسة القومية لحزبنا ؛ لأن هذا الدور يتجاوز بعيدا حدود الحزب , عندما نتفحصه فقط من زاوية التنظيم.
إن المسألة القومية ذات أهمية قصوى بالنسبة للأممية الشيوعية , و قبل كل شيء بالنسبة للبلدان المستعمرة و شبه المستعمرة , لكل الشرق , و لسلسلة كاملة من الدول الأوروبية ذات الأقليات القومية , تكونت أو كبرت بفعل الحرب الإمبريالية و معاهدة فرساي بالإستيلاء على قوميات أخرى (بولونيا , تشيكوسلوفاكيا , يوغسلافيا , رومانيا ).
إن إستيعاب شيوعيي كل البلدان لمبادئ لينين حول القضية القومية , و النضال ضد الشوفينية التي نجدها أحيانا لدى شيوعيي تلك البلدان في شكل إستهانة بالقضية القومية , أو اللوكسمبورجية , و التخلي لدى شيوعيي البلدان المستعمرة و شبه-المستعمرة عن التوجهات الإنتهازية و التوفيقية مع بورجوازيتهم – تلك هي الشروط التي لا غنى عنها للانتصار على الإمبريالية. و ستالين , بفضل تبيانه لهذه الشروط , فقد ساعد بشكل ملحوظ الاحزاب الشيوعية لتلك البلدان . يكفي أن نتذكر موقفه تجاه بقايا اللوكسمبورجية , و الإستهانة بالمسالة القومية لدى الحزب البولوني , الذي حاول , في 1926 , أن يستبدل ، في أوكرانيا و روسيا البيضاء الغربية ، شعار الإستقلال وصولا إلى الإنفصال بآخر ، إنتهازي ، شعار الحكم الذاتي ؛ يكفي أن نفكر في مداخلة ستالين لدى البعثة اليوغسلافية للأممية الشيوعية ضد الإنتهازي ماركوفيتش ، المطرود حاليا من الحزب . في الاخير , يكفي أن نتذكر عمل ستالين العظيم في النضال ضد الوطنية الإنتهازية للحزب الصيني في 1927-1928 . و مع المعطيات المختصرة ، نحن بعيدون على أن نكون قد إستوفينا دور ستالين في بلشفة الأحزاب الشيوعية الأجنبية عبر تلقينها المبادئ اللينينية الاساسية للسياسة القومية.
إن الحزب على ثقة من أن ستالين ، و بنفس الحزم و نفس و الإقدام الذي عليه حتى الوقت الحاضر ، سيواصل إدارة السياسة القومية لحزبنا ، و من أن قيادته ستعطي نتائج مثمرة لكل فروع الأممية الشيوعية ، التي لها موقف سليم حول القضية القومية و سياسة صائبة في هذا المجال يمثلان الشرط الاساسي للإنتصار النهائي على الإمبريالية العالمية .
ترجمة معز الراجحي
المصدر : ستالين مجموعة نصوص حول الذكرى الخمسون لميلاد ستالين تقديم مارسال كاشان
نشر لأول مرة في البرافدا سنة 1930 في عدد خاص بنفس المناسبة
#معز_الراجحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟