|
اقتصاد سياسى بلا ماركس. هكذا يعدمون عقولنا
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 4345 - 2014 / 1 / 25 - 18:40
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
اقتصاد سياسى بلا ماركس. هكذا يعدمون عقولنا ------------------------------------------------ (الجزء الأول) الواقع ان انشغالنا بتحديد الاقتصاد السياسى ليس فقط لأنه العلم الذى نعتمد عليه فى سبيلنا إلى تحليل إشكاليات العالم المعاصر؛ وإنما أيضاً لأن هذا العِلم، وإن بدا ذلك غير معقول، غير محدد المعالم، لدى البعض، وغير قابل للتعريف، لدى البعض الآخر. وجُل الأساتذة. أساتذة الاقتصاد. الذين يلقون المحاضرات، وربما العظات، على الطلاب، قادة الغد العربى، لا يعرفون فى الغالب ما هو العِلم الذى يدرسونه! والأمثلة على ما نقوله عديدة، نذكر أدناه البعض منها؛ كى نرى، من الأن، مستقبل الأجيال العربية القادمة، والتى نتحمل أمامها المسئولية التاريخية كاملة مثل أول: جاء فى أحد الكتب المقررة على الطلاب فى كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية:"... فمع كونها"، يقصد الدراسة،" تحمل وصف الاقتصاد السياسى، فإنها تلتزم بالأصول العلمية السائدة فى علم الاقتصاد... لا شك ان النظرة الطموحة فى البحث تقتضى إجراء دراستنا فى الاقتصاد السياسى من خلال الاحاطة بالقسيمات المختلفة والمتداخلة التى يعرفها علم الاقتصاد." (1) أولاً: علم الاقتصاد السياسى مصطلح مختلف تمام الاختلاف عن مصطلح الاقتصاد. ثانياً: الواقع أنى لا أدرى ما علاقة عِلم الاقتصاد السياسى كعلم اجتماعى منشغل بنمط الإنتاج الرأسمالى المتمفصل حول قانون القيمة، بحكم نشأته والظرف التاريخى الذى حكم هذه النشأة، بذلك الفن التجريبى المسمى بالاقتصاد، الذى نشأ كى يصفى، عن عمد، العلاقات الاقتصادية من محتواها الاجتماعى؟ وما علاقة عِلم ينشغل بالقيمة، بفن تسيير كل همه المنفعة؟ وما علاقة عِلم حقل إهتمامه الإنتاج، بفن تسيير لا شاغل له إلا السوق والتداول؟ وما علاقة عِلم محور إهتمامه زيادة ثروة الأمم بالإنتاج، بفن تسيير يعبد الاستهلاك ويقدس التدمير وسلة المهملات؟ وما علاقة علم اجتماعى، بفن تسيير يصفّى العلم من محتواه الإنسانى؟ وما علاقة علم يفرق، بوعى، بين قيمة السلعة وثمنها، وبين فن تسيير لا يعى إلا النفعية؟ وما علاقة عِلم مجتمعى، بفن تسيير أنانى؟ ربما الإجابة على كل هذه الأسئلة موجودة فى عنوان الكتاب نفسه"أصول الاقتصاد السياسى: مدخل لدراسة أساسيات علم الاقتصاد" إنها التوليفة غير العِلمية (الاقتصاد السياسى/الاقتصاد) التى يتم حشو دماغ الطلاب بها. مثل ثان، وهو من كتاب آخر مقرر أيضاً لتلقين طلبة كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، إذ جاء فى الكتاب:"... ففى خلال القرن الماضى كان يُطلَق على هذا الفرع الاقتصاد السياسى، ثم أُطلِق عليه مع الفريد مارشال اسم الاقتصاد. ونجد الأن نوعاً من العودة إلى الاسم القديم وخصوصاً مع بروز أهمية الدور الذى يلعبه هذا العلم فى التأثير على السياسة الاقتصادية"(2) . الأن عرفنا ان الاقتصاد السياسى أصبح اسمه الجديد الاقتصاد وهو يستمد وجوده من السياسة الاقتصادية! ولكن، ولأن العبرة فى موضوع العلم ليست بما نخلعه نحن عليه، أو بما نريده له، إذ العبرة بما صار عليه موضوع العلم نفسه على صعيد الواقع. فإن الواقع التاريخى يقول ان الاقتصاد السياسى هو: عِلم نمط الانتاج الرأسمالى المتمفصل حول قانون القيمة، بل هو علم قانون القيمة، العلم الذى نشأ كى يفسر ظواهر نمط الإنتاج الرأسمالى، إنها الظواهر غير المعروفة فى الأنماط الإنتاجية السابقة على الرأسمالية، وليس العلم المنشغل بالسياسة الاقتصادية! حقاً ما ذنب الطلاب، الذين يتم إعدامهم يومياً، كى يُقال لهم، فى عبارات تقريرية، ان الاقتصاد كان قديماً يسمى الاقتصاد السياسى؟مثل ثالث، من مصر أيضاً، وإنما من جامعة المنصورة، وهو كتاب أيضاً يتم تلقينه للطلاب، فبعد أن ذكر المؤلف مجموعة من التعريفات، دون تفرقة ما بين الاقتصاد السياسى والاقتصاد، التى تنتمى إلى مدارس نظرية ومذاهب فكرية مختلفة للغاية وربما متنافرة، كتبَ للطلاب:"... الواقع أنه لا يوجد بين هذه التعريفات تعريف يمكن أن نصفه بأنه جامع مانع بسبب اتساع مفهوم ونطاق هذا العلم. فكل من هذه التعريفات يشمل جانباً أو أكثر من جوانب علم الاقتصاد، ولكنه أعم منها جميعاً." (3) هكذا تعلم أخيراً الطلاب انهم يدرسون عِلم لا تعريف له! والأهم هو انهم تعلموا ان كل المفكرين الذين سعوا أو تجاسروا لوضع تعريف لهذا العلم الواسع، الذى يستعصى على التعريف، انما كانوا جميعهم ينظرون إلى موضوع عِلم واحد! على الرغم من أن منهم من نظر إلى الثروة، ومنهم من نظر إلى الإنتاج، ومنهم من نظر إلى التوزيع، ومنهم من نظر إلى التداول. بيد أن هذا العلم الجهنمى الذى لا يُعرّف، فهو الأمر الذى لم يكن، ولن يكون سوى فى الكتاب الذى بين يدى طلاب المنصورة فقط! مثل رابع، ولكن من بيروت،فالطلاب يدرسون كتاب يشرح، باخلاص، النظرية النيوكلاسيكية، تحت عنوان الاقتصاد السياسى.(4) مثل خامس من ليبيا، فاستكمالاً لأسطورة هذا العلم الذى لا يمكن تعريفه، وإستخدام طريقة إختر أنت ما يناسبك، فالطلاب فى ليبيا يدرسون:"هناك تعريفات كثيرة للاقتصاد ولكن يصعب فى العادة ايجاد تعريف شامل يحتوى على كل شىء... ولكن يمكن مثلاً تعريف الاقتصاد بأنه: أ: دراسة للثروة، ب: دراسة للأفراد فى حياتهم المعيشية اليومية، ج: دراسة الاختيار بين البدائل، هـ: دراسة الندرة، و: دراسة كيفية تخصيص الموارد الاقتصادية النادرة أو المحدوة..." (5) وعلى الرغم من أن كل تعريف من تلك التعريفات هو فى جوهره تعبير عن وجهات نظر مختلفة للغاية عبر تاريخ الفكر الاقتصادى، وكل تعريف من هذه التعريفات إنما يصدر عن تصور معين لموضوع العلم الذى ينشغل به المفكر، فالتعريف الأول مثلاً هو تصور خاص بالكلاسيك، والثانى يعود إلى ألفريد مارشال، الذى يعد معبراً فكرياً من الكلاسيك إلى الحديين، إلا أن الأساتذة. أساتذة الاقتصاد. يرون أن كل التعريفات صحيحة، بل وجميلة، وكل التعريفات واحدة. هكذا تعلم الطلاب، قادة الغد، أن الاقتصاد ليس له تعريف، ولو كان من الضرورى تعريفه، فإنه يمكن تعريفه بأى تعريف! مثل سادس، من دمشق، فطلاب كلية الاقتصاد فى جامعة دمشق، يلقنون أن"علم الاقتصاد السياسى يندرج فى نظام العلوم الاجتماعية، كما أصبح واضحاً ان موضوع هذا العلم هو البحث فى طبيعة وماهية كل نوع من أنواع العلاقات الاجتماعية التى تنشأ بين البشر فى المراحل التاريخية المختلفة أثناء قيامهم بعملية إنتاج وتوزيع الثروة المادية." (6) ها نحن وصلنا سالمين إلى علم التاريخ! وصلنا إلى علم طرق الإنتاج عبر التاريخ! وصلنا إلى اختزال الاقتصاد السياسى فى التاريخ! وصلنا إلى كراسات التعميم سوفيتية الصنع! حيث الاقتصاد السياسى علم يدرس علاقات الإنتاج والقوانين الكامنة فى أساليب الإنتاج المختلفة التى تعاقبت تاريخياً. لقد وصلنا إلى نيكيتين وأبالكين ورفاقهما! (7) والسبب الرئيسى فى اعتناق تعريف الاقتصاد السياسى بأنه علم أنماط الإنتاج؛ هو التقديم الايديولوجى، السخيف، لفكرة الشيوعية، فمن رحم نمط إنتاج يخرج نمط إنتاج آخر؛ فمن نمط الإنتاج البدائي يخرج نمط الإنتاج العبودي، ومن الأخير يخرج نمط الإنتاج الاقطاعي، ومن نمط الإنتاج الاقطاعى يخرج نمط الإنتاج الرأسمالي، ومن نمط الإنتاج الرأسمالى، مروراً بالإشتراكية، يخرج نمط الإنتاج الشيوعى، فمن بدائية إلى شيوعية يتلخص تاريخ أنماط الإنتاج، بل ويتلخص تاريخ البشر أنفسهم، وفقاً للموجزات الأولية وكراسات التعميم. ولأن النمط الشيوعى هو المطمح، غير العلمى، وفقاً للنبؤة، لا بد من لى عنق العلم وتطويعه كى يخدّم على الأيديولوجيا، ومن ثم يصبح علم الاقتصاد السياسى هو خادم مبشر بالخلاص من شرور البشر! فهو يرصد (جميع) أنماط الإنتاج السابقة على مجىء المخلص، ومن ثم يطلق له بخور القداسة! الاقتصاد السياسى إذا بتلك المثابة يكون العلم الذى يشرح كيف تأتى الشيوعية من رحم الرأسمالية. ها نحن أمام لى عنق العلم، بل وذبحه، كى يبشر بالأيديولوجية. يبشر بعصر لن يأتى. فبعد نضج الرأسمالية، على الصعيد العالمى، لن نحتاج إلى عالم ذرة أو ماركس... إنما سنحتاج إلى نبى! -------------- وللحديث بقية ------------
(1) عادل أحمد حشيش، أصول الاقتصاد السياسى: مدخل لدراسة أساسيات علم الاقتصاد (الإسكندرية: دار الجامعة، 1998) (2) انظر: حازم الببلاوى، أصول الاقتصاد السياسى (الإسكندرية: منشأة المعارف، 1996) ص23، ص26. (3) انظر: أحمد جمال الدين موسى، مبادىء الاقتصاد السياسى (القاهرة: دار النهضة العربية، 2003) ص24. (4) انظر: عزمى رجب، الاقتصاد السياسى (بيروت: دار العلم للملايين، 1997) (5) انظر: أبو القاسم عمر الطبولى، وآخرون، أساسيات الاقتصاد (مصراته: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، 2003)، ص12. (6) انظر: محمد سعيد نابلسى، الاقتصاد السياسى (دمشق: مطبعة جامعة دمشق، 1998) ص29. (7) انظر، على سبيل المثال: أبالكين، وآخرون، الاقتصاد السياسى، ترجمة سعد رحمى (القاهرة: دار الثقافة الجديدة،1987) ص54.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المختصر فى تاريخ بلاد فارس - الجزء الثانى
-
المختصر فى تاريخ بلاد فارس
-
لينين: الرأسمال المالي والطغمة المالية
-
نمط إنتاج آسيوى؟
-
رأسمالية الذهب والدم
-
فى التجريد
-
فى المنهج
-
تحالف الأضداد. فنزويلا نموذجاً
-
الاقتصاد الإيرانى
-
الفكر الاقتصادى من التجاريين حتى النيوكلاسيك
-
المختصر فى تاريخ السودان
-
الاقتصاد السودانى
-
إيران: تقاطع الجغرافية والتاريخ والاقتصاد
-
المختصر فى تاريخ الشيعة الفرس القديم والمعاصر
-
التجريد كمنهج فى التفكير
-
500 سنة من الانحطاط
-
ماركس المسكوت عنه
-
الشروح على قانون القيمة
-
الشروح على الاقتصاد السياسى الكلاسيكى
-
الهوامش على ريكاردو
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|